YASER83
06-08-2012, 01:38 AM
موقف الإسلام من القنوات الفضائية التلفزيونية السؤال : ما هو الموقف من سياسة الفضائيات العربية بعد المواقف المعارضة للبرامج المتَّهَمَة بالإباحية وتجاوز الأخلاق والتقاليد العربية والإسلامية ؟ الجواب : تواجه الإنسانية تحديات مصيرية، تتمثل في انتشار الفقر والبطالة، والعنف والإرهاب، واشتعال الحروب الأهلية والعرقية، والأوبئة الاجتماعية، المتمثلة باتساع ظاهرة الطلاق، وانهيار الأسرة، والتشرد والانحرافات، والشذوذ، والمخدرات، وتفشي الجريمة، بالإضافة إلى تحدي تلوث البيئة، واختلال توازنها، وما ينتج عن ذلك من كوارث طبيعية. ومن هنا تبرز أهمية الإعلام في مواجهة هذه التحديات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، للحفاظ على الحياة واستمرار نموها، وتخفيف معاناة الإنسان والبشرية. وموقف الإسلام من الفضائيات العربية خاصة، والعالمية عامة، يتمثل ببساطة في السؤال التالي: هل تعالج هذه الفضائيات الإشكاليات التي ذكرناها بشكل فعّال؟!... هذا إذا كان بالأساس هناك خطة مرسومة واضحة وموضوعة من قبل مؤسسات الخبراء في كل اختصاص على حدة، لمعالجة هذه الإشكاليات الخطيرة. إننا لا ننكر بأن البرامج التلفزيونية الإعلامية يجب أن يكون لها رسالة تر4فيهية للناس، والإسلام يتلاءم مع طبيعة الإنسان وفطرته، ويعالجها بموضوعية وواقعية، ولذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ((روّحوا القلوب ساعة وساعة))(رواه أبو داود في مراسيله عن ابن شهاب الزهري، كما رواه والديلمي وأبو نعيم والقضاعي عن أنس رفعه، انظر: كنز العمال: 3/37 و كشف الخفاء: 1/524.)، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً، وكان يمازح أصحابه، ويدخل السرور على نفوسهم وأرواحهم، ولكن بالمقابل لا يقبل الإسلام أن تصبح أكثر أوقاتنا لهواً ولعباً ورقصاً وغناءً ماجناً... ولو رجعنا إلى برامج الفضائيات العربية؛ فما هي نسبة البرامج الموجهة لمعالجة المشاكل التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالمقارنة مع برامج الغناء والرقص والبرامج التافهة، التي ليس لها غرض إلا ملء ساعات البث. إنني أعتقد بأن من واجب القائمين على هذه الفضائيات أن يحترموا العقل العربي والإسلامي بشكل أفضل، وأن يؤدوا رسالة مهمة في إعادة بناء وتكوين المجتمعات العربية والإسلامية، على قواعد صحيحة تمليها الوقائع، ويخطط لها الخبراء والمتخصصون الحكماء، وليس تجار البرامج الذين تحركهم عدة أهداف، أحسنها الربح التجاري على حساب وقت ومستقبل أجيال هذه الأمة. أقول: أين مؤسسات الخبراء من علماء الدين والنفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية والتنمية، التي تدرس بدقة حال مجتمعاتنا وأمراضنا ومشكلاتنا، والذين يرسمون الخطط بما يتناسب مع واقع الحال داخلياً وعالمياً، فضلاً عما هو مطلوب منا أن نقدمه للعالم وللإنسان أينما كان، مساهمة منا في بناء الحضارة والمستقبل السعيد للبشرية، والله تعالى يقول في القرآن الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}( سورة الأنبياء: [الآية: 107].). أين خططنا في نشر ثقافتنا وحضارتنا الروحانية، التي أصبح العالم اليوم أحوج ما يكون لها، حتى أصبحنا نسمع نداءات من هنا وهناك، من علماء الاجتماع في العالم الغربي، يستصرخون ويستغيثون لإخراج مجتمعاتهم من المستنقع المادي المتكالب الذي سقطوا فيه، حتى فقدوا شعورهم بواقعهم الإنساني، وسيطر الجفاف الروحاني عليهم، فراحوا يلتجئون إلى المخدرات، سعياً وراء نشوة يعوِّضون بها ما فقدوه من روحانية، وهروباً من واقعهم، ولكنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار... إننا لا ننكر أن هناك برامج متعددة مفيدة تُبَثُّ عبر الفضائيات، ولكننا لا نستطيع بالمقابل أن ندفن رؤوسنا ونغمض أعيننا عما يجري بأكثر هذه الفضائيات، وما توجهه من رسالة أصبحت لا تخفى على الإنسان العادي فضلاً عن المتخصص. إننا إذا ما لاحظنا الميزانيات الهائلة التي تنفق على صناعة وتقنية الإعلام، مقارنة مع الناتج الإعلامي في مختلف المجالات، نجد الحاجة باتت ماسة لتقييم الواقع، وأثره على منحى السلوك العام عربياً وإسلامياً، وأثر ذلك على واقع الحياة ومستقبل تطورها. وإذا ما أدركنا مسؤولية الإنسان، أيّـاً كان موقعه في حمل الأمانة وأدائها حسب التكليف والخطاب الإلهي، وإذا ما تناولنا هذا الخطاب الإلهي في القرآن الكريم، والخطاب النبوي الموجه للإنسان، لوجدنا فيهما خطاباً إعلامياً سامياً، يهدف إلى الارتقاء بالحياة والإنسان إلى أعلى درجات السعادة، حيث يقول تعالى: {طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}(سورة طه: [الآيتان: 1-2].)، وقال تعالى أيضاً: {الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان}( سورة الرحمن: [الآيات: من 1-4].) وهذا يفيد أن الإنسان المؤمن بالله، قادر على البيان، وأن حقيقة البيان الإلهي هو كشف الحقائق للإنسان، من أجل أن يستفيد منها ويتناغم معها، لتحقيق سعادته على الأرض، وخلوده في عالم الروح، وذلك من خلال الالتزام بقوانين صيانة الحياة والحفاظ عليها {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(سورة النحل: [الآية: 97].)، وقد تضمن البيان والخطاب الإلهي تنمية العقل الإنساني، الذي هو وسيلة النجاة والنجاح، قال تعالى: {قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}( سورة آل عمران: [الآية: 118].). ولابد لنا من أن ندرك خطورة الكلمة التي هي صوت ومعنى وفعل، وأثرها على سلوك الإنسان المُسْتَخْلَف على البيئة والحياة، قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء * تُؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار * يثبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضلُّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}( سورة إبراهيم: [الآيات: من 24-27].). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يرى بها بأساً؛ فيهوي بها في جهنَّم سبعين خريفاً))(رواه الترمذي وقال عنه حسن غريب، كما رواه ابن ماجه، والحاكم، عن أبي هريرة. (كنز العمال: 3/55).)، ومما ورد عن خطورة الكلمة التي هي دعامة البيان والخطاب الإنساني والإعلامي قول أحدهم: (إن الإنسان يدخل جنة الأرض والسماء بكلمة التوحيد، ويخرج منها إلى الجحيم بكلمة الكفر، ويبني أسرة بكلمة، ويهدمها بكلمة، ويبيع ويشتري بكلمة، وتقوم الحروب الطاحنة الساحقة بكلمة، وتنطفئ نيران الفتن والحروب بكلمة)، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}(سورة الأحزاب: [الآية: 70].). وأما ما نراه أحياناً من لهو ولعب وعبث بالأجيال وعواطفهم وأحاسيسهم، وما يترتب على ذلك من هدر في الأوقات والثروات، وما ينتج عن ذلك من ضعف ووهن عام في جسد الأمة وروحها، وانسلاخ الإنسان العربي عن تراثه وحضارته والعيش بعيداً عنها بشخصية مضطربة، فإن محصلة ذلك هي تكريس للجاهلية والتخلف أمام عدو يتربص بنا الدوائر، وقد نهانا تعالى عن ذلك بقوله: {الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاءَ يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون}(سورة الأعراف: [الآية: 51]). عجباً لقوم والعدو ببابهم؛ كيف يغرقون باللهو واللعب ؟!... عجباً لقوم كيف يقضون أوقاتهم بالرقص والغناء الماجن وتضييع الأوقات، وأبناء أمتهم يذبحون ويقتلون في قانا وأمثالها؟!... عجباً.. عجباً.. عجباً... وما أكثر ما يتعجب منه الإنسان في عالمنا اليوم... إنني لأهيب بالعلماء ورجال الإعلام والسياسة والمال، على العمل لمواجهة الغزو الإعلامي الهدام، وتحصين الأمة، والحفاظ على الهوية، وحماية الأجيال والمستقبل والكرامات. وما أحوجنا إلى إعلام راشد يصلح ما أفسدته السنون، ويعمل وفق خطط علمية واضحة، لإعادة بناء مجد الأمة وعزتها، وتقدمها وازدهارها. والحمد لله رب العالمين