المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم الصبور هو أفضل أمل للأغذية المعدلة وراثيا


ابو تراب
03-02-2011, 08:20 AM
في عام 2007، أوصت السفارة الأمريكية في باريس بإلحاق ''بعض الألم'' بالاتحاد الأوروبي؛ بسبب قيوده المفروضة على الأغذية المعدلة وراثيا، وفقا لأحدث تقرير مسرب نشره موقع ''ويكيليكس''.

واقترحت السفارة اتخاذ إجراءات ضد بعض المنتجات الأوروبية. وجاء في البرقية: ''في رأينا، تتحرك أوروبا إلى الوراء وليس إلى الأمام بشأن هذه المسألة.''

ما الذي سبب هذا الغضب؟ في العام السابق، كانت منظمة التجارة العالمية قد حكمت بأن وقف الاتحاد الأوروبي للمستوردات من الأغذية والمحاصيل المعدلة وراثيا لمدة ست سنوات ينتهك قواعد التجارة الدولية. ودانت أيضا ستة أعضاء في الاتحاد الأوروبي بحظر منتجات، سبق أن وافقت عليها بروكسل.

إلا أن التقرير المكون من ألف صفحة كان معقدا ولم يشكك في حق الدول بحظر المنتجات المعدلة وراثيا لأسباب بيئية أو صحية.

وما زاد من غضب الولايات المتحدة، أكبر منتجة في العالم للمحاصيل المعدلة وراثيا، أنه لم يثبت حتى الآن أن أي منتج معدل وراثيا يسبب أي ضرر لأي شخص.

إلا أن هذا يغفل الواقع السياسي. فأعضاء الاتحاد الأوروبي هم من البلدان ذات الحكم الديمقراطي. وعليهم الاستماع لشعوبهم، الذين يشعرون برعب طويل الأمد على نطاق واسع من الأغذية المعدلة وراثيا.

وحين حاولت شركة مونسانتو الأمريكية إدخال المنتجات المعدلة وراثيا إلى أوروبا في التسعينيات، كان هناك ضجة كبيرة. (في الواقع، الأمريكيون ليسوا مهووسين كذلك بالمنتجات المعدلة وراثيا. فقد وجد مسح أجرته العام الماضي شركة ديلويت للتدقيق أن 34 في المائة من الأمريكيين كانوا إما قلقين ''للغاية'' أو قلقين ''جدا'' من تناول الأغذية المعدلة وراثيا، وأن 36 في المائة كانوا ''قلقين إلى حد ما''.

هل يمكن فعل أي شيء لتغيير هذه المواقف؟ نعم، ولكنه يتطلب الإقناع بدلا من الإكراه. خذ مثلا مسألتين أخريين: لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، والجدل حول الأغذية العضوية.

بدأت مشكلة لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية حين أشار تقرير عام 1998 في مجلة ''لانسيت'' الطبية إلى وجود علاقة بين اللقاح والتوحد. وتم إضعاف مصداقية البحث تماما. وتراجعت المجلة عنه في العام الماضي. وبعد ذلك بفترة قصيرة، منع المجلس الطبي العام في المملكة المتحدة الدكتور أندرو ويكفيلد، المؤلف الرئيس للمقالة، من ممارسة مهنة الطب. فقد وجد أنه أجرى الأبحاث دون الحصول على الموافقة اللازمة وقبل على نحو غير ملائم المال من محامين يزعمون أنهم يعملون لصالح الأطفال المتضررين. وقالت المجلة الطبية البريطانية الأسبوع الماضي إن الدكتور ويكفيلد توصل إلى استنتاجاته عن طريق تزوير سجلات طبية. (أخبر الدكتور ويكفيلد قناة CNN بأنه كان ضحية ''محاولة وحشية عملية لسحق أي محاولة للتحقيق في المخاوف المتعلقة بسلامة اللقاح'').

وتسببت مقالته بأضرار كبيرة. وانخفض أخذ لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، وفي عام 2008، تم الإعلان عن الحصبة كوباء في إنجلترا وويلز، للمرة الأولى منذ 14 عاما، إلا أن معدل التطعيم يرتفع ببطء. فبعد أن انخفض إلى أدنى مستوياته في إنجلترا وبلغ 79.9 في المائة عام 2003- 2004، ارتفع معدل التطعيم ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية إلى 88.2 في المائة عام 2009-2010، أي عند المستويات السابقة قبل نشر المقالة في مجلة ''لانسيت''. وعلى الرغم من أن هذه النسبة لا تزال أدنى من النسبة المستهدفة من قبل منظمة الصحة العالمية البالغة 95 في المائة، إلا أنها دليل على جهود الأطباء والعلماء لإثبات أن ويكفيلد كان مخطئا.

لكن الجدل حول الأغذية العضوية مختلف؛ فالمخاطر أقل، والأغذية العضوية لا تضر. ولكن لا يبدو أيضا أن الأغذية غير العضوية تضر. وقد أعلنت السلطات المعنية بسلامة الغذاء في المملكة المتحدة وفرنسا والسويد، أنه، لأسباب صحية، لم يكن هناك سبب يدعو لاختيار نوع على آخر. وفي عام 2009، وجد استعراض لأبحاث كلية لندن للصحة و''تروبيكال ميدسين'' الشيء نفسه. وكان رد الصناعة العضوية غاضبا، إلا أن المستهلكين استمعوا. وانخفضت مبيعات الأغذية العضوية في المملكة المتحدة 12.9 في المائة عام 2009. وعزت جمعية التربة، التي تدعم الأغذية العضوية، هذا إلى الانكماش الاقتصادي، إلا أنه كان هناك ارتفاع في مبيعات التجار الأعضاء في منظمة ''فير تريد'' أو (التجارة العادلة)، التي هي أغلى ثمنا.

وعلى الرغم أن هذه الحالات الثلاث مختلفة جدا، إلا أن لديها خصائص مشتركة. فمعارضة المنتجات المعدلة وراثيا، ولقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، والأغذية غير العضوية، مدفوعة كلها بالاشمئزاز من التدخل في الطريقة الطبيعية للقيام بالأمور، سواء كان ذلك هو إدخال مورث جيني في نبتة أو حيوان، أو ''وضع عبء كبير'' على الجهاز المناعي للطفل، أو وضع المبيدات على المحاصيل. وما تشترك به أيضا هو الشكوك العميقة من الشركات التي تستفيد.

وهذا يعني أنه ليس من المرجح أن يصدق الناس الشركات. وقد تساعد الأجهزة التنظيمية والحكومات، لكنهم يعانون مشاكل في المصداقية أيضا. ومن يحدث الفرق حقا هم العلماء المستقلون، الذين يثقفون ويشرحون، كما فعلوا في حالة لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والأغذية العضوية.

وهناك حجة تدعو إلى تفضيل الأغذية المعدلة وراثيا وخصائصها المقاومة للآفات، خاصة في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية. ولكن إثبات الحجة سيتطلب الوقت والصبر ومنح الناس الحق في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم؛ ولهذا السبب فإن إصرار الأوروبيين على وضع ملصقات على المنتجات المعدلة وراثيا صحيح تماما. ولن يكون تغيير المواقف سهلا، لكنه سيكون أكثر فعالية من تهديد المستهلكين بالألم.