"محمد العريان" يكتب: رسائل الأسواق المالية إلى النخب السياسية في نوفمبر
2016-12-01
تناول الدكتور "محمد العريان" الخبير الاقتصادي العالمي الرسائل المهمة من جانب الأسواق المالية في ضوء التطورات الأخيرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني والتي يجب على النخب السياسية الالتفات إليها، وذلك في مقال له على "بلومبرج".
مع انتهاء شهر نوفمبر/تشرين الثاني التاريخي، تبدو رسالة الأسواق المالية واضحة، وذلك في ظل توقعات أكثر إشراقاً، بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي، سواء بحساب الأرقام المطلقة أو النسبية عند المقارنة مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وتوقع عدد قليل جداً التطورات الأخيرة، والتي أدت إلى حالة من السيولة الهائلة في الأسواق المالية وكذلك على المستوى السياسي، وقد تكون إشارة إلى النهاية التدريجية لما يسمى بـ"الطبيعي الجديد" (أحد المصطلحات التي تشير إلى الأوضاع المالية في أعقاب أزمة 2008، وتعني أن الشيء الذي كان غير طبيعي سابقاً أصبح شائعاً)، وقد تؤدي هذه التطورات إلى نتيجتين متناقضتين وذلك اعتمادا على كيفية تجاوب السياسيين في الأشهر القليلة المقبلة.
الارتفاع القوي الذي شهدته أسواق الأسهم والعملة الأمريكية، فضلاً عن الارتفاع الملحوظ في العائد على السندات الأمريكية، يدل على أن الأسواق قد تبنت فرضية ارتفاع معدلي النمو والتضخم في الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك تباين أداء الاقتصاد الأمريكي مع غيره من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، والتي تواجه العديد منها اختناقات نمو كبيرة، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي.
وعلى إثر ذلك، تفوق أداء الأسهم الأمريكية على أداء نظيرتها الأوروبية، بينما أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والتي شهدت على إثره أسواق السندات أسوأ شهر لها منذ عام 2009 إلى كسر نطاق التداول للفرق بين عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات ونظيرتها الألمانية، وهو الفارق الذي ظل صامدا لفترة طويلة.
وجاءت هذه الأحداث على خلفية تطورين رئيسيين غير محتملين قبل شهر واحد فقط، الأول هو فوز "دونالد ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، والصدمة التي تلقتها الأسواق بسبب تصريحاته الاقتصادية الأولية خلال حملته الانتخابية، وقد ساعد أيضاً في تعزيز هذه الحالة تحسن العلاقات بين الرئيس المنتخب وبين الحزب الجمهوري المستحوذ الآن على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
ويوضح التطور الأول كيف مكنت السياسة المبنية على الغضب الحركات المناهضة للمؤسسات من قلب الافتراضات السياسية التقليدية وتحدي آراء الخبراء.
أما التطور الثاني، فهو توق الأسواق إلى مزيج من السياسات الداعمة للنمو، بعد الاعتماد على البنوك المركزية في هذا الشأن لفترة طويلة جدا، حيث لا تزال الاقتصادات الديمقراطية المتطورة عالقة منذ فترة طويلة مع معدلات نمو اقتصادية منخفضة وغير كافية.
ما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني ليس سوى القمة الظاهرة من جبل الجليد الآخذة في الذوبان في عدد متزايد من الاقتصادات المتقدمة، حيث إن نظرية "الطبيعي الجديد" والتي تشير إلى نمو منخفض ولكن مستقر والتي تأتي عادة مع إجراءات تحفيزية من جانب البنوك المركزية قد لا تصبح قادرة مستقبلاً على مواجهة التقلبات المالية، وذلك في ظل التقويض التدريجي الذي تشهده مؤخراً عوامل سياسية ومالية واجتماعية واقتصادية ومؤسسية كثيرة ظلت راسخة لفترات طويلة.
وفي حين يشعر المواطنون الأمريكيون بالإحباط من النظام السياسي مطالبين بإجراء تغييرات، أعلن الرئيس المنتخب "ترامب" عزمه اتخاذ العديد من التدابير الداعمة للنمو، لذلك من من المرجح أن ترتفع معنويات المستثمرين في الأسواق المالية في بداية دورته الرئاسية إذا تم تنفيذ تلك التدابير بشكل سليم، والسعي إلى توجيه الفائض النقدي الكبير لدى الشركات نحو الاستثمار في المصانع والمعدات والأشخاص.
وعلى الرغم من ذلك قد تفشل الجهود السياسية في إثبات جديتها بالقدر الكافي، أو حتى في اتباع التنفيذ السليم لتلك الإجراءات، خصوصاً وأن القطاع الخاص من المرجح أن يتجه لتقليص حجم إنفاقه، وهو ما يزيد من خطر انخفاض عوائد النمو ليتجه الاقتصاد نحو الركود، حيث إنه في أغلب الوقت تكون التقلبات التي يشهدها النظام الاقتصادي الاصطناعي مزعجة بشكل كبير.
وأخيرا، تحتاج رسائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى أن تُسمع جيداً من جانب الإدارة السياسية على جانبي المحيط الأطلنطي.