فجوة بين الإنتاج والطلب قد تتعافى بأسعار القمح من أدنى مستوياته في نحو 15 عاما
2017-02-13
في وقت تحوم فيه أسعار العقود الآجلة للقمح حول أدنى مستوياتها في نحو 15 عاما، تبرز بارقة أمل قد تدعم أسعار السلعة الحيوية مع توقعات بارتفاع الطلب مقابل تراجع في الإمدادات من كبار المنتجين.
وتتداول عقود القمح في بورصة لندن للسلع تسليم مارس/ آذار المقبل عند مستوى 122.8 دولار للطن، وهو أقل مستوى للسلعة منذ يناير / كانون الثاني 2002.
وخلال العام الماضي تراجعت أسعار عقود القمح بالأسواق العالمية بنحو 20%.
فيما وجدت الأسعار بعضا من الدعم منذ مطلع العام الجاري مع توقعات بتراجع المساحات المزروعة وارتفاع في الطلب من كبار المنتجين حول العالم.
وزادت أسعار العقود الآجلة للقمح منذ مطلع العام الجاري بنحو 4.3% بحسب بيانات مركز الحبوب العالمي.
ويقول مسؤولون في شركات للقمح حول العالم ومحللون إن التعافي الذي أظهرته أسعار القمح منذ مطلع العام الجاري قد يتواصل حتى نهاية العام مع توقعات بمزيد من الطلب في الأسواق الناشئة والنامية.
ولكن أرقاما رسمية من مؤسسات بحثية دولية ربما تتعارض مع توقعات المحللين والشركات، إذ ينتظر أن تؤثر المنافسة المشتعلة بين كبار المنتجين على الأسعار بالسلب.
المناخ في الواجهة
حال غالبية السلع الزراعية الأخرى يتأثر القمح بظروف مناخية صعبة في كبرى الدول المنتجة حول العالم وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فيما يتوقع أن يرتفع الإنتاج في الصين وأستراليا وكندا والأرجنتين.
وتشير بيانات منشورة على موقع وزارة الزراعة الأمريكية إلى تراجع المساحات المزروعة من القمح الشتوي الأحمر إلى أدنى مستوى له منذ عقود.
وعزت الهيئة في بيان منشور على موقعها الإلكتروني تراجع المساحات المزروعة إلى تقلبات مناخية حادة جعلت المزارعين يحجمون عن زراعة السلعة هذا الموسم.
ووفقا للبيانات فقد تراجعت المساحات المزروعة في الولايات المتحدة بنحو 10% على أساس سنوي بنهاية ديسمبر / كانون الأول الماضي لتبلغ 32.8 مليون هكتار.
وتقول "أوليجا ريفيرت" والتي تشغل منصب محلل أول للحبوب لدى وزارة الزراعة الأمريكية ": "انخفاض المساحات المزروعة من القمح سيؤثر بكل تأكيد على أسعار السلعة خلال العام الجاري... فالتوقعات لمحصول القمح الأمريكي الصيفي والشتوي هي الأقل تاريخيا خلال موسم الحصاد الحالي".
ولكن ريفيرت تشير إلى أن تراجع المعروض الأمريكي لن يكون بمثابة "عنصر الحسم" في تحرك أسعار القمح خلال العام الجاري.
وقالت ريفيرت :"هناك توقعات بمحصول وفير لدول أخرى من كبار المنتجين على غرار الأرجنتين والصين وروسيا.. سيكون هناك معروض وفير... ولكن الطلب المرتفع في نهاية الأمر قد يدعم الأسعار".
وتتابع: "المناخ والطلب من العوامل الحاسمة في أسعار القمح خلال موسم الحصاد الحالي".
صراع المصدرين وحيل المستوردين
حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن الحصة السوقية فإن المصدرين يجربون كافة الحيل بما فيها تقديم علاوات سعرية على سعر شحناتهم.
وفي تلك الأثناء لا ينفك المستوردون في ابتداع الحيل التي تدعم لهم تأمين إمدادات القمح بأسعار أفضل.
يقول "ألكسندر بوي"، وهو محلل لسلعة القمح لدى أجريتل للاستشارات،"هناك منافسة مشتعلة بين الدول المصدرة بالوقت الحالي... الدول الأوروبية وبريطانيا تستفيد من انخفاض قيمة عملتها في اقتحام أسواق جديدة لم تعرف لها طريقا من قبل".
ويتابع: "القمح البريطاني الذي لم يعرف طريقا إلى الشرق الأوسط.. الآن تكتظ الموانئ في تلك البلدان بالقمح الإنجليزي الذي يبدو أنه استفاد بقوة من هبوط الإسترليني أمام الدولار".
وتراجعت أسعار الجنيه الإسترليني على نحو كبير منذ قرار تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو / حزيران الماضي.
ويتابع بوي: "في تلك الأثناء فإن الدول المستوردة هي الأخرى تدلو بدلوها للحصول على أفضل عروض.. نتذكر ما فعلته مصر في أسعار القمح العام الماضي".
ونشبت حرب ضروس بين السلطات المصرية والدول المصدرة للقمح العام الماضي مع اشتراط مصر الحصول على قمح خال من فطر الأرجوت وهو ما أدى إلى عزوف الدول المصدرة بما فيها روسيا عن مناقصات الحكومة المصرية.
ويقول هشام سليمان، رئيس شركة "ميدستار"، التي تنشط بمجال استيراد القمح في مصر : "الشروط التي وضعتها مصر أحدثت هزة في أسعار القمح... كنا نستورد الشحنات من الخارج وتأتي إلى هنا وترفضها السلطات في نهاية الأمر".
ويتابع: "ولكن هذا الأمر مكنهم في الحصول على القمح بأسعار جيدة بعد التراجع عن هذا الأمر".
وفي مناقصة طرحتها مصر للحصول على نحو 50 ألف طن في أكتوبر / تشرين الأول الماضي اختفت العروض بصورة تامة وهو الأمر الذي جعل القاهرة تتراجع في نهاية الأمر عن شرط الأرجوت.
ومصر هي أكبر بلد مستورد للقمح بالعالم.
ويتابع سليمان: حتى الدول المستوردة الأخرى على غرار الأردن والمغرب أحيانا تتزرع بالجودة وترفض العروض في نهاية الأمر.. وبعدها بأيام تحصل على الشحنات بعلاوات سعرية جيدة للغاية".
ويختتم: "هي لعبة بين المصدرين والمستوردين يحكمها في نفس الوقت فائض المعروض بالأسواق".
وتتوقع "الفاو" أن تسجل المخزونات العالمية من القمح رقماً قياسياً جديداً خلال 2017 عند مستوى 245 مليون طن، أي بنسبة زيادة سنوية تبلغ 8.3%.
الشركات والمزارعون.. معاناة مستمرة
على مدار العامين الماضيين، عانى مزارعو القمح والشركات المصدرة من تراجع هوامش الربحية بل والتحول إلى الخسائر في بعض الأحيان جراء هبوط أسعار القمح، بحسب مذكرة بحثية حديثة صادرة عن وحدة الأبحاث التابعة لـ"سيتي بنك".
تقول المذكرة: "ربما ضغط الاتجاه الهبوطي لأسعار القمح على المزارعين في دول عدة وجعلهم يمتنعون عن زراعة المحصول.. وجل وفرة المعروض ناتج عن مخزون مرتفع من سنوات سابقة".
وتحولت شركات عالمية كبرى للتجارة في الحبوب نحو الخسارة في الربع الأخير من العام الماضي مع هبوط أسعار القمح.
ومن بين الشركات التي منيت بخسائر شركة "إيه.دي.إم" الأمريكية التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها إذ بلغت خسائر الشركة في الربع الأخير من العام الماضي نحو 220 مليون دولار.
وبالنسبة لشركة "يونيون.إن.فيفو، وهي أكبر شركة مصدرة للقمح في فرنسا، لم تكن الأوضاع بحال أفضل إذ تنوي الشركة تقليص عدد موظفيها وإلغاء بعض عملياتها الخارجية لهبوط سعر القمح.
يقول متحدث باسم الشركة ": "نعم يضغط هبوط أسعار السلعة على هوامش الربحية لدى شركتنا.. ولكننا نبدي تفاؤلا حيال ما هو قادم بالنظر إلى احتمالية ارتفاع الطلب خلال العام الجاري نظرا إلى المعروض".
ويتابع كورنيتيه ديوتيوت: "نأمل أن الطلب سيرتفع خلال العام الجاري.. يعتقد قسم الأبحاث في شركتنا أن نحو 9 مليارات شخص حول العالم سيكونون في حاجة إلى الغذاء خلال العام الجاري بزيادة قدرها نحو 800 مليون شخص وهو أمر إيجابي لأعمالنا بكل تأكيد".