الصديق اسم وُضِعَ على غير مسمى.
وإنما الناس كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.
لم يعد لدى الناس اليوم الرغبة في طلب صديق شبه متكامل بقدر طلبهم لشخص تنطبق عليه أدنى شروط الصداقة لأنهم يدركون تماماً أن البحث عن الخل الوفي يُعَدُ اليوم معجزة، أو كما قالت العرب قديما: إن المستحيلات ثلاث: الغول والعنقاء والخل الوفي. ومن هنا على المرء أن يوطن نفسه أن طلب الصداقة بالمعنى الذي يسطره الخيال وتشدو إليه الروح مطلب أشبه بمن يبحث عن خاتمٍ ضاع في الصحراء.
أما مسألة صديق المصلحة فمغالطة منطقية، فمتى دخلت المصلحة من الباب خرجت الصداقة من النافذة، فلا قاسم مشترك بين أن الصداقة والمصلحة. ولكني عبر سنين الاغتراب علمتني الحياة أمراً فيه نوع غرابة ويحتاج منا وقفة جادة لنتدبره ونعيه، ألا وهو أن من تحبهم وتودهم وتقربهم إلى نفسك قد تمر عليهم مواقف وحالات يجيزون فيها استغلالك أو استعمالك، لا عن دناءة طبع فيهم ولا خسة أو نكران، ولكن الحياة تسير هكذا وهو أمر وجدته معتاد، وأنت يا من تقرأ الآن كلامي قد تجد هذا في نفسك وتمارسه بين الحين والآخر مع أعز مقربيك وأحبابك، إلا أنك تدرك أن معدنك طيب وإنما دفعك شيء يكمن داخل كل نفس بشرية ألا وهو أن لا شيء يقدم على النفس.
ليكتفي المرء بأقل القليل ولا يتعب نفسه أو يجهدها في طلب ما هو أقرب من المحال ويتوكل على الله، فقد والله أصبح حالنا كذاك الواعظ الذي كثر عنده الشاكون فصرخ فيهم: كلكم يشكو فمن المشكو منه؟