السلام عليكم
الذهب في مصر.. ثروة تبحث عن مستثمرين
اشتهرت مصر منذ عصور الفراعنة بأنها غنية بالذهب ويشهد على ذلك الآثار والقطع الذهبية التي عثر عليها في مقبرة توت عنخ آمون ؛ رغم أنه كان ملكا صغيرا ؛ ويعني هذا أن هناك كميات أكبر بكثير من الذهب كانت موجودة في مقابر الملوك العظام أمثال أحمس وتحتمس وأمنمحات وسيتي ورمسيس وغيرهم ممن ثبت تاريخيا أنهم استخرجوا الذهب من مناجم الصحراء الشرقية وخاصة منطقة النوبة. ولكن هذه الكميات من الذهب سرقت ونهبت في العديد من عصور الاستعمار الإغريقي والروماني وبعض لصوص المقابر.
وكلمة (نوب) باللغة المصرية القديمة تعني الذهب وأرض النوبة هي أرض الذهب ؛ حيث كانت معظم المناجم المصرية القديمة وكانت تابعة لملوك مصر في ذلك الوقت فلم يكن هناك نوبة مصرية ونوبة سودانية.
ومن البرديات القديمة تبين أن أحد ملوك بابل قد أرسل إلى ملك مصر - وكان في ذلك الوقت هو الملك أمنمحات الثالث - يطلب منه أن يرسل إليه بعضا من تراب الأرض المصرية المليء بالذهب.
وكان العمل في المناجم طوال تاريخ مصر مرتبطا بعصور الازدهار الحضاري والملوك الأقوياء .. أما في عصور الأسر الضعيفة والاستعمار لم يكن هناك نشاط تعديني يذكر ؛ ولم يظهر أي اهتمام بالمناجم بعد عصر الفراعنة إلا في عهد أحمد بن طولون وخماروية ثم حدث ركود آخر إلى أن جاءت فترة حكم محمد علي وبدأ الاهتمام الفعلي بإقامة جيش قوي في مصر وفي أوائل القرن العشرين بدأ العمل في بعض مناجم الذهب في نفس المواقع التي سبق اكتشافها بواسطة الفراعنة وخلال الاربعينيات والخمسينيات من ذلك القرن كان الذهب يستخرج من مناجم البرامية الواقعة بين مرسى علم وادفو ومناجم الفواخير الواقعة بين سفاجا وقنا .. وقد توقف العمل في جميع هذه المناجم في الستينيات بعد ان رتفعت الجور وأسعار مستلزمات الانتاج وعدم الأخذ بالتطور الحديث في عمليات الاستخراج المنجمي.
وقد قامت هيئة المساحة البيولوجية والمشروعات التعدينية في التسعينيات من القرن التاسع عشر بالتعاون مع أكاديميةالبحث العلمي والتكنولوجيا بإعادة دراسة مواقع مناجم الذهب القديمة.وقد تبين نتيجة لهذه الدراسة أن الامل كبير في إعادة استخراج الذهب بشكل اقتصادي وكذلك استغلال التشوينات الموجودة أمام فتحات المناجم القديمة والرواسب والبقايا التي تخلفت عن عمليات الاستخراج السابقة ؛ حيث تم تحليلها وثبت أن بها نسبةمن الذهبيمكن استخلاص جزء منها بالطرق الحديثة مما يزيد من عائد الاستثمار في هذه المواقع.
المشروع الكبير
يقول عصمت الراجحي, أحد المساهمين في الشركة الفرعونية لمناجم الذهب في السنوات الأخيرة تقدمت شركة مصرية استرالية بطلب عمل أبحاث جديدة لهذه المواقع ودراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع كبير لاستخراج الذهب في ثلاثة مواقع منتشرة في مساحةتصل إلى حوالي 4000كم2 وهذه المواقع هي السكري القريبة من ميناء مرسى علم على البحر الأحمر ومنطقة البرامية التي تقع في منتصف المسافة بين مرسى علم وأدفو (شمال أسوان) ومنطقة أبو مروات القريبة من ميناء سفاجا على البحر الأحمر.وقد بدأت الشركة المصرية الاسترالية التي اتخذت لنفسها اسم " الفرعونية " تيمنا بتاريخ الفراعنة الممتاز في عمليات استخراج الذهب بالعمل في منطقة السكري منذ عدة سنوات وحفرت مجموعةكبيرة من الآبار الرأسية والمائلة وحصلت على نتائج جيدة من تحليل العينات المستخرجة من هذه الآبار ..كما تم العثور على منطقة صغيرة بها نسبة عالية من الذهب وقد تم تسمية هذه المواقع بالمنطقة السعيدة.
ورغم أن هذه المنطقة كانت تغري بزيادة الأبحاث بها ؛ إلا أن الهدف الأساسي للشركة كان بحث المنطقة كلها حتى يمكن حساب كميات الذهب المتوقع استخراجها من كافة المواقع المرخصة لها من الحكومة المصرية (هيئة المساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية) وقد أسفرت الأبحاث التي تمت بعد انتهاء مرحلة الحفر وأخذ العينات وتحليلها والقيام بتجارب الاستخلاص اللازمة لها إلى أن المناطق التي تم بحثها بالتفصيل .. تبين وجود 11 مليون كن من الصخور الحاملة للذهب ومتوسط الذهب بها هو 1.7 جرام في الطن أي أن بها حوالي 0.6 مليون أوقية من الذهب.
أيضا المناطق التي تم بحثها ولكن تحتاج إلى المزيد من الدراسات التفصيلية ؛ تبين أن بها 14 مليون طن من الصخور الحاملة للذهب ومتوسط الذهب بها هو 1.07 جرام في الطن أي أن بها حوالي 0.78 مليون أوقية من الذهب هذا بالرغم من أن منطقة السكري قد سبق أن تم استخراج بعض ما فيها من ذهب في عهد قدماء المصريين .. وكذلك في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين. ويوجد الذهب في منطقة السكري في صخور الجرانيت والفلسيت وعروق الكوارتز ويوجد أيضا مصاحبا لخام البيريت وتزيد نسبة الذهب مع الصخور الهشة.
وقد تم دراسة طرق الاستخراج المنجمية المناسبة لهذا النوع من الصخور ؛ ورغم أن الأعمال القديمة سواء في عصر الفراعنة أو في القرن العشرين تم استخراج الذهب منها عن طريق حفر الأنفاق في باطن الأرض إلا أن انتشار الصخور الحاملة للذهب على مساحات واسعة وعلى أعماق بعيدة جعل الشركة الجديدة تضع خطتها على أساس استخدام طريقة المنجم المفتوح في عمليات الاستخراج وقد تم حساب نسبة سمك الطبقات من الغطاء الصخري إلى سمك الطبقات الحاملة للذهب وتبين أنها ستمون ثلاثة أمتار ونصف إلى كل متر وهي نسبة تجعل عمليات الاستخراج اقتصادية وعلى هذا الأساس تم اعتبار النتائج التي وصلت اليها الشركة الفرعونية نتائج ذات عائد اقتصادي ممتاز وقد تم خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي الإعلان بواسطة وزارة الصناعة والشركة الفرعونية عن هذا الكشف الاقتصادي الجديد للذهب.
مراحل الانتاج
ويؤكد خبراء الجيولوجيا : أنه بالنسبة لمنجم السكري فإنه يعمل بطريقتين الطريقة الأولي طريقة المنجم المكشوف ويتم فيها تفجير الخام وعمل مصاطب لاستخراج الخام وتصنيفه حسب درجة تركيز الذهب الخام. أما الطريقة الأخري فهي طريقة التنجيم تحت السطح للوصول إلي النطاقات الغنية بالذهب بعد استخراج الخام تبدأ مرحلة التكسير والطحن لدرجة تسمح بمرور الذهب عبر محلول سيانيد الذي يقوم بإذابة الذهب داخل تنكات معدة لهذا الغرض بالمصنع. بعد ذلك تأتي يضيف الراجحي مرحلة امتزاز, وشفط الذهب من حبيبات الفحم النشط وهو نوع من الفحم النباتي المعد لهذا الغرض يمر بعد ذلك بمرحلة الاسترجاع وفيها يتم استخلاص الذهب من الفحم في محاليل ذات تركيزات عالية تليها مرحلة التحليل الكهربي, وفيها يتم ترسيب الذهب علي ألواح داخل خلية كهربية, حيث يتم جمع رواسب الذهب وتجفيفها في أفران مخصصة وخلطها ببعض الكيماويات اللازمة للصهر بنسب محددة ويتم صهرها وسبكها وصبها في قوالب معدة لذلك فتكون النتيجة ذهبا محملا بنسبة من الفضة وبعض الشوائب التي لا تذكر ثم توضع بعد ذلك الأرقام المسلسلة علي كل سبيكة وتجري التحاليل الخاصة بها في معمل الشركة بالموقع ويعد ذهب منجم السكري من أجود أنواع الذهب علي مستوي العالم حيث تصل درجة نقائه من90 إلي97 في المائة وهو ما يعادل عيار32 بلغة الذهب.
الأبحاث والدراسات
ويشير د. عادل محمد علي جيولوجي وممثل هيئة الثروة المعدنية جميع الأبحاث المركزة التي تمت كانت في مساحةنصف كيلومتر مربع فقط بمنطقة السكري ؛ وتم إثبات أن بها 1.16 مليون أوقية من الذهب وتم تقدير الاحتياطي المحتمل بحوالي 16 مليون أوقيةمن الذهب والقيمة التي تمثلها هذه الكمية حوالي 4.3 مليار دولار أي يساوي حوالي 16000 مليون جنية مصري أي ( 16 مليار جنية) وسيصل قيمة الانتاج السنوي لمناجم الذهب في منطقة السكري بعد وصوله إلى الطاقة الكاملة 900 مليون دولار أي حوالي 3.6 مليار مليار جنية مصري.
ويضيف د.عادل ان إنتاج الذهب بدأ متأخرّاً بسبب مشكلة في مواد المفرقعات، فأنتجت أوّل سبيكة تجريبيّة في عام 2009، وبدأ الإنتاج في ذلك العام بمعدّل 30 ألف أونصة في السنة، وكان حينها قد تمّ حفر 1,600 حفرة إلى قلب التراكم البالغة كمّيّته 12 مليون أونصة. وازداد الإنتاج خلال عام 2010 إلى 200 ألف أونصة في السنة بصورة منتظمة. ومن المتوقّع أن يكون محتوى الذهب 2 غرام في كلّ طن مستخرج. كما تمّ العثور على تراكم آخر من المتوقّع إستغلاله، ومأمول أن يكون حصاده ما بين 5 و10 غرام في كلّ طن مستخرج. ومن المتوقّع أن تتزايد حتى تصل إلى 500 ألف أوقية في السنوات القادمة.