بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم الانبياء وسيد العالمين
رحله الاسراء والمعراج كامله
أسباب الرحله
تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذى كثير من المشركين والكفار
وفى عام واحد وهو عام الحزن
ماتت زوجته خديجه رضى الله عنها..وكانت سكناْ له تداوى مايلقاه من مشقه فى سبيل الدعوة..
كما مات فى نفس العام عمه أبو طالب الذى كان حمايه خارجيه له يحميه من الأذى
وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف عله يجد هناك من يسمع كلمه الحق ويؤمن بدين الله..
ولكنه بدلا من ذلك وجد الجحود والنكران..وسلطوا عليه سفهاءهم فأسمعوه مايؤذيه..وسلطوا عليه الصبيه فقذفوه بالحجاره حتى أدموا قدميه الشريفتين..والتجأ الى بستان هناك يلتمس الحماية..وجلس رافعا يديه الى السماء ..مناجيا ربه لما يلقاه من أهل الارض..والله سبحانه وتعالى هو القائل لرسوله الكريم:
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴿١٢٨﴾
من الايه127 والايه 128 سوره النحل
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكه..وكل وماتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاسيا على النفس..فاراد الحق سبحانه وتعالى ..ان يلفت رسوله الكريم..انه اذا ضاقت عليه الارض فان ملكوت السما يحتفى به ويرحب به..وان ربه-الذى كلفه بهذه الرساله الساميه- بلا شك سينصره رغم كل هذه الشدائد
ومن هنا جاءت معجزه الاسراء والمعراج
وجاء جبريل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ..جاءه جبريل وهو نائم فى الكعبه وأيقظه..ثم انى له صلى الله عليه وسلم بالبراق..وهو دابه بيضاء فوق الحمار ودون البغل..فركبها حتى انى بيت المقدس..فربطت الدابه فى الحلقه التى يربط بها الانبياء دوابهم.
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد..فصلى فيه اٍماما بالانبياء..
وان لم تكن الصلاه المكتوبه فى الاسلام قد فرضت الا ان الله تبارك وتعالى قادر على ان يوحى لانبيائه بالصوره التى تتم عليها الصلاه..كما يريدها سبحانه وتعالى ويتقبلها
وعندما خرج أتاه جبريل باٍناء من خمر واٍناء من لبن..فاختار اللبن..فقال جبريل أصبت الفطره.
الى هنا ينتهى الاسراء ليبدء المعراج
حكمه الاسراء الى المسجد الاقصى:-
والحكمة في العروج من المسجد الأقصى دون أن يكون العروج مباشرة من المسجد الحرام، حتى يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين،
أو لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل،،
أو لأنه محل الحشر، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية، فكان المعراج منه أليق بذلك،
أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى أو ليجتمع بالأنبياء جملة
وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء أردة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء، لم يجد لمعاندة العداء سبيلا إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس، سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها، وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره،، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند
وقد حدث بالفعل، فحينما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم عن رحلته، طلبوا منه أن يصف لهم المسجد الأقصى،، فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلي الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته – وأنا أنظر إليه"
ومن الأقصى بدأ عروج الرسول عليه السلام مع جبرائيل بدايه وصلو الى باب الحفظه وهي بدايه السماء الاولى استقبلهم الملائكه وكانو مبتسمين ومستبشرين الا واحدا فسأل جبريل من هذا الملك ولما لا يضحك فأجاب هذا ملك صاحب النار فقال له الرسول عليه السلام الا تأمره لأرى النار فأراه وكشف له غطاءها ففارت وهاجت وأرتفعت حتى ظن بأنها ستأكل كل شيء في الكون ." اللهم أجرنا من نارها" .
وبعد ذلك وصل الرسول عليه السلام الى سماء الدنيا الاولى فرأى رجلا جالسا تعرض عليه الأرواح وكانت أصوات الملائكه تصل الى مسمع الرسول عليه السلام كانو يرددون " روح طيبه والاخرى تقول روح خبيثه " سأل جبرائيل من هذا الرجل قال له : هذا أبوك اّدم ثم رأى رجالا لهم مشافر كمشافر الأبل في أيديهم قطع من نار يقذفونها لتخرج من أدبارهم فقال من هؤلاء أجاب جبرائيل : هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما ثم وصف له عذاب فرعون في النار وعذاب الرجال اللذين تركو حلالهم الى ما حرم الله عليهم من النساء ,
ثم تابع الأعراج الى السماء الثانيه فاذا فيها سيدنا عيسى عليه السلام ويحيا بن زكريا , ثم تابع
الى السماء الثالثه فوجد فيها رجلا سأل جبرائيل : من هذا فقال له هذا أدريس
وبعدها صعد الى السماء الرابعه فوجد فيها رجلا سأل عنه فقال هذا يوسف عليه السلام
وبعدها وصل الى السماء الخامسه من شدة لمعانها تخطف الابصار رأى فيها كهلا فقال لجبرائيل : لم أرى كهلا أجمل منه من هذا , فقال هذا هو هارون بن عمران ,
ثم صعد بالرسول عليه السلام الى السماء السادسه فاذا فيها رجل أسود الملامح طويل اقنى ( أقنى أي قصبة الانف مرتفعه ) وملامح وجهه تدل على انه يهودي فقال لجبرائيل : من هذا قال : هذا أخوك موسى بن عمران ( موسى وهارون أخوين ملامح هارون جميله وموسى كان يميل الى السمرة ).
واخر عروجه كانت للسماء السابعه فاذا فيها رجلا اشبه به فقال لجبرائيل: من هذا قال: هذا أبيك أبراهيم وكان في وضع مستند الى بيت المعمور (أظن المقصود هو باب للجنه حسب ما فسرو العلماء ), يدخل من هذا الباب كل يوم سبعين الف ملك ولا يعودون .
بعد ذلك وصل الى سدرة المنتهى ( هي شجرة اوراقها كاّذان الفيل ولا احد يستطيع ان يصف حسنها وجمالها , ولا يتجاوزها أحد من الملائكه او غيرهم ). وراى فيها جاريه لعساء ( اللعساء هي من كانت حمرة الشفتين تضرب الى السواد ) فسألها لمن أنت قالت : لزيد بن حارثه , فبشر الرسول بها زيدا حين عاد من السماء الى الارض .
سدرة المنتهى
قال تعالى:{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى* فأوحى الى عبده ما أوحى* ما كذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى* ولقد رءاه نزلة أخرى* عند سدرة المنتهى* عندها جنة المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى* لقد رأى من آيات ربه الكبرى}. النجم 8-18.
1. السدرة
السدرة هي شجرة نبق عظيمة هائلة, لم تكن على الأرض ولكنها كانت في السماء, بعد السماء السابعة, وهي أكبر من أي شجرة ضخمة رأيتها في الدنيا ملايين المرات, والسدرة شجرة ينتهي اليها كل ما يصعد على الأرض من أعمال الناس والأرواح, ثم يقبض أو يؤخذ من عندها, وينتهي اليها كل ما يهبط من أعلى فيؤخذ منها.
بعد أن عرفنا السدرة, وعرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى في رحلة الاسراء ما رأى في السماء السابعة, بعد هذا كله صعد به جبريل الى ما بعد السماء السابعة, صعد به الى معجزة عظيمة, اتجه الى سدرة المنتهى, وقبل أن يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السدرة رأى نهرا صافيا جميلا نصبت عليه خيام مرصّعة باللؤلؤ والياقوت وعلى حافتيه طيور جميلة خضراء عليها نضرة النعيم, فقال عليه الصلاة والسلام:
"يا جبريل ان هذا الطير لنلاعم".
قال جبريل: يا محمد ان الذي يأكل هذا الطير أنعم منه.
ثم قال جبريل: يا محمد؛ أتدري أي نهر هذا؟
فقال عليه الصلاة والسلام: "لا".
قال جبريل: هذا نهر الكوثر الذي أعطاك الله اياه.
ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهرا آخر يسمى نهر الرحمة فاغتسل فيه, فغفر الله له ما تقدم من ذنبه, وما تأخر؛ ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الجنة, ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم بها أنهارا من ماء صاف جميل, وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من عسل مصفى.
وقال عليه الصلاة والسلام:" ان الله تعالى أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وخرج النبي عليه الصلاة والسلام من الجنة, فلقيه ملك, فرحّب به كما رحّبت به الملائكة من قبل, ولكنه كان عابسا لم يبتسم له كما ابتسمت الملائكة, فعجب عليه السلام وقال:
" يا جبريل من هذا الملك, الذي قال لي مثل ما قالت الملائكة, ولم يضحك, ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم".
فقال جبريل: هذا مالك خازن النار.. أما انه لو ضحك الى أحد من قبلك, أو كان ضاحكا الى أحد من بعدك لضحك اليك, ولكنه لا يضحك.
فقال عليه السلام لجبيرل:" ألا تأمره أن يريني النار؟"
فقال جبريل: بلى.
ثم نادى جبريل مالكا فقال له: أر محمد النار.
فكشف مالك عن النار غطاءها ففارت.. وارتفعت, حتى ظن الرسول أنها ستأتي على كل ما يرى, فيها غضب الله ونقمته, لو وضعت فيها الحديد والحجارة لأكلتها.
فقال عليه الصلاة والسلام:" يا جبريل مره ليردّها الى مكانها" فأمر جبريل عليه السلام مالكا أن يردها.
فقال مالك للنار: أخبي فرجعت النار الى مكانها الذي خرجت منه, وردّ عليها غطاءها.
ومالك: هو رئيس الملائكة القائمين على النار والعذاب يوم القيامة وقد ذكر اسمه في القرآن لقوله تعالى:
{ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك, قال انكم ماكثون} الزخرف 77.
وقد مرت برسول الله صلى الله ليه وسلم رائحة طيبة فقال لجبريل:
" ما هذه الرائحة".
وقد مرت برسول الله صلى الله ليه وسلم رائحة طيبة فقال لجبريل:
" ما هذه الرائحة".
قال جبريل: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها!! كان من أخبارها في الدنيا أن سقط من يدها المشط الذي تمشط به شعر بنت فرعون فمالت على المشط وأخذته وقالت: باسم الله..
فقالت بنت فرعون: من الله هذا؟ أهو أبي فرعون؟
قالت الماشطة: لا.. انه ربي, وربك, ورب أبيك.
قالت بنت فرعون: أولك رب غير أبي فرعون؟!
قالت الماشطة: نعم, ربي, وربك ورب أبيك.. الله عز وجل.
وبلغ الخبر فرعون, فدعاها, فقال لها: ألا رب غيري؟!
قالت: نعم.. ربي وربك الله عز وجل, فغضب فرعون, وأمر بنار عظيمة, فأوقدت, فألقى فيها أولادها ما عدا طفلا رضيعا, فأمرها فرعون, أن تقذف بنفسها في النار, فتقاعست قليلا من أجل ولدها الرضيع, فناداها الرضيع قائلا: يا أمّه! قعي ولا تقاعسي فانك على الحق, أي أدخلي ولا تخافي.. فانطلقت الماشطة الأم الى النار فأحرقتها, وتلك الرائحة الطيّبة رائحتها في الآخرة.
ووصل الرسول صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى, فاذا به يرى مفاجأة, فقد رأى جبريل على حقيقته, رأى السدرة وقد ملأها من نور الله الخلاق عز وجل ما يحير العقل ويدهشه من العجب والجمال..
وسمع من جبريل عليه السلام مفاجأة, قال له جبريل:
يا محمد, في مثل هذا المقام يترك الصاحب اى صاحبه؛ الخليل الى خليله, والحبيب الى حبيبه.
قال جبريل: الى هنا ينتهي عروجي, لا أستطيع التقدم ولو تقدمت بعد ذلك قيد شعرة لاحترقت, فتقدم أنت الى خليلك وحبيبك, فما منّا الا له مقام معلوم.
ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يسمو في عالم النور القدسي حتى صار من الله الخلاق عز وجل كما جاء في القرآن الكريم قريبا جدا, قال عز وجل:
{ ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى}.
ولما اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجلو فكلمه الله عند ذلك فقال له: سل..
فقال محمد صلى الله عليه وسلم:"
انك اتخذت ابراهيم خليلا, وكلمت موسى تكليما, وأعطيت داود ملكا عظيما, وألنت له الحديد وسخرت له الجبال. وأعطيت سليمان ملكا, وسخرت له الجن والانس والشياطين, وسخرت له الرياح, وجعلت له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
علمت عيسى التوراة والانجيل, وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص, ويحيى الموتى باذنك, وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم, فلم يكن للشيطان عليهما سبيل".
فقال له الرب عز وجل:" وقد اتخذتك خليلا, وأرسلتك للناس كافة وبشيرا ونذيرا, وشرحت لك صدرك, ووضعت عنك وزرك الذي أنقض ظهرك.. وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وأعطيتك سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك, وأعطيتك نهر الكوثر, واعطيتك ثمانية أسهم هي: الاسلام, ةالهجرة, والجهاد, والصلاة, والصدقة, وصوم رمضان, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وجعلتك فاتحا, وخاتما للمرسلين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه, وجوامع الحديث, وأرسلني الى الناس كافة بشيرا ونذيرا, وقذف في قلوب أعدائي الرعب من مسيرة شهر, وأحلت لي الغنائم, ولم تحل لأحد قبلي, وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".
ومن خلال هذه المعجزة العظيمة الصعود الى السماء والوصول الى سدرة المنتهى, فرض الله سبحانه حينئذ على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة, ولما أوحى الله الى عبده ما أوحى رجع فلقيه موسى عليه السلام حيث هو في السماء السادسة فقال: بم أمرت يا محمد؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بخمسين صلاة".
قال موسى: ارجع الى ربك فاسأله التخفيف. فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة.
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل وسأله التخفيف فوضع عنه عشرا, أي خفف الخمسين الى أربعين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بكم أمرت؟
قال عليه الصلاة والسلام:" بأربعين صلاة".
قال موسى: فارجع الى ربك فاسأله التخفيف فقد لقيت من بني اسرائيل شدة, وتعلا, فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه عز وجل فسأله التخفيف, فخفف عنه عشرا, فرجع الى موسى, وظل يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله التخفيف حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة... فقال له موسى: ارجع الى ربك فاساله التخفيف, فقد لقيت من بني اسرائيل شدّة..
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" قد رجعت الى ربي حتى استحييت, فما أنا براجع اليه".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد رجع الى ربه فخفف الى الثلاثين والعشرين والعشر صلوات في اليوم والليلة حتو وصل الى خمس صلوات في اليوم والليلة, وما ان قال:" استحييت, فما أنا براجع اليه" حتى سمع عليه السلام مناديا يقوا: أما انك كما صبّرت نفسك على خمس صلوات فانهن يجزين عنك خمسين صلاة, فان كل حسنة بعشرة أمثالها, فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا.
2. العودة الى مكة
عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من فوق السماء السابعة فعاد حتى هبط الى السماء الدنيا, فنظر الى أسفل منه, فرأى وهجا ودخانا وسمع أصواتا, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل؟"
قال جبريل: هذه الشياطين تحوم على قلوب بني آدم كي لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض, ولولا ذلك لرأوا العجائب..
وظلّ الرسول صلى الله عليه وسلم يهبط الى الأرض حتى بلغ بيت المقدس, فوجد الأنبياء مجتمعين فيه ينتظرون الصلاة فحيّاهم عليه الصلاة والسلام فحيّوه, ولما حانت الصلاة قام النبيون لأدائها, فجاء جبريل, أخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم الى موقف الامام, وأشار اليه أن يصلي بهم فصلى بهم... والغالب أنها كانت صلاة الصبح, وفي امامته عليه الصلاة والسلام للأنبياء تشريف له عليه الصلاة والسلام واعلاء لقدره على سائر الأنبياء.
ثم ركب الرسول عليه الصلاة والسلام البراق بعد أن خرج من بيت المقدس, فركب البراق وعاد الى مكة والناس نيام فلما أصبح الصبح, وصحت مكة, وعلت الشمس, شمس الضحى, أخبر عليه السلام الناس بما حدث معه, وأول من رآه أبو جهل, وكان كثيرا ما يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم, فجاءه أبو جهل وقال له مستهزئا: أراك ممعنا في تفكير عميق, فهل حدث لك شيئ جديد؟
قال رسول صلى الله عليه وسلم:"نعم".
قال أبو جهل: وما هو؟
فقال عليه السلام:" انني أسري بي الليلة" أي انتقلت وسافرت.
قال أبو جهل: الى أين؟!
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
ففتح أبو جهل فمه من الدهشة وقال: ثم عدت الينا؟!
فقال عليه الصلاة والسلام في ثقة واطمئنان: "نعم"
كان أبو جهل يسخر من الرسول صلى الله عليه وسلم, ويقول: هذا يزعم أنه يكلم من السماء.. وكان هو وجماعته قد أكثروا من ترديد هذا الكلام حتى نسوه لفترة فلما سمع أبو جهل أن الرسول قد سافر ليلا من مكة الى بيت المقدس, والعكس في الليلة نفسها مع أنهم يسافرون لها في شهر, أراد أبو جهل أن يستغل هذه المعجزة التي لم يصدقها للسخرية من محمد, والاساءة له أمام الناس, كي ينصرفوا عنه اذ أنه يقول ما لا تقبله العقول..
ظنّ أبو جهل أنه بامكانه أن يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يقول أشياء لا يقبلها عقله هو, وأراد أن يجمع الناس لأنه يتوقع أن يتراجع محمد صلى الله عليه وسلم عما قاله والذي لا يصدقه, ولما خاف أن ينكر محمد صلى الله عليه وسلم ما قاله امام الناس قال له: أرأيت يا محمد ان أنا دعوت قومك اتحدثهم بما حدثتني به؟ أتقول لهم ما قلت لي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم".
فنادى أبو جهل بأعلى صوته: يا معشر كعب بن لؤي.
فجاء الناس اليه, فقال أبو جهل للرسول صلى الله عليه وسلم: حدّث قومك بما حدثتني به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اني أسري بي الليلة".
فقالوا: الى أين؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" الى بيت المقدس".
فقالوا: ثم أصبحت الآن بيننا بعد كل هذا السغر؟!!
قال عليه الصلاة والسلام:" نعم".
وهنا هاج القوم, وصاروا يضربون كفا على كف, ويضع بعضهم يده على رأسه عجبا لكذب محمد صلى الله عليه وسلم كما يظن ويدّعي.
وصاروا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قال له رجل منهم اسمه المطعم بن عدي: والله يا محمد لقد كان أمرك فيما مضى أمرا هيّنا, أما اليوم فقد أمعنت في الكذب بما لا تصدقه العقول.. اننا نركب الابل الى بيت المقدس فنظل شهرا في الذهاب وشهرا في العودة ثم تزعم أنك سافرت هذا السفر في ليلة واحدة؟ والات والعزى لا أصدقك, وما كان هذا الذي
تقوله يحدث أبدا..!!
وقال بعضهم في استهزاء: وماذا رأيت في بيت المقدس؟
فقال عليه السلام:" قابلت عددا من الأنبياء منهم ابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وصلّيت بهم وكلمتهم".
وكذب الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم وسخروا منه, وقالوا: لو أن أبا بكر سمع صاحبه محمدا يقول ما يقول اليوم لكذبه, ولانصرف عنه, وكف عن مناصرته وتأييده؛ واذ انصرف عنه, وكف عن مناصرته, انصرف الكثيرون معه عن محمد, فيهون شأنه ويضعف أمره, فجرى أحدهم يبحث عن أبي بكر في كل مكان حتى وجده في أحد مجالس قريش, فقال له هل سمعت ما يقول صاحبك يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: وما ذاك الذي يقول صاحبي؟
قال الرجل: يزعم أنه أسري به الليلة الى بيت المقدس, ثم أصبح بيننا!!
فقال أبو بكر: أوقد قال ذلك؟
قال الرجل: نعم واللات والعزى لقد قال ذلك.
قال أبو بكر: لئن كان قد قال ذلك فوالله لقد صدق.
فقال الرجل في عجب ودهشة: أتصدقه أنه ذهب الى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح.
قال أبو بكر: نعم اني أصدقه حتى لو قال أبعد من ذلك. أصدقه أن الخبر يأتيه من السماء في ساعة من ليل أو نهار. أفلا أصدقه فيما هو أقل من ذلك عجبا؟!!!
وقام أبو بكر والرجل وبعض من كانوا معه, وذهبوا الى حيث يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث عن الاسراء, فلما وصلوا الى هناك سمعوا المطعم بن عدي يقول: يا محمد: ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس ودخلته وصليت فيه, فلا بدّ أنك شاهدته, وعرفت معالمه: من أبواب وجدران وغيرها, فصفه لنا..
ثم أضاف المطعم بن عدي قائلا:
اننا نعرف أنك لم تذهب قبل هذه الليلة الى بيت المقدس, فاذا وصفته لنا الآن كان ذلك دليلا قاطعا على أنك زرته الليلة!!!.
وهنا أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حيرة شديدة تعتريه, وأن كربا أو غما لا مثيل له يستولي عليه.. انه لم يذهب الى بيت المقدس قبل هذه الليلة وحين ذهب اليها في اسرائه كان في شغل بما أنعم الله عليه من ايمان وآيات كبرى. لم يهتم بتأمل الحوائط والنوافذ والأبواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة, كيف يعي لذلك ومعه البراق, وهو معجزة وعجب عجاب, وكان معه جبريل وهو رسول رب العالمين اليه, والوقت غير مناسب لأن ينشغل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ينشغل ضميره بالمباني وغيرها من هذه الأشياء. فقد رأى من آيات ربه ما رأى, انشغل بكل هذه الآيات, وعاد الى السماء السابعة الى الأولى, وهبط من الأولى الى أرض بيت المقدس كل هذه المعجزات الكبرى لم تجعله يلتفت الى شيء من هذا القبيل حوله.
والأهم من ذلك أنه عليه السلام قد عجز ولك يجد ما يجيب به على سؤالهم.
ولما رأى هؤلاء الكفار أنه عليه السلام سكت ولم يجب, استعدوا للسخرية والتكذيب, وكان أبو بكر الصديق قد ذهب الى بيت المقدس كثيرا وله دراية به.. وكان الى جانب ذلك لا يشك في صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه عليه السلام قد زار حقا في تلك الليلة بيت المقدس, ولا جدال في ذلك.
فلما رأى أبو بكر توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاجابة, ورأى القوم يوشكون أن يرفعوا أصواتهم بالسخرية والاستهزاء والتكذيب, قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: صفه لي يا رسول الله, فاني قد جئته وزرته عدة مرّات.
وقد رغب ابو بكر من هذا أن يقطع ألسنتهم ويمنعهم من السخرية, وأن يأتي بالدليل على صدق اسرائه.
وعند ذلك حدثت المعجزة, وأراد الله أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم, فرفع بيت المقدس وجعله في بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصيرته, فظهر له بيت المقدس واضحا وجليّا, فقال عليه السلام: باب منه مكانه كذا, فصاح أبو بكر فرحا وقال: صدقت يا رسول الله أشهد أنك أنت رسول الله.. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وباب منه في موضع كذا.." فيعود أبو بكر ويقول في حماسة وفرح: صدقت يا رسول الله, أشهد أنك رسول الله, وظل أبو بكر يقول ذلك في كل فقرة, ولذلك فقد سمي أبو بكر من هذا اليوم باسم الصدّيق رضوان الله عليه.
سكت أبو جهل والكفار وعلموا أن رسول الله لم ولن يهزم أمامهم, ولكنهم عادوا الى التضليل والكذب وقال أحدهم: يا قوم؛وألم يخبركم الوليد بن المغيرة, فان ما سمعناه اليوم من محمد ان هو الا السحر بعينه.
وأسرع بعضهم يغيّر مجرى الحديث فقال: يا محمد؛ ان كنت ذهبت الليلة الى بيت المقدس حقا فان لنا عيرا ذهبت بتجارتنا الى بلاد الشام, فهل تستطيع أن تخبرنا أين مكانها الآن من الطريق؟
لقد وصفت لنا بيت المقدس, ولعلك تعرف مكان قافلتنا الآن فأين هي الآن من مكة؟
فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بهذه القافلة بوادي كذا وهو متوجه الى الشام, فخافوا من منظر البراق وجماله, لأن البراق كان سيره صوت مخيف, فأزعج القوم, وجعل جمالهم تنفر وتهرب هنا وهناك, فهرب منهم بعير فدلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على مكانه.
فلما عادت القافلة, وحكى لها الكفار ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم, صدقوه, وصدقوا ما قاله عليه السلام.
وقال رجل آخر للرسول صلى الله عليه وسلم: ان لنا قافلة أخرى ذهبت الى الشام فدلنا على مكانها في الطريق.
فقال عليه السلام:" مررت بهذا الابل وأنا قادم في مكان كذا وكذا, وفيها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء وغرارة بيضاء, فلما حاذيتهم نفرت العير, أي أن الابل خافت وذعرت من حس البراق, وصرع بعير وانكسر".
فلما عادوا الى مكة أخبروا بصدق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ورغم ذلك قالوا: هذا هو السحر.
وعاد أحدهم يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وان لنا ابلا, فأخبرنا بمكانها ومتى تجيء؟
فقال عليه الصلاة والسلام:" تأتيكم هذه العير يوم كذا يقدمها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان."
فلما كان وصول القافلة خرجت قريش لتنظر هل يصدق موعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا يصدق, وكاد النهار ينتهي وأوشكت الشمس على المغيب, فقال أحد الكفار ساخرا:
ها هو ذا اليوم ينتهي, ولم تقدم القافلة, ولم تجيء, اليوم بطل سحر محمد..
وما كاد الرجل يتم كلمته حتى صاح أحد المؤمنين المسلمين:
الله أكبر هذه طلائع القافلة قد ظهرت.
وقدمت القافلة, وفي مقدمتها جمل أورق عليه غطاء من الصوف الأحمر وغرارتان كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن الكفار وقريشا مع كل هذه المعجزات ظلوا على ضلالهم وسخريتهم وتكذيبهم.
وبقيت في أذهاننا معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم حية لا ننساها أبدا.
*****
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين اجمعين