لطالما كانت وزارة الدفاع البريطانية تُنتقَد بسبب تنفيذ مشاريع مشتريات تبدد المال ولا تعتبر مفيدة. ولكن لا يوجد عدد كبير من هذه المشاريع، يمكن مقارنته بملحمة طائرة الاستطلاع البحري نمرود - MRA4.
تصنّع وزارة الدفاع هذه الطائرات منذ سنوات، وهي مصممة لرصد الغواصات الأجنبية وتوفير غطاء حماية للسفن البريطانية.
بحلول نهاية العام الماضي، أنفقت ما يقرب من أربعة مليارات جنيه استرليني من أموال دافعي الضرائب على بناء ثلاث طائرات، والتي كانت على وشك الانتهاء. ولكن في الأسبوع الماضي، تم إرسال الجرافات. وبدأت وزارة الدفاع بتفكيك الطائرات بالقرب من مانشستر، ووضعها في مكب نفايات القطع المعدنية قبل أن تذهب إلى أي مدرج.
تم اتخاذ قرار تفكيك الطائرات في تقرير مراجعة استراتيجية الدفاع والأمن في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي كانت تهدف إلى تخفيض الإنفاق العسكري للمساعدة على خفض عجز المملكة المتحدة. وقد استقبل بالغضب منذ ذلك الحين. وحذّر بعض كبار الشخصيات في القوات المسلحة الأسبوع الماضي، من أن تفكيك طائرة نمرود ضرب من ''الجنون'' وسيحرم المملكة المتحدة من قدرة عسكرية مهمة.
في الوقت نفسه، يشعر النواب بقلق بالغ بسبب تبديد الأموال العامة. إن إلغاء عقود بناء هذه الطائرات سيكلف وحده دافعي الضرائب مبلغاً إضافياً مقداره 200 مليون جنيه استرليني.
هناك سؤالان صعبان لوزارة الدفاع. الأول، هل عرضت الحكومة الأمن القومي للخطر عن طريق إلغاء الطائرات؟ قدم ليام فوكس، وزير الدفاع تفسيرا معقولا يوضح أنها لم تفعل ذلك.
وفي حين كان ''من اللطيف'' الحصول على طائرة نمرود، إلا أن خبراء الدفاع يقولون إنه يمكن للسفن والطائرات الحالية ممارسة دورها في المراقبة البحرية على نحو كاف.
إلى جانب ذلك، فإن إحدى مهامها الرئيسية – مراقبة الغواصات الأجنبية التي تدخل المياه الغربية - ليست ضرورية إطلاقا لأمن المملكة المتحدة، كما كانت عليه الحال في السابق.
وهذا يؤدي إلى سؤال آخر، أكثر إلحاحا. لماذا سُمح للمشروع بالاستمرار لهذه المدة الطويلة وبهذه التكلفة الكبيرة؟ من البداية تقريبا، كانت طائرة نمرود MRA4 برنامجاً خارجاً عن السيطرة.
في 1996، تعاقدت الحكومة لشراء 21 طائرة بتكلفة تصل إلى 2.8 مليار جنيه إسترليني. وتم إبلاغ الوزراء العام الماضي أنهم سيحصلون على تسع طائرات فقط بمبلغ 3.6 مليار جنيه استرليني. وبحلول ذلك الوقت، كانت تكلفة المشروع قد زادت عن الحد المقرر بـ 800 مليون جنيه إسترليني، حيث تضخمت تكلفة الوحدة لكل طائرة بنسبة 300 في المائة.
والمثير للدهشة أكثر هو أن هناك أدلة متزايدة على أنه، حتى في أيامها الأخيرة، كانت الطائرة لا تزال تعاني الكثير من العيوب. فقد تبين أمس أن اختبارات السلامة التي أجريت العام الماضي، وجدت أنه لا يزال هناك ''عدة مئات من حالات عدم الالتزام بالتصاميم'' في الطائرة. على سبيل المثال، لم يكن من الواضح فيما إذا كانت أبواب مقصورة القنابل في الطائرة تعمل بشكل صحيح، وفيما إذا كانت معدات الهبوط تعمل بشكل سليم، والأكثر إثارة للقلق، فيما إذا كان أنبوب الوقود آمنا.
وبالنظر إلى هذه المشاكل – والمبالغ المالية الهائلة التي أُهدِرت - يجب التحقيق بشكل كامل في المشروع. ويجب أن تجري لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم تحقيقا في الأمر، بحيث تتحقق فيما إذا كان بمقدور حزب العمال (ومن واجبه) إلغاء طائرة نمرود في وقت ما خلال الأعوام القليلة الماضية، بدلاً من الاستمرار على غير هدى، وتبديد المزيد من المال فوق الأموال التي ذهبت في أغراض فاشلة.
في الوقت نفسه، ينبغي أن تظل قصة نمرود حية في أذهان المجموعة الجديدة من كبار المسؤولين في وزارة الدفاع. وفي هذه الأوقات العصيبة، لا يمكن لبريطانيا أن تتحمل فضيحة في مشتريات الدفاع على هذا النطاق مرة أخرى.