الأسواق زئبقية في أفضل الأحوال، لكنها أحيانا تصبح أكثر صعوبة على التنبؤ بما يحدث فيها. فلا أحد يعلم إلى أين تتجه أسعار النفط بعدما استجابت لما يحدث في ليبيا بإرسال قبلة في الهواء لحاجز 120 دولاراً قبل أن تنهي الأسبوع عند 111 دولاراً للبرميل. والأمر الذي كان من الممكن التنبؤ به هو أن ذلك الغموض الشديد سيركز مخاوفنا على احتمال انفلات أسعار النفط.
قبل اللجوء إلى المقارنة بالسبعينيات، عندما أدت صدمتا النفط إلى الانكماش في العالم الغربي، علينا أن نلحظ الفوارق ما بين يومذاك والآن. في 1973 و1979 كانت قفزة الأسعار أكثر حدة وأكثر إثارة للاضطراب من الارتفاع الأخير في أسعار النفط. فلا نزال فعليا دون مستوى 147 دولاراً الذي بلغته في 2008.
وفوق ذلك، الدرس الأعمق في السبعينيات لم يكن سلبياً فحسب. فعلى الرغم من أن صدمتي النفط كانتا مؤلمتين، إلا أنهما لم تكونا مميتتين: لقد تعلمنا كيفية التلاؤم. وأطلقت قفزات الأسعار عقب ذلك اندفاعاً غير مسبوق نحو الكفاءة القصوى في استخدام الوقود. واليوم تعد الاقتصادات المتقدمة أفضل كثيرا من حيث كفاءة الطاقة. لقد سلحتنا السبعينيات للصمود بشكل أفضل أمام صدمات النفط، وعلمتنا أن علم اقتصاد الإحلال يوجد سُبلاً لتفادي أسوأ الضربات.
لذا، مفتاح المستقبل هو قابلية الإحلال، وأحد وجوهه هو وجود مصادر بديلة للنفط متى ما تم إغلاق المضخات الليبية. وقد تحركت السعودية بسرعة لطمأنة الأسواق بأنها ستستخدم فائضها الإنتاجي لتعويض فاقد إمدادات النفط الليبي. وفي الأجل الطويل تعد مصادر النفط غير التقليدية، مثل رمال القار، مربحة حتى بأسعار دون المستويات المرتفعة الحالية بكثير.
ثم هناك احتمال إيجاد بديل للنفط كليا. فالنفط ليس مصدر الطاقة الوحيد، ولا هو المادة الهيدروكربونية الوحيدة. وستسهم تخمة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في إخماد تداعيات صدمة النفط هناك. ومنذ فترة طويلة كان من السياسات المرغوب فيها بوضوح، أن يتم رفع أسعار الوقود الأحفوري لتحويل الاقتصادات إلى نشاطات أقل اعتمادا على الكربون. ولم يكن هذا تماما الغرض من كتابه الأخضر، إلا أن الأمر ربما ينتهي بالعقيد القذافي إلى تقديم خدمة للكوكب أكبر بكثير من نشطاء المناخ المتشددين.
بالطبع العالم ليس في حاجة إلى صدمة إمداد سلبية ضخمة. ربما تدرك الاقتصادات الناشئة أن نمواً أبطأ هو النمو الآمن، لكن بالنسبة للبلدان الغنية، فإن انتعاشاً متباطئاً وتضخماً تلهبه بالفعل أسعار السلع وضع ''الانكماش التضخمي'' على كل لسان. ومع ذلك، إذا ما واصلت أسعار النفط الارتفاع، فإن المستوردين ينبغي لهم التكيف مع تحول الأسعار. وسيرقى استخدام الكوابح النقدية إلى حد قتل الانتعاش لحمايته من ضرر النفط الغالي.
إن عدم اليقين الحالي سياسي في جوهره، ولن يهدأ في القريب. وأسعار النفط لا تعتمد على الكمية التي تضخها السعودية فقط، ولكن أيضا على تداعيات الأحداث في المنطقة. والعالم يرقص غالباً على الإيقاع الصادر من الرياض.