في ظل شجرة اليوكاليبتوس في إحدى مزارع الموز خارج عدن، ثاني أكبر المدن اليمنية، كان صديق يمني حكيم يتأمل في الكيفية التي يمكن أن تنتهي بها العقود الثلاثة من حكم الرئيس علي عبد الله صالح. كانت الحكمة التي توصل إليها هي أن ''البقات الموجودة في قميصك هي التي تؤذيك''.
ويبدو أن الأحداث تثبت صحة ما ذهب إليه. فبالرغم من تعهد صالح بعدم قمع المحتجين، إلا أن أكثر من 50 من اليمنيين غير المسلحين قتلوا يوم الجمعة من الأسبوع الماضي على يد قناصة أطلقوا النار على مرأى من رجال الأمن. وأدت هذه الجريمة إلى موجة من الاستقالات، بق من جميع الأنواع - وزراء في الحكومة، وشيوخ قبائل كانوا موالين للرئيس حتى ذلك الوقت، وسفراء سحبوا تأييدهم له.
وفي وقت لاحق حذا حذوهم أحد أعضاء قبيلته، حاشد، والرجل الذي طالما اعتبر ثاني أقوى شخصية في البلد، اللواء علي محسن الأحمر، الذي وجه دباباته لحماية الساحة التي يوجد فيها المحتجون ولحماية محطة تلفزيون الدولة ووزارة الدفاع. وهناك بضع ''بقّات'' ذات علاقة وثيقة بالرئيس ما زالت ثابتة على موقفها: وزير الدفاع، وأربعة من أبناء إخوة الرئيس الذين يترأسون مختلف الأجهزة الأمنية، ونجله أحمد، رئيس الحرس الجمهوري الذي يضم النخبة، والذي وضع دباباته خارج قصر والده ذي الجدران العالية كالقلعة في طرف مدينة صنعاء.
إذن، كيف ينبغي للغرب أن يرد على المأزق الذي يوجد فيه حليفه القديم في الحرب على إرهاب الإسلاميين؟ هناك جواب واحد فقط: أن ينبذ سيناريو المعركة الفاصلة (أرماجدّون) المتمثل في يمن تسيطر عليه القاعدة، ويرحب بالإطاحة المحتومة بصالح.
ويتمثل الإغراء في عدم تدمير القارب. فالفوضى في النهاية تأتي على خلفية التدخل في ليبيا، لكن اليمن يمكن أن يكون بقّة أكبر بكثير في قمصاننا من ليبيا. فشهرته باعتباره الملاذ والأرض التي يعمل فيها الفرع النشط التابع لأسامة بن لادن، وهو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ناهيك عن فرص تفككه، وموقعه الاستراتيجي على الجزء السفلي من البحر الأحمر، طالما جعلته يلعب دوراً مهماً في مواجهة الكوابيس التي تقض مضجع الغرب.
إن احتمال وجود دولتين تسودهما فوضى الحكم – اليمن والصومال – في الطرف السفلي من البحر الأحمر الذي يؤدي إلى الطريق الذي تسلكه ناقلات النفط العملاقة إلى قناة السويس، يرعب واشنطن بقدر ما يرعبها الخوف من سقوط حليف لها في ''الحرب على الإرهاب'' على جانب الطريق. وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تمتنع عن مساندة الدعوات المطالبة بإقصاء صالح. وبدلاً من ذلك تتم معاملته باعتباره حليفا مهما، اعترافاً بالخدمات التي قدمها، ولو بصورة متأخرة، ويقدمها من حين إلى آخر ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ولم يكن هناك تهديد كبير بخفض حزمة المساعدات التي تقدم له – وجزء كبير منها مساعدات عسكرية – وتبلغ قيمتها 300 مليون دولار، وستتم زيادتها مرة أخرى هذا العام.
إن المذبحة التي ارتكبت يوم الجمعة وانشقاق الجنرال الأحمر جعلا هذا الموقف الحيادي يبدو مثيرا للسخرية. وبدلاً من ذلك، فإن أفضل أمل بالنسبة للمسؤولين الغربيين هو التخلي عن صالح والأمل في ألا يحافظ أقرب المقربين منه على ولائهم له بعد أن تخلى كبار علماء الدين وشيوخ القبائل وقادة الجيش عن قضيته.
وإذا أُتْبِعت الإطاحة بصالح بكارثة يخشى من وقوعها منذ زمن طويل – انقسام البلد إلى شطري اليمن اللذين كانا قائمين منذ قرن ونصف قبل توحيده عام 1990 ـ فليكن. وانطلاقاً من شعورهم بسرقة مقدّراتهم وإساءة معاملتهم على يد أشقائهم الشماليين منذ اندماج دولتهم، جمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية الشعبية السابقة، مع الجمهورية العربية اليمنية، الأكبر منها بكثير، يكافح الجنوبيون لاستعادة استقلالهم منذ عام 2006. وهم يشعرون بالخشية فعلاً من الشخصيات الشمالية البارزة التي كانت موالية في السابق لصالح، والتي يمكن أن تتسلم مقاليد السلطة بعده وهم: ابن القبيلة المليونير حميد الأحمر، وعالم الدين الإسلامي عبد المجيد الزنداني، والآن اللواء الأحمر.
لكن في حال حدث الطلاق بين شطري اليمن، فيمكن أن يتم العمل بنشاط على إعادة تأسيس يمنين قابلين للحياة. وستكون علاقة المملكة المتحدة مع أبناء اليمن الجنوبي سابقاً، الذي كانت عاصمته عدن إحدى مستعمرات التاج البريطاني من عام 1839 إلى عام 1967، مفيدة بشكل خاص.
لن يكون أي شيء من هذا سهلاً بالطبع. فعدا عن خطر اندلاع مزيد من العنف في اليمن، أكثر من العنف الذي شاهدناه في شمالي إفريقيا – كل يمني تقريباً لديه بندقية – فإن الحقيقة غير السارة هي أن المستقبل بالنسبة لليمنيين بوجود صالح، أو عدم وجوده أكثر كآبة مما هو بالنسبة لأبناء شمالي إفريقيا. فبما أن اليمن أفقر البلدان العربية وأكثرها عدد سكان في شبه الجزيرة العربية، فإنه يعاني من مشاكل مزمنة جداً إلى درجة لا يمكن معالجتها بتغيير الرئيس أو الحدود الوطنية. وسوف ينفد الماء في العاصمة بنهاية هذا العقد، والأمر نفسه بالنسبة للنفط القليل الذي حافظ على بقاء البلد منذ عام 1986، والذي يشكل نحو 90 في المائة من إيرادات التصدير. ومع ذلك فإن ربيع الثورات الشرق أوسطية هذا جعل فرص قدرة القاعدة في شبه الجزيرة العربية على ملء فراغ السلطة يبدو بعيداً. فهناك حركة أكثر شعبية لديها الزخم الآن. ولا يسع الغرب إلا أن يتبناها.
لننس ''الحرب على الإرهاب'' ونفكر في خطة مارشال.
الكاتبة مؤلفة كتاب ''اليمن: الرقص على رؤوس الأفاعي'' Yemen: Dancing on the Heads of Snakes