تعتبر أسعار الفائدة والقرارات الخاصة بها من العوامل الأساسية التي تؤثر على حركة الأسعار في سوق العملات، حيث تقدم أسعار الفائدة للمستثمرين سببًا لتحويل أموالهم من دولة إلى أخرى بحثًا عن عوائد أعلى وأسرع. ومنذ عدة سنوات حتى الآن، يعتبر اتساع الفجوة بين أسعار الفائدة بين الدول وبعضها محور اهتمام المستثمرين الكبار، ولكن ما لا يعرفه أغلب التجار الأفراد أن القيمة المطلقة لأسعار الفائدة لا تمثل أهمية في حركة العملات، وإنما الأمر الهام بالفعل في هذا الإطار هو توقعات اتجاه أسعار الفائدة في المستقبل. فعندما تكون على علم بما يحرك البنوك المركزية، حينها سيمكنك التنبؤ بالإجراء القادم الذين سيتخذه البنك المركزي بشأن سعر الفائدة، وبالتالي ستعرف ما هو الاتجاه المستقبلي لزوج العملة. وفي هذا المقال، سوف نلقي الضوء على كل بنك مركزي للدولار الأساسية، كما سنستعرض المشاركون الأساسيين في هذه البنوك. وسوف نوضح أيضًا كيف يمكننا الدمج بين السياسات النقدية للبنوك المركزية للتنبؤ بما سيصبح عليه الفارق بين أسعار الفائدة في زوج العملة.
أمثلة
لنأخذ على سبيل المثال أداء زوج العملة الدولار النيوزلندي/ الين الياباني بين 2002 و2005. خلال هذا الوقت، رفع البنك المركزي النيوزلندي سعر الفائدة من 4.75% إلى 7.25%. من ناحية أخرى، حافظ البنك المركزي الياباني على سعر الفائدة عند 0%، مما يعني أن الفرق بين أسعار الفائدة للدولار النيوزلندي وأسعار الفائدة للين الياباني قد اتسع بنسبة 2.50%. وتسبب هذا في ارتفاع الدولار النيوزلندي/ الين الياباني بنسبة 58% خلال نفس الفترة.
وخلال عام 2005، انخفض الباوند البريطاني بما يزيد عن 8% أمام الدولار الأمريكي. وعلى الرغم من أن بريطانيا قد رفعت سعر الفائدة بمقدار أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الـ 12 شهر من ذلك العام، إلا أن الباوند البريطاني قد انخفض لأن الفارق بين أسعار الفائدة البريطانية والأمريكية قد تقلص من 2.50% لصالح الباوند إلى 0.25% فقط. وهذا يؤكد على أن الاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة يعتبر أكثر أهمية معرفة الدولة التي قامت برفع أسعار الفائدة أكثر.
البنوك المركزية الأساسية الثمانية
البنك الفيدرالي
يعتبر البنك الفيدرالي من أكثر البنوك المركزية تأثيرًا على العالم. فنظرًا لأن الدولار الأمريكي يشغل 90% تقريبًا من الجانب الآخر من التعاملات في سوق العملات، تعتبر قرارات البنك الفيدرالي مؤثرة على قيمة العديد من العملات. وتعتبر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة هي الهيئة المسئولة عن اتخاذ القرارات الخاصة بأسعار الفائدة الفيدرالية. تتألف هذه اللجنة من 7 أعضاء فيدراليين بالإضافة إلى 5 رؤساء لـ 12 بنك فيدرالي في مقاطعات مختلفة. ويستهدف البنك الفيدرالي استقرار الأسعار على المدى الطويل واستمرار معدل النمو الاقتصادي. وتجتمع اللجنة 8 مرات كل عام.
“بين بيرنانكي” هو رئيس البنك الفيدرالي في الوقت الحالي، بعد أن كان الرئيس السابق هو “آلان جرينسبان” الذي انتهت ترك هذا المنصب في يناير 2006. وتختلف وجهة نظر “بيرنانكي” عن “جرينسبان” في معدل التضخم المستهدف وفي أن طباعة النقود تعتبر وسلة لتجنب الانكماش.
البنك المركزي الأوروبي
تأسس البنك المركزي الأوروبي عام 1999. ويعتبر المجلس الحاكم ف البنك المركزي الأوروبي هو الهيئة التي تقرر التغييرات على السياسة النقدية. يتألف هذا المجلس من 6 أعضاء بالإضافة إلى حكام البنوك المركزية الدولية من 12 دولة في منطقة اليورو. ويتسم البنك المركزي الأوروبي بأنه لا يجب المفاجآت. وبالتالي، حينما يخطط البنك الأوروبي بتغيير أسعار الفائدة، فإنه يفضل إعطاء السوق تلميح عن طريق تحذيره من الإجراء القادم من خلال تصريحاته التي يدلي بها في المؤتمر الصحفي.
يهدف البنك المركزي الأوروبي إلى استقرار الأسعار واستمرار معدل النمو الاقتصادي. وعلى عكس البنك الفيدرالي، يشدد البنك المركزي الأوروبي على الحفاظ على معدل النمو السنوي لأسعار المستهلك تحت مستوى 2%. وكاقتصاد يعتمد بالدرجة الأول على الصادرات، يتعهد البنك المركزي بمنع العملة الأوروبية من القوة المفرطة لأن هذا يعتبر خطر يواجه سوق الصادرات.
يجتمع البنك المركزي الأوروبي مرتين كل أسبوع، إلا أن قرارات السياسة النقدية لا يتخذها البنك إلا في المرات التي يصاحب فيها الاجتماع مؤتمر صحفي، أي 11 مرة في السنة.
يرئس البنك المركزي الأوروبي المحافظ “جون كلاود تريشيه”، وكان يحتل هذا المنصب قبله “ويم دونسبيرج” والتي انتهت ولايته لهذا المنصب في نوفمبر 2003. وفي ذلك الوقت كان تريشيه هو محافظ البنك المركزي الفرنسي. واشتهر “تريشيه” بأنه رجل بنك مباشر وصريح في تعاملاته، إلا أن هناك العديد ممن انتقدوه بسبب رد فعله البطيء للانكماش الاقتصادي الأوروبي وارتفاع البطالة في المنطقة. ففي بعض الأوقات نرى ميل تريشيه إلى تضييق السياسة النقدية مع ميله لاتخاذ بعض الإجراءات الوقائية لكبح التضخم، وفي نفس الوقت يكون على عاتقه مسؤولية إدارة السياسة النقدية لاثني عشر دولة.
البنك البريطاني
تتألف لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي الأوروبي من تسع أعضاء، وهم عبارة عن حاكم البنك المركزي الأوروبي “مارفين كينج” ونائبين لحاكم البنك المركزي، ومديرين تنفيذيين، وأربع خبراء. وتتلخص وظيفة البنك المركزي البريطاني في الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي للبلاد. وتضمن السياسة النقدية التي يضعها البنك المركزي البريطاني الحفاظ على استقرار الاستقرار والحفاظ على الثقة في العملة البريطانية. ولتحقيق ذلك، يضع البنك المركزي هدف للتضخم عند 2%. وإذا تجاوزت الأسعار هذا المعدل، يتخذ البنك المركزي إجراءات محددة لكبح التضخم. بينما إذا قلت الأسعار عن هذا المستوى، يتخذ البنك المركزي إجراءات لتحفيز التضخم. وتجتمع لجنة السياسة النقدية البريطانية مرة كل شهر.
تولى “مارفين كينج” محافظ البنك المركزي البريطاني منصبه يوم 30 يوليو 2003. وقبل ذلك، كان “كينج” يعمل كبروفيسور في مدرسة علوم الاقتصاد بلندن. وانضم عام 1990 إلى البنك المركزي الأوروبي كمدير تنفيذي وكبير للاقتصاديين في مارس 1991، وذلك قبل أن يتولى منصب نائب حكام البنك المركزي عام 1997. ويتخذ “كينج” منهج الوسطية فيما يتعلق بالسياسة النقدية؛ فلا يميل إلى القيود المتشددة في السياسة النقدية أو تسهيلها بدرجة كبيرة. وبهذه الطريقة، دفع “كينج محافظ البنك المركزي بالاقتصاد البريطاني إلى أطول فترة نمو خلال 200 عام.
البنك الياباني
تتألف لجنة السياسة النقدية في البنك الياباني من حاكم البنك المركزي الياباني ونائبين لحاكم البنك المركزي، وست أعضاء آخرين. ولان اليابان دولة تعتمد بشكل كبير على الصادرات، يسعى البنك الياباني إلى منع العملة اليابانية من الوصول إلى مرحلة القوة المفرطة. ويُعرَف البنك الياباني بأنه يلجأ إلى إضعاف عملته عن طريق بيعها مقابل الدولار الأمريكي واليورو. كما أنه يسعى بالتأثير بتصريحاته على السوق عندما يراوده القلق بشأن الإفراط في قوة العملة أو تذبذبها. وتتلخص مهمة البنك الياباني في الحفاظ على استقرار الأسعار وضمان استقرار النظام المالي، مما يجعل من التضخم محط الاهتمام الأول للبنك المركزي الياباني. وتجتمع لجنة السياسة النقدية اليابانية مرة أو مرتين شهريًا.
البنك السويسري
لدى البنك المركزي السويسري لجنة تتألف من ثلاث أفراد والتي تعتبر المسئولة عن اتخاذ القرارات الخاصة بأسعار الفائدة. وعلى عكس اغلب البنوك المركزية الأخرى، يحدد البنك السويسري مدى لأسعار الفائدة بدلاً من تحديد هدف محدد للأسعار. وكما هو الحال في اليابان ومنطقة اليورو، تعتبر سويسرا بلد معتمدة بدرجة كبيرة على الصادرات، مما يعني أن البنك السويسري أيضًا لا يأمل بأن تكون عملته ذات قوة مفرطة. وبالتالي، فإن البنك السويسري يعتبر متحفظ فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة. وتتلخص مهمة البنك السويسري في ضمان استقرار الأسعار مع اخذ الوضع الاقتصادي في الحسبان. ويجتمع البنك بشكل ربع سنوي أي مرة واحدة كل ثلاثة أشهر.
“جان بيير روث” هو محافظ البنك السويسري. وقد قضى اغلب فترة عمله المهني في البنك المركزي السويسري بدايةً من عام 1979. وكان “روث” قد تولى منصبه كمحافظ للبنك السويسري في عام 2001. كما أن “روث” يعتبر عضو من أعضاء مجلس إدارة البنك السويسري، ومحافظ صندوق النقد الدولي في سويسرا.
البنك المركزي الكندي
يقوم المجلس الحاكم في البنك المركزي الكندي باتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة النقدية، ويتألف هذا المجلس من محافظ البنك المركزي الكندي، ونائب محافظ البنك المركزي الكندي، وأربعة أعضاء آخرين. تتمركز مهمة البنك المركزي الكندي في الحفاظ على قيمة العملة. كما انه يضع هدف محدد للتضخم عند 1-3%. وبالفعل، ينجح البنك الكندي حتى الآن في تنفيذ مهمته بالحفاظ على التضخم في هذا المدى المحدد وذلك منذ عام 1998. ومن الجدير بالذكر أن البنك الكندي يجتمع ثماني مرات سنويًا.
“ديفيد جودج” هو محافظ البنك الكندي السابق، والذي تلقى تعليمه في القليل من الجامعات في أمريكا وكندا قبل أن يتولى منصب محافظ البنك الكندي عام 2001. وهو معروف بصراحته وعقله المتفتح، كما أنه تمكن من الحفاظ على التوازن بين التضخم وارتفاع العملة. ومنذ عام 2008، تولى “مارك كارني” منصب محافظ البنك الكندي. وهو حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد. وفيما يتعلق بحياته المهنية، فقد قضى “كارني” 13 عام في “جولدان ساكس” وست أعوام كمسئول عن تحضير الاجتماعات الدولية.
البنك الاسترالي
تتألف لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك الاسترالي من محافظ البنك المركزي الاسترالي، ونائب محافظ البنك المركزي الاسترالي، وسكرتير الخزانة، وست أعضاء مستقلين مُعينين من الحكومة الاسترالية. تتخلص مهمة البنك الاسترالي في ضمان استقرار العملة، والحفاظ على ازدهار الاقتصاد وارتفاع معدلات التوظيف ورفاهية الشعب الاسترالي. يحدد البنك الاسترالي مستوى التضخم المعقول عند 2-3%. وتجتمع لجنة السياسة النقدية الاسترالية 11 مرة كل عام، وعادةً ما يكون ذلك في أول ثلاثاء من كل شهر (فيما عدا شهر يناير).
“جلين ستيفنس” هو محافظ البنك الاسترالي، والذي يعمل ف البنك المركزي الاسترالي منذ 1980. وقبل أن يتولى هذا المنصب، تقلد “ستيفنس” عدو مناصب في البنك الاسترالي، بدايةً من رئيس قسم التحليل الفني في ديسمبر 2001. وكما هو الحال مع المحافظ السابق، يركز “ستيفنس” بقوة على التضخم، مما يعتبر تحدي هام طوال فترة توليه لهذا المنصب، وذلك لأن الاقتصاد الاسترالي مستمر في الانتعاش باستمرار.
البنك المركزي النيوزلندي
على عكس البنوك المركزية الأخرى، تعتبر قوة صناعة القرار فيما يتعلق بالسياسة النقدية متروكة لمحافظ البنك المركزي النيوزلندي وتتوجه مهمة البنك النيوزلندي إلى الحفاظ على استقرار الأسعار وتجنب انعدام الاستقرار في الإنتاج أو في أسعار الفائدة أو أسعار الصرف. ويضع البنك المركزي النيوزلندي هدف التضخم عند 1.5%. ويركز البنك بقوة على هذا الهدف لأن الفشل في عدم تحقيقه قد ينتج عنه إقالة محافظ البنك النيوزلندي. ويجتمع البنك المركزي النيوزلندي ثماني مرات في العام.
“ألان بولارد” هو محافظ البنك النيوزلندي. وقبل أن يتولى منصبه كمحافظ للبنك المركزي النيوزلندي في سبتمبر 2002، كان “بولارد” يعمل كسكرتير للخزانة، ورئيس اللجنة التجارية النيوزلندية، ومدير المؤسسة النيوزلندية للبحوث الاقتصادية. وقد تمكن “بولارد” من التقليل من العجوزات الكبيرة في الحساب الجاري ورفع سعر الفائدة إلى أعلى مستوى لها عند 8.25%.
استخدام قرارات البنوك المركزية في التداول في سوق العملات
والآن بعد أن حصلت على المعلومات الأساسية الخاصة ببنية كل بنك مركزي ومهمته وأهم الأعضاء المؤثرين فيه، سوف تكون قادر بشكل أفضل على التنبؤ بالإجراءات التي قد تتخذها البنوك المركزية. وبالنسبة لأغلب البنوك المركزية، يحمل المستوى المستهدف للتضخم الأولوية.فإذا ارتفع معدل التضخم عن المستوى المستهدف الذي يحدده البنك المركزي، يمكنك حينها أن تعلم أن البنك في طريقه لتضييق السياسة النقدية. وكن إذا انخفض معدل التضخم عن هذا المستوى المستهدف، فسوف يسعى البنك المركزي إلى تسهيل السياسة النقدية. ومع دمج سياستين نقديتين لبنكين مركزين، من الممكن التنبؤ بالحركة القادمة لزوج عملة. إذا قام أي بنك مركزي برفع سعر الفائدة، بينما حافظ البنك المركزي الآخر عليها بدون تغيير، فمن المتوقع حينها تحرك زوج العملة في اتجاه الفرق بين أسعار الفائدة.
وكمثال على ذلك، يمكننا تناول اليورو/ باوند عام 2006. فقد اخترق اليورو مدى تداوله التقليدي متسارعًا في ارتفاعه أمام الباوند البريطاني. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك فوق المستوى المستهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي عند 2%، مما أدى حينها إلى لجوء البنك المركزي الأوروبي إلى رفع سعر الفائدة عدة مرات إضافية. ومن ناحية أخرى، كان التضخم البريطاني دون المستوى المستهدف الذي حدده البنك البريطاني، وبدأ الاقتصاد البريطاني في إظهار بعض علامات التعافي، مما منع البنك البريطاني من القيام بأي تغيير في أسعار الفائدة. وهلال الثلاث اشهر الأولى من عام 2006، كان البنك المركزي البريطاني يميل في حديثه إلى تقليل سعر الفائدة أكثر من رفعها. وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع اليورو/ باوند بمقدار 200 نقطة، وهو مقدار كبير بالنسبة لهذا الزوج الذي نادرًا ما يتحرك بهذا القدر.