بيانات أمريكية تضعف تدفق السيولة في أسواق المعادن الثمينة
جزء لا يمكن الاستهانة به من السيولة التي تدفقّت نحو أسواق المعادن الثمينة كانت بهدف استخدام المعادن لتغطية مخاطر انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي بعد أن ظهرت توقعات أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بجولة جديدة من سياسة التخفيف الكمي، متخذّاً بذلك سياسة التخفيف الكمي الثالثة لدعم الاقتصاد الأمريكي. لكن، لم ينسى المتداولون بأن الفيدرالي الأمريكي لم يشر تحديداً إلى هذه السياسة، بل أشار إلى أنه مستعد لاتخاذ إجراءات تدعم الاقتصاد في حال تدهور النمو الاقتصادي بشكل ملفت.
أظهرت بيانات الولايات المتحدة يوم أمس نمواً في مبيعات التجزئة، حيث حققت مبيعات التجزئة نمواً مقداره 0.1% خلال شهر حزيران، فيما نرى بأن بيانات طلبات الإعانة الأسبوعية أشارت إلى انخفاض واضح من مستوى 427 إلى 405 ألف طلب خلال الأسبوع المنتهي في التاسع من تموز الماضي. هذه البيانات أيضاً رافقها إشارات عن ارتفاع في أسعار المنتجين في القيمة الجوهرية بمقدار 2.4% على المقياس السنوي رغم انخفاض مقدار النمو في أسعار المنتجين بشكل عام إلى 7.0%. هذه البيانات المختلطة أظهرت بأن الاقتصاد الأمريكي استطاع أن يبقي على نمو أحد أهم القاعات المرتبطة في الاستهلاك الذي يشكّل جزءاً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي، و كذلك أثبتت بيانات يوم أمس بأن هنالك أملاً بأن تشهد أسواق الوظائف تحسّنا و كذلك مستويات البطالة، هذا إلى جانب حقيقة أن أسعار المنتجين ما زالت في ارتفاع، لكن الانخفاض الذي شهدته الأسعار كان بفعل انخفاض في أسعار الطاقة إلى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي.
ماذا نستنتج من بيانات الولايات المتحدة يوم أمس؟ نستطيع أن نرى بأن الاقتصاد الأمريكي لم يصل مرحلة التدهور و الانكماش، و نرى كذلك بـأن الضغوط على الأسعار ما زالت موجودة، و الانخفاض في الأسعار الذي حصل على أبواب المصانع لا يعبّر حقاً عن حقيقة أن مستويات التضخم تشهد ضغوطاً تصاعدية. و هذه الحقائق جعلت المتداولين يقللون توقعات قيام الفيدرالي الأمريكي بسياسة تخفيف كمي ثالثة، على المدى القريب على الأقل. و هنا، قامت جهات استخدمت المعادن الثمينة لتغطية مخاطر انخفاض سعر صرف الدولار ، بالاستغناء عن بعض الاحتياطيات مما سبب بعض عمليات جني الأرباح في أسواق المعادن الثمينة.
بعد أن لامس سعر الذهب يوم أمس الأعلى له عند مستوى 1593.70 دولار للأونصة، لكن، عاد السعر لينخفض و يغلق عند مستوى 1587.00 دولار للأونصة مكتفياً بارتفاع لا يتعدّى 0.28%. بالنسبة لسعر الفضة، فقد انخفض خلال جلسة نيويورك بمقدار 0.10% و أغلق عند مستوى 38.19 دولار، و حتى مع أن الانخفاض قليل نسبياً مقارنة بسعر افتتاح جلسة نيويورك، لكن لو علمنا بأن سعر الفضة سجّل الأعلى له عند 39.47، سوف نرى عندها مقدار عمليات جني الأرباح التي حصلت. بالنسبة لسعر البلاتين، فقد أنهى الجلسة على ارتفاع مقداره 0.51% عند سعر 1762.00 دولار للأونصة، لكن بعد أن لامس الأعلى له عند مستوى 1823.00 دولار. بشكل عام، شهدت المعادن الثمينة موجة جني أرباح خلال جلسة نيويورك أمس، بعد أن ارتفعت بشكل واضح قبل ذلك.
استمرت التداولات السلبية هذا اليوم لكل من سعر الذهب و البلاتين، حيث نرى سعر الذهب اليوم يتداول عند مستوى 1582.00 دولار للأونصة بانخفاض مقداره 0.32%، كذلك انخفض سعر البلاتين في موجة جني أرباح واضحة ليتداول الآن عند مستوى 1749.00 دولار للأونصة فاقداً 0.74%. بالنسبة لسعر الفضة، فقد ارتفع اليوم بمقدار 0.52% و يتداول في هذه اللحظات عند سعر 38.39 دولار للأونصة. هذه الأسعار كما هي في تمام الساعة 02:08 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 06:08 بتوقيت غرينتش ).
نلاحظ بأن إجمالي تداولات سعر الذهب و البلاتين خلال جلسة هذا اليوم و يوم أمس كانت باتجاه هابط سلبي، لكن بالنسبة لسعر الفضة، فقد ارتفع كمحصّلة تداولات اليوم و يوم أمس. إن ارتفاع سعر الفضة كمحصّلة، كان بفعل استمرار اتجاه المتداولين نحو المضاربة، فنرى بأن الأسواق المالية الآسيوية اليوم شدت أداء جيد بالنسبة لمؤشر شنغهاي الصيني و كذلك نيكاي الياباني، لكن هنالك مؤشرات أخرى تتداول على انخفاض، كدلالة على التذبذب في الأسواق، لكن مع عدم الممانعة من بعض المضاربات.
ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل سلّة العملات الأجنبية، و كذلك نرى بأن مؤشرات السلع انخفضت خلال يوم أمس بتأثير واضح من انخفاض سعر النفط، و هذا كله سبب ميلاً نحو عمليات جني الأرباح المضاربية في الذهب و البلاتين، و كذلك الفضة حتى مع بعض الإيجابية لتداولاتها اليوم.
الآن، لننظر إلى حقيقة أخرى، و هي أن الذهب ما زال قريباً عند مستوياته القياسية. فرغم انخفاض السعر هذا اليوم، إلا أنه ما زال قريباً من أسعاره القياسية، و هذا دلالة على أن هنالك استمرارية في المحافظة على كم كبير من المراكز المالية الإيجابية في الذهب، و هذا شيء طبيبي في ظل استمرار المخاوف من أزمة الديون السيادية الأوروبية، و كذلك مخاوف تخفيض التصنيف الائتماني في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل محاولات لرفع سقف الدين الأمريكي.
بشكل عام، التذبذب الكبير و ربما التصحيحات غير مستبعدة، لكن هذا لا يعني أن الاتجاه الصاعد انتهى، بل ما زالت الطلبات جارية على الذهب كملاذ آمن وتغطية مخاطر التضخم، لكن بسبب المضاربة و عمليات جني الأرباح الخفيفة، قد تستمر مشاهدتنا للتذبذب الكبير و ربما بعض التصحيحات، خصوصاً و أن الذهب قريب من حاجز نفسي هو حاجز الـ 1600 دولار و الذي قد يسبب بعض عمليات جني الأرباح للمستثمرين في السعر السوقي.