اتجاهات السوق
دعونا نعقد صفقة أوربية
دعونا نعقد صفقة أوربية
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تم توقيع خطة إنقاذ مالية لليونان، وبمقتضاها ستحصل اليونان على حزمة إنقاذ مالية تبلغ في مجملها 110 مليار يورو خلال بضعة سنوات، وتعد هذه الحزمة بالغة الضرورة لتفادي مغبة عدم وفاء البلاد بالدين المستحق عليها يوم 19 مايو المقبل. وكما أفاد جورج باباندريو رئيس الوزراء اليوناني في اجتماع دول البحر الأبيض المتوسط من قبل "إن بقاء الدولة على المحك"، وبالتأكيد لا يعني في هذا المقام بقاء الدولة من حيث معناها المطلق، فالعديد من الدول نجت من مثل هذه الأزمات، وكان آخرها على سبيل المثال لا الحصر روسيا والأرجنتين. أما النجاة من منظور رئيس الوزراء فتعني بقاء اليونان داخل منظومة الاتحاد النقدي الأوربي والاتحاد الأوربي، إذ أن هذه العضوية ربما لا تبقي في ظل التعثر اليوناني.
ولقد كانت نبرة التحدي اليونانية السمة الغالبة على الأحاديث والتصريحات اليونانية، وهذا ما اتضح جليًا قبل شهر مضى على لسان رئيس الوزراء اليوناني باباندريو عندما خاطب قادة الاتحاد الأوربي بأنهم إذا لم يقدموا يد العون إلى اليونان، فإنه سيتوجه إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، وكان في هذا الوقت يعول كثيرًا أو يلعب بورقة النعرة والغرور الأوربي، ولكنه لم يأخذ في اعتباره مدى إمكانية تطبيق ذلك عمليًا بالنسبة لألمانيا، فحينها قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونحن موافقون، دعونا نذهب إلى صندوق النقد الدولي.
ويمكننا الافتراض بأن خطة الإنقاذ المالية الموجهة لليونان باتت حقيقة، وما لم يكن هذا قد حدث في نهاية الأسبوع، فمن شأنه الحدوث في أي وقت آخر قبل موعد استحقاق السندات اليونانية في 19 مايو. ودعونا أيضًا نفترض أفضل السيناريوهات السياسية، وفيها سيتجه الشعب اليوناني إلى دعم حكومته والإذعان لها، وستنتهي الاحتجاجات القائمة أمام ساحة البرلمان في أثينا. وسيعود مفتعلوا الفوضى والمحتجين إلى ديارهم من جديد، ولن تُجرى أي مراجعات أخرى على عجز الموازنة الحكومية، فيما سيستمر الاقتصاد العالمي في تعافيه بوتيرة معتدلة، علاوة على أنه لن يعود مرة أخرى إلى فترة الكساد التي شهدها من قبل. في ظل مثل هذه الظروف الجيدة، فما هي الآثار المتوقعة طويلة الأجل بالنسبة لخطة الإنقاذ الائتماني اليونانية؟
ستظهر خطط التقشف تباعًا في البرتغال وإسبانيا وربما إيطاليا أيضًا. وعلى اعتبار حالة الخوف التي ستعتري حكومات تلك الدول من الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على اليونان، فإنها لن ترغب في إثارة غضب السوق الائتمانية. وستظهر الاحتجاجات النابعة من النقابات، والموظفين الحكوميين من المدنيين، وأصحاب الدخول المرفهين اجتماعيًا. ومع ذلك، ستترك منطقية أسواق الائتمان الخاصة انطباعًا لدى الجميع، باستثناء أغلب الفئات المتمردة من الشعب. لذا، سيكون من الأفضل كثيرًا للبلاد السيطرة على تمويلاتها بدلاً من التخلي عن السلطة والإذعان لصندوق النقد الدولي. وتعد منطقية السوق الائتمانية بالغة السهولة، إذ لا يمكن للحكومات إجبار الأفراد على إقراض الحكومة المال بنفس الطريقة التي يمكنها إجبار مواطنيها على الامتثال للضرائب.
وستؤدي خطط التقشف إلى الإبقاء على النمو الاقتصادي بدول الاتحاد النقدي الأوربي دون المستوى الذي وصل شركائهم التجاريين، كما ستظل أيضًا دون إمكاناتها طويلة الأجل. ومن جانبه، يتنبأ صندوق النقد الدولي بنمو النشاط الاقتصادي بمنطقة اليورو بواقع 1.0% خلال عام 2010، و1.5% خلال عام 2011. وتعد هذه النسبة أقل كثيرًا من النسب المتوقعة للولايات المتحدة بنحو 3.1% خلال عام 2010، و2.6% خلال عام 2011، وتلك الخاصة بالمملكة المتحدة بواقع 1.5% و2.5%، وحتى اليابان التي بلغت النسب المتوقعة لها 1.9% و2.0%. من ناحية أخرى، ستبلي الدول الأعضاء بالاتحاد النقدي الأوربي البلاء الحسن كل على حدة، أي أن ألمانيا وباقي الدول المصدرة ستتسم بالازدهار نسبيًا في ظل التعافي الاقتصادي العالمي، فيما سيتسم الاتحاد النقدي الأوربي ككل بضعف التعافي الاقتصادي بالنسبة له على نحو كبير.
إلى ذلك، سيُبقي البنك المركزي الأوربي على معدلات الفائدة البنكية المنخفضة الخاصة به لفترة أطول مقارنة بالولايات المتحدة، إذ سيقف البنك المركزي حينها مكتوف اليدين دون خيار. ومن المعروف أن الحكومات الأوربية لا تحتاج فقط إلى الحصول على موافقة مشرعيها، لكن إرضاء شعوبها أيضًا. ومع بلوغ التضخم نسبة 0.9% خلال شهر مارس، و1.4% على أساس سنوي، في حين سجل مؤشر أسعار المستهلكين بقيمته الحقيقية 1.0% خلال شهر مارس، تعد معدلات الفائدة المنخفضة بمثابة التنازل الشعبي الذي بإمكان البنك المركزي الأوربي تحمله.
وسيبقي النمو الواهن بدول الاتحاد النقدي الأوربي، والمقترن بعدم قدرة البنك المركزي الأوربي على رفع معدلات الفائدة الخاصة به، اليورو دومًا في الجانب الدفاعي، في حين شرع البنك الاحتياطي الفيدرالي تحت مظلة النمو المعتدل للناتج المحلي الإجمالي في العودة من جديد في طريقه الطويل الرامي إلى إعادة معدلات الفائدة البنكية إلى نصابها الطبيعي.
ويتمثل ثمن هذا الصراع والتشاحن الذي دار لثلاثة أشهر وخطة الإنقاذ الخاصة بصندوق النقد الدولي في إعاقة التوحد السياسي للاتحاد الأوربي على مساراته. وصدقًا لم تلق معاهدة لشبونة الرضا الشعبي على نطاق واسع، إلا أنه يمكن النظر إلى تعاظم القوى المركزية الممنوحة للجنة الأوربية على أنها صورة من الامتداد المنطقي، والذي يمكن مقارنته بالاتحاد الفيدرالي بالولايات المتحدة.
وفي أول اختبار حقيقي للوحدة عمليًا بدلاً من الوحدة النظرية، أُجبر الاتحاد النقدي الأوربي والاتحاد الأوربي على الاتجاه إلى صندوق النقد الدولي لمناشدة العون والمساعدة. وبات واضحًا أيضًا أن دول الاتحاد الأوربي ما هي إلا دولاً مستقلة في المقام الأول، ثم أعضاء بالاتحاد النقدي الأوربي في المقام الثاني. ويلزم علينا التنويه بأن الاتحاد الأوربي لم ينصرف إلى صندوق النقد الدولي سعيًا وراء السيولة، فهناك قدر كبير من الأموال المتاحة لدى الاتحاد الأوربي لإنقاذ اليونان، بل للنفعية والغطاء السياسي كانت الحاجة لصندوق النقد الدولي. حينها، كان بمقدور صندوق النقد الدولي فرض شروطه على اليونان أكثر من الاتحاد النقدي الأوربي ذاته. وصبت هذه الأحداث في النهاية في صالح ألمانيا، والتي نأت بركب دافعي الضرائب لديها بعيدًا عن تحمل العبء المالي على عاتقها كاملاً، كما فعلت اليونان، حيث كانت الشروط المفروضة من قبل ألمانيا تحمل بين سطورها دلالة ضمنية تاريخية غير ملائمة.
لقد كان للأزمة اليونانية آثارًا وتبعات دائمة على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوربي، غير الأعضاء بالاتحاد النقدي، إذ يوجد 27 دولة عضو تحت لواء الاتحاد الأوربي، ومع ذلك لا تضم مظلة اليورو سوى 16 دولة فقط. ومن المفترض أن تهجر الدول الأعضاء بالاتحاد عملاتها الخاصة، وأن تنضم إلى مظلة اليورو في أسرع وقت يمكنها فيه الوفاء بمعايير التقارب التابعة لمعاهدة ماستراخت، وتنفيذ شرطي وصول عجز الموازنة إلى 3% و60% كحد للدين.
وبالنسبة للدول المتقدمة نسبيًا مثل بولندا وجمهورية التشيك ودول بحر البلطيق إستونيا ولاتفيا ولتوانيا- والتي يمكن لاقتصاداتها منافسة ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الدول الأقل تقدمًا مثل بلغاريا ورومانيا والمجر، والتي لا ترق اقتصاداتها لدرجة المنافسة، باتت مزية التمتع بعملة مستقلة واضحة دون أدنى تحفظ، إذ لا يمكن بالضرورة أن تتنافس الدول على اختلاف مراحلها التنموية والثقافية في السوق العالمية بنجاح لمجرد أن المنطقية السياسية للقارة التي مزقتها الحرب في السابق تقتضي ذلك.
وبمرور الوقت، استوعبنا جيدًا التكاليف الكاملة لأزمة اليونان والتي ستؤثر في الغالب على كل صور الحياة السياسية والاقتصادية الأوربية.
لقد أضرت هذه الأزمة على نحو لا تمحو آثاره الزمن من قدرة الأوربيين على إنجاز الأجندة السياسية والاقتصادية التي أرستها لهم الزعامة الحالية بعد جيلين من الحرب العالمية. علاوة على ذلك، فمن شأنها إعاقة نمو الناتج المحلي الإجمالي لعدة سنوات، أو على الأقل طالما بقيت موازنة التقشف أو ربما لفترة أطول من ذلك. كما أنها قوضت مصداقية البنك المركزي الأوربي أيضًا وقدرته على مواجهة التضخم. وأخيرًا، لقد أظهرت للعالم أن الاتحاد الأوربي لا يمكنه الاستمرار في المطالبة بالوضعية الفيدرالية، فبروكسل ليست أكثر من مقر لتمركز السلطة. وفي الوقت الذي تصبح فيه السياسة عسيرة، يتصرف الأوربيون كدول وليس كجزء من كيان فيدرالي متحد.
وليس أمام الدولار أي شيء من الأزمة سوى الاستفادة منها، فبغض النظر عن الأداء الاقتصادي المقارن في المستقبل، فستستعيد عملة الاحتياطي العالمي وضعيتها البارزة المبجلة داخل الاقتصاد العالمي، إذ أن منافستها الوحيدة على وضعية الاحتياط هي عملة الاتحاد النقدي الأوربي- والمتمثلة في اليورو، والتي على الرغم من تمثيلها لوحدة اقتصادية، إلا أنها لم ترق إلى درجة الوحدة السياسية بعد.
ولقد كانت نبرة التحدي اليونانية السمة الغالبة على الأحاديث والتصريحات اليونانية، وهذا ما اتضح جليًا قبل شهر مضى على لسان رئيس الوزراء اليوناني باباندريو عندما خاطب قادة الاتحاد الأوربي بأنهم إذا لم يقدموا يد العون إلى اليونان، فإنه سيتوجه إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، وكان في هذا الوقت يعول كثيرًا أو يلعب بورقة النعرة والغرور الأوربي، ولكنه لم يأخذ في اعتباره مدى إمكانية تطبيق ذلك عمليًا بالنسبة لألمانيا، فحينها قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونحن موافقون، دعونا نذهب إلى صندوق النقد الدولي.
ويمكننا الافتراض بأن خطة الإنقاذ المالية الموجهة لليونان باتت حقيقة، وما لم يكن هذا قد حدث في نهاية الأسبوع، فمن شأنه الحدوث في أي وقت آخر قبل موعد استحقاق السندات اليونانية في 19 مايو. ودعونا أيضًا نفترض أفضل السيناريوهات السياسية، وفيها سيتجه الشعب اليوناني إلى دعم حكومته والإذعان لها، وستنتهي الاحتجاجات القائمة أمام ساحة البرلمان في أثينا. وسيعود مفتعلوا الفوضى والمحتجين إلى ديارهم من جديد، ولن تُجرى أي مراجعات أخرى على عجز الموازنة الحكومية، فيما سيستمر الاقتصاد العالمي في تعافيه بوتيرة معتدلة، علاوة على أنه لن يعود مرة أخرى إلى فترة الكساد التي شهدها من قبل. في ظل مثل هذه الظروف الجيدة، فما هي الآثار المتوقعة طويلة الأجل بالنسبة لخطة الإنقاذ الائتماني اليونانية؟
ستظهر خطط التقشف تباعًا في البرتغال وإسبانيا وربما إيطاليا أيضًا. وعلى اعتبار حالة الخوف التي ستعتري حكومات تلك الدول من الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على اليونان، فإنها لن ترغب في إثارة غضب السوق الائتمانية. وستظهر الاحتجاجات النابعة من النقابات، والموظفين الحكوميين من المدنيين، وأصحاب الدخول المرفهين اجتماعيًا. ومع ذلك، ستترك منطقية أسواق الائتمان الخاصة انطباعًا لدى الجميع، باستثناء أغلب الفئات المتمردة من الشعب. لذا، سيكون من الأفضل كثيرًا للبلاد السيطرة على تمويلاتها بدلاً من التخلي عن السلطة والإذعان لصندوق النقد الدولي. وتعد منطقية السوق الائتمانية بالغة السهولة، إذ لا يمكن للحكومات إجبار الأفراد على إقراض الحكومة المال بنفس الطريقة التي يمكنها إجبار مواطنيها على الامتثال للضرائب.
وستؤدي خطط التقشف إلى الإبقاء على النمو الاقتصادي بدول الاتحاد النقدي الأوربي دون المستوى الذي وصل شركائهم التجاريين، كما ستظل أيضًا دون إمكاناتها طويلة الأجل. ومن جانبه، يتنبأ صندوق النقد الدولي بنمو النشاط الاقتصادي بمنطقة اليورو بواقع 1.0% خلال عام 2010، و1.5% خلال عام 2011. وتعد هذه النسبة أقل كثيرًا من النسب المتوقعة للولايات المتحدة بنحو 3.1% خلال عام 2010، و2.6% خلال عام 2011، وتلك الخاصة بالمملكة المتحدة بواقع 1.5% و2.5%، وحتى اليابان التي بلغت النسب المتوقعة لها 1.9% و2.0%. من ناحية أخرى، ستبلي الدول الأعضاء بالاتحاد النقدي الأوربي البلاء الحسن كل على حدة، أي أن ألمانيا وباقي الدول المصدرة ستتسم بالازدهار نسبيًا في ظل التعافي الاقتصادي العالمي، فيما سيتسم الاتحاد النقدي الأوربي ككل بضعف التعافي الاقتصادي بالنسبة له على نحو كبير.
إلى ذلك، سيُبقي البنك المركزي الأوربي على معدلات الفائدة البنكية المنخفضة الخاصة به لفترة أطول مقارنة بالولايات المتحدة، إذ سيقف البنك المركزي حينها مكتوف اليدين دون خيار. ومن المعروف أن الحكومات الأوربية لا تحتاج فقط إلى الحصول على موافقة مشرعيها، لكن إرضاء شعوبها أيضًا. ومع بلوغ التضخم نسبة 0.9% خلال شهر مارس، و1.4% على أساس سنوي، في حين سجل مؤشر أسعار المستهلكين بقيمته الحقيقية 1.0% خلال شهر مارس، تعد معدلات الفائدة المنخفضة بمثابة التنازل الشعبي الذي بإمكان البنك المركزي الأوربي تحمله.
وسيبقي النمو الواهن بدول الاتحاد النقدي الأوربي، والمقترن بعدم قدرة البنك المركزي الأوربي على رفع معدلات الفائدة الخاصة به، اليورو دومًا في الجانب الدفاعي، في حين شرع البنك الاحتياطي الفيدرالي تحت مظلة النمو المعتدل للناتج المحلي الإجمالي في العودة من جديد في طريقه الطويل الرامي إلى إعادة معدلات الفائدة البنكية إلى نصابها الطبيعي.
ويتمثل ثمن هذا الصراع والتشاحن الذي دار لثلاثة أشهر وخطة الإنقاذ الخاصة بصندوق النقد الدولي في إعاقة التوحد السياسي للاتحاد الأوربي على مساراته. وصدقًا لم تلق معاهدة لشبونة الرضا الشعبي على نطاق واسع، إلا أنه يمكن النظر إلى تعاظم القوى المركزية الممنوحة للجنة الأوربية على أنها صورة من الامتداد المنطقي، والذي يمكن مقارنته بالاتحاد الفيدرالي بالولايات المتحدة.
وفي أول اختبار حقيقي للوحدة عمليًا بدلاً من الوحدة النظرية، أُجبر الاتحاد النقدي الأوربي والاتحاد الأوربي على الاتجاه إلى صندوق النقد الدولي لمناشدة العون والمساعدة. وبات واضحًا أيضًا أن دول الاتحاد الأوربي ما هي إلا دولاً مستقلة في المقام الأول، ثم أعضاء بالاتحاد النقدي الأوربي في المقام الثاني. ويلزم علينا التنويه بأن الاتحاد الأوربي لم ينصرف إلى صندوق النقد الدولي سعيًا وراء السيولة، فهناك قدر كبير من الأموال المتاحة لدى الاتحاد الأوربي لإنقاذ اليونان، بل للنفعية والغطاء السياسي كانت الحاجة لصندوق النقد الدولي. حينها، كان بمقدور صندوق النقد الدولي فرض شروطه على اليونان أكثر من الاتحاد النقدي الأوربي ذاته. وصبت هذه الأحداث في النهاية في صالح ألمانيا، والتي نأت بركب دافعي الضرائب لديها بعيدًا عن تحمل العبء المالي على عاتقها كاملاً، كما فعلت اليونان، حيث كانت الشروط المفروضة من قبل ألمانيا تحمل بين سطورها دلالة ضمنية تاريخية غير ملائمة.
لقد كان للأزمة اليونانية آثارًا وتبعات دائمة على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوربي، غير الأعضاء بالاتحاد النقدي، إذ يوجد 27 دولة عضو تحت لواء الاتحاد الأوربي، ومع ذلك لا تضم مظلة اليورو سوى 16 دولة فقط. ومن المفترض أن تهجر الدول الأعضاء بالاتحاد عملاتها الخاصة، وأن تنضم إلى مظلة اليورو في أسرع وقت يمكنها فيه الوفاء بمعايير التقارب التابعة لمعاهدة ماستراخت، وتنفيذ شرطي وصول عجز الموازنة إلى 3% و60% كحد للدين.
وبالنسبة للدول المتقدمة نسبيًا مثل بولندا وجمهورية التشيك ودول بحر البلطيق إستونيا ولاتفيا ولتوانيا- والتي يمكن لاقتصاداتها منافسة ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الدول الأقل تقدمًا مثل بلغاريا ورومانيا والمجر، والتي لا ترق اقتصاداتها لدرجة المنافسة، باتت مزية التمتع بعملة مستقلة واضحة دون أدنى تحفظ، إذ لا يمكن بالضرورة أن تتنافس الدول على اختلاف مراحلها التنموية والثقافية في السوق العالمية بنجاح لمجرد أن المنطقية السياسية للقارة التي مزقتها الحرب في السابق تقتضي ذلك.
وبمرور الوقت، استوعبنا جيدًا التكاليف الكاملة لأزمة اليونان والتي ستؤثر في الغالب على كل صور الحياة السياسية والاقتصادية الأوربية.
لقد أضرت هذه الأزمة على نحو لا تمحو آثاره الزمن من قدرة الأوربيين على إنجاز الأجندة السياسية والاقتصادية التي أرستها لهم الزعامة الحالية بعد جيلين من الحرب العالمية. علاوة على ذلك، فمن شأنها إعاقة نمو الناتج المحلي الإجمالي لعدة سنوات، أو على الأقل طالما بقيت موازنة التقشف أو ربما لفترة أطول من ذلك. كما أنها قوضت مصداقية البنك المركزي الأوربي أيضًا وقدرته على مواجهة التضخم. وأخيرًا، لقد أظهرت للعالم أن الاتحاد الأوربي لا يمكنه الاستمرار في المطالبة بالوضعية الفيدرالية، فبروكسل ليست أكثر من مقر لتمركز السلطة. وفي الوقت الذي تصبح فيه السياسة عسيرة، يتصرف الأوربيون كدول وليس كجزء من كيان فيدرالي متحد.
وليس أمام الدولار أي شيء من الأزمة سوى الاستفادة منها، فبغض النظر عن الأداء الاقتصادي المقارن في المستقبل، فستستعيد عملة الاحتياطي العالمي وضعيتها البارزة المبجلة داخل الاقتصاد العالمي، إذ أن منافستها الوحيدة على وضعية الاحتياط هي عملة الاتحاد النقدي الأوربي- والمتمثلة في اليورو، والتي على الرغم من تمثيلها لوحدة اقتصادية، إلا أنها لم ترق إلى درجة الوحدة السياسية بعد.