في البداية أود أن أشير إلى أن الحديث عن التصنيف الائتماني والمؤسسات المعنية به أمر شائك وصعب احتوائه من كافة مجالاته، ولكن مع ذياع صيت وكالات التصنيف الائتماني خلال السنوات الماضية ومدى تأثيرها على الاقتصاديات وأسواق المال العالمية، ارتأينا أن نخصص هذه المقالة عن التصنيف الائتماني في محاولة منا لتوضيح معنى التصنيف الائتماني وأهم الوكالات المشهورة في هذا المجال، ومدى مصداقية معايير هذه المؤسسات، وهل يتم توجيه هذه المؤسسات لتدمير قطاعات واقتصاديات معينة في أوقات معينة؟، في الوقت الذي تثار فيه التساؤلات لماذا في هذا الوقت تحديدا قامت وكالة ستاندرد آند بورز بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، على الرغم من عجزها هي وغيرها من الوكالات المعنية بالتصنيف الائتماني عن التنبؤ بالأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، أم أن هناك صراعات سياسية داخلية في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين على كرسي الحكم، وهو ما دفعهما إلى استخدام الوسائل المختلفة للإطاحة بالأخرى.
في بداية العصر الاقتصادي الحديث لم يكن هناك حاجة إلى وجود وكالات التصنيف الائتماني وذلك لارتباط العملة بغطاء الذهب، ولكن بعد فك هذا الارتباط بشكل تدريجيا بين العملة وكمية الأوراق المالية المصدرة وبين مخزون الذهب لدى الدولة لزيادة العرض النقدي في الاقتصاد بما يساعد على تلبية احتياجاته والعمل على استمرار وتيرة التنمية الاقتصادية، ومع زيادة العمليات المصرفية وزيادة المشتقات المالية في أسواق المال، بدأت هنا الحاجة تصبح ملحة إلى وجود مؤسسات مالية تقوم بوضع معايير وضوابط يتم من خلالها عمل تقييم ائتماني كل دولة، وذلك من أجل منع تضرر التبادل التجاري العالمي للحيلولة من انهيار الاقتصاد العالمي.
وبسبب حداثة التجربة وعدم الوثوق بها، لم يكن المستثمرون في البداية على قناعة بدفع مقابل للحصول على تلك المعلومات، وبالتالي كانت النتيجة ومع استيعاب مصدري السندات والقروض لأهمية توفير المعلومات للمستثمرين لإقناعهم بالاستثمار، أصبح هناك دور مهم لمؤسسات التصنيف في إقناع المستثمرين بأهمية وقوة هذه السندات، وعليه يدفع أصحاب الشركات أموالاً لشركات التصنيف مقابل إعطاء معلومات عن السندات والقروض التي يرغبون في إصدارها.
ومع مرور الوقت، أصبحت تلك الوكالات جواز سفر لكثير من الدول والشركات إلى مختلف الأسواق، وهو الأمر الذي أدى إلى إعطائها قوة فائقة جعلت عديدا من المؤسسات الدولية تعطيها مصداقية، لدرجة أن التشريعات الدولية وهبت تلك الوكالات غطاء لاستخدامها في قياس بعض المخاطر للمؤسسات والشركات المالية.
حقيقة يجب كلنا أن نعرفها، هو أن عالم التصنيف الائتماني يتحكم فيه مثلث قوى أضلاعه هي مؤسسة ستاندرد آند بورز ومؤسسة موديز ومؤسسة فيتش وتعتبر أي شهادة من هذه المؤسسات على تصنيف أي دولة ذا وقع كبير على اقتصاد هذه الدولة.
تعريف التصنيف الائتماني
التصنيف الائتماني: هو عملية يتم من خلالها قياس مدى قدرة دولة أو مؤسسة أو شركة على الوفاء بالتزاماتها المالية لدى الجهة المقرضة، وفي الغالب تستخدم وكالات التصنيف معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة ومن أهمها قياس معدلات الربحية والموجودات أو الأصول والتدفقات النقدية التي توضح الوضع المالي للدولة أو المؤسسة.
المعايير التي يجب توافرها في مؤسسات التصنيف الائتماني لاعتماد تصنيفاتها
في البداية يجب أن تكون لدى مؤسسة التصنيف تعاريف محددة للتصنيف وعمليات ومعايير تحديد التعرضات بالنسبة للدرجات في داخل نظام التصنيف، ويجب أن تكون معايير التصنيف مقبولة كما يجب أن تؤدي إلى التفرقة بين المخاطر، بالإضافة إلى أنها يجب أن تكون مفصلة بشكل كاف يسمح للمسئولين عن تحديد التصنيف أن يقوموا بطريقة متناسقة بتحديد الدرجة نفسها للمقترض أو التسهيلات التي تفرض مخاطر مماثلة، وينبغي أن يوجد هذا التناسق فيما بين الأعمال والإدارات والمواقع الجغرافية، وإذا ما اختلفت معايير وإجراءات التصنيف بالنسبة لاختلاف أنواع المقترضين، فإنه يجب على مؤسسة التصنيف أن تقوم بمراقبة احتمال عدم التوافق ويجب أن يقوم بتغيير معايير التصنيف لتحسين التناسق إذا لزم الأمر.
1- الموضوعية: حيث يجب أن تكون الطريقة التي تتعهد بها مهام تصنيفات الائتمان شديدة الدقة ومنتظمة وتخضع لبعض أشكال الموافقة على صلاحيتها بناء على الخبرة السابقة وفضلا عن هذا فإن التصنيفات يجب أن تخضع للمراجعة المستمرة وأن تستجيب للتغيرات في الحالة المالية ويجب قبل الحصول على موافقة المراقبين أن يتم وضع طريقة لتصنيف كل قطاع من قطاعات السوق بما في ذلك الرجوع للاختبار الماضي لمدة سنة واحدة على الأقل أو من الأفضل لمدة ثلاثة سنوات.
2- الاستقلالية: من المعايير التي يجب توافرها أيضا في مؤسسات التصنيف الائتماني أن تكون هذه المؤسسات مستقلة ولا ينبغي أن تخضع لأي ضغوط سياسية أو اقتصادية قد تؤثر على التصنيف، وينبغي أن تكون عملية التصنيف متحررة على قدر الإمكان من القيود التي قد تنشأ في المواقف المختلفة مثل تعارض المصالح.
3- الشفافية: ينبغي أن تكون التصنيفات منفردة كلا على حدة ومتاحة لكل من المؤسسات المحلية والأجنبية ذات المصالح المشروعة وبشروط متساوية.
4- الإفصاح: يجب أن يتم الإفصاح عن الطرق المستخدمة في التصنيف، بما في ذلك تعريف التعثر عن الدفع والفترة الزمنية، ومعنى كل تصنيف، والمعدلات الفعلية للتعثر عن الدفع التي تمت مواجهتها في كل قسم من أقسام التصنيف، والتغيرات في التصنيف مثل درجة احتمال أن يصبح التصنيف AA مجرد A بعد فترة.
5- مصادر المعلومات: يجب أن يتوافر لدى مؤسسات التصنيف الائتماني مصادر كافية تمكنهم من القيام بعملية التصنيف بجودة مرتفعة، وينبغي أن تسمح تلك المصادر بالاتصالات المستمرة الهامة مع مستويات الإدارة العليا.
6- المصداقية: تشتق المصداقية إلى حد ما من المعايير السابقة بالإضافة إلى أن الاعتماد على تصنيفات مؤسسة التصنيف الائتماني من جانب أطراف مثل المستثمرون وشركات التأمين، والشركاء التجاريين، يعتبر دليلا على مصداقية التصنيفات التي تقوم بها مؤسسات التصنيف، كما أن مصداقية مؤسسات التصنيفات تعتمد على وجود إجراءات داخلية تمنع إساءة استخدام المعلومات السرية.
الملاءة المالية
إن الأساس الذي قامت من أجله وكالات التصنيف الائتماني هو إصدار تقارير تقييمية تعبر عن وجهة نظرها بحيادية حيال الملاءة المالية لدولة أو مؤسسة مالية ما وقدرتها على الاقتراض، اعتمادا في ذلك على المعلومات المتوفرة لتلك المؤسسة سواء كانت هذه المعلومات من المؤسسة نفسها أو من مكاتب التدقيق المعتمدة، أو من خلال التقارير التي تصدرها الحكومة والشركات الاستشارية المعتمدة في وقت زمني محدد.
وكما نعلم أن الملاءة المالية تعتبر متعددة ومتشعبة النواحي كما تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه وكالات التصنيف الائتماني في تقييمها للدول والمؤسسات، وذلك لأنه لا توجد معادلة واحدة يمكن من خلالها تحديد مدى قوة أو ضعف الملاءة المالية والمتعلقة بعوامل الزمن والعملة والمكان ونوع السندات المصدرة والظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة.
وبغض النظر عن حيادية وشفافية وكالات التصنيف الائتماني من عدمها فإننا نريد أن نؤكد على أمر مهم وهو أن التصنيف الائتماني ليس دعوة لتوجيه المستثمرين لشراء أو بيع سهم معين أو التعامل مع مؤسسات مالية بعينها دون غيرها، كما أن التصنيف الائتماني ليس يعتبر حقيقة مطلقة بل هي مجرد وجهات نظر وتوقعات مبنية على معايير وضوابط معينة في نطاق أداء المؤسسة المالي في ظل الظروف الاقتصادية المحيطة.
إن أهم الأسس والمعايير التي ترتكز عليها وكالات التصنيف في عملية تقييم الملاءة المالية لدولة ما أو لمؤسسة أو لغيرها هو افتراض احتمالية العجز في الوفاء بالالتزامات المالية أو عدم القدرة على تحصيل الديون المستحقة من الغير سواء على الأجل الطويل أو القصير، وهو ما يسمى بمعنى آخر السعة والقدرة على الدفع، حيث أنه عند تعادل جميع المعطيات فإن التقييم العالي للدولة أو للمؤسسات المالية يعكس قدرة وسعة تلك الدولة أو المؤسسة على الالتزام بسداد ديونها لدى الغير أو تحصيل ديونها من الغير، وهو ما يعكس مدى قدرة الدولة على الصمود أمام الأزمات المالية والاقتصادية.
درجات التقييم المعتبرة لدى أهم شركات التصنيف الائتماني
في الحقيقة إن لكل شركة من هذه المؤسسات طريقتها في التقييم، لكن على الأرجح يمكن القول إن درجات التقييم هي الآتي:
AAA: يعني أن الحكومة أو الشركة المقترضة لها كفاءة عالية، AAA تعني أعلى مستويات الجودة لتغطية الديون.
AA: تعني مستوى جودة عالي ومخاطرة قليلة جدا.
A: يعني مقدرة عالية على الدفع مع مخاطرة قليلة.
BBB: هناك مقدرة كافية للدفع.
BB: هناك احتمال لسداد الدين مع مخاطرة.
B: هناك احتمال لعدم السداد، ومخاطرة عالية.
CCC: يوجد احتمال كبير لعدم السداد.
CC: أعلى درجات المخاطرة وعدم الالتزام.
C: قمة المخاطرة.
D: هناك تعثر في السداد.
فعلى سبيل المثال المؤسسات المالية التي تصنف وفق سيناريو ما بين AAA حتى B تتميز بأنها ذات ملاءة مالية عالية تسعفها لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية في زمن محدد، ويندرج تحت هذا السيناريو مستويات متعددة تعكس قدرة المؤسسة المالية على الالتزام بالديون تجاه الغير، حيث أن تصنيف AAA يوضح السعة والقدرة للجهة المراد تقييمها على الوفاء بديونها، بينما التصنيف B يبين بأن المؤسسة مازالت تستطيع الصمود أمام الأزمات المالية ولكنها عرضة للمخاطر بشكل أكبر من غيرها في هذا السيناريو، وما هو جدير بالذكر إن هذا التصنيف ليس مطلق فهو متغير بتغير وضع الملاءة المالية للمؤسسة، كما سبق وأن ذكرنا بأن التصنيف لا يعكس الحقيقة الكاملة لوضع المؤسسة المالية لكنه يعبر فقط عن رأي وكالة التصنيف حول الملاءة المالية للشركة وفق معطيات محددة.
دور وكالات التصنيف الائتماني في الأسواق المالية
لا شك أن شركات التصنيف الائتماني تلعب دورا كبيرا في التأثير على الأسواق المالية كما أن لها دورا أساسيا في تزويد المستثمرين بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قراراتهم بثقة أكبر، فهذه الشركات تساهم في حل مشكلة القصور في كفاءة المعلومات والبيانات بين المقرضين والمقترضين من جانب، والمقرضين والمستثمرين من جانب آخر، بالإضافة إلى الكشف عن الملاءة المالية وتحديد درجة المخاطر المرتبطة بالشركات.
ومن جانب آخر فإن التصنيف الائتماني يعبر عن حجم مخاطر الائتمان المرتبطة بالشركة المصدرة للأسهم أو من حيث نوعية وجودة أوراق المديونية كالسندات والصكوك التي تصدرها الحكومات والشركات والمؤسسات المالية وغيرها ومقياس لاحتمال تعثرها وتعتمد هذه التصنيفات على تحليل النماذج الإحصائية من قبل محللي ائتمان متخصصين، لكافة البيانات المالية وغير المالية المتاحة عن مصدري أوراق المديونية للوصول إلى مقياس يعكس الواقع إلى أكبر درجة.
وللوصول إلى هذه التصنيفات فإنه عادة ما يتم تطبيق معايير كمية وكيفية لكل قطاع في عملية تقييم للمخاطر وتحليل مؤشرات مالية كإيرادات الشركة، وأرباحها، وجودة أصولها، وحجم مديونيتها، ومؤشرات السيولة، ومعدل كفاية رأس المال بالإضافة إلى عناصر أخرى كالمكانة في السوق والعلامة التجارية وحصتها السوقية. هذا هو المفترض ما تقوم به وكالات التصنيف الائتماني لكن!!
في السنوات الأخيرة بدأ يظهر تأثير وكالات التصنيف الائتماني بشكل كبير جدا والذي كان معظمه سلبيا، في الوقت الذي ظهرت العديد من الأخطاء في تصنيفات هذه الوكالات، ولكن على الرغم من ثبوت هذه الأخطاء على وكالات التصنيف الائتماني، إلا أن الأسواق ما زالت تتأثر سلبا أو ايجابا بأي تصريح تدلي به هذه المؤسسات، في الوقت الذي يرى فيه المستمثر سواء كان صغيرا أو كبيرا أن وكالات التصنيف الائتماني دليلا ينبئ بقوة الاقتصاد أو المؤسسة أو ضعفهما، ولم ينظروا بعين الصواب إلى أن هذه الوكالات هي التي تضع الأرقام وتضع درجة التصنيف دون رقابة عليها.
وما رأيناه في الفترة الأخيرة من اضطراب كبير في أسواق المالي العالمي على إثر تخفيض وكالة ستاندرد آند بورز للدين الأمريكي عند AA على الرغم من تعارض هذا التصنيف مع تصنيف وكالة فيتش التي أبقت على تصنيف ائتمان الولايات المتحدة عند AAA، والذي كان نتيجته تكبد البورصة الأمريكية خسائرة بلغت تريليون دولار.
وقد أكد خبراء ماليون تراجع مصداقية وكالات التصنيف الائتماني بعدما ثبت عدم صحة التصنيفات التي منحتها لبعض أسهم وسندات الشركات من جهة ولعدم حياديتها وموضوعيتها فيما تتوصل إليه من تصنيفات خاصة على المستوى السيادي للدول من جهة أخرى، مؤكدين أن الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت باقتصاديات العالم وكانت وكالات التصنيف سببا فيها.
نظرة على تاريخ أهم وكالات التصنيف الائتماني في العالم
وكالة ستاندرد آند بورز
تعتبر وكالة ستاندرد آند بورز إحدى أكبر ثلاثة شركات في مجال التصنيف الائتماني في العالم بعد موديز وفيتش، وقد تم تأسيس هذه الوكالة بغرض تقديم الخدمات المالية وهي إحدى شركات مكجرو هيل المتخصصة في نشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات ومقرها في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعود تاريخ إنشاء هذه الشركة إلى عام 1860 وذلك مع إصدار هنري فارنم بور كتاب عن تاريخ السكك الحديدية والقنوات في الولايات المتحدة، وذلك بغرض جمع معلومات كاملة عن الوضع المالي والتشغيلي لشركات السكك الحديدية، وبعد ذلك قام هنري مع ابنه وليام بتأسيس شركة H.V and H.W Poor Co ، وفي الاتجاه المقابل قام لوثر لي بليك بتأسيس مكتب الإحصاء القياسي بهدف توفير المعلومات المالية عن شركات أخرى غير العاملة في قطاع السكك الحديدية، وفي عام 1941 تم الاندماج بين كلا من شركتي بور وستاندرد ستاتيستك ليصبح الاندماج تحت مسمى ستاندرد آند بورز، وفي عام 1966 قامت مجموعة شركات مكغرو هيل بالاستحواذ عليها.
وتسيطر كل من ستاندرد آند بورز وموديز على تصنيف أكثر من 80 % من إصدارات الدين حول العالم سواء للشركات أو أو للدول فيما تعد فيتش أقل سمعة نسبيا، مقارنة بالشركتين الأخرتين، وإجمالا فإن الشركات الثلاث تسيطر على ما يراوح بين 90 و 95% من سوق إصدارات الديون في العالم.
وتعود سيطرة هذه الشركات الثلاث إلى قرار أصدرته هيئة الأوراق المالية الأمريكية في عام 1975 باعتبار هذه الشركات شركات معتمدة من قبلها، حيث إن كثيرا من المؤسسات المالية وشركات التأمين لا تستثمر إلا في سندات ذات تصنيف عال، فإن أسهل طريقة من قبل المصدرين للسندات لإثبات جدارتهم الائتمانية هو أن يحصلوا على تصنيف ائتماني من شركة أو اثنتين من هذه الشركات الثلاث لتصبح هذه الشركات الثلاث أشبه بمؤسسات محتكرة للتصنيفات الائتمانية
الانتقادات الموجهة لوكالات التصنيف الائتماني العالمي
قوبلت وكالات التصنيف الائتماني بسيل من الانتقادات في السنوات الماضية خصوصا وكالة ستاندرد آند بورز وكان من أبرز هذه الانتقادات هي عجزها عن تقييم المخاطر المستقبلية والبطء في رصد الاتجاهات السالبة التي يتعرض لها بعض مصدري الديون بعد عملية الإصدار، وبالتالي رد الفعل المتأخر في خفض التصنيفات، كما يتهمها الكثيرون بتضارب المصالح مع مصدري الديون الذين هم في نفس الوقت عملاؤها الذين يدفعون المال لها مقابل تصنيف إصداراتهم من الديون.
حيث قدمت إدارة أوباما قانونا لمجلس الكونغرس لإقراره ويهدف إلى إلغاء تعارض المصالح بين وكالات التصنيف الائتماني الخاص والبنوك والمقرضين الذين تحدد الوكالات تصنيفهم الائتماني، حيث يعتقد الكثير من المحللين أن مؤسسات التصنيف الائتماني ساعدت في زيادة حدة الأزمة المالية عندما كانت تعطي القروض عالية المخاطر للقطاع العقاري الأميركي شهادات تفيد بانخفاض مخاطر هذه القروض.
ومن بين مواد القانون الأمريكي مادة تمنع مؤسسات التصنيف الائتماني بتقديم الخدمات الاستشارية مقابل أجر إلى المؤسسات المالية التي تصنف منتجاتها المالية، بالإضافة إلى إلزام مؤسسات التصنيف بالكشف عن أي رسوم تحصل عليها وأي تعارض في المصالح، كما يجبر مشروع القانون الجديد البنوك على إعلان التصنيفات الأولية التي تسعى للحصول عليها.
وكانت وكالات التصنيف الائتماني قد تسببت سابقا في انهيار وإفلاس دول أوروبية كاليونان والبرتغال، في حين تترقب دول كبرى كفرنسا تهديداتها بخفض تصنيفاتها مما جعل من هذه المؤسسات المتحكم الرئيسي في المناخ الاقتصادي العالمي، تتحكم فيه تكتلات في بورصة وول ستريت والرأسمالية العالمية.
هذا وقد أشار بعض المصرفيين إلى أن المخاطر التي تسببت فيها مؤسسات التصنيف الائتماني والتي أدت إلى انهيار الاقتصاد العالمي لا تقل في خطورتها عن الآثار التي خلفتها الحرب العالمية الأولى والثانية وإن كانت أكثر تأثيرا، وقد أشار المصرفيين إلى أن الشفافية التي تدعيها وكالات التصنيف الائتماني ليس لها وجود من الأصل حيث أنه في عام 2004 وقبل انكشاف قيام بورصة وول ستريت بالمراهنة على القروض العقارية تم ممارسة ضغوطا كبيرة على موظفين في وكالة ستاندرد آند بورز من أجل زيادة نشاطها، وهو ما أشار إليه أحد موظفي الوكالة بأنه إذا لم يتم تعديل معايير تصنيف التزامات الديون ذات الضمانات الثانوية لأصول عقارية والتي كانت السبب الرئيسي للأزمة العالمية، فإن الوكالة سوف تفقد زبائنها، وفي يونيو من 2005 قال أحد موظفي وكالة ستاندرد اند بورز المختصة بالتصنيف إن التلاعب بالمعايير للفوز بالصفقات أمر يهدد سمعة الوكالة برمتها، كما أن فكرة التصنيف الائتماني منطوية على الفساد.
ومن جانب آخر فقد كشف التحقيق الذي بدأ في نوفمبر 2008 أن ستاندرد اند بورز وموديز كانتا قد استخدمتا نماذج تصنيف غير دقيقة من عام 2004 حتى عام 2007 حيث لم تستطع من خلالها توقع أداء القروض العقارية عالية المخاطرة وسمحت كل منهما لضغوط المنافسة بأن تؤثر على درجات التصنيف التي تصدرها ولم تعد تقييم التصنيفات السابقة لشركات بعد أن قامت الشركات بتعديل نماذجها في عام 2006، كذلك لم تعين الشركتان موظفين كافين ومؤهلين لفحص استثمارات جديدة ولم تنتبه كل منهما إلى عمليات التحايل على القروض العقارية والتسيب في عمليات الاكتتاب والطرق غير الدقيقة في تقييم أسعار المنازل، وبحلول عام 2007 اضطرت الوكالتان تحت ضغط إلى الإقرار بتقصيرهما وقامتا بخفض التصنيفات الصادرة منهما لتعبر عن المخاطرات الحقيقية كان الأوان قد ولى.
وقد ترتب على تدني درجات التصنيف الكثيرة خلال في ذلك العام أن أصيبت الأسواق المالية بخسائر فادحة، الأمر الذي عمل على انهيار السوق الثانوية عالية المخاطر ودفع الكثيرين إلى بيع أصولهم التي فقدت سمعتها التصنيفية الاستثمارية وأضرت بأموال مؤسسات مالية في كافة أنحاء العالم بحسب مذكرة موجزة بنتائج لجنة التحقيق.
وكان من المقرر أن تقوم لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي بتقديم تقرير مؤلف من 550 صفحة في جلسة تحقيق الدور الذي لعبته ستاندرد اند بورز ووكالة تصنيف أخرى هي موديز في أزمة 2008، وقد كشفت هذه اللجنة المسماة اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات مقتطفات من الرسائل مؤخرا، وقال عضو مجلس الشيوخ كارل ليفين لا أعتقد أن أيا من هاتين الوكالتين قد أفادت مساهميها أو حتى الولايات المتحدة الفائدة المرجوة.
قلق أوروبي
من جانبه أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه إزاء ممارسات وكالات التصنيف الائتماني وتأثيرها السيئ على الاقتصاد العالمي، حيث أعلنت مسئولة المفوضية الأوروبية في بيان شديد اللهجة إلى وكالات التصنيف الائتماني قائلة، إن تخفيض هذه الوكالات للجدارة الائتمانية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يعرض منطقة اليورو بأكملها للخطر، وأوضحت أن هذه الوكالات أصبحت شرا لا بد منه، فهي في الوقت الذي تتعرض فيه للنقد والاتهام حتى من الكونغرس الأميركي نفسه، تارة بتعارض المصالح وأخرى بعدم الموضوعية وثالثة بمحاباة البعض على حساب آخرين، إلا أنه لا يمكن لأحد التخلي تقاريرها ولا إيجاد البديل لها في ظل جهود انفرادية، واقترحت ريدينج أن تتفق مجموعة العشرين، التي تضم الاتحاد الأوروبي، على تفتيت اتحاد الشركات الثلاث إلى ست شركات.
وعلى صعيد آخر فقد طالب وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله بإنشاء وكالة تصنيف ائتماني أوروبية مستقلة تقوم بمثل هذا الدور.
كما أن هذه المؤسسات متهمة من البعض بالتحيز لأنها تحصل أحيانا على أجر من شركات وجهات تخضع للتصنيف من ناحية قدرتها على تسديد ديونها وأن هذه المؤسسات لا تحاسب رغم فشلها وخطئها في التقييم في بعض الحالات مما يجعلها حسب النقاد محتكرة للتصنيف الائتماني ومن دون رقابة من جهات أخرى.
مخاوف أسيوية
اتهم عددا من الخبراء والاقتصاديين الأسيويين التقارير التي تصدرها وكالات التصنيف بأنها تابعة لخدمة مصالح بعض الأطراف، ومحاولة منها لابتزاز الدول والشركات لتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
هذا وقد أشار أحدث التقارير الصادرة عن أرنست أند يونج، أن وكالات التصنيف الائتماني تأتي في المرتبة العاشرة في الأسباب التي كانت مسؤولة عن الأزمة المالية العالمية، حيث قامت هذه المؤسسات بمنح تصنيفات عالية لاستثمارات غير مستقرة، ما أدى إلى خداع الكثير من المستثمرين وتورطهم فيها، وهو ما ظهر جلياً بعد أن بدأت ملامح الأزمة تتضح للعيان.
وبحسب ما ورد في تقرير لجنة التحقيق في الأزمة المالية الأميركية للعام 2011، فقد لعبت وكالات التصنيف دورا بارزا في حدوث الانهيار المالي والتوابع الاقتصادية التي أعقبت الأزمة المالية عام 2008.