التحليل الأساسي للمعادن الثمينة
سعر الذهب يحلّق من جديد
عاد سعر الذهب لارتفاع مجدداً، فقد شهدنا يوم أمس جلسة إيجابية للذهب بدعم من تصريحات تريشيه كبداية و التي أظهر فيها تريشيه توقعات متواضعة جداً تجاه النمو في الاتحاد الأوروبي لهذه السنة مع توقعات انخفاض حاد في النمو خلال عام 2012. بعد هذا، جاء برنانكي ليلقي تصريحه الذي لم يقم فيه بتوضيح أي معالم لسياسة دعم الاقتصاد الأمريكي، و خيّب ذلك أمل المتداولين الذي كانوا ينتظرون تلميحاً مباشراً لتدخل الفيدرالي مجدداً لدعم الاقتصاد من خلال سياسة تخفيف كمي ثالثة.
هذا و قد كان لتصريح أوباما وقع لا بأس به في الأسواق المالية، حيث أن أوباما يريد عقد اتفاقيات تجارية مع عديد من الدول منها بنما و كولومبيا و كذلك كوريا الجنوبية، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقيات قد تكون سبباً لدعم الشركات الأمريكية في ظل المنافسة العالمية الكبيرة، و هذا ما قد يحسّن فرص العمل.
لكن بشكل عام، خاب ظن المتداولين يوم أمس في الفيدرالي الأمريكي، فيما كان لتصريح تريشيه وقع سلبي على الأسواق المالية، إذ من الممكن اشتقاق من حديثه في التصريح أن الاتحاد الأوروبي يعاني ضعفاً كبيراً، أرجع سببه المتداولون لأزمة الديون الأوروبية. و مع عدم وضوح أي سياسة فيدرالية في الولايات المتحدة لدعم الاقتصاد الأكبر في العالم، شهدنا التشاؤم و قد عاد من جديد في الاقتصاد الدولي، و عادت مخاوف الركود في الاقتصاد الدولي لدى البعض، و البعض الآخر أصبح يتوقّع انخفاضاً حاداً في نشاطات الاقتصاد الدولي.
بذلك، ارتفع سعر الذهب، و بدأت موجة الارتفاع الحاد مع تصريح تريشيه، و استمرت أيضاً خلال الجلسة الأمريكية بعد إغلاق الأسواق الأوروبية. فقد استطاع سعر الذهب يوم أمس أن يغلق جلسة نيويورك مرتفعاً بمقدار 2.88% عند مستوى 1869.00 دولار للأونصة، فيما كان قد ارتفع في وقت سابق في لدن أيضاً ليغلق جلسة لندن في سعر القطع عند مستوى 1855.00 دولار بارتفاع من مستوى 1827.00 دولار للأونصة الواحدة.
تدفقات كبيرة جداً من طلب الملاذ الآمن اتجهت نحو أسواق المعادن الثمينة، و هذه الطلبات قللت من الارتفاع الواضع في سعر صرف الدولار الأمريكي على أسعار المعادن الثمينة، حيث أنه بالرغم من الارتفاع الذي شهده سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل سلّة العملات الأجنبية، إلا أن هذا لم يسبب هبوطاً في أسعار المعادن الثمينة، بل على العكس، شهدت المعادن الثمينة طلبات ممتازة من طلب ملاذ آمن و طلب تقليص مخاطرة في الأسواق المالية، ثم اتجهت قوى المضاربة إلى أسواق المعادن الثمينة عندما شهدت أسواق الأسهم انخفاضاً بتأثير من ابتعاد المتداولين عن الأصول المرتفعة المخاطرة.
ارتفع كذلك كل من سعر الفضة و البلاتين خلال جلسة نيويورك يوم أمس، فقد حقق سعر الفضة مكاسب بلغت 1.90% عندما أغلق الجلسة عند مستوى 42.34، فيما استطاع البلاتين اكتساب 2.20% ليغلق عند مستوى 1860.00 دولار. حتى البلاتين شهد طلباً جيداً بالرغم من القلق على النمو في الاقتصاد الدولي، فتصريح أوباما كان فيه إشارات مباشرة إلى دعم قطاع صناعة السيارات حين أشر إلى الاتفاقيات التجارية و التي من ضمن موضوعها أشار " إذا كان الأمريكيون يستطيعون شراء سيارات كيا و هيونداي فأنني أريد أن أرى الناس في كوريا الجنوبية يركبون سيارات فورد و شيفروليه و كرايزلر ! " و هذا ما أعطى انطباعاً للمتداولين بأن هنالك محاولات جادة لدعم شركات السيارات الأمريكية، و بالتالي استطاع البلاتين الاستفادة من ذلك لاعتباره معدناً صناعياً يدخل في صناعة السيارات، و استفاد من طلب جيد و كبير نسبياً رغم أداء مؤشرات الأسهم السيئ و كذلك انخفاض توقعات النمو في الاقتصاد الدولي.
الجلسة الآسيوية هذا اليوم كانت سلبية بشكل عام، حيث أن مؤشر نيكاي الياباني القياسي انخفض هذا اليوم و أنهى الأسبوع على تراجع بلغ 2.4% بعد أن فقد اليوم حوالي 0.63%، هذا و قد انخفضت معظم المؤشرات الآسيوية الرئيسية هذا اليوم في ظل توقعات انخفاض حاد في أداء الاقتصاد الدولي بتأثير من التباطؤ الأمريكي و أزمة الديون السيادية الأوروبية و كذلك من بعض التباطؤ الذي تشهده الصين و ظهر اليوم على بيانات مبيعات التجزئة السنوي لشهر آب بانخفاض في النمو من 17.2% إلى 17.0%. في قطاع مبيعات التجزئة إلى جانب الانخفاض في الإنتاج الصناعي السنوي الصيني من 14.0% إلى 13.5%.
استمرت الإيجابية هذا اليوم لتداولات كل من سعر الذهب و الفضة، لكن البلاتين تأثّر سلباً في بيانات الصين التي أظهرت تباطؤ الإنتاج الصناعي إلى جانب انخفاض في نمو مبيعات التجزئة السنوية، و نرى سعر الذهب اليوم يتداول بارتفاع مقداره 0.33% عند مستوى 1875.80 دولار للأونصة، فيما سعر الفضة يتداول الآن بارتفاع مقداره 0.28% عند مستوى 42.46 دولار للأونصة. لكن لسوء حظ البلاتين، فقد انخفض اليوم بمقدار 0.48% ليتداول في هذه اللحظات حول مستوى 1851.00 دولار للأونصة متأثراً في بيانات الصين السلبية التي صدرت هذا اليوم. الأسعار المشار لها في هذه الفقرة كما هي في تمام الساعة 02:54 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 06:54 صباحاً بتوقيت غرينتش ).
الضغوط السلبية تظهر على البيانات الاقتصادية من الدول العظمى و الكبرى في العالم، حتى مع أن برنانكي يشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي سوف يتّبع كل ما لديه من أساليب لدعم الاقتصاد، إلى جانب تأكيد برنانكي بأن " الاحتياطي الاتحادي سيبذل كل ما في وسعه للمساعدة في استعادة معدلات النمو و التوظيف المرتفعة في إطار استقرار الأسعار"، لكن المتداولون لا يرون أي خطط تحفيز جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية و هذا ما يقلقهم فعلاً تجاه النمو في الاقتصاد الدولي.
كذلك في أوروبا، فأزمة الديون الأوروبية تبدو أكثر وحشية بعد تصريح تريشيه أمس، فرغم أنه حاول أن يطمأن الأسواق باستقرار الوضع مالياً، إلا أن طلب تريشيه من البنوك و دعوته لها بحجز الأرباح فهمت على أنها إشارة على أن القطاع المصرفي قد يشهد ضغوطاً سلبية كبيرة، إلى جانب أن إشارة تريشيه إلى أن خطط التقشّف أمر ضروري ضاعف من القلق تجاه أزمة الديون، فحتى مع أن الاقتصاد يحتاج لمستويات إنفاق أعلى، فالبنك المركزي الأوروبي دعا لأن نرى استمرارية في خطط التقشّف.
المخاوف في الأسواق المالية قد تدعم استمرار الاتجاه الصاعد للذهب، و الأنظار حالياً تراقب تدخل الفيدرالي الأمريكي لدعم الاقتصاد، و في حال لم يتدخّل و بقيت الثقة منخفضة، فقد يبقى الاتجاه الصاعد متاحاً. لكن، إن تم الإعلان عن أي خطط جديدة مثل خطط التخفيف الكمي في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشهد موجات تصحيحية. لكن بشكل عام، نحن مع توقع استمرار ارتفاع سعر الذهب على المدى الطويل حتى لو شهدنا تصحيحات حادة في حال أعلن الفيدرالي عن خطط تحفيز للاقتصاد أو ارتفعت الثقة في الأسواق المالية لأي سبب من الأسباب.