تحقيق- الربيع العربي يكشف الخلافات بشأن السياسة الاقتصادية في الاردن
يقول المحافظ السابق للبنك المركزي الاردني الذي أقالته الحكومة الشهر الماضي بعد أن طوق رجال الامن البنك لمنعه من الدخول انه يخشى على الاستقرار الاقتصادي للبلاد اذ يدفع الانفاق الحكومي المتزايد مالية البلاد الى منطقة الخطر.
تساءل المحافظ فارس عبد الحميد شرف في حديثه للصحفيين ردا على انتقادات علنية وجهها له رئيس الوزراء معروف البخيت هل يكون متعاليا "فوقيا" لمجرد انه يقول رأيه ويختلف مع السياسات الحكومية التي يقول انها ستسبب مشاكل في المستقبل. ويقول فلاكن متعاليا وعلى "اي محافظ بنك مركزي مسؤول عن الاستقرار النقدي و المصرفي ان يكون فوقيا اذا كان هذا يعني انه ينجح فى استدامة واستقرار القطاع المصرفي."
وقبل بضع سنوات كان العديد من رجال الاعمال ينظرون الى الاردن باعتباره قصة نجاح اقتصادية فقد أصبح في ظل اصلاحات موجهة من صندوق النقد الدولي من أكثر اقتصادات الشرق الاوسط انفتاحا.
والان دفعت الاضطرابات السياسية في العالم العربي الاردن الى زيادة كبيرة في الانفاق الحكومي على الاجور ودعم الغذاء والطاقة وشبكة الامان الاجتماعي في محاولة لتجنب احتجاجات داخلية عن طريق استرضاء الفقراء في البلاد. وتم توجيه ملايين الدولارات من أموال الدولة الى مناطق عشائرية تمثل العماد الاساسي لتأييد الاسرة الهاشمية الحاكمة.
ودفع ذلك الحكومة لزيادة الانفاق الحكومي هذا العام بمقدار 700 مليون دينار عن 6.95 مليار دينار (9.8 مليار دولار) المقررة من قبل عن طريق ملحقين تكميليين لميزانية عام 2011.
ويجعل ذلك مستوى عجز الميزانية المستهدف البالغ 5.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي يبدو تقديرا متفائلا للغاية. ويتوقع اقتصاديون ومصرفيون أن يبلغ العجز نحو سبعة بالمئة من الناتج. وكان الدين العام يرتفع بالفعل قبل الانفاق الاضافي فبلغ في نهاية أغسطس اب 12 مليار دينار أي 57 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وتفيد بيانات وزارة المالية انه بادراج دين شركة الكهرباء الوطنية المضمون من الدولة يتجاوز الدين العام مستوى 60 بالمئة القانوني المسموح به في الاردن.
وقال جواد العناني الاقتصادي البارز والنائب السابق لرئيس الوزراء "الحكومة تقول ان العجز ثمن زهيد يمكننا دفعه مقابل الحفاظ على السلام الاجتماعي والامن. انهم ينتهجون سياسة استرضاء ... لكنهم فقط يرجئون المشكلات بتكلفة أعلى."
وفي وقت سابق هذا العام كانت التوقعات الرسمية تشير الى نمو الاقتصاد الاردني بمعدل نحو ثلاثة بالمئة في 2011 أي أبطأ بكثير من مستوى سبعة بالمئة الذي سجل على مدى السنوات العشر الماضية في المتوسط خلال حالة ازدهار نتجت عن ارتفاع مستويات المعونات والتدفقات الرأسمالية والاستثمارات.
ويقول المسؤولون الان في أحاديثهم الخاصة ان حتى مستوى الثلاثة بالمئة ربما لا يمكن الوصول اليه اذ مازالت المملكة تواجه صعوبات في الانتعاش بعد التراجع الاقتصادي العالمي في عامي 2008 و2009 والذي خفض تحويلات الاردنيين العاملين في منطقة الخليج.
ومن الصفعات القوية الاخرى التي تعرضت لها مالية البلاد ارتفاع تكاليف الطاقة التي من المتوقع أن تفوق 4.5 مليار دولار بعد تعطل امدادات الغاز من مصر الى الاردن بسبب أعمال تخريبية تعرض لها خط الانابيب في منطقة سيناء المصرية. ودفع ذلك المملكة للتحول الى وقود الديزل الاكثر تكلفة لتوليد الكهرباء.
وقال وزير المالية محمد أبو حمور لرويترز "الحكومة لا يمكنها ان تمس أو تغير 90 بالمئة من مخصصات الانفاق في الميزانية." وأضاف أن الاوضاع الاقتصادية ليست مريحة.
وامتدت التوترات في البلاد الشهر الماضي الى اقالة شرف (41 عاما) وهو مصرفي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وهو ابن عبد الحميد شرف رئيس الوزراء الليبرالي الاسبق الذي حاول تحديث الهيكل السياسي القائم على العشائرية في الاردن قبل وفاته عام 1980.
وقال شرف انه لا يعرف لماذا أقيل مشيرا الى أن ذلك ربما يكون "لاني أحارب الفساد ولا أسمح للعناصر الجنائية ان تدخل القطاع المصرفي."
لكن بدا أن الخلافات بشأن السياسة الاقتصادية كانت جزئيا على الاقل من الاسباب التي دفعت الى اقالته. وحذر شرف المعروف بأنه من المؤيدين الاشداء للانضباط المالي من أن الدعم المهدر يعطل الاقتصاد ويعوق الاصلاحات التي يشرف عليها صندوق النقد الدولي.
ولدى شرف اراء واضحة بشأن الحاجة لترشيد الانفاق غير المعلن على الجيش الاردني. وأكسبته هذه الاراء عداء بين صفوف الجيش.
وصرح رئيس الوزراء البخيت -وهو جنرال سابق محافظ- علنا بأن اراء شرف المؤيدة للسوق الحرة تتعارض مع جدول أعمال الحكومة الشعبوي الذي يقول انه يدافع عن المواطن العادي من انتهاكات نخبة رجال الاعمال.
ووصلت الحكومة الحالية الى السلطة في فبراير شباط أثناء الانتفاضات الشعبية في المنطقة التي أطلق عليها اسم الربيع العربي بعد أن أقال الملك عبد الله رئيس الوزراء السابق الموالي لرجال الاعمال الذي لم يكن يحظى بتأييد شعبي كبير.
وبصرف النظر عن القضايا المحددة المتعلقة بالامر أثارت اقالة الحكومة لمحافظ البنك المركزي الذي لم يقض في منصبه سوى عشرة اشهر من فترة ولاية مدتها خمس سنوات الشكوك في امكانية التنبؤ بالسياسات الاقتصادية.
وقال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته "انها توجه اشارة سيئة للغاية. كان هذا خطأ سياسيا له ابعاد ضخمة. هذا تطور مقلق للغاية."
واستبدل شرف الذي اعتبر اقالته غير قانونية بمحمد سيد شاهين المصرفي المخضرم ونائب المحافظ. ومن المتوقع أن يركز على الدور التقليدي للبنك المركزي في الدفاع عن العملة المربوطة بالدولار.
وفي مارس اذار من هذا العام وقف شرف في وجه الحكومة عندما سعت للسحب على المكشوف من حسابها لدى البنك المركزي لدفع أجور العاملين في الدولة. وكتب الى بخيت ووزارة المالية قائلا ان امامهم ثلاثة أيام لتدبير التمويل وهي خطوة نادرة في بلد لا يواجه فيه الساسة المؤثرون عادة أي تحد فيما يتعلق بالانفاق.
وقال المحافظ واصفا السحب على المكشوف بأنه نوع من طباعة النقود "اعطيتهم ثلاثة أيام لتصويب الموضوع لاني لن أترك للحكومة نافدة للتمويل غير الشرعي."
والان يخشى بعض الاقتصاديين ورجال الاعمال أنه بخروج شرف ستتمكن الحكومة من تمويل عجز الميزانية بأموال من البنك المركزي.
وقال العناني "اذا أذعن البنك المركزي لضغوط لكي تسحب الحكومة على المكشوف للتخفيف من الضغوط على الميزانية بزيادة الدين العام سيصبح البنك دمية في يد الحكومة."
وقال المصرفي البارز مفلح عقل "يجب ضمان استقلالية البنك المركزي تحت أي ظروف حتى لا يقع تحت سيطرة النفوذ الحكومي... خاصة في وقت يشهد توسعا في البرامج الاجتماعية التي تهدئ ولا تحل المشكلات الاساسية التي يواجهها الاقتصاد."
ودور الاردن الرئيسي في حماية الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط جعله أحد أكبر مستقبلي المساعدات الاجنبية على مستوى العالم على أساس نصيب الفرد وفقا لبيانات الوكالة الامريكية للتنمية الدولية.
وفي الماضي كانت المساعدات الدولية تمول في بعض الاحيان نحو نصف العجز في الميزانية. ورصد العناني وغيره مبلغ 1.4 مليار دولار ضختها السعودية في البلاد هذا العام لدعم الاقتصاد.
وفي العام الماضي أصدر الاردن أول سندات سيادية أجنبية في السوق الدولية وجمع 750 مليون دولار. وقال أبو حمور ان ثمن هذه السندات انخفض الان بنحو عشرة بالمئة في السوق الثانوية غير أنه ارجع ذلك للضغوط على أسعار السندات في المنطقة في أعقاب الربيع العربي ولم يستبعد عودة الاردن لسوق الدين الدولية العام المقبل.
لكن ضعف الاسواق العالمية قد يجعل من الصعب على الاردن طرح اصدار جديد من السندات الدولية. وفي هذه الحالة ستضطر الحكومة لمواصلة الاعتماد بدرجة كبيرة على المساعدات الاجنبية في العام المقبل. لكن الضغوط المالية على الاردن قد تعني ان المساعدات ربما لا تكفي لدعم نمو اقتصادي قوي اذ يخشى الاقتصاديون من أن تؤدي اصدارات الدين الحكومية الضخمة للبنوك المحلية بهدف تمويل العجز الى ابعاد الائتمان عن القطاع الخاص.
وقال العناني "يتعين على الاردن اللجوء الى سياسات مالية اكثر صرامة ومطالبة الناس بالتقشف والا قد نصبح يونانا أخرى