هل يستحق كأس العالم كل المليارات التي استثمرتها البرازيل؟
في غمار منافسات كأس العالم نرى شوارع البرازيل تغص بالمشجعين القادمين من اثنتين و ثلاثين دولة، و الذين جاؤوا ليتنافسوا على الفوز بكأس العالم. و مع ذلك ما زال من المبكر الحكم على ما اذا كانت البرازيل ستنجح في استضافة فعاليات مماثلة في المستقبل، أم أنها ستفشل في ذلك لتصبح هذه المسابقة وصمة عار في تاريخها. و في سياق حديثنا هذا، هناك ثلاث أنواع من الاستثمارات التي لابد لنا من تقييمها بشكل دقيق و هي:
1- الاستثمار في تكوين صورة إيجابية للبلد: لطالما وُصفت البرازيل بقدرتها على استضافة أفضل الحفلات من شتى أنحاء العالم، و حتى الآن لم يخب أمل أحد في ذلك. فقد جرى تزيين الشوارع بطريقة جميلة، و عمّت الأجواء الاحتفالية الحفل الافتتاحي و شتَى الفعاليات. و قد أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا FIFA) أنه قدم تم بيع ما يقارب من ثلاث ملايين تذكرة، فغصت المدرجات بالمشجعين مما أنقذ البرازيل من أزمة المدرجات الفارغة التي ضربت أولمبياد لندن منذ عامين.
هل من الممكن أن يعمل المونديال على تحسين صورة البرازيل بالفعل و أن يجذب السياح إليها! و هو الأمر الذي يُعتقد بأنه أحد أهم مميزات استضافة الأحداث الكبرى. في الواقع الجواب هو نعم، حيث أن هناك العديد من الأدلة و الدراسات التي تؤكد ازدهار السياحة على المدى الطويل ليجري تعويض جميع التكاليف المرتبطة بتحسين السياحة و المتعلقة بالفنادق و مناطق الجذب السياحي و البنية التحتية في البلد المستضيف لمثل هذه الفعاليات.
أسوأ ما قد يحدث هو أن يفوق الضرر الذي يمكن أن يلحق بالسياحة و الذي قد ينجم عن الاضطرابات الداخلية كلَّ الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها دولة كالبرازيل كونها تمثل مكاناً جذاباً و مناسباً للأجواء الاحتفالية. ففي حين جرى تسليط الأضواء بعيداً عن الكثير من الاحتجاجات التي ظهرت مؤخراً في المدن الكبرى في البرازيل، إلا أن تلك الاحتجاجات و التي ظهرت في ساو باولو تحديداً قد مثَلت أكبرَ تحدٍ حتى الآن لمثل هذا الحدث العظيم. فنحن من جانبٍ نشاهد الاشتباكات و من جانب آخر نستمتع بالأجواء المبهجة التي تعم البرازيل. كل هذا من شأنه أن يذّكِر المحتفلين بأن هناك قضايا أكبر على المحك، حيث أن هذه القضايا هي أهم بكثير من معرفة الفائز بكأس العالم. فالإضراب الذي نفذه عمال المواصلات العامة في البرازيل أعاق الكثير من المتابعين و كان وصمة عارٍ على البرازيل على الساحة العالمية. كل هذا من شأنه أن يؤثر بشكل أكبر على صورة البرازيل كدولة آمنة و مكان مستقر للسفر و الاستثمار.
2- الاستثمار في البنية التحتية في المدينة: أعلنت البرازيل أنها قد أنفقت حتى الآن ما يقرب من 11 مليار حتى 14 مليار دولار أمريكي للإعداد لفعاليات لكأس العالم. كان أغلب هذه المصاريف على بناء الملاعب - سواء الملاعب الجديدة أو تجديد القديمة منها- و إنشاء البنية التحتية الداعمة في كل من المدن الاثنتي عشر المستضيفة للحدث في البرازيل. من الواضح أن مواطني البرازيل كانوا يتوقعون أن يؤدي إنفاق مثل هذا المبلغ الهائل إلى العديد من التطورات البارزة في البلد، فهو مبلغ ضخم بالنسبة لمشروع مدني. عادة ما تساهم مثل هذه الأحداث الكبرى في التعويض عن تكلفة الاستثمار بالعديد من الفوائد التي تظهر على المدى الطويل كتحسين المواصلات و زيادة الاستثمار في الدولة و تحسين المرافق الرياضية. فالمدن التي سبق و نجحت في الاستثمار في الأحداث الكبرى قامت بدمج هذه الخطط في استراتيجية طويلة المدى من أجل إعادة التطوير و ضمها مع المخططات التي تصب في مصلحة سكان هذه المدن. فعلى سبيل المثال، استغلت مدينة برشلونة أولمبياد عام 1992 في تجديد المدينة بالكامل، الأمر الذي نجم عنه تطورٌ ظاهرٌ في بنية المدينة.
و مع ذلك، فإن قياس مدى الفوائد الناتجة عن الأحداث الكبرى هو أمر صعبٌ للغاية، كما أنه من غير المعتاد أن يتم استرجاع أو تعويض كل التكاليف التي صُرفت على الأحداث الكبرى حتى إذا أخذنا بعين الاعتبار تطوير البنية التحتية. فقد تجاوز العمل في البناء و الإعداد لمنافسات كأس العالم في البرازيل الميزانيةَ الموضوعة له، كما أنه قد تخطى الوقت المتوقع لإنجازه. و في حين أن هذا الأمر قد يحدث في أي حدث كبير آخر، إلا أن ذلك لا يعني أنه سيكون استثماراً جيداً في النهاية. و من المؤسف جداً أن ثمانية من عمال البناء قد توفوا خلال قيامهم بعملهم، و هو عدد كبير جداً في قطاع البناء و يمثل وصمة عار أخرى خاصة في ظل الضوء المسلط من قبل وسائل الإعلام العالمية.
3- الاستثمار في القطاع الرياضي: أحد فوائد استضافة كأس العالم هي أن المباريات تحدث في أكثر من مدينة، مما يعني أن توزيع الاستثمارات سيتم على نطاق أوسع مما يحدث في الأولمبياد الذي تكون الاستضافة فيه متركزة في مدينة واحدة. يؤدي ذلك بشكل عام إلى إنشاء عدد من المرافق الرياضية في العديد من المدن، مما يسمح لاحقاً بتطوير مهارات الرياضيين الصغار و تسهيل سبل تعاملهم مع كرة القدم التي تعد الرياضة الأكثر شعبية في البرازيل.
و مع أن هذا قد حدث في بعض الملاعب التي أنشئت في البرازيل، إلا أنه قد جرى انتقاد العديد من المرافق كونها قد بُنِيَت في مناطق نائية ليس بها أي فرِق رياضية. و على الرغم من أن هذه الملاعب النائية قد تساهم في تحفيز و تعزيز رواج هذه الرياضة في حال تحققت الآمال المرجوة من المونديال، إلا أن الكم الهائل من الاعتراضات التي واجهت عملية بناء مثل هذه الملاعب، سيجعل المحافظة على هذه المرافق و تحويلها لمناطق جذب سياحي أمراً يصعب تحقيقه. هناك العديد من المدن التي تعرضت لمثل هذه التحديات التي تتبع الأحداث الكبرى، نذكر منها: أولمبياد أثينا 2004 و التي لطالما ارتبط ذكرها بالملاعب التي ظلت خاوية أو ما يطلق عليه اسم: الفيل الأبيض (اصطلاح يطلق على الممتلكات التي ليست لها فائدة و عادة ما يكون من الصعب التخلص منها و تستلزم الكثير من المصاريف – حسب قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية).
مازالت البرازيل قادرة على الاستفادة من بعض ما استثمرته في كأس العالم، إلا أن هناك العديد من الدلائل على أنها قد أضاعت فرصتها الذهبية بأن تقوم بتغييرات واضحة في حياة سكانها من خلال إعطاء البنية التحتية للمدينة لمحة من التنظيم و الترتيب. و لا شك أنه من المحتمل أن تبقى ملاعب البرازيل فارغة في المستقبل مع ذكريات كأس العالم الجميلة التي قد لا يكون لها أيُّ تأثيرٍ ماديٍّ في المستقبل.
و مع ذلك، فما زال الوقت مبكراً لأولمبياد البرازيل و الذي سيعقد في 2016، و مازال الوقت كافياً أمام البرازيل لتقوم بتغييرات جذرية تعمل على دمج خططها و تحقيق آمالها المرجوة. و من الجدير بالذكر أنه لا بد من الإصغاء لمطالب العامة في الاحتجاجات التي ظهرت مؤخراً، و لا بد للمنظمين من التفكير ملياً بالمنافع التي يمكن جنيها من ذلك.