كاتب هذه المقالة لا يدعي امتلاك معرفة مهنية بالسوق المالية، سواء كانت أسهماً أو غير أسهم، وإنما يبني على معطيات التحليل الاقتصادي، الذي ينحى منحى الحياد، ولذا لا يستغرب أن التخصص الاقتصادي- لذاته- لا يزيد صاحبه مهارة في اكتساب الثروة، وكما قال أحد كبار علماء الاقتصاد (لا يحضرني اسمه الآن)، ما معناه «أنت مخطىء إذا وليت اقتصادياً- أي لأجل تخصصه في الاقتصاد- إدارة أعمالك، وفي الوقت نفسه أنت مخطىء إذا لم تستشره». في مقالة نشرت يوم الأربعاء 14 شوال 1426، الموافق 16 نوفمبر 2005، تطرقت إلى مسألة لماذا لا ترتفع أسعار الأسهم عند إعلان أخبار جيدة، والنقاش مبني في أصله على النظرية الاقتصادية «التوقعات الرشيدة» rational expectations. (كلمة توقع تعني بلغة مبسطة غير فنية رياضية متوسط القيمة لما يحتمل وقوعه).
ذكرت أن التوقعات الرشيدة تعني أن ما سيحدث هو في المتوسط لن يختلف عن أفضل تخمين للمستقبل عند استعمال كل المعلومات المتاحة. الفكرة لا تنفي وقوع الناس في أخطاء، ولكنها تقترح أن الأخطاء لا تستمر.
اقتصاديو التمويل والباحثون الماليون استعاروا نظرية التوقعات الرشيدة للوصول إلى نظرية أن التوقعات في السوق المالية لا تختلف عن أفضل تخمين حالي للمستقبل عند استعمال كل المعلومات المتاحة. وسميت هذه النظرية الأخيرة بنظرية الأسواق الفعالة.
يفهم من نظرية الأسواق الفعالة أن الأسعار السندات (كالأسهم) في الأسواق المالية تعكس بصورة كاملة كل المعلومات المتوفرة. ومن ثم فإن التغير في قيمتها يصعب جداً أو لا يمكن التنبؤ به. وهذا يعني أن أسعار الاسهم تتبع ما يسمى بالمشي العشوائي في تحركها.
ماذا نستفيد من نظرية الأسواق الفعالة فيما يخص التقارير المالية لسوق الأسهم؟
- إذا كنت مقتنعاً بأن النظرية صحيحة إذا كنت ترى أن أسعار الأسهم- وغيرها من السندات المالية- تعكس تماماً كل المعلومات المتوفرة، فهذا يعني أنه يصعب جداً أو يستحيل على المستثمر أن يتفوق على سوق الأسهم، أي أن يصل إلى نتائج لا يعرفها سوق الأسهم، ولا تنعكس في أسعاره. بل وصل الأمر من باحثين إلى القول بأن التحاليل المالية المملوءة بالرسومات والتفاصيل عديمة الفائدة.
في عام 1988، وضعت الجريدة المالية المشهورة وول ستريت جورنال مسابقة لاختيار نظرية الأسواق الفعالة.
كل شهر أجري اختيار بطريقة عشوائية لقائمة رباعية من سندات مالية سهمية من خلال رمي أسهم ريشة على جداول معلقة على الجدار تحوي القوائم المدرجة. ثم قام أربعة مهنيين متخصصين مثل محللي الأسهم ومستشاري الاستثمار، باختيار قائمة رباعية يعتقدون أنها مثمنة بأقل من سعرها، أي أنها مرشحة للارتفاع أكثر من غيرها.
خلال ما يزيد على ستة شهور من الاختيار، قارنت وول ستريت جورنال أداء الأصول المختارة بواسطة المهنيين بأداء ما اختير بواسطة الرمي السحب وكذلك بأداء مؤشر داو جونز الصناعي.
المصدر: Financial Instituttions, Market, and Money, David Kidwellwell etc,3002
'' هل النتائج السابقة تعني أن المهنيين يتفوقون على سوق الأسهم؟
- حسب رأي بعض الباحثين ليس بالضرورة بسبب وجود عيوب رأوها أثرت على موضوعية الاختبار، مثلاً رأوا أن إعلان وطباعة الجريدة لما اختاره المهنيون تسبب في صنع طلب إضافي على تلك الأسهم التي اختيرت، مما تسبب في ارتفاع قيمتها.
سبب آخر أن العائد لم يعدل بما يعكس المخاطرة، وقد لوحظ أن المهنيين لديهم نزعة لاختيار الأصول ذات المخاطرة فوق المتوسط. وفي الوقت الذي زادت فيه الأسعار خلال معظم تلك السنين، فإن الأصول ذات المخاطرة الأعلى زادت قيمتها بصورة أسرع، وهذا وضع مألوف.
الاختيار السابق في مقارنة أداء المهنيين بالسوق المالية لم يكن الوحيد، فهاك دراسات كثيرة للغرض نفسه. وبصفة عامة فإن خلاصة هذه الدراسات هي التالي: كون الأداء جيداً في الماضي لا يشير بالضرورة إلى أن المهني سيعطي أداء جيداً في المستقبل.
هل اللجوء إلى معاقبة وسطاء ماليين عند حصولهم على معلومات غير متاحة في السوق يعتبر داعماً للخلاصة السابقة؟ لن أجيب مباشرة ولكن أذكر باختصار قصة واقعية قديمة ولكنها مهمة.
استطاع الأمريكي بويسكي التفوق على السوق إلى عام 1986، حين قامت هيئة السندات المالية الأمريكية باتهام بويسكي بالحصول على أرباح غير نزيهة أو عادلة (قيل أنها بلغت مئات الملايين من الدولارات) في السوق المالية. وفي تسوية قضائية منع من المتاجرة بالسندات، وغرم 100مليون دولار. وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. استطاع بويسكي جمع تلك الأرباح الهائلة غير القانونية بواسطة الاستثمار في أسهم الشركات التي في طريقها إلى أن يحصل عليها من قبل شركات أخرى بسعر أعلى من سعر السوق. وقد اتهم بويسكي بدفع رشاوي إلى أحد المستثمرين المصرفيين للحصول على معلومات داخلية عن صفقات تملك شركات لشركات، وكانت منشأة هذا المستثمر المصرفي تقوم بإدارة تمويل صفقة التملك. بويسكي اغتنم الفرصة واشترى أسهم الشركة المعروضة للبيع والمنخفضة القيمة سوقياً، ثم قام ببيعها بعد التملك وارتفاع السعر
منقول