السياسة المالية
السياسة المالية: هي عبارةٌ عن الأدوات والوسائل التي تقوم الحكومة من خلالها بالتحكم بمستويات نفقاتها العامة ومعدلات الضرائب، وذلك من بغرض ضبط الإقتصاد القومي والتحكم به.
تعتبر السياسة المالية شقيقة السياسة النقدية التي يقوم من خلالها البنك المركزي بالتحكم بالعرض النقدي في السوق. تستخدم هاتان السياستان بطرقٍ مختلفةٍ ومتعددة، لتوجيه الأهداف الاقتصادية للدولة. في هذه المقالة سنعرض آليةَ عمل السياسة المالية الحكومية، و كيفية مراقبتها وضبطها، وكيف يمكن من خلالها التأثير على مختلف أفراد المجتمع في اقتصاد دولة ما.
قبل وقوع الكساد العظيم الذي دام من الرابع من سبتمبر1929 وحتى نهاية الثلاثينات أو أوائل الأربعينات، كانت الحكومات لا تتدخل في القطاع الاقتصادي أو أي نشاطٍ في السوق، إذ كان الاعتقاد السائد آنذاك بضرورة إعطاء السوق حريته الكاملة (أي عدم التدخل في نشاط القطاع الخاص). لاحقا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قررت الحكومات أن تلعب دورا هاما في الاقتصاد، وذلك من خلال التحكم بمستويات البطالة، والدورات الاقتصادية، والتضخم، إضافة إلى تكلفة النقود. كانت الحكومات تقوم بدورها هذا من خلال استخدام مزيج من السياستين النقدية والمالية المعتمدتين على التوجهات السياسية والفلسفية للقائمين على تطبيقهما.
كيف تعمل السياسة النقدية؟؟
تقوم السياسة المالية على نظريات الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز المعروفة (بالاقتصاد الكينزي). تقوم نظرية الاقتصاد الكينزي على أن الحكومة تستطيع التأثير على مستويات الإنتاجية الكلية من خلال رفع نسبتي الضرائب والإنفاق أو تخفيضهما.
إن تأثير الحكومة هذا يستطيع كبح التضخم (والذي يعتبر صحياً بشكل عام في حدود 2 - 3%) كما أنه يزيد من فرص العمل، و يحافظ على قيمة النقود.
قانون التوازن
إن الفكرة من هذا القانون هو إيجاد توازنٍ بين معدلات الضرائب المفروضة، وبين الإنفاق الحكومي العام. فتحفيز اقتصاد راكد على سبيل المثال من خلال زيادة الإنفاق العام أو تخفيض الضرائب يرفع من مخاطر زيادة مستوى التضخم. ذلك لأن زيادة كمية النقود في الاقتصاد يتبعها زيادة في طلب المستهلكين والذي يؤدي بالتالي إلى انخفاض قيمة النقود والذي يعني الحاجة إلى مزيد من النقود لشراء شيئ لم تتغير قيمته.
لنفترض أن اقتصاداً ما قد دخل في مرحلة من التباطوء (مرحلة التباطوء الاقتصادي هي: المرحلة التي ينخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي) هذه المرحلة قد تؤدي إلى رفع معدلات البطالة، وانخفاض معدلات الإنفاق الإستهلاكي، إضافة إلى تدهور المستوى الربحي للشركات. لهذا فإن الحكومة تقرر في هذه المرحلة إنعاش الاقتصاد من خلال تخفيض الضرائب الذي يعطي المستهلكين نقوداً أكثرَ للإنفاق، إضافةً إلى زيادةِ الإنفاقِ العام على شكلِ شراءِ خدماتٍ من السوق (كبناء طرق و مدارس).
من خلال قيام الحكومة بهذه العمليات الشرائية فإنها تكون قد عملت على إيجاد وظائفَ جديدة مدفوعةَ الأجرِ يتم من خلالها ضخّ السيولة الماليةِ في الاقتصاد.
إن وجود كميةٍ أكبر من النقود في السوق وضرائبَ ماليةً أقل، يؤدي لانخفاض مستويات البطالة، وازدياد طلب المستهلكين على السلع والخدمات، مما يؤدي بدوره إلى تحفيز نشاط الشركات، ونقل دورةِ أعمالِ الاقتصادِ من الركود إلى النشاط.
في حال لم يتمّ كبح هذه العمليات التوسعية، فإن الزيادة في إنتاجية الاقتصاد قد تتخطى الخط الفاصل (بين النمو الاقتصادي والتضخم) وتؤدي إلى وجود كم كبير من النقود في السوق، هذا بالتالي سيؤدي لانخفاض قيمة النقود ودفع الأسعار نحو الارتفاع (بسبب زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية). بالتالي سيتخطى التضخم المستوى المقبول.
لهذا السبب فإن صقل الاقتصاد لتحقيق أهداف اقتصادية محددة باستخدام السياسة المالية وحدها يعتبر أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. في حالةِ لم تقم الحكومةُ بمراقبةِ الحالةِ الاقتصاديةِ عن قرب، فإنّ الحالةَ الاقتصاديةَ ستتسمُ بالضبابيةِ وعدمِ الوضوحِ إذ لا يمكن معرفةُ إن كان الاقتصادُ منتجاً أم أنه اقتصادٌ متأثرٌ بالتضخم.
عندما يحتاج الإقتصاد إلى الانكماش:
قد يحتاج الاقتصاد الى الإبطاء عندما يكون معدل التضخم مرتفعاً، في هذه الحالة تستطيع الحكومة استخدام السياسة المالية وذلك من خلال زيادةِ الضرائبِ وخفضِ الإنفاقِ العام الحكومي الذي يساعد على سحب السيولة الزائدة من السوق، وبالتالي خفض كمية النقود المتداولة.
لايمكن التغاضي عن الآثار السلبية المحتملة لهذه السياسة على المدى الطويل، والتي قد تتمثلُ بركود الاقتصادِ وارتفاعِ مستوياتِ البطالة. مع ذلك تستمر الحكومة باستخدام هذه السياسة المالية الانكماشيةِ لتعديلِ مستوياتِ الإنفاق و الضرائب بهدف الوصول إلى حالة اقتصادية مستقرة.
من هم المتأثرون بالسياسة المالية؟
للاسف فأن أثرَ السياسةِ الماليةِ يختلفُ من شخصٍ لآخر. إذ أنّه بناءً على التوجهاتِ السياسيةِ وأهدافِ صانعي القرار، فإن الاقتطاعَ الضريبيّ قد يؤثرُ على الطبقةِ الوسطى فقط والتي تمثل أغلبية القطاع الاقتصادي، والتي هي ذاتها قد تضطر لدفع ضرائبَ أكثرَ منَ الطبقةِ الغنية في أوقاتِ الركودِ الاقتصادي وزيادة الضرائب.
بشكلٍ مشابهٍ عندما تقرّرُ الحكومةُ تعديلُ إنفاقها، فإن سياستها التقشفية قد تؤثرُ على طبقةٍ محددةٍ فقط. فاتخاذ الحكومةِ قرارً ببناءِ جسرٍ جديدٍ على سبيل المثال سيمنح عملاً ودخلاً أكبر للعديد من عمال البناء، وقرارها بتوجيهِ سياستها الإنفاقية لبناء سفينةٍ فضائيةٍ جديدة، سيفيدُ مجموعةً صغيرةً ومحددةً من الخبراء، و بالتالي فإنها لن تساهم بشكل كبير في زيادة مستويات التشغيل الكلية.
الخلاصة:
إنّ واحدةً من أهمّ العوائقِ التي تواجهُ صنّاعَ القرار، هي تقريرُ درجةِ تدخلِ الحكومةِ في الاقتصاد، إذ أن هناك العديد من درجاتِ التدخل الحكومي على مدار السنين. إن التدخلَ الحكوميّ في الاقتصاد ضروري في معظمِ الأحيان، على أن تكون درجة التدخل مقبولة، وذلكَ للحفاظِ على اقتصادٍ قويٍ يتوقفُ عليه الرفاه الاقتصادي للسكان.