الاستثمار في الصين
من بين عديد الفرص الاستثمارية، استحوذت الصين على اهتمام المستثمرين بطريقة غير قابلة للمقارنة مع الفرص الاستثمارية الأخرى، في واقع الأمر هناك تهويل كبير بالفرص الاستثمارية في الصين ، لكن ما لا يمكن انكاره هو وجود بعض الحقائق المتعلقة بالصين و التي تخبرنا بكل وضوح عن السبب الذي من جعل من الصين قبلة لكل المهتمين.
بحسب بيانات البنك الدولي ، فإن عدد سكان الصين قد بلغ في العام 2012 حوالي 1.3 بليون شخص أي ما يعادل 20 بالمئة من تعداد سكان العالم البالغ 7.1 بليون نسمة ، لكن السؤال الأهم ، ما الفارق الذي يصنعه وجود خمس سكان العالم في الصين ؟
حسب بيانات المكتب الوطني الأميركي للاحصاء الاقتصادي في عام 2011 حدث للمرة الأولى على الإطلاق أن تجاوز عدد سكان المدن نظيره في الأرياف عبر تاريخ البلاد، حيث بلغ عدد سكان المدن 690 مليون شخص مقابل 656 مليون شخص في الأرياف، وماذا يهمنا في هذا الموضوع ؟
إن ظاهرة التمدن في الصين أدت لنمو اقتصادي مثير للاعجاب خلال العقود الماضية و الرائع بالنسبة للمهتمين بالشأن الاقتصادي هو أن الصين ما زالت تسير في درب التمدن
لقد استغرق الأمر حوالي ثلاثة عقود ليفوق عدد سكان المدن في الصين نظيره في الأرياف، و من المتوقع أن يستمر هذا التمدن لعشرين عاما قادما ..
اختصار ان التمدن يعني مزيدا من النمو الاقتصادي، حيث أن الانتقال من نمط الحياة الزراعي إلى المتمدن يعني أنه يجب التوسع في بناء المدن مما يعني التوسع في تشييد البنى التحتية و التجارة و الخدمات، كما أن التمدن يعني الانتقال من الاكتفاء الذاتي إلى التخصص و الذي يشكل الوقود الذي تحتاجه الرأسمالية لتطلق العنان لقوتها، لا شك أن هناك نتائج إيجابية ظاهرة التمدن، إلا أن عدداً كبيراً من الباحثيين يرى في ظاهرة التمدن خطراً كبيراً خاصةً إذا أُخذت الخسارة البيئية وارتفاع مستويات التلوث وسرعة استهلاك الموارد الطبيعية بعين الاعتبار، إضافة إلى المشاكل الاجتماعية والنفسية. في واقع الأمر هناك رأي –متوافق عليه إلى حد بعيد- في الأدب الأكاديمي أنه وعلى الرغم من الفرص الاستثمارية التي تنتج عن توسع المدن لا أن المخاطر التي تولد بسبب انحسار منطقة الارياف قد تكون غير محمودة العواقب.
كما أن التخصص بحاجة لمزيد من التعليم، و المجتمع المتعلم يكون بشكل طبيعي مجتمعا غنيا حيث يزداد نصيب الفرد من الثروة و يتحسن فيه نمط الحياة و تزدهر فيه القيم الانسانية، و خلال هذا التطور يزدهر قطاع الأعمال و التي يشكل الكثير منها مشاريع ثروات للمساهمين فيها.
إن أخذت برهة من الوقت لتفكر في الحقيقة التي تخبرنا بأن ما يزيد عن 600 مليون شخص في الصين مازالوا يعيشون في الأرياف و أن غالبهم يرغب بالتمدن خلال العقود المقبلة، فإن الفرص الاستثمارية كبيرة، ببساطة إن 656 مليون شخص يعني ضعف عدد سكان الولايات المتحدة.
يشير البعض إلى ان الصين اليوم هي ما كانت عليه الولايات المتحدة قبل الثورة الصناعية. رغم وجود بعض الاختلافات الأساسية بين اميركا قبل الثورة الصناعية و الصين اليوم إلا أن جوهر المقارنة ما يزال دقيقا. إن النمو الاقتصادي في الصين خلال القرن الحادي و العشرين سيكون الاكثر جدارة بالملاحظة كما كان في الولايات المتحدة في القرن الماضي ، و هذا النمو سيضخ بلايين الدولارات في الاقتصاد الصيني خلال السنوات القادمة و لذلك يعتبر النظر للصين كـفرصة استثمارية قرارا حكيما من الاقتصاديين.
إن عوائد الاستثمار في الصين ستكون كبيرة دون أي شك، لكن لتتمكن من الحصول على هذه العوائد عليك أن تعي تماما المخاطر المتعلقة بالاستثمار في الصين و التي سنوردها لاحقا في هذا المقال.
إن وضوح المخاطر لا يجب أن يردع أحدا عن الاستثمار في الصين، فالاستثمار في الولايات المتحدة كان أمرا خطيرا في العام 1900، بدلا من الانسحاب علينا أن نفهم المخاطر و نستعد لمواجهتها فـ الحصول على الأرباح دائما ما يتعلق بالمخاطرة.
مت محاولات عديدة لسد الهوة بين معايير المحاسبة الصينية والمعايير المحاسبية المقبولة عالميا GAAP لكن مما لا شك فيه أن بعض الاختلافات مازالت ظاهرة بشكل واضح، على سببيل المثال، الاختلافات المتعلقة بتداول الاسهم ... من قبل المنضمين تحت لواء المؤسسة التي يراد تداول أسهمها، ففي الولايات المتحدة يمنع تداول هذه الأسهم من قبل العاملين في المؤسسة بينما تسمح الصين بذلك مع مراقبة لتداولات المسؤولين التنفيذيين.
تعدد الخيارات :
مع ظهور شعبية الاستثمار في الصين فإن المنتجات الاستثمارية باتت متوفرة بسهولة لجميع المستثمرين الذين يرغبون بأن يكون لهم نصيب من هذه الكعكة، و لا شك أن بعض الفرص الاستثمارية أسهل من غيرها، كما أن بعض الاستثمارات يجب تجنبها أو تركها للمستثمرين الأكثر حنكة و خبرة، فإن المستثمرين لديهم العديد من الخيارات التي تمكنهم من أن يكونوا جزءا من المعجزة الآسيوية .
ريب في أن الطريقة الأكثر أماناً –وقد تكون المفضلة للكثيرين- في أن يتم الاستثمار في صفقات تتوافر للمستثمر معرفة ودراية بها، إن الشركات الاميركية التي تزدهر أعمالها في الصين تمثل فرصا رائعة فهي تجمع بين ميزة خضوعها للقوانين الأميركية و المعايير المحاسبية المقبولة دوليا إضافة للإمكانات المتوفرة في الصين ، و كـ مثال على ذلك مؤسسات مثل YUM! و سلاسل المطاعم مثل Pizza Hut و KFC و Taco Bell و التي يبدي الصينيون جنونا و إعجابا كبيرا حيالها. كما أن علامات تجارية اخرى قد تبدو جذابة كـ Coca-Cola و Apple.
لخيار الآخر هو شركات الاستثمار التي تمتلك طاقماً محترفاً من المحللين والخبراء الماليين والإقتصاديين الذين تتوفر لهم دراية بالاقتصاد الصيني، هذا ما يؤمن لهذه الشركات احترافية كبيرة، و إن هذه الأعمال بحاجة لتكاليف عالية مما يجعل المستثمر بحاجة لأن يقيّم الموضوع بجدية قبل أن يقرر الاستثمار في الشركات الصينية، يجب التركيز على شركات " الشريحة الزرقاء " و التي تعتبر أكثر أمانا لأن أسعار أسهمها أقل تقلبا لأنها تشكل أساس الاقتصاد.
هذه الشركات يتم تأسيسها بسهولة و تقوم بعمليات مالية عميقة و تتسم بالأمان نظرا لاتساع قاعدة المستثمرين فيها و حملة الاسهم، في منطقة لم يتم تحديد مستوى الامان فيها بعد و هذا ما يمنح من يرغب بالاستثمار فيها قدرا كبيرا من الامان مما قد يدفعه للاستثمار فيها.
لعديد من الشركات الصينية قد تم ادراجها مباشرة في سوق تبادل الأسهم الاميركي ، منذ عدة سنوات كانت هذه الشركات تعتبر صديقا عزيزا للسوق الاميركية ، لكن و خلال السنوات الأخيرة خضعت هذه الشركات لتدقيق شديد بسبب عدم قدرة المستثمرين على الثقة في البيانات المالية الصادرة عنها.
و بسبب عدم قدرة الشركات الصينية المدرجة في سوق تبادل الاسهم الاميركية على حيازة ثقة المستثمرين فإن سعر أسهمها قد تدنى بشكل ملحوظ ، و رغم ذلك فإن هذه الشركات مازالت تحظى باهتمام فئة من المستثمرين و الذين يفضلون الاستثمار في بعض الصفقات الاستثمارية المغرية، بعيداً عن البحث عن المعلومات المالية الأخرى.
الخلاصة :
لا مجال لإنكار حقيقة أن الاقتصاد الصيني سوف يستحق المشاهدة خلال العقود المقبلة ، لكن في الفترة الاخيرة شهد النمو الاقتصادي الصيني تباطؤا ملحوظا بسبب تباطؤ نمو قطاع الاسكان و محاولات الحد من الإقراض ، إن الحل بحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين يكمن في دفع الصينيين إلى مزيد من الاستهلاك فمازال الصينيون يحتفظون بجزء كبير رواتبهم و أجورهم بعيدا عن مجال الانفاق ..حتى الحكومة الصينية تدرك ذلك و تحاول تعزيز الرغبة في الاستهلاك لدى الصينيين .
من المحتمل أن الاقتصاد الصيني قد يتعرض لبعض الأزمات، لكن ذلك لا يحد من فرصة هذا الاقتصاد ليصبح الاقتصاد الأقوى في العالم، و هذا ما يضع المستثمر في موقف يرى فيه في الصين فرص استثمارية رائعة ، لكن عليه أن يدرك تماما و يدرس المخاطر المحيطة بالفرصة و العوائد المتوقعة منها و عليه أن يصب تركيزه على الاستثمار في المجالات التي لديه دراية كافية بها
كما لا ننسى أنه و برغم أن التمدن يقدم فرصا استثمارية عظيمة و لكنه بالمقابل قد يتسبب في مشاكل اقتصادية اخرى تؤثر سلبا على المدن و المناطق المحيطة بها ، فبينما يزداد عدد سكان المدن فإن الطلب على السلع و الخدمات سوف يزداد مما سيدفع بأسعار السلع و الخدمات و الأراضي إلى الارتفاع ، مما سيجعل الطبقة العاملة القاطنة في المدن عاجزة عن مجاراة ارتفاع أسعار العقارات مما سيدفعها للانتقال إلى أطراف المدن أو أحياء قد لا يرغب البعض في العيش ضمنها ، طبعا عدا عن ذكرالأضرار التي قد تلحق بالبيئة و غير ذلك ..