اليونان على طريق اللاعودة؟
تحدثنا منذ فترة عن الأزمة المالية التي تمر بها اليونان والطلب الذي تقدمت به للحصول على المساعدة من الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي (IMF)
إن تفعيل خطة الإنقاذ يتضمن تزويد اليونان بقروض لتجنب خطر الإفلاس والتخلف عن سداد الديون المستحقة علىها، تجاوب الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لطلبات الحكومة اليونانية ووضعوا خطة إنقاذ تتضمن حصول اليونان على المساعدات وفق شروط محددة منها إتباع سياسة تقشّف صارمة لضمان وفاء ديونها في الوقت المتفق عليه.
سياسة التقشّف هي إجراءات تتخذها الحكومة لتقليص العجز في ميزانيتها، وخاصة عندما تكون في خطر التخلف عن سداد ديونها وسنداتها كما في حال اليونان. هذه الإجراءات تتضمن الحد من الإنفاق العام واستخدام العديد من السياسات لأجل خلق وفرات إيجابية. انطلاقاً من ذلك نستطيع تخيّل أن مثل هذه القرارات لا تحظى بشعبيّة لأنها تؤول إلى تقليص وتخفيض كمية ونوعية الخدمات والمساعدات التي تقدمها الحكومة للمواطنين وإبطاء حركة دوران العجلة الإقصادية.
إن سياسة التقشّف التي طبقتها اليونان كانت صارمة نظراً لكثرة الديون المتراكمة، حيث أدت هذه السياسية إلى تباطؤ نمو الاقتصاد اليوناني بشكل كبير وازدياد معدل البطالة وارتفاع معدل الفقر في اليونان، والجدير بالذكر أن سياسية التقشّف تبقى موضوع غير متفق عليه تماماً من قبل الاقتصاديين وغالباً ما يكون مصدر نقاش حاد على مدى فعاليته. يعتقد البعض أن هذه السياسات أدت إلى خنق الاقتصاد اليوناني والحد من العائدات الضريبيّة التي تعتمد عليها الحكومة.
فاز الحزب اليساري (Syriza) بقيادة رئيسه (Alexis Tsipras) - المعروف بمعارضته لسياسة التقشّف- بالانتخابات ومنذ تلك اللحظة بدأت المخاوف و الشكوك حول مستقبل اليونان.
تدفقت المساعدات ولكن وضع اليونان لم يبدي أي تقدم. في الوقت الحالي، على اليونان دفع 9 مليار يورو إلى البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، منها 1.7 مليار إلى صندوق النقد الدولي في الثلاثين من حزيران، أي غداً. بطبيعة الحال، اليونان لا تمتلك الرصيد الكافي لسداد دين بهذا الحجم.وبالتالي بدأت المفاوضات بين الحكومة اليونانية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وجميع المعنيين لايجاد حل لهذه المشكلة المزمنة، إلا أن هذه المفاوضات الكثيفة، خاصة في الآونة الأخيرة، لم تثمر، مما أدى إلى تصعيد المواقف.
من أهم ما حصل في الأيام القليلة الماضية ما يلي:
١. مساء يوم الجمعة الماضي: اجتماع في بروكسل بين قادة الإتحاد الاوروبي والحكومة اليونانية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي للنقاش حول ما يجب على اليونان فعله للحصول على المساعدة بمبلغ قدره 15.3 مليار يورو و التي تحتاجها لدفع ما يترتب عليها من ديون، وخاصة قبل الثلاثين من حزيران. إلّا أن النقاشات لم تجري وفق المتوقع وخرج طاقم اليونان من الاجنماع.
٢. منتصف ليل يوم الجمعة بعد الاجتماع: ظهر رئيس الوزراء اليوناني (Tsipras) على القنوات المحلية وخاطب الشعب اليوناني قائلاً أن ما يقترحه الطرف الآخر من الطاولة سيقوم برمي أعباء جديدة على الشعب اليوناني. وبناء عليه طلب من الشعب اليوناني إجراء استفتاء حول القبول بهذه الإقتراحات أو رفضها حاثاً إياهم على رفض ما وصفه بالإبتزاز من قبل الدائنين.
٣. يوم السبت: وعقب ظهور رئيس الوزراء اليوناني على التلفاز، قام الناس في كافة أرجاء اليونان بسحب أموالهم من المصارف، إذ أنه من المتوقع أن الاستفتاء الذي طلبه رئيس وزرائهم سوف يوقف عملية المساعدة لدفع الديون المترتبة على لحكومة يوم الثلاثاء 30 حزيران، وبالتالي تجميد وضبط الأموال العاجل من قبل الحكومة وذلك لمنع إفلاسها وانهيار نظامها المصرفي الذي يعتمد كل الإعتماد على دعم البنك المركزي الأوربي
٤. يوم السبت بعد الظهر: أعرب مسؤولي الإتحاد الأوروبي عن صدمتهم ومعارضتهم الشديدة للاستفتاء، ورفضوا طلب وزير المالية اليوناني (Yanis Varoufakis) بتمديد فترة مساعدات الإنقاذ حتّى يتم عقد الاستفتاء.
٥. يوم الأحد بعد الظهر: أعلن البنك المركزي الأوروبي عن تجميد القروض المالية الطارئة والتي وصلت قيمتها إلى 89 مليار يورو مخصصة للبنوك اليونانية والتي بفضلها استطاعت هذه البنوك المواصلة رغم المليارات التي سحبت منها من قبل العملاء في الأشهر الفائتة.
هذه الخطوة الأخيرة من البنك المركزي الأوروبي أدت إلى ظهور رئيس الوزراء اليوناني على التلفاز من جديد معلناً إغلاق البنوك ابتداءاً من يوم غد لأجل التحكم بالأموال الموجودة ومنع الفوضى المالية في أعقاب انهيار المحادثات مع الدائنين، كما ألقى اللوم على السلطات الأوروبية واتهمهم بمحاولة خنق إرادة الشعب اليوناني، وأكد على أنهم لن ينجحوا وطلب من شعبه الهدوء قائلاً أن ودائعهم المالية بأمان.
بذلك تكون اليونان ثاني بلد في منطقة اليورو يقوم بسياسة الضبط هذه، بعد ما اتبعتها قبرص عام 2013 خلال الأزمة التي مرّت بها. وقد تبقى المصارف اليونانية مغلقة عدة أيام.
زمة المالية في اليونان والتي بدأت منذ خمس سنوات، اتخذت منعطفاً نحو الأسوء وخاصة بعد طلب رئيس الوزراء القيام بعملية الإستفتاء و بذلك تكون اليونان أقرب من أي وقت مضى للخروج من منطقة اليورو.
إن حصل ذلك، فستكون اليونان أول بلد يقوم بمثل هذه الخطوة التاريخية منذ تشكيل منطقة اليورو عام 1999، وإن دلّ ذلك على شيء، فهو أن منطقة اليورو قابلة للعودة إلى الوراء، ومن الجدير بالذكر، أن اليونان ليست الوحيدة، فعلى سبيل المثال هناك دول مثل إسبانيا و البرتغال و إيطاليا تعاني من أزمات مماثلة.