ذكريات “الفجر الكاذب” تكبح انتعاش النفط الصخري
قبل عامين كانت فصول دورة “ريغ ماكدونالد” للحفر النفطي التي تصل مدتها الى 20 يوما تغص بنحو 40 طالبا متلهفين للفوز بوظائف مجزية في قطاع النفط والغاز المزدهر، الآن يحالف ريغ الحظ إذا تقدم خمسة طلبة فقط لتسجيل أسمائهم.
كان الانحدار الأخير في أسعار النفط هو القشة التي قصمت ظهر البعير لعمال كثيرين كانوا يتعافون للتو بعد التباطؤ السابق في 2008 حسبما يقول ماكدونالد رئيس مدارس الحفر البحري في نوفا سكوشيا بكندا والتي تدرب العمال المستجدين والمتمرسين على حد سواء للالتحاق بوظائف حقول النفط في أنحاء العالم.
وقال ماكدونالد الذي يعمل في القطاع منذ منتصف السبعينيات “ليس مستقرا. طبيعته دورية للغاية. تحوز قصب السبق ثم تخسر.”
واقتربت تعطيلات المعروض بأسعار النفط من مستوى 50 دولارا للبرميل الذي يقول العديد من منتجي النفط الصخري الأميركيين إنهم يحتاجونه لرفع الإنتاج وقد تسارع الحفر في بعض أفضل الرقع النفطية.
لكن حوارات مع كبار المنتجين والمقاولين والموردين تشير إلى أن أي تعاف سيكون شديد الاختلاف عن طفرة النفط الصخري بين عامي 2009 و2014 التي رفعت إنتاج الولايات المتحدة من الخام إلى مثليه تقريبا وحولتها إلى أحد أكبر المنتجين العالميين.
وفقد آلاف العمال خلال التباطؤ الذي استمر عامين وندرة المرشحين ليحلوا محلهم ليس إلا أحد التحديات.
ويتحدث خبراء النفط أيضا عن معدات توقفت عن العمل لفترة طويلة جدا حتى أصبحت غير صالحة للاستخدام وارتفاع تكاليف الخدمات وخطر المعروض الزائد من الآبار غير المكتملة.
وكان مسح أجراه بنك دالاس الاحتياطي الاتحادي لنحو 200 شركة نفطية الشهر الماضي قد خلص إلى أن 70% متفائلون بارتفاع أسعار النفط في غضون سنة، لكنه تفاؤل حذر تشوبه عوامل مثل تراجع النفط 13% في الأسابيع القليلة الماضية إلى حوالي 45 دولارا للبرميل.
ويقول رئيس “ولدر للتنقيب والإنتاج” رايموند ولدر الذي تملك شركته أكثر من 150 بئرا في جنوب تكساس: “النفط داعب 51 دولارا لنحو أربع ساعات ويجب أن أعترف أنني شعرت بتحسن بعد ظهر ذلك الخميس. لكنه لم يدم طويلا.”
100 الف وظيفة ضاعت
ويرى المنتجون ووكلاء التوظيف إنه إذا تعافى النفط على مدى العامين أو الاعوام الثلاثة المقبلة فإن نقص العمال سينال من القطاع بعنف، فقد ضاع أكثر من 100 ألف وظيفة أميركية في استخراج النفط والغاز منذ أواخر 2014 وفقا لمكتب إحصاءات العمل، وتقلصت قوة العمل التي ستكون متاحة عندما يشتد عود التعافي بسبب التقاعد المبكر وتناقص توظيف الخريجين الجدد إلى الحد الأدنى وتحول المتخصصين إلى قطاعات أخرى.
ويرى نائب الرئيس التنفيذي في “شتات أويل اميركا” في هيوستن تورغريم رايتان إن نقص المقاولين المهرة سيجبر المنتجين على تقليص خططهم إذا حاولوا تعزيز الإنتاج على مدى الأشهر الستة المقبلة أو نحوها، وقال: “جرى تسريح الكثيرين وغادر كثيرون القطاع.. ينبغي أن نستعد لنمو في النشاط سيكون بوتيرة أبطأ مما كنا نعتقد في وقت سابق”.
وفي ظل استمرار ندرة الوظائف في قطاع الطاقة فإن بعض خريجي هندسة البترول يتجهون إلى الوظائف الأكثر أمانا حتى إذا لم تضاهي أجور القطاع التي تقع في خانة المئة ألف دولار.
لكن موظفين سابقين في النفط والغاز يزمعون العودة للقطاع إذا واتتهم الفرصة لأن الدخل المادي كان جيدا.
وتزداد صعوبة رفع الإنتاج مع كل شهر تقبع فيه منصات الحفر والآلات الأخرى دون عمل لأنه عادة ما يجري تفكيكها للاستفادة من مكوناتها كقطع غيار للمعدات التي مازالت تعمل، لكن الطاقة الإنتاجية التي كانت موجودة قبل عامين أصابها الشلل وسيستغرق الأمر بعض الوقت لتعويض ذلك على حد تعبير الأستاذة المساعدة في كلية كولورادو للتعدين جنيفر ميسكيمينس.
وفورات التقنيات الحديثة
ويتخوف قطاع انتاج النفط الصخري أيضا من أنّ بعض وفورات التكلفة المثيرة للإعجاب التي سمحت للمنتجين بالبقاء في ظل أسعار نفط أقل منذ ذروة يونيو 2014 قد لا تستمر هي الأخرى، ففي حين ساعدت تقنيات الحفر الجديدة في خفض التكاليف، لعب انهيار أسعار الخدمات والإمدادات دورا أيضا.
والآن تقوم بعض شركات خدمات الحقول النفطية متشجعة ببشائر عودة النشاط برفع أسعارها وفقا لبنك الاستثمار “إيفركور آي.اس.آي” نقلا عن مصادر له بالقطاع.
وذكريات “الفجر الكاذب” في العام الماضي عندما صعد النفط إلى 60 دولارا للبرميل قبل أن ينهار في النصف الثاني من العام تدفع أيضا ضد أي زيادات قوية في الإنتاج، ثم هناك الآبار غير المكتملة التي يمكن الانتهاء منها سريعا مما سيفرج عن معروض إضافي بمئات الآلاف من البراميل يوميا بما قد يكبح السعر مجددا.
ويزيد المنتجون الأميركيون عدد الحفارات بإيقاع أبطأ من 2015 عندما أضافوا 50 حفارة خلال شهرين فقط استجابة لقفزة مفاجئة في الأسعار وذلك وفقا لبيانات “بيكر هيوز”.
وتتوقع وود ماكنزي الاستشارية إضافة 22 حفارة بنهاية العام و160 في العام القادم، لكن بيل توماس الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج النفط الصخري الرئيسية “إي.أو.جي ريسورسز” حذر في الفترة الأخيرة من أن الأمر قد ينتهي بالمنتجين إلى حفر أكثر مما تمليه الجدوى الاقتصادية، وهو أبلغ مؤتمرا للمحللين “قطاعنا لديه عادة سيئة تتمثل في تدمير رأس المال… سيكون موتا بطيئا لكن في ضوء أسعار النفط المتوسطة فإن مساحات كبيرة قيد الحفر في الولايات المتحدة لن تكون منتجة أبدا.”