لماذا تزايدت حالات إفلاس الشركات بالإمارات وهروبها إلى خارج البلاد؟
شهدت الإمارات العربية المُتحدة مؤخرًا العديد من حالات الإعسار المالي، بعدما تعرضت شركات القطاع الخاص الإماراتية لضغوط جراء تراكم الديون عليها وزيادة نسبة التعثر مع عدم قدرتها على السداد مما أجبرها على التقاعس عن سداد ديونها والتزاماتها المالية والاستحقاقات والفواتير المتأخرة المتزايدة، بسبب النقص الحاد في السيولة المالية، وسط نضوب تدريجى للسيولة في النظام المصرفي، والتباطؤ الاقتصادي وهبوط أسعار النفط ما تبعه من إنعكاسات سلبية، تمثلت في توقف بنوك محلية وعالمية عدة بصورة غير مباشرة عن تمويل المشاريع الجديدة، لاسيما مشاريع البناء، ما أثَّر بشدة على المشاريع الإعمارية.
مما جعل تلك الشركات تُكافح بشدة من أجل البقاء وسداد التزاماتها في الوقت المُحدد، وبعضهم حتى اضطروا إلى الفرار من البلاد؛ هربًا من الديون التي لا يمكن سدادها، ونتيجة لذلك لجأت بعض من أصحاب تلك الشركات – خاصة الصغيرة والمُتوسطة منها – إلى الهروب خارج البلاد، دون سداد الديون المستحقة عليها، بدلًا من البقاء فيها ومحاولة تسوية ديونهم.
وذلك خشية ما سيلقونه من عواقب في ضوء القوانين المعمول بها هُناك، والتي تعتبر عجز الشركات عن سد الديون جريمة جنائية، وقد يقود إلى تحرك قانوني لاستعادة القرض من الشركات وأصحابها، ما تسبب بهرب الكثير من المستثمرين قبل اعتقالهم أو صدور أمر ضبط قضائي ضدهم.
حيث يتعرض بموجبها محررو الشيكات بدون رصيد للمُحاكمة والسجن، مما دفع الشركات التي تواجه صعوبات مالية لاتخاذ ما يرون أنه الخيار الأكثر أمانًا، وهو الهرب ومغادرة البلاد نهائيًا تاركين خلفهم ديونهم الكبيرة للبنوك، وسياراتهم التي تصطف في ساحات المطارات هُناك، فيما تخلف آخرون ممن بقوا في البلاد عن سداد ديون، وألقي القبض عليهم في بعض الحالات، فيما سجن آخرون.
وذلك وفقًا لما جاء في دراسة تم أجراءها على عينة تُقدر بـ 33000 شركة من الإمارات والسعودية، (بلغ أكثر من 80% منها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم)، من خلال وكالة إدارة الائتمان الفرنسية Coface – كوفاس، والمُتخصصة في إدارة التأميـن على الائتمان التجاري وتقديم خدمات التأمين علـى القروض وحلول معلومات المخاطر، والتي تراقب المعاملات الائتمانية لعدد 20 ألف شركة في دولة الإمارات.
وسوف نورد فيما يلى بعض البيانات عن الوضع الائتماني في الإمارات وفقًا لما جاء بتقرير وكالة Coface الائتماني:-
حيث أقر التقرير الصادر عن وكالة كوفاس بعد تحليل البيانات التي تم جمعها من الربع الأخير لعام 2015 إلى الربع الثانى للعام الحالى 2016، بأن هُناك زيادة كبيرة في عدد الشركات التي تُعانى العسر المالي، وانخفاض التدفُقات النقدية والتأخُر في دفع التزاماتها المالية.
فقال التقرير أنه فيما بين الربع الثالث لعام 2015، وأول ثلاثة أشهر من العام الحالى 2016 (يوليو 2015 : مارس 2016)، هرب نحو 239 – أو يزيد – من الشركات بالإمارات – بها نسبة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة – لتجنُب دفع الديون. أكثر من نصفهم 54٪ منهم تقع ضمن مجال التجارة العامة، في حين شهد قطاع الأغذية 32 شركة هاربة، بينما قطاع الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات شهدت 29 حالة هروب، وشهد قطاع البتروكيماويات 18 حالة هروب لشركات إماراتية.
وعلق الرئيس التنفيذي لوكالة كوفاس الشرق الأوسط Massimo Falcioni – ماسيمو فالشيونى على ما جاء بالتقرير قائلًا إن حالات الهروب خلال الفترة من يوليو 2015 إلى مارس 2016 أعلى ثلاث مرات من العام السابق، غير أن البيانات الأولية من الربع الثاني لـ 2016 – والتي لم يتم تجميعها حتى الآن – تشير لأن الوضع آخذ في التحسن وبدء يستقر قليلًا، فقد استقر عدد حالات الإفلاس، بعدما أغلقت الشركات الأضعف بالفعل.
ومؤكدًا على أنه لا يوجد قانون ينظم علمية الإفلاس والإعسار في الإمارات؛ لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على إعادة هيكلة الضغوط المالية، إذا كان هناك قانون يهدف للتخفيف من حالات التعثر بين الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال وقف اتخاذ إجراءات قانونية بحق الشركات المتعثرة لثلاثة أشهر، كُنا سنرى مما لا شك فيه عدد أقل من الشركات الهاربة.
وكان قطاعى المعادن والبناء، هما الأكثر تضررًا، إذ ارتفعت إخطارات المدفوعات المتأخرة بنسبة 26% بين الربع الرابع من عام 2015 والربع الأول من عام 2016، كما نجد أن متوسط شروط الدفع للشركات العاملة بالقطاعين قد ارتفعت من 120 يومًا إلى 243 يومًا، بزيادة قدرها 102%؛ بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض الطلب على الصادرات.
أما عن متوسط شروط الدفع في قطاع تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات قد ارتفع بنسبة أكثر من ثلاث مرات من 30 يومًا إلى 105 يومًا بزيادة 250%، في حين شهد قطاع البتروكيماويات متوسط شروط الدفع أكثر من الضعف من 30 يومًا إلى 78 يومًا، بزيادة 160%.
وقد سعت الشركات الإماراتية المُتعثرة لخفض تكاليف العمالة والرواتب والحد من التوظيف، وتقليص الإنفاق وتأجيل بعض المشروعات، والتفاوض مع البنوك من أجل الحصول على تسهيلات ائتمانية، وتحسين شروط الدفع وإخراج التأمين التجاري في استجابة لظروف السوق الصعبة. وفي الوقت نفسه، مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي سمح بإعطاء البنوك مهلة 90 يومًا للشركات الصغيرة والمتوسطة للوفاء بالتزاماتها…