أزمة طاحنة في ليبيا والليبيون يبيعون حليهم لشراء الأدوية
في ميدان وراء بنك ليبيا المركزي ينتشر بائعين السوق الموازية بعضهم حامل سلاح وبحوزتهم أكياس بلاستيكية سمراء ضئيلة معبأة بالدولارات وأخرى أضخم حجما معبأة بالدنانير وقد انخرطوا في أحدى عمليات كثيرة غير حكومية لتبديل الورقة النقدية.
يقوم بشراء البائعين الطعام والسلع الأخرى من الخارج بقيمة الاستبدال المعترف به رسميا ويبيعونها بالسعر غير المعترف به رسميا محققين بهذا أرباحا عظيمة فيما يجني آخرون أرباحا مماثلة من خلال تهريب المحروقات المدعوم إلى الخارج.
أما في أزقة المدينة القديمة فقد لجأ السكان لبيع الحلي أو الدولارات المخبأة في البيوت حيث ألقت المناحرة الذائعة في البلاد طوال ستة سنين منذ وقوع قرار معمر القذافي بظلالها عليهم.
تقول فاطمة (40 عاما) من مدينة سبها الجنوبية ”لم أتلق راتبي منذ أربعة أشهر“ وقد كانت تتحدث فيما تبيع ثلاث قطع ضئيلة من الذهب لشراء علاج السكري لشقيقتها حسينة التي أضافت ”نحن عاجزون، لا نستطيع إجراء أي شيءآخر“.
وفي شواهد أخرى على ازدياد معدل الفقر تتسول نساء مسنات من راكبي المركبات في طرق طرابلس فيما تصطف الأسر للاستحواز على حصص من طعام الصدقات. وتبدو تقديرات منظمة الأمم المتحدة أن باتجاه 1.3 مليون فرد في ليبيا يحتاجون عون إنسانية في العام الجاري.
واتخذ وضع المدنيين الليبيين منعطف أسوأ في الأسبوعين الماضيين حيث شهد سعر دفع الدينار في السوق الموازية هبوطا جديدا بعد أن دام لمدة طويلة نحو معدلات شديدة التدني الأمر الذي عزز غلاء التضخم الذي يسجل بالفعل ما بين 25 و30 بالمئة.
ويقوم باتهام المصرف المركزي ديوان المحاسبة والحكومة التي تدعمها منظمة الأمم المتحدة بحجب خطابات الائتمان التي تمول الإمدادات الرئيسية لبلد منقسم يؤثر الفراغ الأمني وشبكات التهريب الذائعة به على النطاق عموما.
ورصد مسؤولون طلبات مريبة أحدها لاستيراد تونة بسعر 120 ألف دولار أي أكثر الأمر الذي يستهلكه البلد مرة كل عام استنادا لما ذكره بائع ليبي مناشدة عدم حفظ اسمه خشية انتقام الجماعات المسلحة ذات التأثير في ليبيا.
وصرح البائع إنه تم تخصيص ائتمانات بسعر 2.5 مليار دولار لاغير من أصل 7.4 مليار دولار قد كانت منتظر وقوعها الأمر الذي إعطاء الورقة النقدية المحلية إلى التقهقر قبالة الدولار نحو 9.25 دينار من 8.5 دينار في السوق الغير رسمية. وانخفضت نفيسة الورقة النقدية زيادة عن 600 بالمئة منذ بداية 2014.
ولم يتسن الوصول لوزارة الاستثمار حتى هذه اللحظة للتعليق على نسق ائتمان معقد يتجاوز عبر المصارف التجارية وتشوبه، وفق ديوان المحاسبة، مخالفات مع عدم تواجد الرقابة.
وصرح محافظ بنك ليبيا المركزي الصديق الهائل في اجتماع صحفي قليل وجوده الثلاثاء ”نتكلم على وضع استثماري ومالي سيء بشكل كبير... الكل يتحمل المسؤولية سواء ناحية تشريعية أو تنفيذية“.
* سلام عسير المنال
يقول بائعين وخبراء استثمار إن الضبابية السياسية عامل أساسي يضعف الورقة النقدية حيث تم تعليق مفاوضات تتوسط بها منظمة الأمم المتحدة لإبرام اتفاق بين الفصائل المتنازعة في الحين الراهن.
وتكافح ليبيا لتمويل واردات الطعام وحماية احتياطياتها من النقد الأجنبي التي يقدر المصرف العالمي أنها ستبلغ 67.5 مليار دولار بنهاية العام القائم مضاهاة مع 123.5 مليار دولار في 2012.
ويقول أهل خبرة دوليون إن الاتجاه الأوحد لحل التشاحن هو قلص نفيسة الدينار عن سعر الاستبدال المعترف به رسميا القائم البالغ 1.37 دينار للورقة الخضراء. بل جلسة التفاهم على تخطيطية استثمارية في بلد تتحكم فيه فصائل مسلحة وحكومتان متنازعتان وفي عدم حضور أي ميزانية ليس بالمهمة السهلة.
كما أن أي أقلية من أصحاب التأثير أو تربط أفرادها صلات متينة وتتربح من استثمار مواز مزدهر لن يصبح من مصلحتها التحويل.
ولم يعلق المصرف المركزي على فكرة قلص نفيسة الورقة النقدية بل أهل خبرة استثمار ودبلوماسيين يقولون إن المصرف لا يريد قلص نفيسة الدينار دون تدبير سياسة نقدية جاهزة للتعامل مع الصدمة الناتجة عن هذا.
ونجحت ليبيا في العام القائم في رفع إنتاجها النفطي إلى باتجاه مليون برميل كل يوم بل الإصدار يقل بكثير عن معدلات ما قبل انتفاضة سنة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي.
وتستخدم أكثرية إيرادات البترول، التي تشكل عادة باتجاه 80 بالمئة من الناتج الإقليمي الإجمالي، لدفع المدفوعات الشهرية بما في هذا مدفوعات شهرية الفصائل المسلحة التي أضيفت للكشوف الرسمية لدورها في الانتفاضة. وتشمل مخصصات المساندة ما يمر أربعة مليارات دولار مرة واحدة فى السنة لمساندة المحروقات، وهو من أعلى مستويات المساندة في العالم.
وصرح حسني بي قائد زمرة حسني بي، إحدى أضخم مؤسسات القطاع المخصص في ليبيا، إن العلاوات على سعر الاستبدال المعترف به رسميا والوقود المعزز حولت ليبيا إلى ”جنة دفع مورد مالي عبر الحدود للمجرمين والإرهابيين“.
وألحق ”عدم الثبات في ليبيا هذا النهار معظمه إجرامي الطابع نتيجة لـ عدم تواجد سعر دفع متوازن للدينار الليبي كما ينبغي تحويل المساندة من المنتجات إلى مساهمات نقدية على الفور“.
وأنفقت ليبيا في العام السالف باتجاه 26 مليار دولار لكنها أحرزت ستة مليارات دولار لاغير.
وتحدث مارك جريفيث زعيم بعثة البنك الدولي لدى ليبيا ”ذلك العام نتوقع مبالغة الإيرادات إلى باتجاه 14 مليار دولار بل على الأرجح أن يصبح الإنفاق زيادة عن مثلي هذا... ذلك لا يستطيع أن يتواصل“.
وأبان توثيق لوزارة المالية أن السلطات تحاول لتقليص فاتورة مدفوعات شهرية القطاع العام بكمية خمسة مليارات دينار مرة واحدة فى السنة والتصدي للمخالفات من خلال تسريح باتجاه 100 ألف إنسان كانوا يحصلون على العديد من مدفوعات شهرية.
واعتاد الليبيون على وفرة الوظائف الرسمية وإعانات الجمهورية حيث حاول القذافي لشراء ولاء أشخاص الشعب. وقد كان العمال المهاجرون يقومون بالأعمال اليدوية وحالياً حل محلهم البسطاء من الليبيين.
وتحدث سلمان راشد، وهو مستوظف قطاع سنة، ”منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2016 لم أستلم من راتبي 500 دينار ليبي سوى ثلاثة أشهر ومرتين 250 دينار. وذلك لا يكفي للاحتياجات اليومية“.
وأزاد ”هذه اللحظة أنا أعمل في إجراءات التشييد وصيانة المباني“.
وسحب أصحاب الإجراءات ودائعهم من المصارف خوفا من أن يسرب الموظفون بيانات عنهم لخاطفين فيما فضل آخرون الاحتفاظ بالأموال في المنزل.
وفي محل آخر بالمدينة القديمة أفادت امرأة تدعى كريمة قد كانت تحول 500 يورو ”أحتاج الذهاب إلى تونس لفعل عملية وأنا أبيع مدخراتي من الورقة النقدية العسيرة، الحين عسير بشكل كبير هذه اللحظة“.
وصرح صاحب محل يدعى صلاح الدين زرتي (52 عاما) إن ما يبلغ إلى عشرة أفراد يأتون كل يوم لبيع حليهم.
واستكمل ”في الطليعة كان الوضع جميع 24 ساعة، ولكن أعتقد أن الناس بدأوا في استنفاد مجوهراتهم“.