للمرة التاسعة في 122 عاما .. هزة الأسواق الأمريكية تثير ذعر المستثمرين و إلى أي مدى تعود بالفائدة على الاقتصاد السعودي؟
مع هبوط المؤشرات الثلاثة الرئيسة للأسهم الأمريكية، سادت حالة من القلق الشديد في الداخل الأمريكي، لكن القلق لم يقف عند حدود الولايات المتحدة، إذ أثار ما حدث توترات ملحوظة في أوروبا ومنطقة شرق وجنوب شرق آسيا.
وتكبد مؤشر داو جونز الصناعي أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية منذ يونيو 2016، بعد أن أثارت قفزة لعوائد السندات موجة مبيعات في بورصة وول ستريت.
وأنهى داو جونز الجلسة منخفضا 665.75 نقطة، أو 2.54 في المائة، إلى 25520.96 نقطة بينما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز500 الأوسع نطاقا 59.98 نقطة، أو 2.12 في المائة، ليغلق عند 2762.13 نقطة.
وأغلق مؤشر ناسداك المجمع منخفضا 144.92 نقطة، أو 1.96 في المائة، إلى 7240.95 نقطة، وأنهي "داو جونز" الأسبوع على خسارة قدرها 4.12 في المائة في حين هبط "ستاندر آند بورز" 3.86 في المائة و"ناسداك" 3.53 في المائة، وهذا هو أسوأ أسبوع لـ"داو جونز" و"ستاندرد آند بورز" منذ يناير 2016، وأسوأ أسبوع لـ"ناسداك" منذ فبراير 2016.
وتثير تلك الانخفاضات مجموعة من الأسئلة في الأسواق الأمريكية والدولية، إذ طرحت تساؤلات عن أسباب تلك الهزة؟ وهل هي بداية لهزة أكبر أكثر خطورة في الأسواق مستقبلا؟ وهل ستتطلب مواجهة هذا الوضع الجديد العودة مرة أخرى إلى السياسات المالية التي تم التخلي عنها أخيرا مثل سياسة التيسير الكمي وأسعار الفائدة المنخفضة؟
وتنبع أهمية تلك الأسئلة من أن خسارة مؤشر داو جونز 600 نقطة في يوم واحد، من الأمور نادرة الحدوث، والتراجع بذلك المعدل يعد المرة التاسعة التي تحدث في تاريخ هذا المؤشر الذي يعود إلى 122 عاما مضت.
كما أن خسارته 666 نقطة يعد سادس أسوأ انخفاض يتعرض له في تاريخه، وإذا استثنينا ما حدث يوم الجمعة، فإن المرات الثماني السابقة التي أغلق فيها المؤشر منخفضا بـ 600 نقطة حدث نصفها خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وهذا تحديدا ما يثير الفزع حاليا في الأسواق، فهل يقف الاقتصاد العالمي عند بداية جديدة لأزمة مالية عالمية جديدة؟
وبعد استطلاع آراء مجموعة من الخبراء والمحللين الماليين حول أسباب ما حدث، وتداعياته المستقبلية للتعرف على تفاصيل المشهد الاقتصادي الدولي خلال الفترة المقبلة.
آندي جيف أحد كبار المحللين الاستراتيجيين في بورصة لندن يعتقد أن الأسواق لم تفاجئ أحدا، وأن ما حدث كان متوقعا بعد أن وصلت الأسهم إلى أعلى مستوى لها، وعديد من المؤشرات في الفترة الماضية مثل استطلاعات الرأي، وأبحاث التقييم، ومسار رؤوس الأموال من أسواق الأسهم، كانت شديدة الوضوح في الأسابيع الماضية، لكن أغلب المستثمرين لم يولوها الاهتمام اللازم.
ويضيف جيف، أن "الأسهم بلغت أعلى نقطة لها خلال الأيام الماضية، وكان ذلك واضحا نتيجة الارتفاعات الملحوظة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وكان يجب إدراك أن الأسواق تريد وقفة لالتقاط الأنفاس، فمارثون الارتفاع المتواصل خلال العام الماضي، كان يجب أن يتوقف حتى تلتقط الأسواق أنفاسها، وما حدث الآن ليس أكثر من مسعى من كبار المستثمرين لجني الأرباح، وهو ما يدفعهم إلى بيع أسهمهم".
ويؤكد جيف أن ما يحدث الآن هو عملية تصحيح نتيجة النمو المريح للأسواق نتيجة تقييمات مرتفعة وربما مبالغ فيها للأسهم"، ولكن كيف يمكن لما حدث أن يحصل في ظل النمو الأمريكي والعالمي القوي؟ وفي ظل إدارة أمريكية أبعد ما تكون عن فكرة التدخل الحكومي في الأسواق؟
وفي ظل تصريحات جيروم باول رئيس المجلس الفيدرالي أخيرا بشأن شكوكه في كفاءة فكرة تدخل البنوك المركزية - وبالطبع في مقدمتها البنك المركزي الأمريكي - في الأسواق، وهي الفكرة التي سادت تقريبا منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008.
الدكتور كيفن سميث أستاذ المالية العامة يعتقد أن ما حدث يدق جرس الإنذار، ولكن لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد الأمريكي أو الاقتصاد العالمي في طريقة إلى الكارثة مجددا.
ويضيف سميث أنه "على الرغم من الانخفاض الشديد في المؤشرات الرئيسة الثلاثة في البورصة الأمريكية، فإن كثيرا من الاستراتيجيين لا تزال قناعتهم أن الأسواق ستعود إلى سابق عهدها، وأن ما حدث يمكن تداركه".
ويرجع سميث أسباب ما حدث إلى التغيرات التي انتابت أسعار الفائدة الأمريكية العام الماضي، ويشير إلى أنه "من الواضح الآن أن الأسواق لم تكن مستعدة بشكل صحي وسليم، لتقبل الزيادات التي حدثت في أسعار الفائدة الأمريكية العام الماضي، ويبدو بالنسبة لي أن تلك الزيادات كانت متسرعة، صحيح أنه كان هناك تحسن في صحة الاقتصاد الأمريكي، وبدا ذلك مغريا لرفع الفائدة، ولكن يبدو أيضا أن الاقتصاد الوطني وعلى الرغم من تحسنه كان في حاجة إلى مزيد من الوقت لاستعادة عافيته، فرفع أسعار الفائدة طرح في الأسواق منافسا آخر لسوق الأسهم، وهو ما لم يكن من الواجب القيام به بشكل سريع ومتسرع".
ويضيف سميث أن "الإدارة الأمريكية الراهنة في مآزق، فموقفها الأيدلوجي رافض لتدخل البنوك المركزية في الأسواق، ولكن إذا لم يتم احتواء ما حدث يوم الجمعة، فإن الأزمة ربما تتفاقم، وستكون الوسيلة المثلي لإعادة برنامج التيسير الكمي ولو جزئيا، والحد من عدد مرات رفع أسعار الفائدة الأمريكية".
ويرى آلان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق أن أسواق الأسهم والسندات في الولايات المتحدة تشهد فقاعة في الوقت الحالي مؤكدا أن واشنطن تتجه إلى زيادة كبيرة في معدلات الفائدة على المدى البعيد.
وقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء الماضي ترك سعر الفائدة كما هو دون تغيير لكنه أبقى على توقعات زيادة سعر الفائدة ثلاث مرات في العام الجاري متبوعة بثلاث زيادات في العام الماضي.
وارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى مستوى منذ أبريل 2014، وتلقت البورصة الأمريكية دفعة إيجابية من ارتفاع سهم "فيسبوك" لأعلى مستوى على الإطلاق خلال الجلسة عقب نتائج أعمال متباينة.
وتعرضت المؤشرات الأمريكية إلى ضغوط عقب بيانات اقتصادية تكشف تراجع النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة لكن بأقل من التقديرات، كما هبط معدل الإنتاجية الأمريكية خلال الربع الرابع من 2017 للمرة الأولى منذ 2016، بينما شهدت طلبات إعانة البطالة انخفاضا بلغ ألف طلب في الأسبوع الماضي.
ومع هذا يفضل البعض أن يصف ما يحدث بتقلصات الأسواق، فمن وجهة نظر هذا التيار أن القوة الأساسية للاقتصاد الأمريكي لا تزال سليمة، وتسير في الاتجاه الصحيح بصفة عامة، ومستوى أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاعه العام الماضي لا يزال منخفضا للغاية، وهو ما يشجع المدخرين على التوجه لسوق الأسهم، ويعزز قدرات المستثمرين على الاقتراض، ومن ثم توسيع أنشطتهم الاقتصادية، ورفع معدلات التوظيف.
ولهذا فإن ما يحدث هو إعادة تسعير صحي للأسهم، ولا يعد إشارة على شيء سيئ، وما شهدته الأسواق الأمريكية يوم الجمعة، لا يتجاوز حدود رد الفعل على انتهاء عصر التيسير الكمي.
مارجريت ليو الاستشارية في المؤسسة الدولية للاستثمارات المالية تعد أن ما حدث في الأسواق الأمريكية، لن تتجاوز آثاره الاقتصاد الأمريكي، وأن حالة التوتر التي ستصيب البورصات الدولية، وضع مؤقت ينبع من مركزية الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد الدولي، ولا تنبع من تأثيرات اقتصادية واقعية وملموسة في الأسواق، مثل انخفاض الطلب العالمي، أو اهتزاز سوق العملات الدولية.
وتضيف أن "الأصوات المتشائمة ستفسر ما حدث على أنه بداية لمرحلة انكماشية في الاقتصاد الأمريكي، وأن ذلك سيجر معه الاقتصاد الدولي إلى أسفل السلم. ولكن هذا لن يحدث، ستتوقف الأسواق بعد الوقت للتفكير ودراسة ما حدث، ولكنه توقف مؤقت، لن يمنع مسيرة نمو الاقتصاد العالمي من المضي قدما للأمام".
ويصبح التساؤل إلى أي مدى يمكن لتلك التغيرات في سوق الأسهم الأمريكية، أن تعود بالفائدة على الاقتصاد السعودي؟
توصيات إف إكس أرابيا في أسهم الأسواق السعودية - تاسي-TASI
البروفيسور إل. آر. غورن أستاذ الاقتصاد الدولي يرى أنه "يمكن النظر إلى تلك التطورات في سوق الأسهم الأمريكي وتأثيرها على السوق السعودي من جانبين
الأول هو أن بعض المستثمرين السعوديين ستتعرض استثماراتهم الخاصة في سوق الأسهم الأمريكية إلى التراجع، نتيجة انخفاض أسعار أسهم الشركات المساهمين فيها، ولكن يجب أن نلاحظ أن الاستثمارات السعودية الفردية في سوق الأسهم الأمريكي، لا تمثل نسبة كبيرة سواء من الحصة الكلية للأسهم الأمريكية، أو حتى من المحفظة الاستثمارية الكلية لرؤوس أموال المستثمرين السعوديين
يمكن القول إن خسائر رجال الأعمال السعوديين ستكون في مجملها طفيفة وغير مؤثرة".
ويضيف غورن أن "الجانب الآخر الأكثر إشراقا بالنسبة لاقتصاد المملكة يتعلق بالفوائد الضخمة التي ستجنيها من الاستثمارات المهولة في سندات الخزانة الأمريكية، فالرياض عززت أخيرا استثماراتها في تلك السندات بمليارات الدولارات، فقد بلغت في أغسطس الماضي وفق المصادر الأمريكية 137.4 مليار دولار
تشير التقديرات إلى أن السعودية ضمن أكبر 12 مستثمرا دوليا في سوق السندات الأمريكية، وقد زادت من استثماراتها في هذا المجال العام الماضي بنحو 45 في المائة، وهو ما قد ينجم عنه عوائد بالمليارات نتيجة ارتفاع عوائد السندات، وزيادة معدلات العائد يعني أن العوائد السعودية ستفوق أضعافا مضاعفة خسائر بعض رجال الأعمال السعوديين من انخفاض الأسهم الأمريكية".