لماذا استمر أعضاء «أوبك» في تسعير النفط بالدولار الأمريكي رغم الخسائر الضخمة من انخفاض الدولار مقابل العملات العالمية الأخرى في السنوات الأخيرة؟
إن الجواب ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فقد حاولت «أوبك» معالجة مشكلات انخفاض الدولار خلال 30 سنة الماضية ومع ذلك فإنها ما زالت تستخدمه لتسعير نفطها. هناك عوامل اقتصادية وفنية منعت «أوبك» من تسعير النفط بغير الدولار في الماضي. وهي العوامل نفسها التي تمنعها من التسعير بغير الدولار في الوقت الحالي.
العوامل الاقتصادية
تجارة النفط العالمية تحتاج إلى سيولة ضخمة، وهذه السيولة لا تتوافر في أي عملة إلا الدولار. لهذا فإنه لا يمكن تسعير النفط بالريال السعودي، أو العملة الخليجية المرتقبة، أو أي عملة يمكن أن تصدرها الدول العربية في المستقبل.
إن تسعير النفط باليورو بدلا من الدولار لن يغير سعر النفط في الأسواق العالمية، لأنه سواء تم بيع النفط بالدولار أو باليورو أو بسلة من العملات، فإن سعره سيبقى كما هو. إن السعر في هذه الحالة هو سعر البرميل بالدولار مقدراً بالعملات الأخرى حسب سعر الصرف السائد. وهنا لا بد من توضيح أمر مهم وهو أنه لم تقم أي دولة حتى الآن بتسعير النفط بغير الدولار، وما قام به العراق في عهد الرئيس صدام حسين أو إيران في وقت لاحق هو تسلم عائدات النفط باليورو، وليس تسعير النفط باليورو.
إن تسعير النفط بعملة غير الدولار مثل اليورو لن يحل مشكلة انخفاض القوة الشرائية للدول المنتجة, خاصة عندما يبدأ اليورو في الانخفاض مقابل الدولار. إن استخدام أي عملة لتسعير النفط سيكون لها الأثر نفسه, سواء كانت هذه العملة دولارا أو يورو أو ينّا.
إن منافع تسعير النفط بسلة من العملات محدودة, خاصة على المدى الطويل، فـ «أوبك» لن تستفيد كثيراً من تسعير نفطها بسلة من العملات, خاصة إذا كان هدفها استقرار القوة الشرائية لصادراتها النفطية، فالدولار سيكون له وزن كبير في هذه السلة بسبب الحجم الكبير للتجارة بين دول أوبك المقومة بالدولار، ولكن هناك وجهة نظر لا يمكن تجاهلها، وهي أن التخلص من الدولار قد يعني أيضا انخفاض دوره في التجارة الخارجية، وبالتالي, فإن دوره في أي سلة سيكون أقل من الوقت الحالي.
من الصعب جدا أن تتفق دول أوبك على سلة معينة، لأن تسعير النفط بسلة من العملات سيحقق منافع لبعض دول أوبك على حساب بقية الدول الأعضاء، فأعضاء «أوبك» يتوزعون في مناطق مختلفة تمتد من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا، مرورا بالشرق الأوسط. ونتيجة لهذا التنوع الجغرافي, فإن الشركاء التجاريين لكل دولة يختلفون عن شركاء الدولة الأخرى, ما يؤدي إلى اختلاف القوى الشرائية ضمن الدول الأعضاء.
العوامل الفنية
ما العملات التي يجب أن تتضمنها السلة؟ وما وزن كل عملة في السلة؟ وما العوامل التي تحدد وزن كل عملة في السلة؟ وكيف ستتم مراقبة السلة وسعر كل عملة؟ ومتى يجب على «أوبك» أن تراجع السلة ومحتوياتها؟ ومتى يجب على «أوبك» تغيير عملات السلة أو تغيير وزنها في السلة؟ هل على «أوبك» أن تصبح شرطي البنوك المركزية في شتى أنحاء العالم لمراقبة حركاتها كي تتمكن من تغيير وزن العملات في السلة قبل فوات الأوان؟ وما تكلفة عمليات المراقبة هذه؟ وهل الفوائد التي ستجنيها «أوبك» من استخدام سلة من العملات لتسعير نفوطها يحقق فوائد تفوق تكاليف إنشاء السلة ومراقبتها؟
إن هذه بعض المشكلات الفنية التي ستواجهها «أوبك» إذا قررت تسعير نفوطها بسلة من العملات بدلاً من الدولار. إن الجهود التي ستبذلها «أوبك» لإنجاح التسعير بسلة من العملات مكلفة للغاية. وهذه الجهود تتضمن وقتاً طويلاً من البحوث والمفاوضات والتطبيق والمراقبة. إن التحول إلى سلة من العملات يتطلب خبراء ذوي كفاءات عالية من شتى أنحاء العالم, الذين يعد توظيفهم مكلفا جداً بسبب أجورهم العالية، إضافة إلى ذلك, فإن تسعير النفط بسلة من العملات سيزيد من تعقيد أسواق النفط العالمية وسيفقدها بعض الشفافية. وببساطة, فإن تكلفة استخدام سلة من العملات ستفوق الفوائد من استخدامها. ولكن هذه الأسباب قد تكون منعت «أوبك» من تغيير التسعير إلى سلة من العملات في الماضي فقط, ولكنها لا تعد سبباً رئيساً في السنوات الأخيرة، فمعظم التحليلات الفنية يتم معالجتها ببرامج الحاسب الآلي المتقدمة التي تخفض التكاليف بشكل كبير. في هذه الحالة, فإن الأمر الذي لا يمكن أن تحله هذه البرامج هو اختيار العملات في السلة، لأنها تخضع لعدة عوامل سياسية واقتصادية.
الخلاصة إن الفوائد الاقتصادية من تسعير النفط بعملة غير الدولار محدودة، بينما ستكون التكاليف السياسية عالية. أما بالنسبة للعوامل الفنية، فرغم أنها مكلفة، إلا أنه يمكن حلها. المشكلة في هذه الحالة أن دول أوبك قد لا تتفق فيما بينها على محتويات السلة. لذلك فإن «أوبك» لن تسعر نفوطها بغير الدولار في المستقبل المنظور حتى لو استمر الدولار في الانخفاض. إن الزيادة الضخمة غير المتوقعة في الإيرادات النفطية خلال العامين الماضيين تجعل دول أوبك تستمر بنظام التسعير الحالي وتتجاهل موضوع انخفاض الدولار. إن الطرق الوحيدة التي تمكن دول أوبك من تخفيف الأثر السلبي لانخفاض الدولار هو زيادة تنويع الواردات. إن تنويع الواردات سيضمن قوة شرائية أكبر للصادرات النفطية من حالة تركيز الواردات. ويمكن لدول أوبك تحسين القوة الشرائية عن طريق تبني سياسات تجارية مرنة تسمح لهم بتغيير الواردات من بلد إلى آخر مع تغير أسعار صرف العملات.
رابط لنسخة من المقال في جريدة الاقتصادية من أكتوبر 2009
http://www.aleqt.com/2009/10/13/article_287467.html
إن الجواب ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فقد حاولت «أوبك» معالجة مشكلات انخفاض الدولار خلال 30 سنة الماضية ومع ذلك فإنها ما زالت تستخدمه لتسعير نفطها. هناك عوامل اقتصادية وفنية منعت «أوبك» من تسعير النفط بغير الدولار في الماضي. وهي العوامل نفسها التي تمنعها من التسعير بغير الدولار في الوقت الحالي.
العوامل الاقتصادية
تجارة النفط العالمية تحتاج إلى سيولة ضخمة، وهذه السيولة لا تتوافر في أي عملة إلا الدولار. لهذا فإنه لا يمكن تسعير النفط بالريال السعودي، أو العملة الخليجية المرتقبة، أو أي عملة يمكن أن تصدرها الدول العربية في المستقبل.
إن تسعير النفط باليورو بدلا من الدولار لن يغير سعر النفط في الأسواق العالمية، لأنه سواء تم بيع النفط بالدولار أو باليورو أو بسلة من العملات، فإن سعره سيبقى كما هو. إن السعر في هذه الحالة هو سعر البرميل بالدولار مقدراً بالعملات الأخرى حسب سعر الصرف السائد. وهنا لا بد من توضيح أمر مهم وهو أنه لم تقم أي دولة حتى الآن بتسعير النفط بغير الدولار، وما قام به العراق في عهد الرئيس صدام حسين أو إيران في وقت لاحق هو تسلم عائدات النفط باليورو، وليس تسعير النفط باليورو.
إن تسعير النفط بعملة غير الدولار مثل اليورو لن يحل مشكلة انخفاض القوة الشرائية للدول المنتجة, خاصة عندما يبدأ اليورو في الانخفاض مقابل الدولار. إن استخدام أي عملة لتسعير النفط سيكون لها الأثر نفسه, سواء كانت هذه العملة دولارا أو يورو أو ينّا.
إن منافع تسعير النفط بسلة من العملات محدودة, خاصة على المدى الطويل، فـ «أوبك» لن تستفيد كثيراً من تسعير نفطها بسلة من العملات, خاصة إذا كان هدفها استقرار القوة الشرائية لصادراتها النفطية، فالدولار سيكون له وزن كبير في هذه السلة بسبب الحجم الكبير للتجارة بين دول أوبك المقومة بالدولار، ولكن هناك وجهة نظر لا يمكن تجاهلها، وهي أن التخلص من الدولار قد يعني أيضا انخفاض دوره في التجارة الخارجية، وبالتالي, فإن دوره في أي سلة سيكون أقل من الوقت الحالي.
من الصعب جدا أن تتفق دول أوبك على سلة معينة، لأن تسعير النفط بسلة من العملات سيحقق منافع لبعض دول أوبك على حساب بقية الدول الأعضاء، فأعضاء «أوبك» يتوزعون في مناطق مختلفة تمتد من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا، مرورا بالشرق الأوسط. ونتيجة لهذا التنوع الجغرافي, فإن الشركاء التجاريين لكل دولة يختلفون عن شركاء الدولة الأخرى, ما يؤدي إلى اختلاف القوى الشرائية ضمن الدول الأعضاء.
العوامل الفنية
ما العملات التي يجب أن تتضمنها السلة؟ وما وزن كل عملة في السلة؟ وما العوامل التي تحدد وزن كل عملة في السلة؟ وكيف ستتم مراقبة السلة وسعر كل عملة؟ ومتى يجب على «أوبك» أن تراجع السلة ومحتوياتها؟ ومتى يجب على «أوبك» تغيير عملات السلة أو تغيير وزنها في السلة؟ هل على «أوبك» أن تصبح شرطي البنوك المركزية في شتى أنحاء العالم لمراقبة حركاتها كي تتمكن من تغيير وزن العملات في السلة قبل فوات الأوان؟ وما تكلفة عمليات المراقبة هذه؟ وهل الفوائد التي ستجنيها «أوبك» من استخدام سلة من العملات لتسعير نفوطها يحقق فوائد تفوق تكاليف إنشاء السلة ومراقبتها؟
إن هذه بعض المشكلات الفنية التي ستواجهها «أوبك» إذا قررت تسعير نفوطها بسلة من العملات بدلاً من الدولار. إن الجهود التي ستبذلها «أوبك» لإنجاح التسعير بسلة من العملات مكلفة للغاية. وهذه الجهود تتضمن وقتاً طويلاً من البحوث والمفاوضات والتطبيق والمراقبة. إن التحول إلى سلة من العملات يتطلب خبراء ذوي كفاءات عالية من شتى أنحاء العالم, الذين يعد توظيفهم مكلفا جداً بسبب أجورهم العالية، إضافة إلى ذلك, فإن تسعير النفط بسلة من العملات سيزيد من تعقيد أسواق النفط العالمية وسيفقدها بعض الشفافية. وببساطة, فإن تكلفة استخدام سلة من العملات ستفوق الفوائد من استخدامها. ولكن هذه الأسباب قد تكون منعت «أوبك» من تغيير التسعير إلى سلة من العملات في الماضي فقط, ولكنها لا تعد سبباً رئيساً في السنوات الأخيرة، فمعظم التحليلات الفنية يتم معالجتها ببرامج الحاسب الآلي المتقدمة التي تخفض التكاليف بشكل كبير. في هذه الحالة, فإن الأمر الذي لا يمكن أن تحله هذه البرامج هو اختيار العملات في السلة، لأنها تخضع لعدة عوامل سياسية واقتصادية.
الخلاصة إن الفوائد الاقتصادية من تسعير النفط بعملة غير الدولار محدودة، بينما ستكون التكاليف السياسية عالية. أما بالنسبة للعوامل الفنية، فرغم أنها مكلفة، إلا أنه يمكن حلها. المشكلة في هذه الحالة أن دول أوبك قد لا تتفق فيما بينها على محتويات السلة. لذلك فإن «أوبك» لن تسعر نفوطها بغير الدولار في المستقبل المنظور حتى لو استمر الدولار في الانخفاض. إن الزيادة الضخمة غير المتوقعة في الإيرادات النفطية خلال العامين الماضيين تجعل دول أوبك تستمر بنظام التسعير الحالي وتتجاهل موضوع انخفاض الدولار. إن الطرق الوحيدة التي تمكن دول أوبك من تخفيف الأثر السلبي لانخفاض الدولار هو زيادة تنويع الواردات. إن تنويع الواردات سيضمن قوة شرائية أكبر للصادرات النفطية من حالة تركيز الواردات. ويمكن لدول أوبك تحسين القوة الشرائية عن طريق تبني سياسات تجارية مرنة تسمح لهم بتغيير الواردات من بلد إلى آخر مع تغير أسعار صرف العملات.
رابط لنسخة من المقال في جريدة الاقتصادية من أكتوبر 2009
http://www.aleqt.com/2009/10/13/article_287467.html