هذا الأسبوع اتسم بالعديد من المفارقات حيث بدأ بسيطرة الخوف الشديد على المستثمرين في الأسواق و انتهى بالهدوء النسبي و ارتفاع المعنويات إلى حد ما. هذا في الوقت الذي لايزال التركيز ينصب فيه على مستجدات الأوضاع في اليابان و الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
خيم الخوف الشديد مطلع هذا الأسبوع في الأسواق العالمية و الأوروبية بسبب الكارثة التي تواجهها اليابان بعد ان ضرب زلزال مدمر الساحل الشمالي الشرقي للبلاد و الذي يعد الأسوأ منذ 140 عام و مصاحبا لموجات مد عاتية "تسو نامي" الأمر الذي دمر مدن بأكملها.
و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هذا الدمار أصاب المفاعلات النووية المولدة للطاقة في فوكوشيما مما أدى إلى تسريبات إشعاعية الأمر الذي دفع بإجلاء أكثر من ربع مليون مواطن بالقرب من تلك المفاعلات. وهذا الأمر في حد ذاته كان الأكثر تأثيرا بالسلب على معنويات المستثمرين.
و في منتصف الأسبوع تراجعت أسواق الأسهم الأوروبية إلى أن سجلت أدنى مستوى لها منذ العام و النصف تقريبا و ذلك قبل أن تسترد عافيتها من جديد مع نهاية هذا الاسبوع. بينما شهدت جميع الأسواق حالة خروج المستثمرين من الأسواق و ارتفاع العزوف عن المخاطر.
انعكس ذلك حتى على أسعار الذهب و الذي سجل أدنى مستوياته منذ الشهر تقريبا عندما سجل 1380$ للأونصة تقريبا.
إلا أنه بنهاية الأسبوع بدأت الأسواق في الارتفاع من جديد خاصة مع تحسن معنويات المستثمرين بسبب محاولات الخبراء في اصلاح العطب الذي أصاب المفاعل النووي رقم 4 في فوكوشيما.
هذا بجانب اتفاق مجموعة الدول الصناعية السبع بالتدخل في سوق الصرف لوقف ارتفاع الين الياباني أمام الدولار الأمريكي و ذلك ضمن أول اتفاق بالتدخل المشترك يحدث منذ عشر سنوات. بينما قام البنك المركزي الياباني و حده بالتدخل بقيمة 25 مليار دولار أمريكي يوم الجمعة.
إلى جانب ذلك تحركت البنوك المركزية الكبرى في أوروبا بالتدخل في سوق الصرف كبائع للين الياباني و ومن ضمن هذه البنوك هو البنك المركزي الأوروبي و البنك المركزي البريطاني و كذا صدور تأكيدات من البنك المركزي الألماني و الفرنسي بالمشاركة في التدخل.
بالنسبة للبيانات الاقتصادية التي كانت تتسم بالأهمية في خضم تلك الأحداث التي سيطرت على إتجاهات الأسواق. حيث ارتفع مؤشر اسعار المستهلكين السنوي عن شهر فبراير/شباط مسجلا 2.4% و دون تغير عن القراءة السابقة بنسبة 2.3% و مرتفعا بذلك للشهر الثالث على التوالي عن المستوى الآمن لاستقرار الأسعار بنسبة 2%. بينما على المستوى الشهري سجل 0.4% من -0.7%.
وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي قد ألمح إلى إمكانية رفع سعر الفائدة في الشهر القادم من أجل مواجهة التضخم المرتفع بسبب صعود أسعار الطاقة و الغذاء عالميا. الأمر الذي يحمل معه بعض من المخاوف بشأن مستقبل نمو المنطقة في الوقت الراهن حيث لاتزال تعاني من معضلات مالية.
على الرغم من ذلك إلا أن هذا الإجراء -رفع سعر الفائدة- في حد ذاته غير مرحب به في الأسواق خاصة أن المنطقة لاتزال في حاجة إلى المزيد من التسهيلات النقدية في الوقت الذي بدأت فيه حكومات المنطقة تطبق خطط صارمة نحو خفض الإنفاق العام لتقليص عجز الموازنة.
و بالنسبة لآخر ما استجد على الساحة الأوروبية بشأن أزمة الديون السيادية حيث قامت أسبانيا ببيع سندات لأجل 30 عام و عشر سنوات بقيمة 4.1 مليار يورو . و على الرغم من ذلك إلا أن عملية البيع لم تصل إلى كامل المبلغ المستهدف بقيمة 4.5 مليار يورو. و إن كان قد ارتفع الطلب على السندات مقارنة بآخر مزاد تم في فبراير/شباط السابق.و ارتفع العائد على السندات لأجل عشر سنوات بنحو ثلاث نقاط مسجلا 5.2%.
بينما بلغ العائد على السندات لأجل عشر سنوات عند عملية البيع نسبة 5.162% و لأجل 30 عام عند نسبة 5.875% متراجعا عن العائد في المزاد السابق لنسبة 5.2% و 5.96% على التوالي.
وهذا المزاد يهدف إلى توفير و دعم التمويل اللازم لشبكة الأستقرار المالي المقدر قيمتها 440 مليار يورو. و كان له الأثر الايجابي في الأسواق حيث قلل من حدة المخاوف المتعلقة بأوروبا خاصة بعد أن قامت مؤسسة موديز بخفض التصنيف الإئتماني إلى A3 لتصبح اعلى أربع درجات من التصنيف "الخردة".
جدير بالذكر أن الزعماء الأوروبيين قد تعهدوا بالتوسع في شبكة الامان المالي من أجل إنقاذ الدول الأوروبية ذات التعثر المالي و الأكثر اقترابا من حالة الإفلاس و التي تشهد في نفس الوقت اتساع لعجز الموازنة بها. وحتى الآن يلتزم وزراء مالية المنطقة بإيجاد الطرق و الحلول الفنية نحو زيادة مبلغ الشبكة إلى 440 مليار يورو من 250 مليار يورو.
انتقالا إلى بريطانيا حيث انخفضت طلبات الإعانة انخفض بنحو 10.2 ألف طلب في فبراير/شباط بعد أن كان مرتفعا في يناير/ كانون الثاني بعدد 2.4 ألف طلب و جاء بأفضل من التوقعات التي كانت تشير إلى 1.3 ألف طلب.
وانخفض إجمالي عدد طلبات الإعانة ليصل إلى 1.45 مليون طلب و الذي يعد الأدنى منذ فبراير/شباط 2009. فيما بقي معدل طلبات الإعانة ثابتا ودون تغير عن القراءة السابقة أو التوقعات مسجلا 4.5%.
على الرغم من ذلك إلا أن معدل ILO للبطالة – المعدل محسوب وفقا لمعايير منظمة العمل الدولية- ارتفع عن فترة الثلاث أشهر المتهية في يناير/كانون الثاني مسجلا 8% من 7.9% للقراءة السابقة و إن كان مؤشر التوظيف أظهر ارتفاعا بنحو 32 ألف شخص ليصل إجمالي عدد العاملين إلى 29.16 مليون شخص.
هذه البيانات تقلل من حدة المخاوف المتعلقة بشأن وتيرة نمو الاقتصاد البريطاني في الربع الأول خاصة أنه انكمش في الربع الأخير من العام السابق بنحو -0.6% بسبب عدة عوامل يأتي على رأسها شدة برودة الطقس.
و حتى الآن لايزال التركيز ينصب في البلاد على التضخم المرتفع للغاية حيث سجل 4% في يناير/كانون الثاني وهو بذلك ضعف المستوى الآمن لإستقرار الأسعار بنسبة 2%. و البنك المركزي لايزال مبقيا على سياسته النقدية.
والجدير بالذكر أن آخر قرارات البنك المركزي البريطاني هو الاستمرار في الابقاء على سعر الفائدة بنسبة 0.5% و دون تغير بجانب الابقاء على برنامج شراء الأصول بقيمة 200 مليار جنيه إسترليني. و إن كان يوجد انقسام بين أعضاء البنك حول تقليص السياسة النقدية من أجل كبح جماح التضخم إلا أن أغلب الأعضاء لايزال مصرا على الاستمرار في نفس السياسة الحيادية.