وبتناول تفاصيل الأخبار، فقد ارتفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر آب وبأعلى من التوقعات وبأعلى من قراءة شهر تموز أيضاً، وذلك على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة في البلاد، ناهيك عن تشديد شروط الائتمان، لتؤكد تلك البيانات على أن المستهلك الأمريكي يواصل الإنفاق ولكن بوتيرة معتدلة، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد على الإنفاق بشكل كبير، حيث يشكل الإنفاق حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، كما وتشكل مبيعات التجزئة أكثر من نصف الإنفاق.
أما قطاع الصناعة الأمريكي، فعلى ما يبدو بأنه لا يزال يبحث عن استقراره المفقود، وذلك بحسب بيانات قطاع الصناعة الأمريكي والتي صدرت في الأسبوع الماضي، والتي أكدت على أن أنشطة القطاع تراجعت بشكل ملحوظ خلال شهر أيلول، وذلك بحسب مؤشري نيويورك الصناعي وفيلادلفيا الصناعي، لتتضح الرؤيا بأن قطاع الصناعة الأمريكي لا يزال يحاول جاهداً الخروج من عنق زجاجة الركود الأسوأ الذي يعم البلاد منذ مطلع الثمانينيات.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن قطاع الصناعة الأمريكي بدأ بالتوسع في أنشطته الاقتصادية منذ عام تقريباً، وقد كان ذلك التوسع مرحباً به من قبل الأسواق وبشكل كبير لينعكس بشكل إيجابي على معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن ضعف مستويات الطلب حول العالم لا تزال تثقل كاهل أنشطة القطاع الصناعي في الوقت الحالي، مع العلم بأن التوقعات تشير إلى أننا سنشهد ارتفاعاً في أنشطة قطاع الصناعة الأمريكي قريباً، وسط استقرار الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة بشكل عام، ولكن أنشطة قطاع الصناعة الأمريكي ستحتاج إلى المزيد من الوقت لتصل إلى مرحلة الاستقرار الكامل، الأمر الذي سنشهده في العام المقبل.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا شهدنا خلال الأسبوع الماضي ارتفاع الانتاج الصناعي الأمريكي خلال شهر آب، الأمر الذي يؤكد على صحة التكهنات والتوقعات التي تشير إلى تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثالث من العام الجاري 2010، ولاأخص في شهر آب، أما معدل استغلال الطاقة والذي يعد مقياساً تضخمياً يعطينا قراءة حول مدى استغلال الموارد في العملية التصنيعية فقد ارتفع وبشكل طفيف خلال شهر آب، ليواصل المؤشر إظهار المزيد من الدلائل على أن مستويات ركود لا تزال مرتفعة في الأنشطة الاقتصادية الأمريكية.
وصولاً إلى البيانات التضخمية، فقد شهدنا ارتفاع أسعار الواردات خلال شهر آب، إلا أن مؤشر أسعار المنتجين إلى جانب مؤشر أسعار المستهكلين أكدا على أن الأسعار لا تزال مستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك وفق القراءة العادية والقراءة الجوهرية، حيث أكدت تلك القراءات على أن معدلات التضخم إما تراجعت وإما بقيت دون تغيير خلال شهر آب.
وبذلك فأن النظرة المستقبلية والخاصة بالتضخم لا تزال متوافقة مع رؤى البنك الفدرالي الأمريكي، حيث أكد البنك الفدرالي الأمريكي مراراً وتكراراً على أن التضخم لا يزال تحت السيطرة، وسيستمر كذلك خلال الفترة المقبلة، وذلك وسط استقرار توقعات التضخم أيضاً، الأمر الذي يوفر للبنك الفدرالي الأمريكي حرية التحرك للتركيز على عجلة التعافي والاتعاش في الاقتصاد الأمريكي، بدلاً من التركيز على التضخم.
ومن المتنظر أن نشهد خلال الأسبوع المقبل اجتماع اللجنة الفدرالية المفتوحة بخصوص أسعار الفائدة، والذي سيقرر ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي بحاجة إلى المزيد من الخطط التحفيزية أم لا، إلا أن التوقعات تشير إلى ان البنك الفدرالي الأمريكي سيتخذ المزيد من إجراءات سياسية التخفيف الكمي، أو تيسير السياسات النقدية وذلك في مسعى منه لدعم النمو الاقتصادي في البلاد، ولكن إذا ما كان خطاب رئيس البنك الفدرالي الأمريكي بن برنانكي في قاعة جاكسون يحمل أية دلائل، فلا ينبغي لنا حقاً أن تتوقع المزيد من تيسير السياسات النقدية، حيث أشار برنانكي آنذاك إلى أن الظروف الحالية لا تبرر المزيد من إجراءات التخفيف الكمي.
تلك التوقعات والخاصة بقيام البنك الفدرالي الأمريكي بتيسير سياساته النقدية قادت الدولار الأمريكي إلى الانخفاض أمام معظم العملات الرئيسية باستثناء الين الياباني، وذلك نظراً لقيام اليابان بالتدخل ولأول مرة منذ ستة أعوام لكبح جماح ارتفاع الين، حيث قامت الحكومة ببيع الين وشراء الدولار الأمريكي، لنشهد انخفاض الين أمام معظم العملات الرئيسية، في حين خسر الدولار الأمريكي الكثير من قوته أمام العملات الرئيسية، وذلك بسبب التوقعات التي تؤكد على أن البنك الفدرالي الأمريكي سيقوم بالمزيد من الإجراءات لتيسير سياساته النقدية في اجتماع اللجنة الفدرالية المفتوحة خلال الأسبوع المقبل.
أما أسواق الأسهم فقد تأرجحت خلال تداولات الأسبوع الماضي، وذلك بسبب تباين الأخبار الاقتصادية والتي صدرت عن الولايات المتحدة الأمريكية، بل والعالم أجمع، حيث قادت بيانات ألمانيا، الولايات المتحدة، الصين، والمملكة المتحدة تأرجح أسواق الأسهم حول العالم خلال الأسبوع الماضي.