حدث فى مثل هذا اليوم
- الخديوي إسماعيل يفتتح قناة السويس في احتفال مهيب في مدينة الإسماعيلية بحضور عدد كبير من ملوك وأمراء أوروبا.
نبذه عن الخديوى اسماعيل
من خلال خطاب الخديو إسماعيل فى افتتاح مجلس شورى النواب، ومن خلال «البيرولدى» الخديو، حيث اعتماد صحة نيابة أعضاء المجلس، ظهرت بجلاء رؤية وفلسفة الخديو فى إحداث نقلة حضارية فى مصر على صعيد البنية الأساسية لمصر والمصريين، حيث الاهتمام بالبشر والحجر، ويمكن اعتبار الخطابين أشبه بفلسفة عامة للحكم كما رآها الخديو، وإذا حاولنا المقارنة عملياً بين الخطابين، وما ورد فيهما وبين ما حققه الخديو على أرض الواقع، لأمكننا رصد الأفكار النظرية، وما تمت ترجمته على أرض الواقع من البرنامج الانتخابى لرأس الدولة وهو الخديو.
وسنحضر ما تحقق قياساً بالفترة التى حكم فيها إسماعيل، وهى التى بدأت فى ١٨ يناير ١٨٦٣ وانتهت بخلعه فى ٢٦ يونيو ١٨٧٩ أى ١٦ سنة، فما الذى أنجزه إسماعيل. وإجمالاً نحن نقف على هذا من خلال خطبة العرش التى ألقاها الخديو فى افتتاح دور الانعقاد الثالث لمجلس شورى النواب فى ١٨٦٩، كما لمسنا هذا على أرض الواقع، ويمكن وصف خطبة العرش هذه بأنها برنامج انتخابى، وعلى هذا فإن إسماعيل قد أسس لحياة نيابية حقيقية، وأسس لمجلس النظار «مجلس الوزراء»، ووضع فى عهده أول دستور حقيقى وهو دستور ١٨٧٩، أما عن أعمال العمران التى تمت فى عهده، فهى كثيرة قياساً بفترة بقائه على العرش وهى ستة عشر عاماً، وقد بذل الخديو جهداً كبيراً وكانت شؤون الزراعة والرى أول ما وجه اهتمامه له مع التعليم، فوفر وسائل الرى وشق الكثير من الترع فى الوجهين البحرى والقبلى التى بلغ عددها ١١٢ ترعة وأشهرها الإبراهيمية والإسماعيلية، والأولى من أهم وأعظم منشآت الرى فى العالم، وتبدأ من أسيوط وتنتهى عند بنى سويف، وتروى أسيوط والمنيا وبنى سويف، أما الترعة الإسماعيلية فتبدأ من شبرا وتصل لقناة السويس وطولها ١٢٩ كيلومتراً، وهى تروى القليوبية والشرقية ومدن القناة، كما أصلح رياح المنوفية وأصلح طلمبات العطف وزاد فى قوتها لتغذية ترعة المحمودية، ومن الترع الأخرى التى حفرها ترعة الحاجر الغربية والحاجر الشرقية وغيرهما كثير.
وكان عدد ما أنشأه من قناطر على هذه الترع نحو ٤٢٦ قنطرة، وأصلح القناطر الخيرية وأنشأ مجالس بالأقاليم سماها (مجالس تفتيش الزراعة)، وكان عددها سبعة، كانت مهمتها تحسين الزراعة وتوزيع مياه الرى، وأنشأ وزارة الزراعة وتوسع فى زراعة القطن والقصب، وأنشأ مصانع للسكر، وكان من أثر ذلك زيادة الرقعة الزراعية من ثلاثة ملايين فدان وثمانمائة وستة وخمسين ألفاً (فى عهد جده محمد على) إلى أربعة ملايين وثمانية آلاف فدان فى عهده، كما أنشأ الكثير من مصانع النسيج فى فوة وغيرها، بالإضافة إلى مصانع الطرابيش فى فوة والجوخ فى بولاق وشبرا، وأنشأ مصنعاً للطوب فى قليوب ولدبغ الجلود فى الإسكندرية، وللزجاج والورق فى بولاق.
أما عن المواصلات والسكك الحديدية، فقد أصلح إدارتها التى كانت مختلة فى عهد سعيد، وبذل جهداً كبيراً فى مد السكك الحديدية فى أنحاء مصر، وبعد أن كان إجمالى ما أنشئ قبل ولايته، ٢٤٥ ميلاً، أنشأ هو ١٠٨٥ ميلاً، بل رصدت بعثة «كيف» الإنجليزية لمصر إجمالى طول ما أنشأه إسماعيل من خط حديدى وكان ١٢٠٠ ميل (على ٣٤ خطاً)، فضلاً عن ٢٢ خط تلغراف داخل مصر، وبلغ عدد مكاتب التلغراف فى مصر والسودان ١٥١ مكتباً، وأنشأ إسماعيل أيضاً دار الرصدخانة (المرصد)، ثم مصلحة الإحصاء، ثم مصلحة المساحة،
ومن الأعمال الصحية التى أنشأها المستشفى الأميرى والمستشفى الأوروبى فى القاهرة ومثلهما فى الإسكندرية، وأضاف عليهما المستشفى اليونانى والدياكونيس، وأنشأ مستشفيات أخرى فى رشيد والإسماعيلية والسويس والقصير وسواكن ومصوع ودمنهور والعطف (المحمودية) وطنطا والمحلة وشبين الكوم والزقازيق والمنصورة وبنها والجيزة والقناطر وبنى سويف والفيوم وأسيوط وسوهاج وإسنا ودنقلة وكسلا وبربر وسنار والخرطوم وكردفان، وقام إسماعيل بتنظيم المدن وتخطيطها وتجميلها، فأزال تلال الأتربة التى كانت تحيط بالقاهرة، وخطط شوارعها وأقام الميادين، ومن هذه الشوارع الفجالة وكلوت بك ومحمد على وعبدالعزيز وعابدين،
كما أنشأ أحياء بكاملها مثل الإسماعيلية (التحرير ووسط البلد) والتوفيقية وعابدين وميدان الأوبرا (العتبة)، وأنشأ حديقة النبات بالجيزة، ونظم الجزيرة (الزمالك) وبنى فيها قصره (ماريوت الآن)، وبنى مسرح الكوميدى ودار الأوبرا، ونسق حديقة الأزبكية، وأنشأ كوبرى قصر النيل (أنشأته شركة فيف الفرنسية)، وأنشأ الكوبرى الإنجليزى أو الكوبرى الأعمى (كوبرى بديعة) حالياً كوبرى الجلاء، وفى عهده تم رصف الطريق بين القاهرة والأهرامات (شارع الهرم)، ومد أنابيب المياه فى أحياء المدينة، وشدد على تعميم كنس ورش الشوارع، وأدخل نظام الإنارة بالغاز، فأشاع البهجة والطمأنينة،
وهو أول من شرع فى إقامة تماثيل للعظماء فى الميادين تخليداً لذكراهم، وعمر مسجد الحسين، وأمر ببناء حمامات حلوان، وعنى لعمران حلوان ومد له خطاً حديدياً وشيد بها قصراً فخماً (قصر الوالدة)، وفى الإسكندرية زاد من عمرانها واختط فيها الشوارع والميادين، ومنها شارع الجمرك والمحمودية وإبراهيم، وأنيرت شوارعها وميادينها، وأنشأ بلدية لها للتنظيم والتنظيف والتبليط ووصل المياه العذبة لبيوتها، وعمر جهة الرمل وأنشأ بها خطاً حديدياً يصلها بأحياء المدينة، وهو الذى أنشأ قصر عابدين فى القاهرة وسراى الإسماعيلية (التحرير) والزعفران بالعباسية، والرمل بالإسكندرية، وقصر النزهة (المدرسة التوفيقية حالياً) وقصر النيل وسراى رأس التين بالإسكندرية، غير قصور أخرى فى مختلف البنادر ونشر التعليم، الذى وصفه إسماعيل بقوله: «إنه أساس التمدين»، أسس إسماعيل مدرستى المبتديان والتجهيزية، ثم تعددت المدارس التى أنشأها، وكانت تتبع وزارة المعارف «التعليم»،
ومن هذه المدارس أيضاً المهندسخانة والألسن والمحاسبة والعمليات (الفنون والصنايع) والرسم، وفى الإسكندرية المدرسة الابتدائية والتجهيزية والبحرية، غير مدرسة طنطا ومدرسة أسيوط، هذا غير المدارس التى أسسها وكانت تابعة لديوان الجهادية «وزارة الحربية»، وهى الطوبجية، أى المدفعية، والسوارى «الفرسان»، ومدرسة البيادة «المشاة»، ومدرسة أركان حرب، والطب البيطرى ومدرسة قلفاوات الشيش والمحاسبة والزراعة الجبخائجية والعمليات. أما عن الجيش، فحين تولى إسماعيل العرش لم يكن موجوداً سوى ٣ آلاف من جنود البر، وستمائة من جنود البحر، وعدد قليل من السفن البحرية فقام بتسليح ٢٥ ألف جندى، وأنشأ الورش والمصانع لتشغيل الملبوسات والمهمات العسكرية، والسفن الحربية، وسفن النقل، سواء اشتراها أو صنعها، وقد بلغ عددها ٢٢ قطعة، كما اشترى عدداً كبيراً من البنادق حديثة الطراز، وبالطبع لا ننسى مشروع قناة السويس، حيث كان نصف أسهمها للحكومة ولها ١٥٪ من أرباحها.
وفى كتاب «قاهرة إسماعيل.. باريس على ضفاف النيل» للكاتب «سينثيا مينتى» ترجمة أحمد محمود نجد إحصاءات أخرى ومنها تشييد إسماعيل مجموعة من القصور، هى الجزيرة على النيل وكان على غرار قصر الحمراء بالأندلس، وقصر الجيزة، ومكانه حديقة الحيوان الآن، وقصر الإسماعيلية بالقرب من كوبرى قصر النيل، بالإضافة إلى توسعات لقصر عابدين، كما شيد قصوراً أخرى فى الجيزة لأولاده، وسراى القبة لولى عهده، وقصراً بمدينة الإسماعيلية لتقام فيه احتفالات افتتاح قناة السويس، وبحلول ١٨٧٩ كانت مصر قد حفرت مايزيد على ١٣ ألف كيلو متر من الترع، وأقامت ٤٥٠ كوبرياً، ومدت حوالى ١٦٠٠ كيلو متر من السكة الحديدية، وأنشأ إسماعيل أكبر ميناء على البحر المتوسط بالإسكندرية إلى جانب سلسلة من الفنارات على الساحل كما مد خطوط التلغراف حتى أسوان، وأسس شركات الشحن بالبواخر وافتتح ٦ آلاف مدرسة.