الانتفاضة العربية تؤثر سلبا في الاستثمار الأجنبي
لعل الشرق الأوسط يملك أكثر الموارد الهيدروكربونية في العالم، ونتيجة لذلك يعتبر كثير من دول المنطقة من كبار المصدّرين لرأس المال، إلا أن الاستثمار الأجنبي يظل أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لمعظم الاقتصادات في هذا الإقليم.
تحتاج دول شمالي إفريقيا وبلاد الشام المستوردة للنفط، إلى الاستثمار لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتخفيف البطالة المزمنة، خاصة بين الشباب. وتستهدف دول الخليج الغنية بالنفط أيضاً الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن بشكل أساسي لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الهيدروكربون ونحو إيجاد مزيد من الوظائف في القطاع الخاص.
ومع ذلك يقول محللون إن الاضطرابات المستمرة في بعض الدول العربية يمكن أن تخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الإقليم، بعد إقدام شركات دولية على إلغاء استثماراتها ومشاريعها، أو تأجيلها إلى أن تصبح الآفاق السياسية أكثر وضوحا.
وسيكون انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر واضحاً بشكل خاص في الدول العربية الواقعة في شمالي إفريقيا التي شهدت اضطرابات، والتي هي بحاجة ماسة إليه. لكن هناك مؤشرات إلى أن الاستثمارات في دول الخليج المزدهرة والمستقرة نسبياً، يمكن أن تنخفض أيضاً.
ويقول سيمون ويليامز، كبير الخبراء الاقتصاديين في قسم الشرق الأوسط في HSBC: ''الأحداث شاملة للغاية وواسعة النطاق وغير متوقعة بحيث إن الحساسية من المخاطر السياسية ستكون كبيرة''.
ويضيف: ''هذا لن يوقف الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن كثيرين سينتظرون حتى انقشاع الغبار واستعادة النظام، خاصة في شمالي إفريقيا وبلاد الشام، ولكن حتى في الخليج''.
وتشكل تدفقات رأس المال على المدى القصير مؤشرا على المشاعر الأجنبية، وقد خفض المستثمرون الأجانب إلى حد كبير حيازاتهم من الأوراق المالية في الشرق الأوسط هذا العام.
وحتى بعد الانتعاش الكبير في آذار (مارس)، المدفوع جزئياً بصناديق المعاشات التقاعدية الحكومية في السعودية، انخفض مؤشر داو جونز لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا نحو 10 في المائة منذ منتصف كانون الثاني (يناير).
وارتفع العائد على مؤشر السندات الإقليمي إتش إس بي سي- ناسداك من 5.1 في المائة إلى نحو 5.7 في المائة خلال الفترة نفسها، ولم يتم بيع سوى سند دولي واحد بنجاح هذا العام - إصدار متعدد الشرائح بقيمة 4.4 مليار دولار من إنترناشونال بتروليوم إنفستمنت كومباني، وهي صندوق للثروة السيادية في أبو ظبي.
وعادة الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر ''لزوجة'' من تدفقات المحافظ المتقلبة لمديري الأصول الدولية. ومنذ بداية العام حتى الآن تم الالتزام بـ 18.1 مليار دولار للشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، وفقا لشركة إف دي آي مونيتور، وهي شركة شقيقة لـ ''فاينانشيال تايمز''.
وهذا جيد مقارنة بمبلغ 46.3 مليار دولار تم استثمارها العام الماضي، لكنه أقل كثيراً من 83.7 مليار دولار تم التعهد بها عام 2009، وكذلك من المبلغ الكبير البالغ 153 مليار دولار عام 2008. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تتحقق بعض الاستثمارات الموعودة هذا العام بالنظر إلى الاضطرابات السياسية، كما يقول المحللون.
وحتى بين الشركات الطموحة الغنية بالنقد، الموجودة في الدول المستقرة في الخليج، بدأت الرغبة في استثمارات كبيرة وطويلة الأجل في التضاؤل. فقد سحبت ''اتصالات''، شركة الهاتف التي تسيطر عليها الإمارات، أخيرا عرضاً بقيمة 12 مليار دولار لشراء شركة زين ــ المنافسة الكويتية - وذكرت الاضطرابات واحدا من الأسباب.
وقال فهد المهندي، المدير العام لشركة كهرباء قطر، إن الشركة تعكف أيضا على تقييم الوضع في سورية قبل المضي قدما في خطط لبناء محطة هناك.
وفي حين من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي في المنطقة قوياً - الفضل في جزء كبير يعود إلى ارتفاع أسعار النفط، التي عززت الإنفاق الحكومي - إلا أن أي الانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر ستظل له آثار سلبية غير مباشرة أخرى.
وبحسب سعيد الهرش، من كابيتال إيكونوميكس: ''المهم بنفس قدر التأثير المباشر للانخفاض على النمو الاقتصادي، هو أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر في تنويع الاقتصادات وتعزيز القطاع الخاص ونقل التكنولوجيا والمعرفة''.
ومع ذلك، يؤكد محللون أن دول الخليج لا تعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر، بالنظر إلى مواردها المالية الوفيرة، وأن دول شمالي إفريقيا الأكثر ازدحاماً بالسكان لا تزال معتمدة على الاستهلاك المحلي من السياحة أكثر من اعتمادها على الاستثمارات الأجنبية الضخمة.
ويقول اقتصاديون إن جهات أخرى ربما استفادت من الاضطرابات، خاصة دول الخليج المستقرة سياسيا.
ويقول ماريوس ماراثيفتس، المدير الإقليمي للأبحاث في بنك ستاندر تشارتر: ''هناك خطر أن يتبنى المستثمرون نهجاً واحداً يناسب الجميع وأن لا يفرقوا بين الأسواق. ستتأثر بعض الدول جراء الاضطرابات، إلا أن بعض الدول يمكن أن تخرج منها في حال أقوى''.
وحتى مصر ربما لا تتضرر بالدرجة نفسها التي كان يخشاها المحللون. فعلى الرغم من أن الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي تواجه مستقبلاً سياسياً غامضاً، إلا أن البورصة المصرية انتعشت ثانية، على الأقل في البداية، بعد تراجعها عندما أعادت فتح أبوابها الأسبوع الماضي.
واستأنفت إلكترولكس، الشركة السويدية الصانعة للأجهزة المنزلية، محادثات بشأن شراء مجموعة أولمبيك المصرية، وكانت المحادثات قد توقفت مع تفجر الاضطرابات التي انتهت بإسقاط الرئيس حسني مبارك.