2017-03-18
تثير المقترحات المتعلقة بالميزانية التي كشف عنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب مخاوف كبيرة في عالم الثقافة في الولايات المتحدة على أوضاع السكان الأكثر فقرا وفي المناطق النائية لما تتضمنه خصوصا من إلغاء التمويل الفدرالي لمحطات التفزيون وإلاذاعة العامة ووقف المساعدات للاوساط الفنية.
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السلطة التنفيذية أو الكونغرس المساس بهذه الميزانيات الثقافية التي تستحوذ على جزء بسيط من إجمالي نفقات الدولة الأميركية.
وقد مارس الرؤساء السابقون ريتشارد نيكسون ورونالد ريغن وجورج بوش ضغوطا لتخفيض المخصصات العائدة للتلفزيون والإذاعة العامين، في جهود أتت بنتائج في بعض الأحيان.
وفي 2016، كان مبلغ 445 مليون دولار المخصص للمؤسسات العامة العاملة في قطاع المرئي والمسموع عن طريق هيئة "كوربوريشن فور بابليك برودكاستينغ" (سي بي بي) يمثل ما يقرب من 0,01 % من نفقات الدولة.
أما بالنسبة للمساعدات الحكومية للفن، فإن مبلغ 146 مليون دولار الذي قدمه الصندوق الوطني للفنون لم يكن يمثل سوى 0,004 % من ميزانية العام 2015.
وبغض النظر عن الحصة التي تمثلها هذه المبالغ من إجمالي النفقات الحكومية، كان النواب الجمهوريون ينتقدون ما يعتبرونه تركيزا على دعم الأعمال اليسارية.
وقد سعت المؤسسات العامة العاملة في قطاع المرئي والمسموع إلى تنويع مصادر تمويلها التي تواجه تهديدا مستمرا.
وفي ظل اقتصار قدرة الوصول الى الإعلانات على رعاة البرامج، نجحت هذه المؤسسات في اجتذاب الهبات من افراد ومؤسسات.
فعلى سبيل المثال، وحدها 15 % من ميزانية قناة "دبليو نت" المحلية العامة في نيويورك، مصدرها الميزانية الفدرالية بحسب جين اميرمولر مديرة التسويق المؤسساتي في القناة.
لكن في المناطق الريفية، تصل في بعض الأحيان حصة الأموال الحكومية في القنوات العامة المحلية إلى 50 % بحسب الاستاذ في جامعة سيراكوز روبرت تومسون.
وحذرت دراسة أجريت لحساب هيئة "سي بي بي" ونشرت سنة 2012 من أنه في حال الإلغاء التام للتمويل الفدرالي، 54 قناة عامة و76 محطة اذاعية محلية ستصبح مهددة بالإقفال (لا وجود لبرنامج للترددات الأرضية الوطنية في الولايات المتحدة).
- برامج تثقيفية -
عندها تصبح قنوات التلفزيون العامة غير متاحة لبعض البالغين وأيضا لأطفالهم ممن سيحرمون من برامج تثقيفية عدة أشهرها "سيسامي ستريت" الذي يحتفل قريبا بمرور 50 عاما على انطلاقه.
ويحذر الاستاذ في جامعة بال ستايت دومينيك كاريستي من أن السكان الأكثر فقرا ممن يفتقرون للموارد اللازمة للاشتراك بقنوات عبر الكابل أو الأقمار الاصطناعية "سيكونون من دون شك الأكثر تضررا".
كذلك نبهت المديرة العامة لهيئة "سي بي بي" باتريسيا هاريسون في بيان الخميس إلى أن الغاء أموال فدرالية "سيأتي في نهاية المطاف على دور القطاع المرئي والمسموع العام في تثقيف الأشخاص الأصغر سنا وفي السلامة العامة وعلاقة المواطنين بتاريخهم وفي تنظيم نقاشات هادئة".
ويسود القلق عينه أوساط الفنون حيث تؤدي الأموال الفدرالية دورا في تطوير الأعمال الثقافية على المستوى المحلي.
المتاحف الكبرى وفرق الأوركسترا المعروفة والمسارح في المدن الكبرى ليست معنية كثيرا اذ أنها تعتمد بالدرجة الأولى على مصادر تمويل خاصة لسد حاجتها.
وللمفارقة ان هذه الاجراءات ستطال خصوصا المشاريع والبرامج الأقل تكلفة والتي تقوم بها متاحف ومسارح وفرق أوركسترا اصغر حجما وتكون موجهة خصوصا لفئة الشباب الذين سيكونون في طليعة المتأثرين بهذه الاقتطاعات في الميزانية.
وحذر المدير العام لمتحف "ميتروبوليتان" في نيويورك توماس كامبل الخميس من أن "المال العام لا يقتصر دوره على تمويل الفنانين" لكنه "يعزز المجتمعات المحلية، الصغيرة منها والكبيرة".
وذكّر روبرت لينش المدير العام لمنظمة "اميركن فور ذي آرتس" لدعم الثقافة بأن "الرئيس ترامب هو أول رئيس أميركي يقوم بهذا الاقتراح".
وقال "الأهل والأساتذة والمدافعون عن الفنون وأعضاء الحكومة وحتى الخبراء الاقتصاديون لا يوافقون على ذلك"، داعيا إلى المقاومة.
ويعول كثيرون حاليا على الكونغرس لإفشال هذه المشاريع الجذرية.
وتقول الفيلسوفة جين امورمولر بشأن قطاع المرئي والمسموع "لقد مررنا بهذا الوضع"، مضيفة "ونعلم أن البرلمانيين من جانبي الكونغرس يعرفون قيمتنا الفعلية".