--------------------------------------------------------------------------------
رابعاً: إلزام المؤسسات المصدرة للنقود الإلكترونية بقبول تحويلها إلى نقود عادية Redemption:
هذا ولقد نصت المادة الثالثة من التشريع الأوروبي الصادر سنة 2000 على أنه
يجوز لحامل النقود الإلكترونية أن يطلب من مصدرها أن يحولها إلى نقود
قانونية عند سعر التعادل أو أن يحولها إلى حسابه الخاص وذلك دون تحمل
مصروفات أو رسوم غير تلك التي تكون ضرورية لتنفيذ هذه العملية ولقد أوضحت
هذه المادة ضرورة احتواء العقد المبرم بين مصدر النقود الإلكترونية
وحاملها على شروط تحويل النقود الإلكترونية إلى نقود قانونية. ويمكن للعقد
أن يتضمن حداً أدنى للتحويل [The European Parliament and the Council of
the European Union (2000), “Electronic Money Directive”, Op. Cit., PP.
2.].
يتعين على البنك المركزي أن يفرض قيوداً خاصة بالاحتياط النقدي على مصدري
النقود الإلكترونية وذلك تحسباً لأي زيادة كبيرة في خلق النقود
الإلكترونية مما يؤثر في النهاية على السياسة النقدية ومن شأن المحافظة
على هذا الالتزام أن يؤدي إلى استقرار الأسعار. وبخضوع مصدري النقود
الإلكترونية لهذا الشرط، فإن النقود الإلكترونية تقف على قدر من المساواة
مع الصور الأخرى للنقود والتي تخضع عند إصدارها لمتطلبات الاحتياطي النقدي.
سادساً: ضرورة وجود تنسيق وتعاون تشريعي دولي:
كما ذكرنا آنفاً فإن النقود الإلكترونية تعتمد في وجودها على التقدم
التكنولوجي وأنه من السهل التعامل بهذه النقود عبر الحدود عن طريق شبكة
الإنترنت. وينتج عن هذا عدة صعوبات تتعلق بتحديد التنظيم القانوني الذي
يمكن أن تخضع له المعاملات والصفقات التجارية التي تتم بواسطة النقود
الإلكترونية، وحتى لو قامت هذه الدول بتقنين التعامل بتلك النقود فإنه ليس
بالضرورة أن تتشابه القواعد القانونية المنظمة لهذه المسألة مما يثير في
النهاية صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق عند حدوث مشكلة قانونية. من
هذا المنطلق، وكنتيجة للبعد الدولي للنقود الإلكترونية، فإن التنظيم
القانوني الوطني لهذه النقود لن يكون فعلاً ما لم يستكمل بتنظيم وتنسيق
وتعاون دولي. لقد أضحى إذاً من الضروري أن تتعاون الدول من خلال اتفاقيات
جماعية وثنائية يوضح فيها مسؤوليات مواطني كل دولة.
هذا وقد حددت لجنة بازل للنقود الإلكترونية عدداً من القضايا التي يمكن أن
تثيرها النقود الإلكترونية، ويمكن للتعاون الدولي أن يحل المشكلات الخاصة
بها ومن بين هذه المسائل الشفافية، الخصوصية، وغسيل الأموال.
نتائج وتوصيات البحث
يثير التقدم التكنولوجي كثيراً من المشكلات سواء على المستوى الاقتصادي أو
القانوني أو الاجتماعي. ولقد تناولنا في هذا البحث التعريف بالنقود
الإلكترونية وأهم خصائصها ومستقبلها وأيضاً المخاطر الأمنية والقانونية
التي من المتوقع أن تنتج عن انتشارها. وقد ركز البحث بصفة خاصة على إبراز
أهم الضوابط القانونية التي يتعين على أي تشريع قانوني خاص بالنقود
الإلكترونية أن يلتزم بها.
ولقد عرضنا لهذا الموضوع في ثلاثة فصول مختلفة، وتناولنا في الفصل الأول
تحديد مفهوم وخصائص النقود الإلكترونية. وعرفنا النقود الإلكترونية بأنها
عبارة عن قيمة نقدية مخزنة على وسيلة إلكترونية مدفوعة مقدماً وغير مرتبطة
بحساب بنكي، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها وتستخدم كأداة للدفع
لتحقيق أغراض مختلفة. وتتجلى أهمية ودقة هذا التعريف في تمييز النقود
الإلكترونية عن وسائل الدفع الإلكترونية الأخرى. وأوضحنا بعد ذلك أشكال
النقود الإلكترونية وخصائصها وخلصنا إلى القول إن النقود الإلكترونية هي
نقود عادية متطورة. واختتمنا هذا الفصل بالحديث عن تطور النقود
الإلكترونية ومستقبلها وبيّنّا أن تطور النقود الإلكترونية يتوقف بصفة
رئيسة على التقدم والتطور التكنولوجي والمصرفي في كل دولة.
أما الفصل الثاني فقد أشرنا فيه لأهم المخاطر الأمنية والقانونية للنقود
الإلكترونية. ولقد كشف هذا الفصل عن أن النقود الإلكترونية قد تمثل مجالاً
خصباً لكثير من الجرائم الخطيرة التي من شأنها أن تعكر ليس فقط أمن
المجتمع وإنما أيضاً استقراره الاقتصادي والمالي من خلال جرائم غسيل
الأموال والتهرب الضريبي والتزوير والاحتيال والقرصنة الإلكترونية. وأوضح
هذا الفصل أيضاً أهمية المواءمة بين ضرورة مواجهة المجتمع لتلك الجرائم
التي يمكن أن تحدث من خلال النقود الإلكترونية وبين أهمية المحافظة على
حرية الأشخاص وسرية معاملاتهم المالية وذلك بعدم السماح لغير الأطراف
المعنية بالاطلاع على تلك المعلومات.
أما الفصل الثالث، فلقد تعرض للضوابط التي يجب أن يتضمنها التنظيم
القانوني للنقود الإلكترونية مثل ضرورة توضيح حقوق والتزامات الأطراف
المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية وضرورة وجود إشراف قوي ورقابة
صارمة من قبل الأجهزة المصرفية الحكومية على الجهات المسموح لها بإصدار
تلك النقود.
وسوف نعرض الآن لأهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها
البحث:
أولاً: النقود الإلكترونية هي نقود عادية متطورة، وذلك لِمَا لها من خصائص
النقود العادية فهي تصلح كأداة للدفع كما أنها لها قوة إبراء ووسيلة
للتبادل ومخزناً للقيمة.
ثانياً: من المتوقع أن تخلق النقود الإلكترونية مناخاً جيداً لبعض الجرائم
مثل جرائم غسيل الأموال والتهرب الضريبي بالإضافة إلى زيادة قدرتها على
مضاعفة المخاطر الأمنية المتعلقة بالتزييف والتزوير والاحتيال وما يترتب
على ذلك من آثار مدمرة لأمن المجتمع ورفاهيته الاقتصادية.
ثالثاً: سوف يتوقف تطور وانتشار النقود الإلكترونية على عدد من العوامل
لعل من أهمها التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات والكمبيوتر والإنترنت
من ناحية، وعلى مدى تمتع هذه النقود بقبول عام من المستهلكين ومن البائعين
من ناحية أخرى. لهذا فإنه من المحتمل أن يتأخر التعامل بهذه النقود في
الدول النامية والأقل تقدماً.
رابعاً: ضرورة وضع قواعد صارمة فيما يتعلق بالجهة المنوط بها أمر إصدار
النقود الإلكترونية وكذلك حجم النقود المصدرة. لهذا، يجب أن يعهد إلى
البنك المركزي أو إلى المؤسسات المصرفية بعملية الإصدار بشرط وضعها تحت
إشراف حكومي.
خامساً: على السلطة التشريعية أن تضع تنظيماً قانونياً يتعلق بإصدار
النقود الإلكترونية والتعامل بها. ويتعين على هذا التنظيم أن يحتوي على
حقوق والتزامات الأطراف المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية. ويجب
صياغة هذا القانون بطريقة واضحة وأن توضح فيه مجموعة من الشروط والضمانات
التي تكفل وتضمن مقدرة الجهة المصدرة لهذه النقود على إدارة المخاطر
المختلفة الناشئة عنها.
سادساً: على الدولة أن تضع برامج تأهيل وتدريب للعاملين في المصارف
والبنوك العامة لإكسابهم الخبرات اللازمة للتعامل مع المشكلات المتعلقة
بالنقود الإلكترونية وكيفية معالجتها.
سابعاً: يتعين على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يحافظ على حرية
الأفراد التي كفلها الدستور من خلال تقديم الضمانات الكافية للمحافظة على
سرية البيانات المالية السابحة عبر شبكة الاتصال وذلك عند إبرام الصفقات
التجارية بين الأطراف المختلفة.
مجلة الأمن والقانون / مجلة دورية مُحَكّمة تصدرها أكاديمية شرطة دبي
السنة الثانية عشر / العدد الأول / يناير 2004
الدكتور / محمد إبراهيم محمود الشافعي
مدرس الاقتصاد في كلية الحقوق، جامعة عين شمس
يتعين على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يتضمن النص على التزام
مصدري النقود الإلكترونية بقبول تحويلها إلى نقود قانونية (أي تلك التي
يصدرها البنك المركزي في الدولة) وذلك عند سعر التعادل أو التكافؤ في أي
وقت يطلب فيه حامل هذه النقود تغييرها. ويرجع هذا إلى أنه في حالة عدم
وجود علاقة بين النقود الإلكترونية والنقود القانونية فإن من شأن هذا أن
يغري المؤسسات الائتمانية بالتمادي في إصدار النقود الإلكترونية بلا حدود
مما يؤدي في النهاية إلى خلق ضغوط تضخمية على اقتصاد الدولة. من ناحية
أخرى، فإن تعهد المصدرين بقبول تحويل النقود الإلكترونية إلى نقود قانونية
سوف يقلل نم خطر فقدان النقود الإلكترونية لوظيفة النقود باعتبارها وحدة
محاسبة في حالة ما إذا لم تقبل المؤسسات الائتمانية تغييرها عند سعر
التعادل.