** { غزوة خيبر ( بنى قريظة ) } **
سأل جبريل محمدًا ، وقد عاد لتوه من غزوة الأحزاب ، فدخل بيت أم سلمة يغتسل: أو قد وضعت السلاح ؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم وأمره أن يتقدم بالمسلمين ؛ ليحسم أمر بنى قريظة .
وفى دقائق معدودة كان الجيش المسلم يتحرك إلى ديارهم ، ثم يحاصرهم فى ديارهم ، وزلزل الله الأرض من تحت أقدامهم ، وقذف فى قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم النبى - صلى الله عليه وسلم - ، الذى وكل أمرهم إلى سعد بن معاذ ؛ ليحكم فيهم ، وحكم سعد فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات كما قال النبى ، فتم تنفيذه على الفور ، وانتهت الغزوة بتخلص المسلمين من مدبرى الفتن ، ومتصيدى فرص الضعف ، ثم تليت بوفاة سعد وتوبة الله على أبى لبابة ، الصحابى الجليل وقد وقعت هذه الغزوة فى شهر ذى القعدة للعام الخامس الهجرى .
تحرك الجيش إلى ديار بنى قريظة ،،،،
بينما بعض المسلمين يسيرون فى طرق المدينة ، عائدين إلى ديارهم ، وهم يتحدثون عما من الله به عليهم من جلاء المشركين ، وبعضهم الآخر قد اصطحبوا نساءهم وأولادهم مسرعين بهم إلى المنازل ،،
إذ بصوت مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصل إلى أسماع الجميع مناديًا :-
من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا ببنى قريظة .
ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى فوجئ المسلمون بعلى بن أبى طالب يحمل لواء المسلمين فى بعض الجيش مسرعًا إلى بنى قريظة ، ثم إذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى فى أثره ، فى كوكبة من المهاجرين والأنصار ، وسرعان ما نهض المسلمون ليلحقوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - ومقدمة الجيش ، فتلاحقوا أرسالاً حتى وصلوا جميعًا إلى حصون بنى قريظة ، فى ثلاثة آلاف مقاتل وثلاثين فرسًا ،،،،
وقد صلى بعضهم العصر فى الطريق قائلين :- إن رسول الله لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا ، ولم يصل آخرون وقالوا :- والله إنا لفى عزيمة رسول الله ، وما علينا من إثم ، ولم يعنف النبى - صلى الله عليه وسلم - واحدة من الطائفتين .
الحصار ،،،،
مشى كعب بن أسد سيد بنى قريظة حائرًا متثاقلاً ، قد خنقه حصار المسلمين ، وانفضاض قريش ، يفكر فيما هو صانع بقومه ، حتى إذا انتهى إلى كبراء بنى قريظة ، وقد جلسوا دون حراك ، ينتظرون ما الأقدار صانعة بهم ، حدثهم بصوت خفيض ، عارضًا عليهم ثلاثة حلول ، يختارون إحداها :-
إما أن يسلموا ، وقد علموا أن دين محمد هو الحق ، فيأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم ،،،
وإما أن يقتلوا نساءهم وأبناءهم بأيديهم ، ثم يخرجوا إلى جيش المسلمين فيقاتلونهم قتال من لا يخشى أن يفقد شيئًا
وإما أن يفاجئوا النبى - صلى الله عليه وسلم - وجيشه بالقتال يوم السبت ، حيث يأمن المسلمون قتالهم ،،، لكنهم أبوا أن يقبلوا منه واحدًا من هذه الحلول ، فخرج عنهم كعب وقد زاده رده غيظًا فقال :-
ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازمًا ! أما اليهود فلم يبق لهم بعد أن رفضوا الإسلام أو القتال إلا أن يرضوا بحكم النبى - صلى الله عليه وسلم - فيهم ، ففعلوا ذلك بعد أن دام حصارهم خمسًا وعشرين ليلة .
النزول على حكم النبى - صلى الله عليه وسلم -
رغم أن اليهود خلال مدة الحصار كانوا مقيمين بديارهم ، وقد توفرت المياه والآبار ، وألوان الطعام المختلفة ، وهم مع ذلك قد حازوا ألفًا وخمسمائة سيف ، وألفين من الرماح، وثلاثمائة درع ، وخمسمائة فرس وجحفة ، على حين بقى المسلمون القادمون من غزوة طويلة ، قد أنهكتهم وأثرت فيهم - بقوا بالعراء ، يقاسون البرد القارس ، والجوع الشديد ، على الرغم من ذلك كله إلا أن الرعب الذى قذفه الله فى قلوبهم ، قد أثناهم عن القتال ، أو حتى الصمود بحصونهم ، فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرسل إلينا أبا لبابة نستشيره ، وكان أبو لبابة حليفًا لهم وكانت أمواله وأولاده فى منطقتهم ،،،
فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش النساء والصبيان يبكون فى وجهه ، فرق لهم ،,,
وقالوا له :- أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
فقال :- نعم ، وقد أشار بيده إلى حلقه إشارة إلى أن مصيرهم بذلك سيكون الذبح ،
وعلم الصحابى الجليل من فوره أنه قد خان الله ورسوله ، فلم يعد إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وإنما عمد إلى سارية بمسجد المدينة ، فربط بها نفسه ، وأقسم ألا يحل وثاقه إلا محمد -صلى الله عليه وسلم - لكن الرعب الذى سلطه الله على اليهود ، جعل قلوبهم تنخلع حين سمعوا صرخة على :-
يا كتيبة الإيمان ، والله لأذوقن ما ذاق حمزة
أو لأفتحن حصنهم !
فقرروا على الفور أن ينزلوا على حكم النبى - صلى الله عليه وسلم - وأن يسلموا أنفسهم ، فوضعت القيود بأيدى الرجال تحت إشراف محمد بن مسلمة ، وجعلت النساء والذرارى بمعزل عنهم فى ناحية ؛ انتظارًا لما يحكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - .
حكم سعد بن معاذ ،،،،
تحامل سعد بن معاذ على نفسه ، وركب حمارًا ، وانطلق من المدينة إلى ديار بنى قريظة ، إن سعدًا يعلم جيدًا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استقدمه من المدينة التى بقى بها لإصابته بجرح فى أكحله أثناء غزوة الأحزاب فأعاقه عن شهود غزوة بنى قريظة - يعلم جيدًا أنه ما صنع ذلك إلا استجابة لرغبة الأوس ، الذين طمعوا فى رأفة رسول الله التى وسعت بنى قينقاع حلفاء الخزرج أن تنال بنى قريظة حلفاءهم أيضًا ،،،
وأفاق سعد الذى اشتد عليه جرحه على كلمات قومه من الأوس ، الذين أحاطوا به قائلين :-
يا سعد ، أجمل فى موالينا فأحسن فيهم ، وسكت سعد بعض الوقت ، حتى أكثروا عليه ، ،،
فقال لهم :- لقد آن لسعد ألا تأخذه فى الله لومة لائم !
وفطن الأوس لمراد زعيمهم ، وما إن وصل سعد إلى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال النبى لصحابته :- قوموا لسيدكم .
فنهضوا يعينونه على مشقة النزول ، وجلس سعد يستمع فقال القوم له :-
يا سعد ، إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك !
فسألهم :- حكمى نافذ عليهم ؟
قالوا :- نعم .
قال :- وعلى المسلمين ؟
قالوا :- نعم .
فاستحيى من النبى - صلى الله عليه وسلم - فأعرض بوجهه عنه ، وأشار إليه بيده وقال:- وعلى من هاهنا ؟
فأجابه النبى - صلى الله عليه وسلم - :- نعم وعلى .
فأصدر سعد حكمه قائلاً :-
فإنى أحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ،،،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :- لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات .
نعم فإن بنى قريظة ليست كبنى قينقاع التى قتلت رجلاً فى مشاجرة ، إنما هى عدو ، حالف جموع المشركين فى أحرج الأوقات ، ولولا تدبير الله - عز وجل - ورحمته لحدث للمسلمين ونبيهم -صلى الله عليه وسلم - ما لا يحمد عقباه وعلى الفور تم تنفيذ الحكم ، وكان هذا هو آخر عمل سعد بن معاذ الذى توفى بعد ذلك استجابة لدعوته .
تنفيذ الحكم ،،،،
كان كعب بن أسد مقيدًا فى محبسه ، فى دار بنت الحارث - امرأة من بنى النجار - مع رجال بنى قريظة ، مطرقًا يفكر ، وكان يؤخذ بين الحين والحين مجموعة منهم ، فيذهبون مع الداعى ، وانتبه كعب على صوت يهودى يسأله :-
ما تراه يصنع بنا ؟
فاغتاظ كعب وأجابه متعجبًا :-
أفى كل موطن لا تعقلون ؟
أما ترون الداعى لا ينزع ؟
والذاهب منكم لا يرجع ؟ هو والله القتل !
وقد كانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة ، فضربت أعناقهم فى خنادق حفرت لهم فى سوق المدينة ، وهكذا خطط اليهود لقتل المسلمين ونبيهم فى خندقهم فى شمال المدينة ولم يدروا حينئذ أن كتاب الله سبق ، بأنهم هم المقتولون فى خنادق سوق المدينة !
وقد قتل معهم حيى بن أخطب - سيد بنى النضير ، ومدبر الفتنة - وكان قد دخل حصنهم حين فرت قريش وغطفان ، كما قتل من نسائهم امرأة واحدة ؛ لقتلها خلاد بن سويد برحى طرحتها عليه ، وقد أسلم منهم نفر قبل النزول ، فحقنوا دماءهم وأموالهم ، وعفى عن نفر آخر ، وقسمت أموالهم فكان للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، وبيعت سباياهم بنجد تحت إشراف سعد بن زيد الأنصارى ، واشترى بثمنها خيلاً وسلاحًا .
وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون قتيلا، واستشهد من المسلمين خمسة عشر شهيدا .
وقد أسلم بعد غزوة خيبر ثلاثة من عظماء الرجال: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طليحة العبدري .
واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة .
وفاة سعد وتوبة أبى لبابة ،،،،
رغم انتهاء غزوتى الأحزاب وبنى قريظة ، إلا أن الداخل إلى مسجد المدينة لا زال يرى أثرًا منهما ، فجريح الأحزاب سعد بن معاذ فى خيمة أقيمت داخل المسجد ؛ ليسهل على النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يعوده ، وجار بنى قريظة أبو لبابة لا زال مقيدًا إلى سارية بنفس المسجد لما صنعه .
بينما كان نفر من المسلمين جلوسًا بالمسجد ، إذ فوجئوا بالدم يسيل خارجًا من خيمة سعد ، فأسرعوا إليه ، لكنهم وجدوا جرحه قد انفجر ، وما لبث أن مات بين أيديهم .
أما أبو لبابة فإنه ظل ست ليال على حاله تلك ، تحله امرأته في وقت كل صلاة ، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، حتى فوجئ قبيل الفجر بأم سلمة تقف على بابها ، تبشره بنزول توبة الله عليه ، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلقه حين خرج لصلاة الفجر .
المرأة اليهوديه تسمم الرسول عليه الصلاة والسلام ،،،،
وفي هذه الغزوة أهدت امرأة يهودية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع شاة مسمومة فأخذ منها مضغة ثم لفظها ، حيث أعلمه الله تعالى أنها مسمومة بعد ان كلمت رسول الله ، وقد اعترفت تلك المرأة بما فعلت ،,,,
وقالت :- قلت إن كان نبياًّ لن يضر ، وإن كان كاذباً أراحنا الله منه .
فعفا عنها صلى الله عليه وسلم .
** { الجهاد بعد غزوة بنى قريظة } **
ما كاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفرغ من غزوة الأحزاب ، ثم من قتال حلفائهم الغادرين بنى قريظة ، حتى التفت إلى من كانوا سببًا فى حصار المدينة ، فبدأ ببعث نفر من الخزرج ؛ لقتال سلام بن أبى الحقيق ، أحد كبار المدبرين لتحزيب الأحزاب ، ثم طفق يرسل السرايا لتأديب الأعراب الذين حالفوا قريشًا ، فكانت سرية محمد بن مسلمة ، ثم غزوة بنى لحيان ، ثم تتالت سرايا أخرى عديدة حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فى غزوة بنى المصطلق ، والتى اكتسبت شهرتها لوقوع حادثة الإفك فى أعقابها ، واستمرت البعوث بعد هذه الغزوة ، حتى كانت وقعة الحديبية ، والتى كانت نهايتها إيذاناُ ببداية عهد جديد فى سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
مقتل سلام بن أبى الحقيق ،،،،
خرج خمسة رجال من الخزرج ، أميرهم عبدالله بن عتيك متجهين إلى خيبر لقتل سلام بن أبى الحقيق ، المكنى بأبى رافع لكونه من أكابر المجرمين اليهود ، الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين ، وأعانوهم بالمال والمئونة ، ،،
وما إن وصل الخمسة إلى هدفهم حتى احتال عبدالله ودخل حصن أبى رافع ، ثم تسلل ليلاً إلى مخدعه ، حيث عاجله بضربات من سيفه ، أزهقت روحه . وكمن عبدالله حتى تأكد من إعلان وفاته فجرًا ، فغدا إلى أصحابه ، وقد كسرت ساقه لوقوعه من على الدرج ، بعد قتله أبا رافع ، فحملوه ، وعادوا جميعًا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وقد كان خروجهم فى ذى القعدة أو ذى الحجة من العام الخامس الهجرى .
سرية محمد بن مسلمة ،،،،
لعشر ليال خلون من المحرم سنة ست من الهجرة ، خرجت سرية قوامها ثلاثون مقاتلاً مسلمًا ، أميرهم محمد بن مسلمة متجهة إلى القرطاء بأرض نجد ، إلى بطن بنى بكر بن كلاب .
وما إن وصلت إلى ديارهم حتى أسرعوا بالفرار ، فاستاق المسلمون نعمهم وشاءهم ، وعادوا إلى المدينة وقد اصطحبوا ثمامة بن أثال الحنفى ، سيد بنى حنيفة الذى خرج ليقتل محمدًا ، لكنه أسلم حين لقيه وعامله بالمدينة ، وقد منع ثمامة هذا القمح عن قريش قائلاً :-
لا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله .
فاستغاثت قريش بالنبى - صلى الله عليه وسلم - ، فكتب إلى ثمامة أن يخلى إليهم حمل الطعام .
غزوة بنى لحيان ،،،،
لم ينس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشرة الذين قتلوا غدرًا ببعث الرجيع ، ولم يغفل عن الغادرين من بنى لحيان ، لكنه لم يكن يستطيع أن يتوغل فى أرضهم لقربها من حدود مكة ، ديار قريش العدو اللدود للمسلمين يومئذ ، أما الآن فقد استكان هذا العدو ، وعاد خائبًا بأحزابه ، وأصبحت الفرصة مواتية لتأديب هؤلاء المجرمين .
خرج إليهم فى ربيع الأول أو جمادى الأولى سنة ست من الهجرة فى مائتين من أصحابه ، وقد استخلف عبدالله بن أم مكتوم على المدينة ، وأظهر أنه متوجه إلى الشام ، ثم أسرع إلى بطن غران ، حيث كان مصاب أصحابه ، فترحم عليهم ودعا لهم ،،،
وسمعت بمقدمه بنو لحيان ، ففرت هاربة فى رؤوس الجبال يومين ، وبعث السرايا فى إثرهم فلم يدركوهم ، ثم سار إلى عسفان ، فبعث عشرة فوارس إلى كراع الغميم لتسمع به قريش ، ثم عاد إلى المدينة بعد غياب عنها دام أربع عشرة ليلة .
** { سرايا أخرى } **
تابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إرسال السرايا لتأديب الأعراب الذين تحزبوا مع قريش ؛ لمهاجمة المدينة ، وكان منها :-
سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ،،،،
خرج عكاشة فى ربيع الأول أو الآخر سنة ست من الهجرة فى أربعين رجلاً إلى الغمر ، وهو ماء لبنى أسد ، ففر القوم ، وأصاب المسلمون مائتى بعير ، ساقوها إلى المدينة .
سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة ( بنو ثعلبة ) ،,،،
خرج محمد بن مسلمة فى عشرة رجال فى ربيع الأول أو الآخر سنة ست من الهجرة إلى ذى القصة ، فى ديار بنى ثعلبة ، لكن الأعراب كمنوا لهم ، حتى إذا نام المسلمون باغتوهم فى مائة رجل ، وقتلوهم جميعًا ، إلا ابن مسلمة فإنه أفلت منهم جريحًا .
سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذى القصة ( بنو ثعلبة )
سار أبو عبيدة بن الجراح فى أربعين رجلاً مشاة ليلاً فى ربيع الآخر سنة ست من الهجرة ، متوجهين إلى ديار بنى ثعلبة انتقامًا لقتلهم أصحاب محمد بن مسلمة ، فوصلوا إليهم صباحًا ، لكن القوم هربوا منهم فى الجبال ، وأصابوا رجلاً واحدًا فأسلم ، وغنموا نعمًا وشاء .
سرية زيد بن حارثة إلى الجموم ،،،،
خرج زيد بن حارثة فى ربيع الآخر سنة ست من الهجرة إلى الجموم وهو ماء لبنى سليم فى مر الظهران ، فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة ، فأرشدتهم إلى مكان من بنى سليم هاجموه فأصابوا نعمًا وشاء وأسرى .
ثم عاد زيد إلى المدينة ، وأطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراح المرأة وزوجها .
سرية زيد بن حارثة إلى العيص ،،،،
خرج زيد بن حارثة أميرًا على مائة وسبعين راكبًا ، فهاجم قافلة لقريش أميرها أبو العاص ، زوج زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السابق ،،،
فأصاب زيد الأموال ، وفر أبو العاص حتى أتى زينب ، فاستجار بها ، وسألها أن تطلب من النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يرد أموال العير عليه ففعلت ،،،
وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس أن يردوا الأموال من غير إكراه ففعلوا .
ورجع أبو العاص إلى مكة ، فأدى ودائعه ، ثم أسلم وهاجر
ورد عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - زينب بالنكاح الأول بعد ما يزيد على الثلاث سنين .
سرية زيد بن حارثة إلى الطرف أو الطرق ،،،،
خرج زيد فى خمسة عشر رجلاً ، فى جمادى الآخرة بأمر رسول الله سنة ست من الهجرة إلى بنى ثعلبة ، فظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إليهم ، ففروا ، وأصاب زيد من نعمهم عشرين بعيرًا ، ثم عاد إلى المدينة بعد أربع ليال .
سرية زيد بن حارثة إلى وادى القرى ،،،،
خرج زيد فى رجب سنة ست من الهجرة فى اثنى عشر رجلاً إلى وادى القرى ؛ لاستكشاف حركات العدو ، لكن سكان وادى القرى هجموا عليه ، فقتلوا تسعة ، وأفلت ثلاثة فيهم زيد بن حارثة .
سرية الخبط ،،،،
أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة بن الجراح أميرًا على ثلاثمائة راكب ، ليتربصوا بعير قريش ، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا الخبط - وهو أوراق الشجر المتساقطة - فنحر رجل تسعة نوق ، ثلاثًا ثلاثًا ، حتى نهاه أبو عبيدة ، ثم حدثت لهم آية عجيبة ، إذ ألقى لهم البحر بدابة عظيمة يقال لها العنبر ، فأكلوا منها نصف شهر ، وعادوا ببعض لحمها إلى المدينة ، فأهدوا منه للنبى .
** { غزوة بنى المصطلق } **
لم تعد أحوال جزيرة العرب ، وما تفشى فيها من دين جديد تعجب الحارث بن أبى ضرار سيد بنى المصطلق !
وقرر الرجل أن ينفض من عينيه غبار النوم ، ويغدو بقومه ، ومن قدر على جمعه من العرب إلى محمد ليغزوه .
وعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحارث قرر أن يتبع وهمه ، فأرسل إليه بريدة بن الحصيب الأسلمى ، فأتاه وكلمه . ثم رجع إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - يؤكد له عزم الرجل ، وهنا أسرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج بعد ليلتين من شعبان سنة ست من الهجرة ،،،
وخرج معه جماعة من المنافقين ، ولم يخرجوا معه من قبل وفى الطريق ألقى المسلمون القبض على أحد جواسيس الحارث وقتلوه ، فبلغه الخبر ، وأدرك أن حلمه الجميل قد صار حقيقة مفزعة تقض مضجعه ، وهاجم المسلمون الأعراب عند المريسيع فانتصروا عليهم ،
وغنموا أموالهم ، وسبوا ذراريهم ،،،
وكانت جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار فى سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، وأدى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تزوجها ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بنى المصطلق قد أسلموا قائلين :- أصهار رسول الله .
والغزوة بهذا القدر ليست ذات ثقل فى باب المغازى ، لكن الدور الذى لعبه المنافقون فى إذكاء الفتنة بكلمات عبدالله بن أبى ، وفى حديث الإفك ، عن أم المؤمنين عائشة ، هو الذى زاد من شهرتها .
فتنة عبدالله بن أبى ،،،،
ازدحم أجير لعمر بن الخطاب مع مولى لبنى عوف من الخزرج على الماء ، فتشاجرا ، وأمسك كل بتلابيب الآخر
ثم صرخ خادم عمر :- يا معشر المهاجرين ،
وصرخ الآخر:- يا معشر الأنصار .
وهى دعوى وإن صدرت من طائشين ، إلا أن رائحة الجاهلية بها تزكم أنوف المؤمنين ، ولذا فقد بادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القوم قائلاً : -
أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟!
دعوها فإنها منتنة والمرء لا يشك أن من ترك ماله وداره لله لن يعترك مع من تنازل عن ماله وداره لأخيه فى الله .
لكن كبير المنافقين ما إن وصلته هذه الأنباء حتى وجد فيها بغيته ، فتظاهر بالغضب وقال :-
أو قد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا فى بلادنا ، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأولون :- سمن كلبك يأكلك !
أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
ثم التفت إلى الأنصار ممن حوله ، مظهرًا النصح قائلاً :- هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم .
وكان ممن حوله زيد بن أرقم ، وكان غلامًا صغير السن ، لكنه أدرك خطورة ما يقال ، فأسرع بنقله إلى عمه ، الذى لم يتوان فى نقل الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر ،،
فقال عمر :- مر عباد بن بشر فليقتله .
فقال - صلى الله عليه وسلم -:- فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه ؟، لا ، ولكن أذِّن بالرحيل .
ورحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيشه طيلة اليوم والليلة التالية له ثم صباح اليوم الذى بعده ، حتى أرهق الناس وآذتهم الشمس ، فتركهم ينامون حتى ينشغلوا عن الحديث ، أما عبد الله بن أبى فقد غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقسم له أنه لم يقل هذا الكلام ، وأن زيدًا أخطأ ،
لكن الله - عز وجل - فضحه بقرآن يتلى إلى يوم الساعة .
ووصل الجيش إلى المدينة، فوقف عبدالله بن عبدالله بن أبى الصحابى الجليل ، على باب المدينة ، وقد استل سيفه ، ومنع أباه أن يدخلها قائلاً :- والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله فإنه العزيز وأنت الذليل . فلما جاء النبى - صلى الله عليه وسلم - أذن له فخلى سبيله .
** { حــادثــة الإفــك } **
تلمست السيدة عائشة رقبتها فلم تجد عقدًا كانت أختها قد أعارتها إياه ,،،
وكانت فى صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة بنى المصطلق ،،،
وتذكرت عائشة أين فقدته ! فتركت الجيش وذهبت تلتمسه
ولكنها حين عادت به لم تجد من جيش المسلمين أحدًا ....
وإذا القوم قد ساروا بهودجها دون أن يفطنوا إلى أنها ليست به !
وقررت السيدة عائشة أن تبقى بهذه المنازل حتى يكتشفوا غيابها فيعودوا لاصطحابها ،,,
وغلبتها عيناها فاستسلمت للنوم ، لكنها أفاقت على صوت صفوان بن المعطل !!
وكان قد تأخر عن الجيش لانه كان يسير خلف الجيش ليحمل ما سقط من المتاع ,,،
يقول :- إنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله ؟
وأناخ صفوان ناقته ، فركبت السيدة عائشة ، وسار بها دون أن يكلمها ،،،
حتى قدم بها على الجيش فى نحر الظهيرة ،,,
ووجد رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول فى هذه الحادثة البريئة فرصة ليلوث ذيل أم طاهرة من أمهات المؤمنين و يطعن زوجها نبى الله - صلى الله عليه وسلم - فى كرامته وعرضه ,,,
فأخذ ينسج الأحاديث ، ويشيعها ، ويفترى الكذب ، ووجدت هذه الافتراءات طريقها إلى عدد من المسلمين ، الذين تلقّوها بحسن نيّة ونقلوها إلى غيرهم كان منهم :-
(( حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، و مسطح بن أثاثة رضي الله عنه أحد أقرباء أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، و حمنة بنت جحش رضي الله عنها ابنة عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت زوجته ))
وعصم الله من بقي من الصحابة عن الخوض في ذلك ، وكان لسان حالهم ومقالهم كما قال القرآن
{ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أَن نتكلم بهذا سبحانك هذاَ بهتان عظيم
وبلغت تلك الأحاديث سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان وقعها عليه شديداً ، ولنا أن نتصوّر المشاعر المختلفة التي كانت تدور في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمعاناة الطويلة التي عاشها في ظلّ هذه الأحداث ، وهو يرى الألسنة تنال من عرضه ، وتطعن في شرفه ، ولا يملك أن يضع لذلك حدّاً أو نهاية .
وعلى الجانب الآخر ، لم تكن عائشة تدرك ما يدور حولها من أقاويل الناس ، فقد حلّ بها مرض ألزمها الفراش طيلة هذه المدّة ، إلا أنها أحسّت بتغيّرٍ في معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
فبعد أن كانت تجد منه اللمسة الحانية ، والكلمة الرقيقة ، والمشاعر الفيّاضة ، إذا بها تفقد ذلك كلّه ، وتلحظ اقتصاره - صلى الله عليه وسلم – على الكلمات القليلة ، واكتفاءه بالسؤال عن حالها ، وهي تحاول أن تجد تفسيرا لهذا التحوّل المفاجيء .
وفي ليلة من الليالي خرجت عائشة رضي الله عنها مع أم مسطح إلى الصحراء لقضاء الحاجة - كعادة النساء في ذاك الزمان - ، فتعثّرت أم مسطح بثوبها وقالت : " تعس مسطح " ، فاستنكرت عائشة منها هذا القول وقالت : "بئس ما قلت ، أتسبين رجلاً شهد بدراً ؟ " ، وعندها أخبرتها أم مسطح بقول أهل الإفك .
وكانت مفاجأةً لم تخطر لها على بال ، وفاجعةً عظيمة تتصدّع لها قلوب الرّجال ، } ( النور:16 )فكيف ببنت السادسة عشرة ؟ وهي تسمع الألسن توجّه أصابع الاتهام نحو أغلى ما تملكه امرأة عفيفة ، فكيف بزوجة نبي الله وخليل الله ؟
وكان من الطبيعي أن تؤثّر هذه الإشاعة على صحّة عائشة رضي الله عنها فتزداد مرضاً على مرض ، ولم يمنعها ذلك من الوقوف على ملابسات القضيّة ، فبمجرّد أن عادت إلى البيت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب لأبويها ، فلما رأتها أمها قالت :-
" ما جاء بك يا بنية " فقصّت عليها الخبر ، وأرادت الأم أن تواسيها فبيّنت لها أن هذا الكلام حسدٌ لها على جمالها ومكانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولم يعد هناك مجال للشك ، فها هي والدتها تؤكّد ذلك ، وعَظُم عليها أن تتخيّل الناس وهم يتحدثون في شأنها ، تقول عائشة رضي الله عنها :-
".. فبكيت تلك الليلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت " .
وطال انتظار النبي - صلى الله عليه وسلم - للوحي فاستشار علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أما أسامة فأخبره بالذي يعلمه من براءة أهله ، وأما علي فقد أحسّ بالمعاناة النفسيّة التي يعيشها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأراد أن يريح خاطره ، فأشار عليه بأحد أمرين :-
إما أن يفارقها ويتحقّق من براءتها لاحقاً ، وحينها يمكنه إرجاعها ،,,
وإما أن يطّلع على حقيقة الأمر بسؤال بريرة مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة ,,
وقال لها :- ( هل رأيت من شيء يريبك )
فقالت :- " لا والذي بعثك بالحق ما علمت فيها عيباً "
ثمّ ذكرت صغر سنّها وأنّها قد تغفل عن العجين الذي تصنعه حتى تأتي الشاة تأكله ,,،
وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش رضي الله عنها عن أمرها ,,
فقالت :- " يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيراً "
وكانت هذه الشهادات كافيةً أن يصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر ، ويطلب العذر من المسلمين ، في رأس الفتنة عبد الله بن أبي بن سلول ، وذلك بقوله :-
( يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلاً – يعني صفوان بن المعطّل - ما علمت عليه إلا خيراً ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي )
فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال :-
" يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربتُ عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك "
فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد أخذته العصبيّة فقال لسعد :-
" كذبت ، لا تقتله ولا تقدر على قتله "
واختلف الأوس والخزرج ، وكاد الشيطان أن يُوقع بينهم ، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهدّئهم حتى سكتوا .
وبعد أن بلغت القضيّة هذا الحدّ ، لم يكن هناك مفرّ من الذهاب إلى عائشة رضي الله عنها لمصارحتها بالمشكلة واستيضاح موقفها ،,,
فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها امرأة من الأنصار ، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشهّد ثم قال :-
( أما بعد ، يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه )
فلما سمعت قوله جفّت دموعها ،
والتفتت إلى أبيها فقالت :- " أجب رسول الله فيما قال "
فقال :- " والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
ثم التفتت إلى أمّها فكان جوابها كجواب أبيها ،,,
وعندها قالت :- " لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم أني منه بريئة - والله يعلم أني منه بريئة - لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقنّني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف حين قال :- { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ( يوسف : 18 ) .
ثم استلقت رضي الله عنها على فراشها ، وهي تستعرض الحادثة في ذهنها منذ البداية وحتى هذه اللحظة ، وبدا لها أن آخر فصول هذه القصّة ستكون رؤيا يراها النبي - صلى الله عليه وسلم - تُثبت براءتها ،,,
ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يخلّد ذكرها إلى يوم القيامة ، وإذا بالوحي يتنزل من السماء يحمل البراءة الدائمة ، والحجة الدامغة في تسع آيات بيّنات ، تشهد بطهرها وعفافها ، وتكشف حقيقة المنافقين ، فقال تعالى :-
{ إِن الذين جاءوا بالإفك عصبَة منكم لا تحسبوه شَرا لكم بل هو خير لكم لكل امرِئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ( النور : 11 ) .
وانفرج الكرب ، وتحوّل حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرحاً ،,,
فقال لها :- ( أبشري يا عائشة ، أمّا الله عز وجل فقد برّأك )
وقالت لها أمها :- " قومي إليه "
فقالت عائشة رضي الله عنها امتناناً بتبرئة الله لها ، وثقةً بمكانتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبته لها : " والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله عزوجل " .
وأراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يعاقب مسطح بن أثاثة لخوضه في عرض ابنته ، فأقسم أن يقطع عليه النفقة ، وسرعان ما نزل الوحي ليدلّه على ما هو خير من ذلك :-
{ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم }
( النور : 22)
فقال أبو بكر :- " بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي "
فرجع إلى نفقته وقال : " والله لا أنزعها منه أبدا " .
وبعد : فحديث الإفك الذي رميت به أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ما هو إلا حلقة من حلقات التآمر على الدعوة ، ومحاولة تشويه رموزها ؛ وذلك لعلم العدو أن هذا الدين يقوم على المثال والنموذج والقدوة ، فإذا أفلح في إسقاط هذا النموذج وتشويه تلك القدوة ، فقد تحقّق له ما أراد ، فمتى نعي ذلك ؟
** { البعوث بعد غزوة بنى المصطلق } **
توالت السرايا فى السنة السادسة من الهجرة ، بعد عودة النبى - صلى الله عليه وسلم - من غزوة بنى المصطلق ، فقد أرسل :-
عبدالرحمن بن عوف إلى ديار بنى كلب .
وعلى بن أبى طالب إلى بنى سعد بن بكر .
وأبا بكر الصديق إلى وادى القرى .
وكرز بن جابر الفهرى إلى العرنيين .
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل عمرو بن أمية الضمرى مع سلمة بن أبى سلامة فى شوال سنة ست من الهجرة إلى مكة لاغتيال أبى سفيان ؛ لكنهما لم ينجحا فى مهمتهما .
سرية عبدالرحمن بن عوف إلى بنى كلب ،،،،
أجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدالرحمن بن عوف بين يديه ، وصنع له عمامة ألبسه إياها بيديه ، ثم أوصاه بأحسن الأمور فى الحرب ،،
وقال له :- إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم
وأرسله إلى ديار بنى كلب ، بدومة الجندل ،،،
فى شعبان سنة ست من الهجرة ، ووصل عبد الرحمن إلى ديارهم ، فمكث فيهم ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام ، فأسلموا وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وكان أبوها رأسهم وملكهم .
سرية على بن أبى طالب ،،،،
جلس وبر بن عليم سيد بنى سعد بن بكر يفكر !
كيف يستفيد من صراع المسلمين مع اليهود ؟
ووصل إلى فكرة طائشة ظن صوابها ، فأرسل رسولاً إلى خيبر ، يعرض على يهودها أن ينصرهم مقابل الحصول على تمر خيبر ، ووافقه القوم فأخذ يجمع جيشه ، ووصل الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فبادر بإرسال مائتى رجل ، أميرهم على بن أبى طالب ،،،
فخرجوا يسيرون الليل ويكمنون النهار ، حتى لا يشعروا بهم أحدًا وقد وجدوا فى طريقهم رسول وبر إلى خيبر ، فاعترف أمامهم بما فعل ، ثم دلهم على موضع تجمع بنى سعد ، فباغتهم على بجيشه، فهربوا بنسائهم ، وعاد على بجيشه يسوق أمامه خمسمائة بعير ، وألفى شاة ، من أنعامهم ، وكان خروجهم فى شعبان سنة ست من الهجرة .
سرية أبى بكر الصديق ،،،،
أراد بطن فزارة أن يغتال النبى - صلى الله عليه وسلم - فأعد له لذلك جمعًا ، وكان فيهم امرأة تسمى أم قرفة ، قد أكل الحقد قلبها ، فأعدت وحدها ثلاثين فارسًا من أهل بيتها لذلك ، وعلم نبى الله بخبرهم ، فأرسل إليهم أبا بكر الصديق ، إلى مقامهم بوادى القرى فى رمضان سنة ست من الهجرة ، ووصل أبو بكر إلى مشارف ديارهم ، فصلى الفجر ثم أمر جيشه بالهجوم ، فاكتسحوا القوم ، ولم يمض من الزمن إلا يسير حتى هزموهم ، وأسروا نساءهم وذراريهم ، فكان منهم أم قرفة التى قتل فوارسها الثلاثون وابنتها التى بيعت بمكة ، فداءً لأسرى المسلمين هناك .
سرية كرز بن جابر ،،،،
لا يحاسب الإسلام الناس على ضمائرهم فى الحياة الدنيا ، وهو يقبل منهم ما يبدونه ، ويكافؤهم عليه ، لكن إن أظهروا فى وقت ما خبث طويتهم ، فليس للمسلمين أن يتوانوا عن القصاص ، أقبل رهط من عكل وعرينة إلى المدينة ، ثم أعلنوا الإسلام ، فقبلهم المسلمون ، وأرادوا الإقامة بالمدينة ، فاستضافهم سكانها ، لكنهم بعد حين ، زعموا أن صحتهم قد اعتلت من جو المدينة ومناخها ،،،
فأرسلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجها ، بعث معهم راعيًا بإبل كثيرة ، يشربون من ألبانها وأبوالها ليصحوا ، وفعل القوم ، فصحوا وسمنوا ، وكان أول ما صنعوه بعد ذلك أن قتلوا راعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أعلنوا الكفر بالإسلام ، وهربوا بالإبل .
وهنا أرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - كرز بن جابر الفهرى فى سرية من المسلمين خلفهم ، وذلك فى شوال سنة ست من الهجرة ، ودعا عليهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم -
قائلاً :-
اللهم أعم عليهم الطريق ، واجعلها عليهم أضيق من مسك .
فأدركهم كرز وأصحابه ، وأقاموا عليهم حد الله ، فقطعت أيديهم وأرجلهم ثم تركوا حتى ماتوا ، جزاء فعلتهم الغادرة المشينة .
1- سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر . 2- سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة . 3- سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذى القصة . 4- سرية زيد بن حارثة إلى الجموم . 5- سرية زيد بن حارثة إلى الطرف . 6- سرية زيد بن حارثة إلى وادى القرى . 7- سرية الخبط بقيادة أبى عبيدة بن الجراح .