FX-Arabia

جديد المواضيع











الملاحظات

استراحة اف اكس ارابيا استرح هنا و انسى عناء السوق و التداول


التتار وحلم غزو العالم

استراحة اف اكس ارابيا


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 31-05-2012, 02:08 PM   المشاركة رقم: 11
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

** تقييم أوضاع العالم ككل حتى سنة 639 :-
1- وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقا إلى بولندا غرباً ومن سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً فأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع .
2- تولى قيادة التتار بعد " أوكي تاي " إبنه " كيوك بن أوكي تاي " وكان له الرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة ؛ ولم يكن لديه سياسة توسعية كأبيه فأوقف الفتوحات في أوروبا والعالم الإسلامي .
3- ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية وضموا معظم الأقاليم الإسلامية في آسيا إلى دولتهم فقضوا على معظم مظاهر الحضارة في هذه المناطق كما قضوا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة .
4- ظل القسم الأوسط من العالم الإسلامي وهو يبدأ من العراق إلى مصر مفرقاً ومشتتاً وانشغل حُكام هذه المناطق بالصراعات الداخلية بينهم وأزداد تفككهم بصورة كبيرة كذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم كلاً من ليبياً وتونس والجزائر والمغرب وغرب أفريقيا وكان أيضاً هذا القسم مفككاً تماماً بعد سقوط دولة الموحدين .
5- ذاق الأوروبيين النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين ودُمرت كنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديداً كبيراً خوفا من أن يصل التتار إلى روما عُقر دار الكاثوليكية في أوروبا .
6- مع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن الملوك النصارى في أوروبا الغربية في ( فرنسا- إنجلترا – إيطاليا – ألمانيا ) فكانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأيهم حروب دائمة لا تنتهي ومن ثم اعتقد ملوك الصليبيين أنهم لابد أن يتعاونوا تعاوناً تعاوناً كاملاً مع التتار ضد المسلمين بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحت على أيدي التتار .
* فلماذا يعتقد الصليبيين أن حرب المسلمين دائمة وحرب التتار مؤقتة ؟
- لأن حرب الصليبيين مع المسلمين حرب عقائدية فالعداء بين المسلمين والصليبيين على أساس ديني فالصراع بينهما أبدي ؛ فالنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى كما يقول الله –غز وجل – في كتابه الكريم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " - أما حروب التتار فهي لم تكن حروب عقائدية أبداً فعقيدة التتار كانت عقيدة مشوهة باهتة مجموعة من أديان شتى فلم يُسمع عن قائد تتري واحد حاول أن ينشر هذه العقيدة في البلاد المفتوحة إنما كان كل هدف التتار هو الإباده والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وإلى ذلك من أمور التخريب ومن كانت هذه صفته فلم يُكتب له الإستمرار أبداً لذلك على الغم من الصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تكثيف الجهود لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع التتار .
7- بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا وذلك بزواج عدد كبير من قادة التتار من فتيات نصرانيات أوروبيات وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبياً في الجيش المغولي وهذا ساعد على إمكانية التعاون التتري الصليبي فيما بعد وأن يجتمع الحقد التتري مع الحقد الصليبي على إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام .
8- استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام فلم تنقطع مع كل هذه المجازر التترية في أوروبا ؛ فلم تنقطع المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر وكانت مصر وبلاد الشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين ودار الصراع بينهم على حكم هذه المقاطعات وأصبح المسلمون يقعون في مثلث خطير فالصليبيين من ناحية والتتار من ناحية أخرى وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة .
9- في عام 640- توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي وتولى الخلافة " المستعصم بالله " ابن المستنصر بالله وكان عمره آن ذاك 30 عاماً وستسقط الخلافة العباسية في زمانه .
10- لم يبق فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس وكانت تعيش في طائفة الإسماعيلية الشيعية .
** ما حدث من سنة 639- إلى سنة 649 :-
بعد تولية " كيوك بن أوكي تاي " خاقاناً جديداً للتتار فقرر أن يوقف الحملات التترية التوسعية وقرر أن يتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء المملكة الواسعة وحكم التتار من سنة 639- إلى سنة 646- فلمدة سبع سنوات لم يدخل التتار في هذه السنوات أي بلد جديد ؛ فرأى الصليبيون في غرب أوروبا هذا النهج غير التوسعي لدى " كيوك " فتجددت الآمال في التعاون معهم ضد المسلمين فأرسل البابا " إنوسنت الرابع " سفارة صليبية إلى منغوليا في سنة 643- والمسافة بين روما وقرقورم 12ألف كم مربع ذهاباً فقط ؛ فأرسل إليه رسالة يعرض عليه فيها التوحد لحرب المسلمين في مصر والشام ولم يكن من أهداف هذه السفارة أن ترفع الظلم عن نصارى أوروبا وروسيا لأن معظم البلاد التي وقعت في أيدي التتار في أوروبا وروسيا كانوا من النصارى الأرثوذكس ؛ فوصل الوفد الصليبي إلى قرقورم وسلم رسالة البابا إلى خاقان التتار ؛ فوجد أن البابا بالإضافة إلى طلبة توحيد العمل العسكري ضد المسلمين فهو يدعوه إلى اعتناق النصرانية فاعتبر خاقان التتار ذلك تعدياً خطيراً من البابا فكيف يطلب من خاقان التتار أعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمن أن يغير من ديانته مع أن الديانة النصرانية بدأت تتغلغل في البلاط المغولي لكن هذا تعدياً كبيراً على خاقان التتار فرفض السفارة الصليبية إلا بشرط واحد فقط وهو أن يجتمع أمراء الغرب الأوروبي جميعاً ليأتوا إلى منغوليا لتقديم قروب الولاء والطاعة للخاقان التتري بالطبع رفض ملوك أوروبا هذا الشرط وبذلك فشلت السفارة الأوروبية الأولى ؛ فلم ييأس البابا " أنوسنت الرابع " وأخذ يبحث في قواد الجيش التتري في مناطق العالم المختلفة على من عنده الرغبة والحمية في غزو العالم الإسلامي فوجد ضالته في قائد المنطقة الغربية لدولة التتار الذي كان يتمركز في منطقة "أذربيجان وفارس " وهو القائد التتري الكبير " بيجو " وهو من أشهر قواد التتار وفي سنة 645- وبعد السفارة الأولى بعامين أرسل البابا رسالة جديدة إلى " بيجو " في فارس وكان هذا القائد لديه حب ورغبه شديدة في العدوان والهجوم وكانت رغبته الشديدة في التوسع في أراضي المسلمين فوجدت السفارة ترحيباً كبيراً من بيجو وتوقع أن هجوم الصليبيين على مصر والشام سوف يشغل المسلمين في هذه المناطق عن الدفاع عن الخلافة العباسية وبذلك يستطيع أن يتقدم في داخل أراضي العراق ؛ لكن بيجو لم يكن لدية الصلاحيات الكافية لإجراء المعاهدات والمفاوضات مع البابا وغيره فأرسل إلى كيوك وكان مصمماً على عدم التوسع ومصر على قدوم ملوك أوروبا إلى قورقورم لتقديم قروب الولاء والطاعة ففشلت هذه السفارة الثانية .
وفي ذلك الوقت كان " لويس التاسع " ملك فرنسا كان يجهز الحملة الصليبية المشهورة على مصر والمعروفة بالحملة الصليبية السابعة وكان يتمركز في جزيرة قبرص لتجميع الجيوش الفرنسية وغيرها لغزو مصر ؛ وفي سنة 646- وبعد سنة من السفارة الصليبية إلى بيجو فكر لويس التاسع في أن الأمل لم ينقطع بعد في التعاون مع التتار فأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لمحاولة إقناع التتار بالتعاون من جديد وزود هذه السفارة بالهدايا الثمينة وغيرها لكن وصلت هذه السفارة إلى " قورقورم " العاصمة التترية فوجدت أن الخاقان التتري " كيوك " قد مات وأولاده صغار لا يستطيعون تولي مقاليد الحكم فتولت الحكم أرملته أم أولاده الثلاثة الصغار وكانت تُدعى " إغول قينيش " فتولت الوصاية على أولادها وبالتالي تولت حكم التتار من سنة 646- إلى سنة 649- ؛ فتوجهت سفارة لويس التاسع إلى ملكة التتار فاستقبلتهم الملكة بحفاوة لكن إعتذرت عن إمكانية التعاون معاً لأنها مشغولة بالمشاكل الضخمة التي طرأت في المملكة التترية الضخمة نتيجة موت " كيوك " بالإضافة إلى أن عامة قواد الجيوش التترية لم يكونوا يقبلوا ببساطة على حكم امرأة لدولة التتار فهي دولة تعتمد في أساسهاً على البطش والإجرام والقوة والأوضاع كانت غير مستقرة في منغوليا وغيرها من البلاد فالمطلوب أن يتولى القيادة رجل حازم ؛ فردت السفارة وعادت السفارة الصليبية الثالثة دون نتيجة لكن مع ذلك لويس التاسع أصر على الحرب وغزا بالفعل مصر ونزل إلى دمياط سنة 647- واحتلها وبدأت الحملة الصليبية السابعة على مصر وكان لها آثار كبيرة ؛ الأوضاع في منغوليا لم تكن مستقرة ولم يقبل التتار تولية امرأة عليهم ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار واختار في سنة 649- خاقاناً جديداً للتتار وهو " منكو خان " وهذا الإختيار أدى إلى تحول كبير في سياسة التتار وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بهم وكانت لهذا الخاقان الجديد سياسة توسعية كبيرة شبيه بسياسة جنكيز خان المؤسس الأول لدولة التتار وشبيه أيضاً بسياسة أوكي تاي الذي فتحت أوروبا في عهده لذلك عندما تسلم مقاليد الحكم فكر في إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام ومصر وإفريقيا فكان لدية أحلام توسعية في كل مكان على وجه الأرض وللأسف فإن حكام المسلمين في هذه الأثناء لم يكونوا على مستوى الأحداث ونسوا تماماً أمر التتار بسبب توقف التوسعات التترية لمدة عشرة سنوات فنسي الناس هذا الأمر بل ونسي الحكام والعلماء المسلمين أن الجزء الشرقي من العالم الإسلامي في أيدي التتار ونسوا أن التتار قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الخلافة العباسية والشام ومصر والحجاز إلى حد أن المؤرخين الذين يؤرخون لهذه الفترة لا يذكرون مطلقاً إي شئ عن التتار ؛ وعلى سبيل المثال ففي البداية والنهاية لابن كثير وهو كما نعرف لم يعاصر هذه الحقبة من الزمان بل نقل عن المؤرخين الذين كانوا معاصرين لهذه الأحداث فلم يذكروا في هذه الفترة شيئاً عن التتار مطلقاً ففي البداية والنهاية من سنة 636- إلى سنة 649- لم يذكر شئ البتة عن التتار وكأن القضية التترية قد حُلت تماماً ؛ ولكن تجد أنه ذكر في هذه الفترة في البداية والنهاية أن ابن كثير يصف حياة طبيعية في العراق والشام ومصر أمور في غاية البساطة فمثلاً يذكر ابن كثير أن " الخليفة يعالج بعض المشاكل الإقتصادية " ؛ " قد يحدث وباء فيُعالج " ؛ " يحدث الغلاء فيشق ذلك على الناس فيمنح الخليفة بعض الأموال لمقاومة الغلاء " ؛ " يفتح مدرسة " ؛ " أحد الناس يفتح دار ضيافة " ؛ " أحد الناس يفتح داراً للطب " .................. وهكذا .



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 31-05-2012, 02:08 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

** تقييم أوضاع العالم ككل حتى سنة 639 :-
1- وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقا إلى بولندا غرباً ومن سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً فأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع .
2- تولى قيادة التتار بعد " أوكي تاي " إبنه " كيوك بن أوكي تاي " وكان له الرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة ؛ ولم يكن لديه سياسة توسعية كأبيه فأوقف الفتوحات في أوروبا والعالم الإسلامي .
3- ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية وضموا معظم الأقاليم الإسلامية في آسيا إلى دولتهم فقضوا على معظم مظاهر الحضارة في هذه المناطق كما قضوا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة .
4- ظل القسم الأوسط من العالم الإسلامي وهو يبدأ من العراق إلى مصر مفرقاً ومشتتاً وانشغل حُكام هذه المناطق بالصراعات الداخلية بينهم وأزداد تفككهم بصورة كبيرة كذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم كلاً من ليبياً وتونس والجزائر والمغرب وغرب أفريقيا وكان أيضاً هذا القسم مفككاً تماماً بعد سقوط دولة الموحدين .
5- ذاق الأوروبيين النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين ودُمرت كنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديداً كبيراً خوفا من أن يصل التتار إلى روما عُقر دار الكاثوليكية في أوروبا .
6- مع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن الملوك النصارى في أوروبا الغربية في ( فرنسا- إنجلترا – إيطاليا – ألمانيا ) فكانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأيهم حروب دائمة لا تنتهي ومن ثم اعتقد ملوك الصليبيين أنهم لابد أن يتعاونوا تعاوناً تعاوناً كاملاً مع التتار ضد المسلمين بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحت على أيدي التتار .
* فلماذا يعتقد الصليبيين أن حرب المسلمين دائمة وحرب التتار مؤقتة ؟
- لأن حرب الصليبيين مع المسلمين حرب عقائدية فالعداء بين المسلمين والصليبيين على أساس ديني فالصراع بينهما أبدي ؛ فالنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى كما يقول الله –غز وجل – في كتابه الكريم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " - أما حروب التتار فهي لم تكن حروب عقائدية أبداً فعقيدة التتار كانت عقيدة مشوهة باهتة مجموعة من أديان شتى فلم يُسمع عن قائد تتري واحد حاول أن ينشر هذه العقيدة في البلاد المفتوحة إنما كان كل هدف التتار هو الإباده والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وإلى ذلك من أمور التخريب ومن كانت هذه صفته فلم يُكتب له الإستمرار أبداً لذلك على الغم من الصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تكثيف الجهود لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع التتار .
7- بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا وذلك بزواج عدد كبير من قادة التتار من فتيات نصرانيات أوروبيات وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبياً في الجيش المغولي وهذا ساعد على إمكانية التعاون التتري الصليبي فيما بعد وأن يجتمع الحقد التتري مع الحقد الصليبي على إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام .
8- استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام فلم تنقطع مع كل هذه المجازر التترية في أوروبا ؛ فلم تنقطع المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر وكانت مصر وبلاد الشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين ودار الصراع بينهم على حكم هذه المقاطعات وأصبح المسلمون يقعون في مثلث خطير فالصليبيين من ناحية والتتار من ناحية أخرى وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة .
9- في عام 640- توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي وتولى الخلافة " المستعصم بالله " ابن المستنصر بالله وكان عمره آن ذاك 30 عاماً وستسقط الخلافة العباسية في زمانه .
10- لم يبق فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس وكانت تعيش في طائفة الإسماعيلية الشيعية .
** ما حدث من سنة 639- إلى سنة 649 :-
بعد تولية " كيوك بن أوكي تاي " خاقاناً جديداً للتتار فقرر أن يوقف الحملات التترية التوسعية وقرر أن يتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء المملكة الواسعة وحكم التتار من سنة 639- إلى سنة 646- فلمدة سبع سنوات لم يدخل التتار في هذه السنوات أي بلد جديد ؛ فرأى الصليبيون في غرب أوروبا هذا النهج غير التوسعي لدى " كيوك " فتجددت الآمال في التعاون معهم ضد المسلمين فأرسل البابا " إنوسنت الرابع " سفارة صليبية إلى منغوليا في سنة 643- والمسافة بين روما وقرقورم 12ألف كم مربع ذهاباً فقط ؛ فأرسل إليه رسالة يعرض عليه فيها التوحد لحرب المسلمين في مصر والشام ولم يكن من أهداف هذه السفارة أن ترفع الظلم عن نصارى أوروبا وروسيا لأن معظم البلاد التي وقعت في أيدي التتار في أوروبا وروسيا كانوا من النصارى الأرثوذكس ؛ فوصل الوفد الصليبي إلى قرقورم وسلم رسالة البابا إلى خاقان التتار ؛ فوجد أن البابا بالإضافة إلى طلبة توحيد العمل العسكري ضد المسلمين فهو يدعوه إلى اعتناق النصرانية فاعتبر خاقان التتار ذلك تعدياً خطيراً من البابا فكيف يطلب من خاقان التتار أعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمن أن يغير من ديانته مع أن الديانة النصرانية بدأت تتغلغل في البلاط المغولي لكن هذا تعدياً كبيراً على خاقان التتار فرفض السفارة الصليبية إلا بشرط واحد فقط وهو أن يجتمع أمراء الغرب الأوروبي جميعاً ليأتوا إلى منغوليا لتقديم قروب الولاء والطاعة للخاقان التتري بالطبع رفض ملوك أوروبا هذا الشرط وبذلك فشلت السفارة الأوروبية الأولى ؛ فلم ييأس البابا " أنوسنت الرابع " وأخذ يبحث في قواد الجيش التتري في مناطق العالم المختلفة على من عنده الرغبة والحمية في غزو العالم الإسلامي فوجد ضالته في قائد المنطقة الغربية لدولة التتار الذي كان يتمركز في منطقة "أذربيجان وفارس " وهو القائد التتري الكبير " بيجو " وهو من أشهر قواد التتار وفي سنة 645- وبعد السفارة الأولى بعامين أرسل البابا رسالة جديدة إلى " بيجو " في فارس وكان هذا القائد لديه حب ورغبه شديدة في العدوان والهجوم وكانت رغبته الشديدة في التوسع في أراضي المسلمين فوجدت السفارة ترحيباً كبيراً من بيجو وتوقع أن هجوم الصليبيين على مصر والشام سوف يشغل المسلمين في هذه المناطق عن الدفاع عن الخلافة العباسية وبذلك يستطيع أن يتقدم في داخل أراضي العراق ؛ لكن بيجو لم يكن لدية الصلاحيات الكافية لإجراء المعاهدات والمفاوضات مع البابا وغيره فأرسل إلى كيوك وكان مصمماً على عدم التوسع ومصر على قدوم ملوك أوروبا إلى قورقورم لتقديم قروب الولاء والطاعة ففشلت هذه السفارة الثانية .
وفي ذلك الوقت كان " لويس التاسع " ملك فرنسا كان يجهز الحملة الصليبية المشهورة على مصر والمعروفة بالحملة الصليبية السابعة وكان يتمركز في جزيرة قبرص لتجميع الجيوش الفرنسية وغيرها لغزو مصر ؛ وفي سنة 646- وبعد سنة من السفارة الصليبية إلى بيجو فكر لويس التاسع في أن الأمل لم ينقطع بعد في التعاون مع التتار فأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لمحاولة إقناع التتار بالتعاون من جديد وزود هذه السفارة بالهدايا الثمينة وغيرها لكن وصلت هذه السفارة إلى " قورقورم " العاصمة التترية فوجدت أن الخاقان التتري " كيوك " قد مات وأولاده صغار لا يستطيعون تولي مقاليد الحكم فتولت الحكم أرملته أم أولاده الثلاثة الصغار وكانت تُدعى " إغول قينيش " فتولت الوصاية على أولادها وبالتالي تولت حكم التتار من سنة 646- إلى سنة 649- ؛ فتوجهت سفارة لويس التاسع إلى ملكة التتار فاستقبلتهم الملكة بحفاوة لكن إعتذرت عن إمكانية التعاون معاً لأنها مشغولة بالمشاكل الضخمة التي طرأت في المملكة التترية الضخمة نتيجة موت " كيوك " بالإضافة إلى أن عامة قواد الجيوش التترية لم يكونوا يقبلوا ببساطة على حكم امرأة لدولة التتار فهي دولة تعتمد في أساسهاً على البطش والإجرام والقوة والأوضاع كانت غير مستقرة في منغوليا وغيرها من البلاد فالمطلوب أن يتولى القيادة رجل حازم ؛ فردت السفارة وعادت السفارة الصليبية الثالثة دون نتيجة لكن مع ذلك لويس التاسع أصر على الحرب وغزا بالفعل مصر ونزل إلى دمياط سنة 647- واحتلها وبدأت الحملة الصليبية السابعة على مصر وكان لها آثار كبيرة ؛ الأوضاع في منغوليا لم تكن مستقرة ولم يقبل التتار تولية امرأة عليهم ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار واختار في سنة 649- خاقاناً جديداً للتتار وهو " منكو خان " وهذا الإختيار أدى إلى تحول كبير في سياسة التتار وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بهم وكانت لهذا الخاقان الجديد سياسة توسعية كبيرة شبيه بسياسة جنكيز خان المؤسس الأول لدولة التتار وشبيه أيضاً بسياسة أوكي تاي الذي فتحت أوروبا في عهده لذلك عندما تسلم مقاليد الحكم فكر في إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام ومصر وإفريقيا فكان لدية أحلام توسعية في كل مكان على وجه الأرض وللأسف فإن حكام المسلمين في هذه الأثناء لم يكونوا على مستوى الأحداث ونسوا تماماً أمر التتار بسبب توقف التوسعات التترية لمدة عشرة سنوات فنسي الناس هذا الأمر بل ونسي الحكام والعلماء المسلمين أن الجزء الشرقي من العالم الإسلامي في أيدي التتار ونسوا أن التتار قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الخلافة العباسية والشام ومصر والحجاز إلى حد أن المؤرخين الذين يؤرخون لهذه الفترة لا يذكرون مطلقاً إي شئ عن التتار ؛ وعلى سبيل المثال ففي البداية والنهاية لابن كثير وهو كما نعرف لم يعاصر هذه الحقبة من الزمان بل نقل عن المؤرخين الذين كانوا معاصرين لهذه الأحداث فلم يذكروا في هذه الفترة شيئاً عن التتار مطلقاً ففي البداية والنهاية من سنة 636- إلى سنة 649- لم يذكر شئ البتة عن التتار وكأن القضية التترية قد حُلت تماماً ؛ ولكن تجد أنه ذكر في هذه الفترة في البداية والنهاية أن ابن كثير يصف حياة طبيعية في العراق والشام ومصر أمور في غاية البساطة فمثلاً يذكر ابن كثير أن " الخليفة يعالج بعض المشاكل الإقتصادية " ؛ " قد يحدث وباء فيُعالج " ؛ " يحدث الغلاء فيشق ذلك على الناس فيمنح الخليفة بعض الأموال لمقاومة الغلاء " ؛ " يفتح مدرسة " ؛ " أحد الناس يفتح دار ضيافة " ؛ " أحد الناس يفتح داراً للطب " .................. وهكذا .




رد مع اقتباس
قديم 31-05-2012, 02:09 PM   المشاركة رقم: 12
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

** سياسة نكو خان في عقد التحالفات :-
1- كان من رغبات منكو خان أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية الموجودة بالشام وذلك لشغل المسلمين في منطقة الشام وتركيا عن الخلافة العباسية ؛ ولتشجيع أمراء هذه الممالك أرسل إليهم ملك التتار يطلب التحالف في رسالة مع هيثوم ملك أرمينيا ووعدهم ملك التتار بأن يعطي لهم المقدس هدية إذا ساعدوه في إسقاط الخلافة العباسية ومع كل هذا التشجيع إلا أن أمراء الإمارات الصليبية بالشام ترددوا في ذلك بإستثناء واحد فقط وهو أمير أنطاكيا وكان يدعى "بوهمند" إستحسن الأمر وانضم مباشرة إلى ملك التتار أما بقيةالأمراء الصليبيين في الشام رفضوا هذه المعاهدة لأسباب منها:
أ- هم يعلمون أن التتار لا عهد لهم فقد يبيعونهم دون ثمن .
ب- وهم يعيشون في قلب العالم الإسلامي فخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار .
2- سعى منكو خان إلى عقد بعض الإتفاقيات مع نصارى الشام والعراق ولكن هذه المرة مع الأمراء بل مع عامة النصارى الذين يعيشون في كنف العالم الإسلامي في الشام والعراق ولم تكون هذه الصفقات طبعاً معلنة بل كانت إتفاقيات سرية مع بعض رءوس النصارى ومع بعض القساوسة لكي يسهلوا مهمة دخول التتار إلى البلاد وينقلوا الأخبار من وإلى التتار ؛ ونجح منكو خان في الوصول إلى بعض رءوس النصارى الكبيرة في الشام والعراق وعلى رأسهم بطريرك بغداد وكان يدعى " ماتيكا " وكان عاملاً مساعداً هاماً في دخول بغداد .
3- عقد منكو خان معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية ؛ فلكم ذاقوا على يد التتار الويلات لعدة مرات والآن يتعاهدون ويتعاقدون على حرب المسلمين .
4- عقد التتار بعض المعاهدات المقززة الشنيعة فكل المعاهدات السابقة شئ والمعاهدات التي ستذكر شئ آخر ؛ فهذه المعاهدات عقدت مع بعض أمراء المسلمين لضرب بلاد المسلمين ؛ وهذه المعاهدات لم يعقدها منكو خان بنفسه لكن إستهان بهؤلاء الأمراء الخونة ووكل هولاكو في أن يعقد هذه المعاهدات معهم وجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون إلى التتار الأقوياء ؛ قال تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ؛ فجاء إلى هولاكو ليتحالف معه على حرب المسلمين كلاً من :
1- " بدر الدين لؤلؤ " أمير المصل ليتحالف معه وبذلك تكون منطقة شمال العراق وهم الأكراد قد تحالفوا مع التتار لدخول بغداد من الشمال .
2- وجاء كلاً من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " سلطانا السلاجقه ليتحالفا مع هولاكو وهم أمراء تركيا التي تقع إلى الشمال من العراق وهو مكان في منتهى الحساسية؛ ففيما بعد ذلك سيفتح هؤلاء الأمراء المجال الأرضي التركي لدخول الجيوش التترية من شمال العراق إلى بغداد .
3- وجاء " الناصر يوسف " أمير حلب ودمشق حفيد صلاح الدين الأيوبي فهو أبن أبنه لكن لم يكن يشبهه تماماً فكان على النقيض من جده ؛ فأرسل ابنه العزيز لا ليقدم فروض الولاء والطاعة إلى هولاكو بل ليقود فرقة إسلامية تنضم إلى جيش التتار لغزو بغداد .
4- وجاء " الأشرف الأيوبي " أمير حمص ليقدم ولاءه لهولاكو .
فكانت هذه التحالفات الإسلامية مع هولاكو في منتهى الخطورة فقد زادت من قوة التتار وأصبح التتار يحاصرون العراق من كل الإتجاهات بالإضافة إلى أن هذه التحالفات أدت إلى هبوط شديد في معنويات الأمة فلما شاهد المسلمون أمرائهم على هذه الصورة المخذية ضعفت الهمم وفترت العزائم وانعدمت الثقة تماماً بين الشعوب وبين حكامهم وأيقنوا أنه لم يعد لديهم طاقة في الوقوف في وجه التتار .
5- وصل التتار إلى شخصية مهمة إلى حد كبير داخل البلاط العباسي فوصلوا إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية فهو الشخصية الثانية في الدولة بعد " المستعصم بالله " هو الوزير " مؤيد الدين بن العلقمي " الشيعي الرافضي وكان رجلاً فاسداً خبيثاً وكان رافضياً يرفض خلافة أبو بكر وعمر بن الخطاب وكان شديد التشيع كارهاً لأهل السنة ومن العجيب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق وهو على هذه الصورة في دولة سنية والأسوء من ذلك أن هذا الوزير المفسد لم يكون وزيراً منذ شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين بل بقي على كرسي الوزارة أربعة عشر سنة كاملة منذ سنة 642- إلى سنة 656- عندما أسقطت بغداد ؛ إتصل هولاكو بمؤيد الدين ابن العلقمي الشيعي وأتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالمساعده بالآراء الفاسدة والإقتراحات المضللة للخليفة وهذا سيكون في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة فقام الوزير الفاسد بدورة على أكمل ما يكون كما سنرى فيما بعد .
هذه الجهود الدبلوماسية التي ذكرناها أخذت فترة خمس سنوات كاملة فتعاون التتار تعاوناً قوياً ومهماً مع ملوك أرمينيا والكرج وانطاكيا النصارى وحيدوا إلى حد كبير جانب أمراء الإمارات الصليبية في الشام وأقاموا تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق وتحالفوا مع بعض أمراء المسلمين ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين بن العلقمي .
___________________________________________
المحور الثالث : الحرب النفسية على الشعوب الإسلامية
كانت لهولاكو أكثر من طريقة لشن حرب نفسية مهولة على المسلمين قبل اللقاء في الحرب وقبل إسقاط بغداد من هذه الطرق :
1- القيام بحملات إرهابية في المناطق المحيطة بالعراق لتذكير المسلمين بالذكريات الأليمة التي حدثت في عهد جنكيز خان و أوكي تاي وكانوا يسيطرون على القوافل التجارية القادمة من وإلى العراق وبذلك يقومون بعمل ضربات إقتصادية كبيرة للعراق قبل أن يغزوها ؛ فعلى سبيل المثال إستولى التتار على قافلة تجارية بلغت الأموال فيها ستمائة ألف دينار وعلى هذه الشاكلة كان هناك حروب كثيرة لإضعاف الروح المعنوية للمسلمين .
2- ومن وسائل هولاكو الخطيرة لإضعاف الروح المعنوية الوصول إلى بعض الأدباء والشعراء المسلمين ليقوموا بحرب إعلامية قذرة في داخل البلاد الإسلامية فيعظمون من إمكانيات التتار ويقللون من إمكانيات المسلمين حتى لا يتخيل مسلم أنه يحارب تترياً ؛ فنجد أن الكتب في ذلك الوقت ملئ بكلمات غريبة فعلى سبيل المثال " التتار تصل إليهم أخبار الأمم ولا تصل أخبارهم إلى الأمم " ؛ " التتار نساءهم يقاتلن كرجالهن " ؛ " التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات ولا تحتاج إلى الشعير " ؛ " التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين " ؛ " التتار يأكلون جميع اللحوم ويأكلون بني آدم " .
3- ومن وسائل الحرب النفسية أيضاً هي كتابة الرسائل التهديدية الخطيرة و أيضاً أعد التتار العدة المناسبة في ذلك الأمر فاتصلوا ببعض الوصوليين والمنافقين المسلمين ومن لهم حسن أدبي وفن في كتابة الرسائل .
4- إعلان التحالفات فالقوات التي ستحارب المسلمين ليسوا من التتار فقط بل من التتار والأرمن والكرج وأنطاكيا وغيرها ..... فهذه التحالفات ستدخل الرعب في قلوب المسلمين .
5- إعلان التحالفات مع أمراء المسلمين فكل هذا كان معلناً أمام العوام .
بهذه الوسائل وبغيرها إستطاع التتار أن يبثوا الرعب والهلع في قلوب المسلمين وبذلك أصبح الجو مناسباً لدخول القوات التترية الغازية إلى العراق .



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 31-05-2012, 02:09 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

** سياسة نكو خان في عقد التحالفات :-
1- كان من رغبات منكو خان أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية الموجودة بالشام وذلك لشغل المسلمين في منطقة الشام وتركيا عن الخلافة العباسية ؛ ولتشجيع أمراء هذه الممالك أرسل إليهم ملك التتار يطلب التحالف في رسالة مع هيثوم ملك أرمينيا ووعدهم ملك التتار بأن يعطي لهم المقدس هدية إذا ساعدوه في إسقاط الخلافة العباسية ومع كل هذا التشجيع إلا أن أمراء الإمارات الصليبية بالشام ترددوا في ذلك بإستثناء واحد فقط وهو أمير أنطاكيا وكان يدعى "بوهمند" إستحسن الأمر وانضم مباشرة إلى ملك التتار أما بقيةالأمراء الصليبيين في الشام رفضوا هذه المعاهدة لأسباب منها:
أ- هم يعلمون أن التتار لا عهد لهم فقد يبيعونهم دون ثمن .
ب- وهم يعيشون في قلب العالم الإسلامي فخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار .
2- سعى منكو خان إلى عقد بعض الإتفاقيات مع نصارى الشام والعراق ولكن هذه المرة مع الأمراء بل مع عامة النصارى الذين يعيشون في كنف العالم الإسلامي في الشام والعراق ولم تكون هذه الصفقات طبعاً معلنة بل كانت إتفاقيات سرية مع بعض رءوس النصارى ومع بعض القساوسة لكي يسهلوا مهمة دخول التتار إلى البلاد وينقلوا الأخبار من وإلى التتار ؛ ونجح منكو خان في الوصول إلى بعض رءوس النصارى الكبيرة في الشام والعراق وعلى رأسهم بطريرك بغداد وكان يدعى " ماتيكا " وكان عاملاً مساعداً هاماً في دخول بغداد .
3- عقد منكو خان معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية ؛ فلكم ذاقوا على يد التتار الويلات لعدة مرات والآن يتعاهدون ويتعاقدون على حرب المسلمين .
4- عقد التتار بعض المعاهدات المقززة الشنيعة فكل المعاهدات السابقة شئ والمعاهدات التي ستذكر شئ آخر ؛ فهذه المعاهدات عقدت مع بعض أمراء المسلمين لضرب بلاد المسلمين ؛ وهذه المعاهدات لم يعقدها منكو خان بنفسه لكن إستهان بهؤلاء الأمراء الخونة ووكل هولاكو في أن يعقد هذه المعاهدات معهم وجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون إلى التتار الأقوياء ؛ قال تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ؛ فجاء إلى هولاكو ليتحالف معه على حرب المسلمين كلاً من :
1- " بدر الدين لؤلؤ " أمير المصل ليتحالف معه وبذلك تكون منطقة شمال العراق وهم الأكراد قد تحالفوا مع التتار لدخول بغداد من الشمال .
2- وجاء كلاً من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " سلطانا السلاجقه ليتحالفا مع هولاكو وهم أمراء تركيا التي تقع إلى الشمال من العراق وهو مكان في منتهى الحساسية؛ ففيما بعد ذلك سيفتح هؤلاء الأمراء المجال الأرضي التركي لدخول الجيوش التترية من شمال العراق إلى بغداد .
3- وجاء " الناصر يوسف " أمير حلب ودمشق حفيد صلاح الدين الأيوبي فهو أبن أبنه لكن لم يكن يشبهه تماماً فكان على النقيض من جده ؛ فأرسل ابنه العزيز لا ليقدم فروض الولاء والطاعة إلى هولاكو بل ليقود فرقة إسلامية تنضم إلى جيش التتار لغزو بغداد .
4- وجاء " الأشرف الأيوبي " أمير حمص ليقدم ولاءه لهولاكو .
فكانت هذه التحالفات الإسلامية مع هولاكو في منتهى الخطورة فقد زادت من قوة التتار وأصبح التتار يحاصرون العراق من كل الإتجاهات بالإضافة إلى أن هذه التحالفات أدت إلى هبوط شديد في معنويات الأمة فلما شاهد المسلمون أمرائهم على هذه الصورة المخذية ضعفت الهمم وفترت العزائم وانعدمت الثقة تماماً بين الشعوب وبين حكامهم وأيقنوا أنه لم يعد لديهم طاقة في الوقوف في وجه التتار .
5- وصل التتار إلى شخصية مهمة إلى حد كبير داخل البلاط العباسي فوصلوا إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية فهو الشخصية الثانية في الدولة بعد " المستعصم بالله " هو الوزير " مؤيد الدين بن العلقمي " الشيعي الرافضي وكان رجلاً فاسداً خبيثاً وكان رافضياً يرفض خلافة أبو بكر وعمر بن الخطاب وكان شديد التشيع كارهاً لأهل السنة ومن العجيب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق وهو على هذه الصورة في دولة سنية والأسوء من ذلك أن هذا الوزير المفسد لم يكون وزيراً منذ شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين بل بقي على كرسي الوزارة أربعة عشر سنة كاملة منذ سنة 642- إلى سنة 656- عندما أسقطت بغداد ؛ إتصل هولاكو بمؤيد الدين ابن العلقمي الشيعي وأتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالمساعده بالآراء الفاسدة والإقتراحات المضللة للخليفة وهذا سيكون في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة فقام الوزير الفاسد بدورة على أكمل ما يكون كما سنرى فيما بعد .
هذه الجهود الدبلوماسية التي ذكرناها أخذت فترة خمس سنوات كاملة فتعاون التتار تعاوناً قوياً ومهماً مع ملوك أرمينيا والكرج وانطاكيا النصارى وحيدوا إلى حد كبير جانب أمراء الإمارات الصليبية في الشام وأقاموا تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق وتحالفوا مع بعض أمراء المسلمين ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين بن العلقمي .
___________________________________________
المحور الثالث : الحرب النفسية على الشعوب الإسلامية
كانت لهولاكو أكثر من طريقة لشن حرب نفسية مهولة على المسلمين قبل اللقاء في الحرب وقبل إسقاط بغداد من هذه الطرق :
1- القيام بحملات إرهابية في المناطق المحيطة بالعراق لتذكير المسلمين بالذكريات الأليمة التي حدثت في عهد جنكيز خان و أوكي تاي وكانوا يسيطرون على القوافل التجارية القادمة من وإلى العراق وبذلك يقومون بعمل ضربات إقتصادية كبيرة للعراق قبل أن يغزوها ؛ فعلى سبيل المثال إستولى التتار على قافلة تجارية بلغت الأموال فيها ستمائة ألف دينار وعلى هذه الشاكلة كان هناك حروب كثيرة لإضعاف الروح المعنوية للمسلمين .
2- ومن وسائل هولاكو الخطيرة لإضعاف الروح المعنوية الوصول إلى بعض الأدباء والشعراء المسلمين ليقوموا بحرب إعلامية قذرة في داخل البلاد الإسلامية فيعظمون من إمكانيات التتار ويقللون من إمكانيات المسلمين حتى لا يتخيل مسلم أنه يحارب تترياً ؛ فنجد أن الكتب في ذلك الوقت ملئ بكلمات غريبة فعلى سبيل المثال " التتار تصل إليهم أخبار الأمم ولا تصل أخبارهم إلى الأمم " ؛ " التتار نساءهم يقاتلن كرجالهن " ؛ " التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات ولا تحتاج إلى الشعير " ؛ " التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين " ؛ " التتار يأكلون جميع اللحوم ويأكلون بني آدم " .
3- ومن وسائل الحرب النفسية أيضاً هي كتابة الرسائل التهديدية الخطيرة و أيضاً أعد التتار العدة المناسبة في ذلك الأمر فاتصلوا ببعض الوصوليين والمنافقين المسلمين ومن لهم حسن أدبي وفن في كتابة الرسائل .
4- إعلان التحالفات فالقوات التي ستحارب المسلمين ليسوا من التتار فقط بل من التتار والأرمن والكرج وأنطاكيا وغيرها ..... فهذه التحالفات ستدخل الرعب في قلوب المسلمين .
5- إعلان التحالفات مع أمراء المسلمين فكل هذا كان معلناً أمام العوام .
بهذه الوسائل وبغيرها إستطاع التتار أن يبثوا الرعب والهلع في قلوب المسلمين وبذلك أصبح الجو مناسباً لدخول القوات التترية الغازية إلى العراق .




رد مع اقتباس
قديم 31-05-2012, 02:10 PM   المشاركة رقم: 13
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المحور الرابع : إضعاف جيوش الخلافة العباسية
كيف للتتار أن يضعفوا جيوش الخلافة العباسية وهم دولة من خارج الخلافة العباسية وأراضيها ؟
- طلب هولاكو من الوزير الفاسد " مؤيد الدين بن العلقمي " أن يقنع الخليفة العباسي أن يخفض من ميزانية الجيش وأن يقلل من أعداد الجنود وأن يصرف أذهان الدولة عن قضايا التسليح والحرب وتحويل بقية الجيش إلى الأعمال الميدانية في مجالات الزراعة والصناعة وغيرها وكل ذلك حتى لا نثير حفيظة التتار فنظهر لهم أننا رجال سلام ولسنا أصحاب حرب ؛ فعندما قال الوزير الشيعي ذلك الكلام للخليفة وافقه على ذلك وخفض ميزانية الجيش وقلل أعداد الجنود حتى أصبح الجيش العباسي الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله وذلك في سنة 640- فأصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654- وأصبح الجنود في حالة مذرية من الفقر والضياع حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق وأهملت التدريبات العسكرية وفقد قواد الجيش أي مكانه لهم ولم يعد يذكر من بينهم من له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة ونسي المسلمون فنون القتال والنزال وغابت عن أذهانهم تماماً معالم الجهاد .
كان هذا هو إعداد هولاكو ومنكو خان كان إعداداً مبهراً حقاً وفي المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين إستعداداً للغزو التتري القريب .
**الإعداد لحصار " بغداد " :-
بعد خمس سنوات كاملة من الإعداد وفي سنة 654- أدرك هولاكو أن الظروف قد أصبحت ملاءمة للهجوم المباشر على الخلافة العباسية فبدأ بعملية حشد هائلة للجنود التتريين فجمع أكبر الجيوش التترية على الإطلاق منذ أن قامت دولة جنكيز خان ؛ فالجنود الذين كلفوا بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي هذا بخلاف الأعداد الهائلة من الجنود المنتشرين في شمال وشرق وغرب وجنوب العراق والقوات المكلفة بحماية الطرق وتأمين الإمداد والتموين هذا غير الفرق المساعدة للجيش من فرق الإمداد والتموين والإستطلاع والمراقبة .
فبذلك نستطيع أن نبين تركيبة الجيش التتري في عشرة نقاط هي :-
1- الجيش التتري الأصلي ك فذلك الجيش كان يتمركز منذ سنوات في منطقة فارس وأذربيجان في شرق العراق .
2- إستدعى هولاكو فرقة من جيوش التتار المتمركزة في حوض نهر " الفولجا " الروسي.
3- أرسل هولاكو في طلب فرقة من جيش التتار الذي فتح أوروبا وتمركز هناك وكان في ذلك الوقت يتمركز على أطراف الأناضول شمال تركيا فجاءت الفرقة الكبيرة وعلى رأسها القائد التتري الكبير " بيجو " .
4- أرسل هولاكو إلى صديقة ملك أرمينيا يطلب المساعدة فجاءه هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من الجيش الأرمني .
5- طلب هولاكو من ملك الكرج أن يرسل إليه فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب إلى ذلك فوراً .
6- إستدعى هولاكو ألفاً من الرماة الصينيين المهرة الذين إشتهروا بتسديد السهام المحملة بالنيران
7- وضع هولاكو على رأس الجيوش أفضل قواد التتار في ذلك الوقت وكان يدعى " كتبغا نوين " فوق إمكانيات هذا القائد القيادية والمهارية فإنه كان نصرانياً فكان هذا الإختيار موفقاً من هولاكو لأن كتبغا سيستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الحرب من أرمن وكرج وغيرهم وبذلك يكون الجيش التتري قد ضم بين صفوفة ثلاثة من أمهر القادة العسكريين في تاريخ التتار وهم ( هولاكو وكتبغا نوين وبيجو ) .
8- راسل هولاكو أمير أنطاكيا " بوهمند " لكن تعذر عليه إختراق الشام كله ومع ذلك كان على استعداد تام للحرب فجهز جيوشه على إستعداد إذا سقطت العراق شارك هو في إسقاط الشام .
9- وجود فرقة إسلامية في داخل الجيش التتري وعلى رأسها ولي عهد دمشق " العزيز بن الناصر يوسف الأيوبي " حفيد صلاح الدين وهذه الفرقة تشارك في جيش التتار لإسقاط بغداد .
10- فرقة إسلامية أخرى أرسلها " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل لتساعد أيضاً جيش التتار في إسقاط بغداد .
كانت هاتين الفرقتين الإسلاميتين الهزيلتين ليس لهما أي قيمة بالنسبة للجيوش التترية لكن كانتا تحملان معان كثيرة فهناك في جيش التتار مسلمون يشتركون مع التتار في حرب المسلمين بل قد يشارك في عملية تحرير العراق من الخليفة العباسي عراقيون متحالفون مع التتار .
بهذا الإعداد العالي المستوى إكتمل جيش التتار وبدأ بالزحف من فارس بإتجاه الغرب إلى العراق وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة ؛ بدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غراب وشرق العراق بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية وسوف تمثل خطورة كبيرة على الجيش التتري إذا ما هاجم بغداد ؛ لذلك قرر التتار عدم دخول بغداد إلا بعد أن يقضوا على طائفة الإسماعيلية تماماً وبالفعل تحركت الجيوش التترية الضخمة صوب معاقل الإسماعيلية فحاصرتها حصاراً محكماً ودارت حروب شرسة بين الفريقين إنتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلوا المنطقة تماماً منهم وأصبح الطريق مفتوحاً لبغداد هذه الحروب أخذت سنة 655- بكاملها ؛ إجتمع هولاكو مع كبار مستشارية في مجلس حرب يُعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار والقرار هو غزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وكان هذا الإجتماع معقوداً في مدينة " همدان " الفارسية وأخذ القرار بالحرب وأهتم هولاكو بوضع مراقبة لصيقة على الفرق الإسلامية الموجودة داخل الجيش التتري خوفاً من الخيانة .
إنطلقت الجيوش من همدان صوب العراق والمسافة بين همدان في إيران والعراق 450كم مربع ؛ وقرر هولاكو في هذا المجلس أن يقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام :
الجيش الأول : وهو القلب وهو القسم الرئيسي من الجيش والذي سيقوده هولاكو بنفسه وستلحق به أكثر من فرقة من الفرق الهامة في الجيش التتري وستلحق به الفرقة الأخرى التي ستأتي من روسيا والفرق المساعدة من مملكة أرمينيا والكرج هذا القسم سيخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد مروراً بمدينة " كرمان شاه " بعد أن أخليت هذه المنطقة تماماً من طائفة الإسماعيلية وستكون مهمة هذا الجيش هو حصار بغداد من الجهة الشرقية .
الجيش الثاني :هو الجناح الأيسر لجيش التتار الرئيسي وهذا الجيش سيقوده " كتبغا نوين" أفضل قواد هولاكو سيتحرك هذا الجيش بمفرده بإتجاه بغداد أيضاً لكن إلى الجنوب من الجيش الأول وستكون مهمته إختراق سهول العراق والتوجه إلى بغداد من جنوبها للحصار من الجنوب .
الجيش الثالث :وهو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول في شمال تركيا وعلى رأسه القائد " بيجو " وهذا الجيش سيأتي من المنطقة الشمالية للعراق بإتجاه الجنوب حتى يصل إلى بغداد وسيحاصر بغداد من الشمال ثم يلتف ويحاصرها من الغرب .
وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغا نوين جنوباً وبيجو من الغرب والشمال .
على قدر الأداء المبهر للجيش الثالث في وصوله إلى بغداد في وقت متزامن مع الجيشين الآخرين على قدر الفضيحة الكبرى التي لحقت بالمسلمين جراء وصول هذا الجيش سالماً إلى بغداد لأن هذا الجيش عليه أن يقطع أولاً 500كم مربع في الأراضي التركية ( الأناضول ) وهي أراض إسلامية ثم عليه أن يقطع 500كم مربع أخرى داخل الأراضي العراقية وهي أيضاً أراض إسلامية ؛ إذاً فهذا الجيش عليه أن يسير مسافة 1000كم مربع في عمق الأراضي الإسلامية حتى يصل إلى بغداد ومع ذلك فقد قطع بيجو بجيشه 95 بالمائة من الطريق أي حوالي 950كم مربع دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئاً باغت بيجو الخلافة العباسية على بعد 50 كم أيضا كما فعل هولاكو شمال غرب بغداد ؛ وتبرير إختراق بيجو للأراضي الإسلامية يحمل معهم مصيبتين كبيرتين :
المصيبة الأولى : هي غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تماماً فمن الواضح أن الجيش العباسي لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنون الحرب .
المصيبة الثانية : وهي العظم وهي أن هناك خيانة واضحة من أمراء الأناضول ( تركيا حاليا ) والموصل المسلمين وكذلك من الشعوب المسلمة في الأناضول وفي الموصل هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار ولم يحدث أي نوع من المقاومة فهي خيانة عظمى من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " أمراء الأناضول وخيانة أعظم من "بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل فلم يكتفي فقط بتسهيل مهمة التتار ولكنه أيضا شارك بفرقه إسلامية تعين التتار على عملية تحرير العراق من الخلافة العباسية ومع العلم أن بدر الدين لؤلؤ من أصل عراقي وأقل تقدير لعمره عند هذه الخيانة كان ثمانون سنة وبعض الروايات تقول مائة ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ مات بعد هذه الخيانة بشهور قليلة .
هذه كانت كل تحركات الجيش التتري صوب بغداد .
** الوضع في داخل بغداد :-
كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانه فكانت أسوارها من أقوى الأسوار فهذه عاصمة الخلافة الإسلامية أكثر من خمسة قرون أنفق على تحصينها أموال طائلة وكان على رأس الدولة في بغداد والخليفة في نفس الوقت هو الخليفة السابع والثلاثون والأخير من خلفاء بني العباس " المستعصم بالله
_________________________________________
** الحصار :-
وفي يوم 12 محرم سنة 656- ظهر جيش هولاكو فجأة أمام أسوار بغداد الشرقية وبدأ في نصب معدات الحصار الثقيلة حول الأسوار ؛ وجاء كذلك كتبغا بالجناح الأيسر من الجيش ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية ؛ فارتاع الخليفة لذلك وعقد إجتماع عاجل وجمع فيه كبار مستشاريه وعلى رأسهم الوزير الخائن " مؤيد الدين بن العلقمي " وكان من رأيه مهادنة التتار وإقامة مباحثات سلام فلا مانع عنده من بعض التنازلات وكان رأيه هو السلام غير المشروط مع التتار ؛ لكن قام رجلان من الوزراء في مجلس الخليفة وهما " مجاهد الدين أيبك " و " سليمان شاه " قاما ليشيرا على الخليفة بحتمية الجهاد ؛ فاحتار الخليفة فهواه مع كلام مؤيد الدين بن العلقمي وعقله مع قول الوزيران لأن تاريخ التتار كله لا يشير بأي فرصة للسلام كما أنه كان يسمع من أجداده أن الحقوق لا توهب إنما تؤخذ وعندها سمح الخليفة للمرة الأولى تقريباً في تاريخه بإستخدام الجيش فهذا الجيل من الجنود يحارب لأول مرة ؛ فخرجت فرقه هزيلة من الجيش العباسي وعلى رأسها مجاهد الدين أيبك لتلاقي جيش هولاكو المهول ؛ وعندما خرج من أبواب بغداد بإتجاه الشرق لكي يلاقي جيش هولاكو سمعوا بقدوم جيش بيجو من الشمال وهذا الجيش إذا حاصر بغداد من الشمال فتكون بغداد قد طوقت تماماً ففضل مجاهد الدين أيبك قائد الجيش العباسي أن يحارب بيجو بدلاً من هولاكو لكي لا تحاصر بغداد من جميع الجهات وانتقل بجيشه الضعيف الهزيل لملاقاة جيش بيجو في الشمال ؛ وكان للقاء في منطقة الأنبار وأستدرك الجيش العباسي في منطقة الأنبار وسحق الجيش المسلم واستطاع مجاهد الدين أيبك بأعجوبه أن يهرب بمجموعة قليلة من الجيش العباسي ويعود إلى داخل بغداد وكانت هذه هي الموقعة الوحيدة الغير متكافئة التي دارت بين التتار والعباسيين وكان ذلك في 19 من محرم أي بعد ظهور هولاكو أمام أسوار بغداد بسبعة أيام ؛ وانتقل بيجو مباشرة بجيشه من الأنبار حيث دارت المعركة إلى شمال بغداد وحاصرها وطوقت بغداد بين مثلث خطير بين هولاكو وبيجو .
* المفاوضات :-
فاستغل مؤيد الدين العلقمي هذه الفرصة وأشار على الخليفة بطلب المفاوضات مع التتار ولكن الخليفة كان يعلم بأن التفاوض بين طرف قوي شديد القوة وطرف ضعيف شديد الضعف فإن هذا لا يعني تفاوض وإنما يعني الإستسلام وفي الإستسلام عادة ما يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو إعتراض ومع ذلك وافق الخليفة الضعيف على إجراء المفاوضات مع التتار ؛ وبعث رجلين ليديرا المفاوضات مع التتار وهما مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقد والغل على الخلافة العباسية وأرسل معه متيكا بطريرك بغداد النصراني ؛ فكان الوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة للمفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط أحدهما شيعي ولآخر نصراني ؛ ودارت المفاوضات السرية بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية فأعطيت الوعود العظيمة من هولاكو لكليهما إن ساعدا على إسقاط بغداد وأهم هذه الوعود أنهما سيكونان أعضاء في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد إحتلالها من التتار ؛ وعاد المبعوثان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية وبعض العروض والوعود ؛ فالوعود كانت : 1- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة 2- الزواج بين ابنة القائد هولاكو التتري الذي سفك دماء الملايين من المسلمين وأبن الخليفة .
3- يبقى المستعصم بالله على كرسي الحكم .
4- إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعاً .
- هذه الوعود كلها سوف تحدث في حال لو فتحت بغداد أسوارها .
الشروط كانت : 1- قمع حركة الجهاد التي أعلنت في بغداد فهذه الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات السلام فعلى الخليفة أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية في بغداد وهما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه .
2- تدمير الحصون العراقية وردم الخنادق وتسليم الأسلحة .
3- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية .
وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد غلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤية التترية فإنه سيعود إلى بلاده ويترك العراقيين يضعون دستورهم ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم ؛ فاقنع مؤيد الدين العلقمي الخليفة بهذه الشروط والوعود ورغبه في قبولها ح فتردد الخليفة في قبول هذه المفاوضات ولكنه مضطر إلى قبولها والشعب الضخم الذي يعيش في بغداد أيضاً متردد ونداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة؛ فأراد الخليفة بعض الوقت للتفكير في هذه الشروط والوعود ولكن هولاكو لا يقوى على الإنتظار فهو يقف خارج أسوار بغداد بجيوش ضخمة تتكلف من النفقات يومياً الآلاف من الدنانير وهو شخصياً لا يقوى على الإنتظار فهو يريد أن يرى هذه المدينة العظيمة التي طالما سمع عنها كثيراً يريد أن يراها من الداخل ويريد أن يحقق الحلم الذي راود أجداده وهو يحققه الآن وهو غزو بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية ؛ وبالفعل بدأ هولاكو في قصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية ومع أول قذيفة سقط قلب الخليفة في قدمه فماذا يفعل؟ أربعة أيام متتالية من القصف المتواصل على بغداد .
* قصة غريبة:-
يذكر ابن كثير رحمه الله- في البداية والنهاية موقفاً بسيطاً لا يعلق عليه ؛ فيقول ابن كثير :وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكانت تسمى " عرفه " جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ؛ فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا مكتوب عليه " إذا أراد الله إنفاز قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم " فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة .............!!!!!!! ولا تعليــــــــــــــــــــــــق على ذلك .
____________________________________
** إجتياح بغداد :-
القصف على بغداد إستمر من يوم 1 صفر إلى الرابع من صفر في سنة 656هـ ؛ وفي الرابع من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد ومع سقوط الأسوار سقط الخليفة وانهار تماماً فأشار عليه الوزير بن العلقمي أن يخرج هو بنفسه لمقابلة هولاكو لعل هولاكو يقبل السلام ؛ فجاءت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة ؛ فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولة والوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس والأعيان حتى يحضروا جميعاً المفاوضات وتصبح المفاوضات كما يزعم هولاكو ملزمة للجميع ؛ فجمع الخليفة كبار قومه وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه سبعمائة من قادة المسلمين وعلماءهم وكان يسير إلى جواره الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي الشيعي ؛ واقترب الوفد من خيمة هولاكو فاعترض الوفد فرقه من الحرس الملكي التتري ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو ولم يسمحوا إلا للخليفة وسبعة عشر رجلاً معه فقط بالدخول على هولاكو أما الباقي فكما قالوا سيخضعون للتفتيش الدقيق ؛ ودخل الخليفة ومعه رجاله وحجب عنه باقي الوفد ؛ وقتل الوفد بكامله فقتل كل الرجال الذين أخذوا للتفتيش ولم يبق إلا الخليفة ومن معه داخل خيمة هولاكو ؛ وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله فاكتشف عند ذلك الخليفة أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وبدأت الأوامر الصارمة تخرج من هولاكو :

أولاً:على الخليفة أن يصدر أوامره إلى أهل بغداد بإلقاء أي سلاح معهم والإمتناع عن أي مقاومة.
ثانياً:يقيد الخليفة ويساق في بغداد يرسب في أغلاله لكي يدل التتار على كنوز العباسيين.
ثالثاً:يقتل ولدا الخليفة أمام عينه وهما أحمد وعبد الرحمن.
رابعاً:يتم أسر أخوات الخليفة الثلاثة فاطمة وخديجه ومريم.
خامساً:يستدعى من بغداد بعض الرجال بعينهم وهؤلاء كتب أسمائهم ابن العلقمي فهؤلاء هم علماء السنة وحملة القرآن وأئمة المساجد في داخل بغداد ؛ فيخرج كل فرد من هؤلاء ومعه أولاده ونسائه ويذهبون إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر فيلقى العالم على الأرض ويذبح كما تذبح الشاه ويؤخذ نساؤه وأولاده سبياً أو للقتل ؛ فذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف فهذا ابن العالم المشهور ابن الجوزي رحمه الله- وذبح أولاده الثلاثة معه عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم ؛ وذبح مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه ؛ وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النيار ؛ ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن ؛ كل ذلك والخليفة حي يشاهد .
** إستباحة المدينة :-
فألقى أهل بغداد السلاح وقتلت الصفوه من أهلها وأنساب جنود هولاكو في شوارع وطرقات بغداد وأصدر السفاح هولاكو أمر الشنيع باستباحة بغداد ؛ فالأمر بالإستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء يقتل يأسر يسبي يزني يسرق يدمر يحرق ؛ فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين وفعل التتار في المدينة مالا يتخيله عقل فبدأ الجنود التتريين يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان في كل بيت أو حديقة في كل مسجد أو مكتبة وأستحر القتل في المسلمين والمسلمون لا حول لهم ولا قوة لا هم لهم إلا الهرب ؛ فيهرب المسلم إلى داره ويغلق عليه الباب فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه فيهرب إلى أعلى المنزل إلى السطح فيصعد وراءه التتري ويقتله فوق الأسطح حتى سالت الدماء بكثرة من مياذيب المدينة ؛ فلم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ وكانوا يقتلون النساء إلا من إستحسنوه منهن فكانوا يأخذونهم سبياً بل وكانوا يقتلون الأطفال حتى الرضع منهم ؛ وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع من شوارع بغداد وقد قتلت أمهاتهم فقتلهم جميعاً ؛ وتزايد عدد القتلى في المدينة بشكل بشع كل هذا والخليفة على قيد الحياة يشاهد ما يحدث في مدينتة ولاشك أنه كان نادماً على كل ما فعل وكان لسان حاله يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً ؛ روي أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما ) أن رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) قال : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ؛ عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة بل وفي العلم والتعلم لكن تركوا الجهاد في سبيل الله فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأوه.
* مقتل الخليفة :-
وسيق الخليفة المستعصم بالله إلى خاتمته الشنيعة بعد أن دل على كل كنوز العباسيين ؛ فوضعه التتار في جوال ثم أمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام ؛ وبمقتله يكون قد سقط آخر خلفاء بني العباس في بغداد وسقطت معه بغداد وسقط من وراءها الشعب بكامله وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لبوابها يوم 14 صفر سنة 656هـ .
* ما فعله التتار في بغداد بعد قتل الخليفة :-
ولم تنتهي المأساه بقتل الخليفة وإنما أمر هولاكو- لعنه الله بإستمرار عملية القتل في بغداد واستمرت إلى أربعين يوما متصله لاهم للجنود التتر إلا قتل المسلمين ؛ وقتل من أهل بغداد وحدها مليون مسلم في أربعين يوما فقط من الرجال والنساء والأطفال والكهول ولم ينج من القتل في بغداد إلا أفراد الجالية المسيحية .
وبينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء إتجه فريق آخر من التتر إلى عمل إجرامي أبشع وهو تدمير مكتبة بغداد وهي أعظم مكتبة موجوده على وجه الأرض في ذلك الزمان بلا منازع فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاع الأرض ؛ ولم يقترب منها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس ؛ فحمل التتار الكتب الإسلامية وفي بساطة شديدة ألقوها جميعا في نهر " دجلة" فتحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى ؛ وبعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد إتجهوا إبى الديار الأنيقة والمنازل الجميلة فتناولوها بالتدمير والحرق وسرقوا منها المحتويات الثمينة وما عجزوا عن حمله منها أحرقوه ؛ وبعد الأربعين يوما الدموية في بغداد أصدر هولاكو مجموعة من الأوامر وأولها أنه أعطى أماننا حقيقيا في بغداد فلا يقتل مسلم في بغداد بعد هذا الأمر عشوائيا لأن الجثث المتعفنه أصبحت كالتلال في شوارع وطرقات بغداد ؛ فخشى هولاكو أن يحدث وباء في هذه المناطق فيأكل المسلمين والتتار فأمر بخروج من تبقى من المسلمين ونجى من القتل من مخابئهم وأعلن الأمان ليقوموا بدفن موتاهم ؛ وخرج من تبقى من المسلمين وأخذوا في دفن موتاهم ومع ذلك فقد إنتشرت الأوبئة فعلا في بغداد ومات من المسلمين عدد كبير من جراء هذه الأمراض القاتله ؛ وكما يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية " ومن منجا من الطعن لم ينجو من الطاعون " ؛ والأمر الثاني الذي أصدره هولاكو هو تعيين "مؤيد الدين العلقمي" الشيعي الرافضي رئيسا على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم ولكن القيادة الفعلية كانت في يد التتار بل إن الأمر تزايد بعد ذلك حتى وصل إلى الإهانة المباشرة له من قبل صغار الجند ؛ وبعد كل هذا الذل الذي عاشه بن العلقمي بعدها بأيام مات في بيته وسبحان الله فلم يتسنى له أن يستمتع بملك أو بحكم والذي ضحى من أجله بحياة آلآف المسلمين وليكن عبرة بعد ذلك لكل من تسول له نفسه أن يخون أمته ودينه ؛ وبعد موته ولى التتار إبنه ليكون مكان أبيه على حكم بغداد ولكن من مفارقات القدر أن يموت أيضا هذا الأبن الشاب في نفس السنه التي مات فيها أبيه وهي نفس السنه التي سقطت فيها بغداد .
* ردود الأفعال في العالم الإسلامي والمسيحي بعد سقوط بغداد:-
ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى بأسره ؛ فالعالم الإسلامي كان سقوط بغداد بالنسبة له صدمه كبيرة ورهيبة لايمكن إستيعابها مطلقا ؛ وظهر لدى المسلمن في ذلك الوقت إعتقاد سيطر على معظمهم وهو أن ضعف المسلمين وقوة التتار وسقوط بغداد ماهي إلا علامات للساعة وأن المهدي سيظهر قريبا وسيقود جيوش المسلمين للإنتصار على التتار.
أما العالم النصراني فقد عمت فيه البهجة والفرحة اطرافه بكاملها وكان هذا هو المتوقع ؛ فالحروب بين المسلمين والنصارى لم تنتهي وكانت على أشدها في ذلك الوقت وبالطبع فهذه الضربه التترية موجعه جدا للعالم الإسلامي ؛ ولا شك أن أطماع الصليبيين ستتجدد في الشام وفي مصر.
_______________________
* ماذا فعل هولاكو بعد تدمير بغداد ؟
إنسحب هولاكو من بغداد إلى همدان بفارس ثم توجه إلى قلعة تسمى " شها " على شاطئ بحيرة " أرميه " وهى تقع في الشمال الغربي لدولة إيران حاليا ؛ في هذه القلعة وضع هولاكو الكنوز الهائلة التي نهبها من قصور العباسيين والتي نهبها من بيت مال المسلمين ومن بيوت التجار وأصحاب الأموال ...... ؛ وبالطبع ترك هولاكو حاميه تتريه حول بغداد لحمايتها .
وبدأ يفكر بجدية في الخطوة التالية ولا شك أن الخطوة التالية سوف تكون سوريا.
وبدأ هولاكو بدراسة الموقف في هذه المنطقة ؛ وبينما هو يقوم بهذه الدراسه ويحدد نقاط الضعف والقوة في هذه المناطق الإسلامية ؛ بدأ بعض الأمراء المسلمين يؤكدون على ولائهم للتتار وبدأت الوفود الإسلامية الرسمية تتوالى على زعيم التتار تطلب عقد الأحلاف والمعاهدات مع هولاكو فجاء الأمير " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل والأمير " كيكاوس الثاني " والأمير " قلج أرسلان الرابع " من منطقة الأناضول في وسط وغرب تركيا حاليا ؛ وجاء أيضا الأمير " الأشرف الأيوبي " أمير حمص والأمير " الناصر يوسف " حفيد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – أمير حلب ودمشق ؛ فهؤلاء الأمراء يمثلون معظم شمال العراق والشام وتركيا .
ولكن قبل أن يدخل الشام ظهر أمام هولاكو أحد العوائق الصعبة والتي سوف تأخر وصوله وتقدمه نحو الشام وهو أن أحد الأمراء الأيوبيين رفض أن يرضخ لأوامر وقرارات هولاكو ورفض أن يعقد مع التتار أي معاهدات وقرر أن يجاهد التتار إلى النهاية وهذا الأمير هو " الكامل محمد الأيوبي " أمير مدينة " ميافرقين " وهي تقع الآن إلى الغرب من بحيرة " وآن " ؛ وجيوشه كانت تسيطر على شرق تركيا بالإضافه إلى منطقة الجزيرة ( وهي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من جهة الشمال ) ولذلك فإن هولاكو أصبح من اللزم عليه محاربة الكامل محمد لكي يستطيع دخول الشام وسوريا من جهة العراق لأنه لم يستطع بلوغ سوريا إلا بالمرور من الجزيرة وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة الكامل محمد- رحمه الله .
* التتار وميافرقين :-

ومدينة ميافرقين هذه مدينه شديدة الحصانة وتقع بين سلسلة جبال البحر الأسود ؛ فأصبح إختراق هذه المنطقة شديد الصعوبة على التتار ؛ ولبكن هولاكو لم يريد أن يترك أي شئ للمفاجئات وققر إقتحام المدينة.
* فماذا يفعل هولاكو للخروج من ذلك المأذق ؟
بدأ هولاكو بسلوك الطرق السهلة وغير المكلفة ؛ فحاول إرهاب الكامل وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد ؛ فأرسل إليه رسول برساله يدعوه فيها إلى التسليم غير المشروط ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه غيره.
وكان هولاكو في منتهى الذكاء عندما إختار الرسول الذي سيرسله إلى الكامل محمد الأيوبي ؛ فلم يرسل رسولا تتريا وإنما أرسل رسولا عربيا نصرانيا ؛ وهو رجل يدعى " قسيس يعقوبي " فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل بلغته ؛ ثم هو من ناحيه أخرى نصراني وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار.
* فما أهمية ذلك بالنسبة للكامل محمد ؟



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 31-05-2012, 02:10 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المحور الرابع : إضعاف جيوش الخلافة العباسية
كيف للتتار أن يضعفوا جيوش الخلافة العباسية وهم دولة من خارج الخلافة العباسية وأراضيها ؟
- طلب هولاكو من الوزير الفاسد " مؤيد الدين بن العلقمي " أن يقنع الخليفة العباسي أن يخفض من ميزانية الجيش وأن يقلل من أعداد الجنود وأن يصرف أذهان الدولة عن قضايا التسليح والحرب وتحويل بقية الجيش إلى الأعمال الميدانية في مجالات الزراعة والصناعة وغيرها وكل ذلك حتى لا نثير حفيظة التتار فنظهر لهم أننا رجال سلام ولسنا أصحاب حرب ؛ فعندما قال الوزير الشيعي ذلك الكلام للخليفة وافقه على ذلك وخفض ميزانية الجيش وقلل أعداد الجنود حتى أصبح الجيش العباسي الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله وذلك في سنة 640- فأصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654- وأصبح الجنود في حالة مذرية من الفقر والضياع حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق وأهملت التدريبات العسكرية وفقد قواد الجيش أي مكانه لهم ولم يعد يذكر من بينهم من له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة ونسي المسلمون فنون القتال والنزال وغابت عن أذهانهم تماماً معالم الجهاد .
كان هذا هو إعداد هولاكو ومنكو خان كان إعداداً مبهراً حقاً وفي المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين إستعداداً للغزو التتري القريب .
**الإعداد لحصار " بغداد " :-
بعد خمس سنوات كاملة من الإعداد وفي سنة 654- أدرك هولاكو أن الظروف قد أصبحت ملاءمة للهجوم المباشر على الخلافة العباسية فبدأ بعملية حشد هائلة للجنود التتريين فجمع أكبر الجيوش التترية على الإطلاق منذ أن قامت دولة جنكيز خان ؛ فالجنود الذين كلفوا بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي هذا بخلاف الأعداد الهائلة من الجنود المنتشرين في شمال وشرق وغرب وجنوب العراق والقوات المكلفة بحماية الطرق وتأمين الإمداد والتموين هذا غير الفرق المساعدة للجيش من فرق الإمداد والتموين والإستطلاع والمراقبة .
فبذلك نستطيع أن نبين تركيبة الجيش التتري في عشرة نقاط هي :-
1- الجيش التتري الأصلي ك فذلك الجيش كان يتمركز منذ سنوات في منطقة فارس وأذربيجان في شرق العراق .
2- إستدعى هولاكو فرقة من جيوش التتار المتمركزة في حوض نهر " الفولجا " الروسي.
3- أرسل هولاكو في طلب فرقة من جيش التتار الذي فتح أوروبا وتمركز هناك وكان في ذلك الوقت يتمركز على أطراف الأناضول شمال تركيا فجاءت الفرقة الكبيرة وعلى رأسها القائد التتري الكبير " بيجو " .
4- أرسل هولاكو إلى صديقة ملك أرمينيا يطلب المساعدة فجاءه هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من الجيش الأرمني .
5- طلب هولاكو من ملك الكرج أن يرسل إليه فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب إلى ذلك فوراً .
6- إستدعى هولاكو ألفاً من الرماة الصينيين المهرة الذين إشتهروا بتسديد السهام المحملة بالنيران
7- وضع هولاكو على رأس الجيوش أفضل قواد التتار في ذلك الوقت وكان يدعى " كتبغا نوين " فوق إمكانيات هذا القائد القيادية والمهارية فإنه كان نصرانياً فكان هذا الإختيار موفقاً من هولاكو لأن كتبغا سيستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الحرب من أرمن وكرج وغيرهم وبذلك يكون الجيش التتري قد ضم بين صفوفة ثلاثة من أمهر القادة العسكريين في تاريخ التتار وهم ( هولاكو وكتبغا نوين وبيجو ) .
8- راسل هولاكو أمير أنطاكيا " بوهمند " لكن تعذر عليه إختراق الشام كله ومع ذلك كان على استعداد تام للحرب فجهز جيوشه على إستعداد إذا سقطت العراق شارك هو في إسقاط الشام .
9- وجود فرقة إسلامية في داخل الجيش التتري وعلى رأسها ولي عهد دمشق " العزيز بن الناصر يوسف الأيوبي " حفيد صلاح الدين وهذه الفرقة تشارك في جيش التتار لإسقاط بغداد .
10- فرقة إسلامية أخرى أرسلها " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل لتساعد أيضاً جيش التتار في إسقاط بغداد .
كانت هاتين الفرقتين الإسلاميتين الهزيلتين ليس لهما أي قيمة بالنسبة للجيوش التترية لكن كانتا تحملان معان كثيرة فهناك في جيش التتار مسلمون يشتركون مع التتار في حرب المسلمين بل قد يشارك في عملية تحرير العراق من الخليفة العباسي عراقيون متحالفون مع التتار .
بهذا الإعداد العالي المستوى إكتمل جيش التتار وبدأ بالزحف من فارس بإتجاه الغرب إلى العراق وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة ؛ بدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غراب وشرق العراق بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية وسوف تمثل خطورة كبيرة على الجيش التتري إذا ما هاجم بغداد ؛ لذلك قرر التتار عدم دخول بغداد إلا بعد أن يقضوا على طائفة الإسماعيلية تماماً وبالفعل تحركت الجيوش التترية الضخمة صوب معاقل الإسماعيلية فحاصرتها حصاراً محكماً ودارت حروب شرسة بين الفريقين إنتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلوا المنطقة تماماً منهم وأصبح الطريق مفتوحاً لبغداد هذه الحروب أخذت سنة 655- بكاملها ؛ إجتمع هولاكو مع كبار مستشارية في مجلس حرب يُعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار والقرار هو غزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وكان هذا الإجتماع معقوداً في مدينة " همدان " الفارسية وأخذ القرار بالحرب وأهتم هولاكو بوضع مراقبة لصيقة على الفرق الإسلامية الموجودة داخل الجيش التتري خوفاً من الخيانة .
إنطلقت الجيوش من همدان صوب العراق والمسافة بين همدان في إيران والعراق 450كم مربع ؛ وقرر هولاكو في هذا المجلس أن يقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام :
الجيش الأول : وهو القلب وهو القسم الرئيسي من الجيش والذي سيقوده هولاكو بنفسه وستلحق به أكثر من فرقة من الفرق الهامة في الجيش التتري وستلحق به الفرقة الأخرى التي ستأتي من روسيا والفرق المساعدة من مملكة أرمينيا والكرج هذا القسم سيخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد مروراً بمدينة " كرمان شاه " بعد أن أخليت هذه المنطقة تماماً من طائفة الإسماعيلية وستكون مهمة هذا الجيش هو حصار بغداد من الجهة الشرقية .
الجيش الثاني :هو الجناح الأيسر لجيش التتار الرئيسي وهذا الجيش سيقوده " كتبغا نوين" أفضل قواد هولاكو سيتحرك هذا الجيش بمفرده بإتجاه بغداد أيضاً لكن إلى الجنوب من الجيش الأول وستكون مهمته إختراق سهول العراق والتوجه إلى بغداد من جنوبها للحصار من الجنوب .
الجيش الثالث :وهو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول في شمال تركيا وعلى رأسه القائد " بيجو " وهذا الجيش سيأتي من المنطقة الشمالية للعراق بإتجاه الجنوب حتى يصل إلى بغداد وسيحاصر بغداد من الشمال ثم يلتف ويحاصرها من الغرب .
وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغا نوين جنوباً وبيجو من الغرب والشمال .
على قدر الأداء المبهر للجيش الثالث في وصوله إلى بغداد في وقت متزامن مع الجيشين الآخرين على قدر الفضيحة الكبرى التي لحقت بالمسلمين جراء وصول هذا الجيش سالماً إلى بغداد لأن هذا الجيش عليه أن يقطع أولاً 500كم مربع في الأراضي التركية ( الأناضول ) وهي أراض إسلامية ثم عليه أن يقطع 500كم مربع أخرى داخل الأراضي العراقية وهي أيضاً أراض إسلامية ؛ إذاً فهذا الجيش عليه أن يسير مسافة 1000كم مربع في عمق الأراضي الإسلامية حتى يصل إلى بغداد ومع ذلك فقد قطع بيجو بجيشه 95 بالمائة من الطريق أي حوالي 950كم مربع دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئاً باغت بيجو الخلافة العباسية على بعد 50 كم أيضا كما فعل هولاكو شمال غرب بغداد ؛ وتبرير إختراق بيجو للأراضي الإسلامية يحمل معهم مصيبتين كبيرتين :
المصيبة الأولى : هي غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تماماً فمن الواضح أن الجيش العباسي لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنون الحرب .
المصيبة الثانية : وهي العظم وهي أن هناك خيانة واضحة من أمراء الأناضول ( تركيا حاليا ) والموصل المسلمين وكذلك من الشعوب المسلمة في الأناضول وفي الموصل هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار ولم يحدث أي نوع من المقاومة فهي خيانة عظمى من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " أمراء الأناضول وخيانة أعظم من "بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل فلم يكتفي فقط بتسهيل مهمة التتار ولكنه أيضا شارك بفرقه إسلامية تعين التتار على عملية تحرير العراق من الخلافة العباسية ومع العلم أن بدر الدين لؤلؤ من أصل عراقي وأقل تقدير لعمره عند هذه الخيانة كان ثمانون سنة وبعض الروايات تقول مائة ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ مات بعد هذه الخيانة بشهور قليلة .
هذه كانت كل تحركات الجيش التتري صوب بغداد .
** الوضع في داخل بغداد :-
كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانه فكانت أسوارها من أقوى الأسوار فهذه عاصمة الخلافة الإسلامية أكثر من خمسة قرون أنفق على تحصينها أموال طائلة وكان على رأس الدولة في بغداد والخليفة في نفس الوقت هو الخليفة السابع والثلاثون والأخير من خلفاء بني العباس " المستعصم بالله
_________________________________________
** الحصار :-
وفي يوم 12 محرم سنة 656- ظهر جيش هولاكو فجأة أمام أسوار بغداد الشرقية وبدأ في نصب معدات الحصار الثقيلة حول الأسوار ؛ وجاء كذلك كتبغا بالجناح الأيسر من الجيش ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية ؛ فارتاع الخليفة لذلك وعقد إجتماع عاجل وجمع فيه كبار مستشاريه وعلى رأسهم الوزير الخائن " مؤيد الدين بن العلقمي " وكان من رأيه مهادنة التتار وإقامة مباحثات سلام فلا مانع عنده من بعض التنازلات وكان رأيه هو السلام غير المشروط مع التتار ؛ لكن قام رجلان من الوزراء في مجلس الخليفة وهما " مجاهد الدين أيبك " و " سليمان شاه " قاما ليشيرا على الخليفة بحتمية الجهاد ؛ فاحتار الخليفة فهواه مع كلام مؤيد الدين بن العلقمي وعقله مع قول الوزيران لأن تاريخ التتار كله لا يشير بأي فرصة للسلام كما أنه كان يسمع من أجداده أن الحقوق لا توهب إنما تؤخذ وعندها سمح الخليفة للمرة الأولى تقريباً في تاريخه بإستخدام الجيش فهذا الجيل من الجنود يحارب لأول مرة ؛ فخرجت فرقه هزيلة من الجيش العباسي وعلى رأسها مجاهد الدين أيبك لتلاقي جيش هولاكو المهول ؛ وعندما خرج من أبواب بغداد بإتجاه الشرق لكي يلاقي جيش هولاكو سمعوا بقدوم جيش بيجو من الشمال وهذا الجيش إذا حاصر بغداد من الشمال فتكون بغداد قد طوقت تماماً ففضل مجاهد الدين أيبك قائد الجيش العباسي أن يحارب بيجو بدلاً من هولاكو لكي لا تحاصر بغداد من جميع الجهات وانتقل بجيشه الضعيف الهزيل لملاقاة جيش بيجو في الشمال ؛ وكان للقاء في منطقة الأنبار وأستدرك الجيش العباسي في منطقة الأنبار وسحق الجيش المسلم واستطاع مجاهد الدين أيبك بأعجوبه أن يهرب بمجموعة قليلة من الجيش العباسي ويعود إلى داخل بغداد وكانت هذه هي الموقعة الوحيدة الغير متكافئة التي دارت بين التتار والعباسيين وكان ذلك في 19 من محرم أي بعد ظهور هولاكو أمام أسوار بغداد بسبعة أيام ؛ وانتقل بيجو مباشرة بجيشه من الأنبار حيث دارت المعركة إلى شمال بغداد وحاصرها وطوقت بغداد بين مثلث خطير بين هولاكو وبيجو .
* المفاوضات :-
فاستغل مؤيد الدين العلقمي هذه الفرصة وأشار على الخليفة بطلب المفاوضات مع التتار ولكن الخليفة كان يعلم بأن التفاوض بين طرف قوي شديد القوة وطرف ضعيف شديد الضعف فإن هذا لا يعني تفاوض وإنما يعني الإستسلام وفي الإستسلام عادة ما يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو إعتراض ومع ذلك وافق الخليفة الضعيف على إجراء المفاوضات مع التتار ؛ وبعث رجلين ليديرا المفاوضات مع التتار وهما مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقد والغل على الخلافة العباسية وأرسل معه متيكا بطريرك بغداد النصراني ؛ فكان الوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة للمفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط أحدهما شيعي ولآخر نصراني ؛ ودارت المفاوضات السرية بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية فأعطيت الوعود العظيمة من هولاكو لكليهما إن ساعدا على إسقاط بغداد وأهم هذه الوعود أنهما سيكونان أعضاء في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد إحتلالها من التتار ؛ وعاد المبعوثان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية وبعض العروض والوعود ؛ فالوعود كانت : 1- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة 2- الزواج بين ابنة القائد هولاكو التتري الذي سفك دماء الملايين من المسلمين وأبن الخليفة .
3- يبقى المستعصم بالله على كرسي الحكم .
4- إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعاً .
- هذه الوعود كلها سوف تحدث في حال لو فتحت بغداد أسوارها .
الشروط كانت : 1- قمع حركة الجهاد التي أعلنت في بغداد فهذه الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات السلام فعلى الخليفة أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية في بغداد وهما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه .
2- تدمير الحصون العراقية وردم الخنادق وتسليم الأسلحة .
3- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية .
وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد غلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤية التترية فإنه سيعود إلى بلاده ويترك العراقيين يضعون دستورهم ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم ؛ فاقنع مؤيد الدين العلقمي الخليفة بهذه الشروط والوعود ورغبه في قبولها ح فتردد الخليفة في قبول هذه المفاوضات ولكنه مضطر إلى قبولها والشعب الضخم الذي يعيش في بغداد أيضاً متردد ونداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة؛ فأراد الخليفة بعض الوقت للتفكير في هذه الشروط والوعود ولكن هولاكو لا يقوى على الإنتظار فهو يقف خارج أسوار بغداد بجيوش ضخمة تتكلف من النفقات يومياً الآلاف من الدنانير وهو شخصياً لا يقوى على الإنتظار فهو يريد أن يرى هذه المدينة العظيمة التي طالما سمع عنها كثيراً يريد أن يراها من الداخل ويريد أن يحقق الحلم الذي راود أجداده وهو يحققه الآن وهو غزو بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية ؛ وبالفعل بدأ هولاكو في قصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية ومع أول قذيفة سقط قلب الخليفة في قدمه فماذا يفعل؟ أربعة أيام متتالية من القصف المتواصل على بغداد .
* قصة غريبة:-
يذكر ابن كثير رحمه الله- في البداية والنهاية موقفاً بسيطاً لا يعلق عليه ؛ فيقول ابن كثير :وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكانت تسمى " عرفه " جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ؛ فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا مكتوب عليه " إذا أراد الله إنفاز قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم " فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة .............!!!!!!! ولا تعليــــــــــــــــــــــــق على ذلك .
____________________________________
** إجتياح بغداد :-
القصف على بغداد إستمر من يوم 1 صفر إلى الرابع من صفر في سنة 656هـ ؛ وفي الرابع من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد ومع سقوط الأسوار سقط الخليفة وانهار تماماً فأشار عليه الوزير بن العلقمي أن يخرج هو بنفسه لمقابلة هولاكو لعل هولاكو يقبل السلام ؛ فجاءت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة ؛ فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولة والوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس والأعيان حتى يحضروا جميعاً المفاوضات وتصبح المفاوضات كما يزعم هولاكو ملزمة للجميع ؛ فجمع الخليفة كبار قومه وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه سبعمائة من قادة المسلمين وعلماءهم وكان يسير إلى جواره الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي الشيعي ؛ واقترب الوفد من خيمة هولاكو فاعترض الوفد فرقه من الحرس الملكي التتري ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو ولم يسمحوا إلا للخليفة وسبعة عشر رجلاً معه فقط بالدخول على هولاكو أما الباقي فكما قالوا سيخضعون للتفتيش الدقيق ؛ ودخل الخليفة ومعه رجاله وحجب عنه باقي الوفد ؛ وقتل الوفد بكامله فقتل كل الرجال الذين أخذوا للتفتيش ولم يبق إلا الخليفة ومن معه داخل خيمة هولاكو ؛ وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله فاكتشف عند ذلك الخليفة أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وبدأت الأوامر الصارمة تخرج من هولاكو :

أولاً:على الخليفة أن يصدر أوامره إلى أهل بغداد بإلقاء أي سلاح معهم والإمتناع عن أي مقاومة.
ثانياً:يقيد الخليفة ويساق في بغداد يرسب في أغلاله لكي يدل التتار على كنوز العباسيين.
ثالثاً:يقتل ولدا الخليفة أمام عينه وهما أحمد وعبد الرحمن.
رابعاً:يتم أسر أخوات الخليفة الثلاثة فاطمة وخديجه ومريم.
خامساً:يستدعى من بغداد بعض الرجال بعينهم وهؤلاء كتب أسمائهم ابن العلقمي فهؤلاء هم علماء السنة وحملة القرآن وأئمة المساجد في داخل بغداد ؛ فيخرج كل فرد من هؤلاء ومعه أولاده ونسائه ويذهبون إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر فيلقى العالم على الأرض ويذبح كما تذبح الشاه ويؤخذ نساؤه وأولاده سبياً أو للقتل ؛ فذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف فهذا ابن العالم المشهور ابن الجوزي رحمه الله- وذبح أولاده الثلاثة معه عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم ؛ وذبح مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه ؛ وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النيار ؛ ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن ؛ كل ذلك والخليفة حي يشاهد .
** إستباحة المدينة :-
فألقى أهل بغداد السلاح وقتلت الصفوه من أهلها وأنساب جنود هولاكو في شوارع وطرقات بغداد وأصدر السفاح هولاكو أمر الشنيع باستباحة بغداد ؛ فالأمر بالإستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء يقتل يأسر يسبي يزني يسرق يدمر يحرق ؛ فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين وفعل التتار في المدينة مالا يتخيله عقل فبدأ الجنود التتريين يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان في كل بيت أو حديقة في كل مسجد أو مكتبة وأستحر القتل في المسلمين والمسلمون لا حول لهم ولا قوة لا هم لهم إلا الهرب ؛ فيهرب المسلم إلى داره ويغلق عليه الباب فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه فيهرب إلى أعلى المنزل إلى السطح فيصعد وراءه التتري ويقتله فوق الأسطح حتى سالت الدماء بكثرة من مياذيب المدينة ؛ فلم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ وكانوا يقتلون النساء إلا من إستحسنوه منهن فكانوا يأخذونهم سبياً بل وكانوا يقتلون الأطفال حتى الرضع منهم ؛ وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع من شوارع بغداد وقد قتلت أمهاتهم فقتلهم جميعاً ؛ وتزايد عدد القتلى في المدينة بشكل بشع كل هذا والخليفة على قيد الحياة يشاهد ما يحدث في مدينتة ولاشك أنه كان نادماً على كل ما فعل وكان لسان حاله يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً ؛ روي أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما ) أن رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) قال : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ؛ عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة بل وفي العلم والتعلم لكن تركوا الجهاد في سبيل الله فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأوه.
* مقتل الخليفة :-
وسيق الخليفة المستعصم بالله إلى خاتمته الشنيعة بعد أن دل على كل كنوز العباسيين ؛ فوضعه التتار في جوال ثم أمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام ؛ وبمقتله يكون قد سقط آخر خلفاء بني العباس في بغداد وسقطت معه بغداد وسقط من وراءها الشعب بكامله وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لبوابها يوم 14 صفر سنة 656هـ .
* ما فعله التتار في بغداد بعد قتل الخليفة :-
ولم تنتهي المأساه بقتل الخليفة وإنما أمر هولاكو- لعنه الله بإستمرار عملية القتل في بغداد واستمرت إلى أربعين يوما متصله لاهم للجنود التتر إلا قتل المسلمين ؛ وقتل من أهل بغداد وحدها مليون مسلم في أربعين يوما فقط من الرجال والنساء والأطفال والكهول ولم ينج من القتل في بغداد إلا أفراد الجالية المسيحية .
وبينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء إتجه فريق آخر من التتر إلى عمل إجرامي أبشع وهو تدمير مكتبة بغداد وهي أعظم مكتبة موجوده على وجه الأرض في ذلك الزمان بلا منازع فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاع الأرض ؛ ولم يقترب منها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس ؛ فحمل التتار الكتب الإسلامية وفي بساطة شديدة ألقوها جميعا في نهر " دجلة" فتحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى ؛ وبعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد إتجهوا إبى الديار الأنيقة والمنازل الجميلة فتناولوها بالتدمير والحرق وسرقوا منها المحتويات الثمينة وما عجزوا عن حمله منها أحرقوه ؛ وبعد الأربعين يوما الدموية في بغداد أصدر هولاكو مجموعة من الأوامر وأولها أنه أعطى أماننا حقيقيا في بغداد فلا يقتل مسلم في بغداد بعد هذا الأمر عشوائيا لأن الجثث المتعفنه أصبحت كالتلال في شوارع وطرقات بغداد ؛ فخشى هولاكو أن يحدث وباء في هذه المناطق فيأكل المسلمين والتتار فأمر بخروج من تبقى من المسلمين ونجى من القتل من مخابئهم وأعلن الأمان ليقوموا بدفن موتاهم ؛ وخرج من تبقى من المسلمين وأخذوا في دفن موتاهم ومع ذلك فقد إنتشرت الأوبئة فعلا في بغداد ومات من المسلمين عدد كبير من جراء هذه الأمراض القاتله ؛ وكما يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية " ومن منجا من الطعن لم ينجو من الطاعون " ؛ والأمر الثاني الذي أصدره هولاكو هو تعيين "مؤيد الدين العلقمي" الشيعي الرافضي رئيسا على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم ولكن القيادة الفعلية كانت في يد التتار بل إن الأمر تزايد بعد ذلك حتى وصل إلى الإهانة المباشرة له من قبل صغار الجند ؛ وبعد كل هذا الذل الذي عاشه بن العلقمي بعدها بأيام مات في بيته وسبحان الله فلم يتسنى له أن يستمتع بملك أو بحكم والذي ضحى من أجله بحياة آلآف المسلمين وليكن عبرة بعد ذلك لكل من تسول له نفسه أن يخون أمته ودينه ؛ وبعد موته ولى التتار إبنه ليكون مكان أبيه على حكم بغداد ولكن من مفارقات القدر أن يموت أيضا هذا الأبن الشاب في نفس السنه التي مات فيها أبيه وهي نفس السنه التي سقطت فيها بغداد .
* ردود الأفعال في العالم الإسلامي والمسيحي بعد سقوط بغداد:-
ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى بأسره ؛ فالعالم الإسلامي كان سقوط بغداد بالنسبة له صدمه كبيرة ورهيبة لايمكن إستيعابها مطلقا ؛ وظهر لدى المسلمن في ذلك الوقت إعتقاد سيطر على معظمهم وهو أن ضعف المسلمين وقوة التتار وسقوط بغداد ماهي إلا علامات للساعة وأن المهدي سيظهر قريبا وسيقود جيوش المسلمين للإنتصار على التتار.
أما العالم النصراني فقد عمت فيه البهجة والفرحة اطرافه بكاملها وكان هذا هو المتوقع ؛ فالحروب بين المسلمين والنصارى لم تنتهي وكانت على أشدها في ذلك الوقت وبالطبع فهذه الضربه التترية موجعه جدا للعالم الإسلامي ؛ ولا شك أن أطماع الصليبيين ستتجدد في الشام وفي مصر.
_______________________
* ماذا فعل هولاكو بعد تدمير بغداد ؟
إنسحب هولاكو من بغداد إلى همدان بفارس ثم توجه إلى قلعة تسمى " شها " على شاطئ بحيرة " أرميه " وهى تقع في الشمال الغربي لدولة إيران حاليا ؛ في هذه القلعة وضع هولاكو الكنوز الهائلة التي نهبها من قصور العباسيين والتي نهبها من بيت مال المسلمين ومن بيوت التجار وأصحاب الأموال ...... ؛ وبالطبع ترك هولاكو حاميه تتريه حول بغداد لحمايتها .
وبدأ يفكر بجدية في الخطوة التالية ولا شك أن الخطوة التالية سوف تكون سوريا.
وبدأ هولاكو بدراسة الموقف في هذه المنطقة ؛ وبينما هو يقوم بهذه الدراسه ويحدد نقاط الضعف والقوة في هذه المناطق الإسلامية ؛ بدأ بعض الأمراء المسلمين يؤكدون على ولائهم للتتار وبدأت الوفود الإسلامية الرسمية تتوالى على زعيم التتار تطلب عقد الأحلاف والمعاهدات مع هولاكو فجاء الأمير " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل والأمير " كيكاوس الثاني " والأمير " قلج أرسلان الرابع " من منطقة الأناضول في وسط وغرب تركيا حاليا ؛ وجاء أيضا الأمير " الأشرف الأيوبي " أمير حمص والأمير " الناصر يوسف " حفيد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – أمير حلب ودمشق ؛ فهؤلاء الأمراء يمثلون معظم شمال العراق والشام وتركيا .
ولكن قبل أن يدخل الشام ظهر أمام هولاكو أحد العوائق الصعبة والتي سوف تأخر وصوله وتقدمه نحو الشام وهو أن أحد الأمراء الأيوبيين رفض أن يرضخ لأوامر وقرارات هولاكو ورفض أن يعقد مع التتار أي معاهدات وقرر أن يجاهد التتار إلى النهاية وهذا الأمير هو " الكامل محمد الأيوبي " أمير مدينة " ميافرقين " وهي تقع الآن إلى الغرب من بحيرة " وآن " ؛ وجيوشه كانت تسيطر على شرق تركيا بالإضافه إلى منطقة الجزيرة ( وهي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من جهة الشمال ) ولذلك فإن هولاكو أصبح من اللزم عليه محاربة الكامل محمد لكي يستطيع دخول الشام وسوريا من جهة العراق لأنه لم يستطع بلوغ سوريا إلا بالمرور من الجزيرة وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة الكامل محمد- رحمه الله .
* التتار وميافرقين :-

ومدينة ميافرقين هذه مدينه شديدة الحصانة وتقع بين سلسلة جبال البحر الأسود ؛ فأصبح إختراق هذه المنطقة شديد الصعوبة على التتار ؛ ولبكن هولاكو لم يريد أن يترك أي شئ للمفاجئات وققر إقتحام المدينة.
* فماذا يفعل هولاكو للخروج من ذلك المأذق ؟
بدأ هولاكو بسلوك الطرق السهلة وغير المكلفة ؛ فحاول إرهاب الكامل وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد ؛ فأرسل إليه رسول برساله يدعوه فيها إلى التسليم غير المشروط ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه غيره.
وكان هولاكو في منتهى الذكاء عندما إختار الرسول الذي سيرسله إلى الكامل محمد الأيوبي ؛ فلم يرسل رسولا تتريا وإنما أرسل رسولا عربيا نصرانيا ؛ وهو رجل يدعى " قسيس يعقوبي " فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل بلغته ؛ ثم هو من ناحيه أخرى نصراني وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار.
* فما أهمية ذلك بالنسبة للكامل محمد ؟




رد مع اقتباس
قديم 31-05-2012, 02:11 PM   المشاركة رقم: 14
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

لذلك الموقف أهمية إستراتيجية بالغة الخطورة بالنسبة للكامل محمد ؛ لأنه في شرق تركيا سنجد الموقع الجغرافي لإمارة ميافرقين في منتهى الخطورة ؛ فالحدود الشرقية مع مملكة " أرمينيا " النصرانية وهي متحالفة مع التتار ؛ والحدود الشمالية الشرقية مملكة " الكرج" النصرانية وهي أيضا متحالفة مع التتار ؛ ومن الحدود الجنوبية الشرقية تجد إمارة "الموصل" العميلة للتتار ؛ فأصبح بذلك الجانب الشرقي للإمارة بالكامل محاط بعملاء التتار من النصارى والمسلمين ؛ ومن الغرب توجد إمارات السلاجقة المسلمين وهم أيضا كغيرهم في ذلك الزمان عملاء للتتار ؛ فوسط وغرب تركيا عميل للتتار ؛ ومن الجنوب الغربي إمارة حلب التابعة للناصر يوسف المتعاون مع التتار .
فلم يصبح للكامل محمد أي منفذ من أي جهة فقد أصبح محاصرا من جميع الجهات.
* ماذا فعل الكامل محمد مع رسول التتار النصراني ؟

فعل الكامل محمد على غير عادة الملوك والأمراء مع الرسول ؛ فقد أمسك بذلك الرسول وقتله ؛ ولكن الكامل محمد قام بذلك ليكون بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين إنتقاما من ذبح مليون مسلم في بغداد ؛ ولأن التتار في الأساس لم يحترموا أي عرف أو عادة في حياتهم.
وبعد هذه الواقعة أدرك هولاكو تماما أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد تماما .
* الحصار :-

أسرع هولاكو في تجهيز جيش كبير لملاقاة الكامل محمد ووضع على رأسه إبنه "أشموط" وتوجه ذلك الجيش مباشرة إلى ميافرقين بعد أن قام أمير الموصل لبعميل " بدر الدين لؤلؤ " بفتح أرض الموصل لمرور الجيش التتري .
وحاصر جيش التتار إمارة ميافرقين حصارا شديدا ؛ وكما هو متوقع فقد جاءت جيوش مملكتي أرمينيا والكرج لكي تحاصر ميافرقين من الناحية الشقية ؛ وبدأ ذلك الحصار الشرس من شهر رجب سنة 656هـ ؛ وصمدت المدينة في وجه ذلك الحصار وظهرت فيها مقاومة ضارية وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبوت والجهاد في سبيل الله .
وقام الأمير الكامل بطلب النجدة من الناصر يوسف صاحب حلب ؛ لكن الناصر رفض تقديم أي مساعدة له رفضا قاطعا وصريحا ؛ ثم إنه لم يكتفي بمنع المساعدة عن الكامل ولم يكتفي بالمشاركة في الحصار بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع إبنه " العزيز " يطلب فيها أمرا غريبا في هذا التوقيت ؛ فقد أرسل يطلب من هولاكو أن يعينه بفرقه تتريه للهجوم على مصر وافستيلاء عليها من المماليك ليضمها إلى أملاكه ؛ ولكن سبحان الله – إستكبر هولاكو أن يرسل إليه الناصر يوسف إبنه ولم يأت إليه بنفسه ؛ ورأى هولاكو أن الناصر قد بدأ يرى نفسه إلى جواره في العظمة والسلطان ؛ فجمع هولاكو الأدباء والشعراء المحترفين لكي يرسل رسالة يرد فيها على الناصر يوسف .
* رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف :-

فأرسل يقول له " الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب ؛ أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى*- وقتلنا فرسانها ؛ وهدمنا بنيانها ؛ وأسرنا سكانها ؛ كما فال الله تعالى في كتابه العزيز " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" ؛ واستحظرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ( يعني عن الكنوز والأموال ) فواقعه الندم واستوجب منا العدم ؛ وكان قد جمع ذخائر نفيسه وكانت نفسه خسيسه ؛ فجمع المال ولم يعبأ بالرجال ؛ وكان قد نما ذكره وعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال ؛ إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهً شاه رويزمين ( أي ملك الملوك على وجه الأرض ) تأمن شره وتنل خيره كما قال الله تعال في كتابه العزيز " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " ولا تعوق رسلن عنك فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم إنهزموا بحريمهم إلى مصر ؛ فإن كانوا في الجبال نسفناها ؛ وإن كانوا في الأرض خسفناها أين النجاه ولامناص لهارب وليا البسيطان الندى والماء ؛ ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراء والوزراء "
انتهت الرسالة التترية المرعبة وعلم الناصر يوسف أن هولاكو يطلب منه التسليم الكامل.
_______________________________________
* ماذا فعل الناصر يوسف بعدما وصلته رسالة هولاكو:-
فقرر الناصر يوسف أن يأخذ قرارا ما فكر فيه طيلة حياته فقد إضطر إضطرارا إلى أن يأخذ قرار الجهاد في سبيل الله ؛ وضرب معسكر جيشه في شمال دمشق عند قرية "برزا " وبدأ في إعداد العده لقتال التتار ؛ فبدأ في مراسلة الأمراء المسلمين من حوله لينضموا غليه لقتال التتار فراسل أمير الكرك " المغيث فتح الدين عمر " وراسل أمير مصر يطلب معونته في حرب التتار والذي كان بالأمس يريد أخذ فرقه تترية لغزو بلاده .
وكان هولاكو قد عاد من قرية " شها " إلى مدينة " همدان " وهي التي كان يوجد بها القيادة المركزية لإدارة شئون الحرب في المنطقة ؛ وبدأ هولاكو في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد التطورات الجديدة واستوجب النقاط التالية :
1- وجوب تعميق العلاقات بين التتار والنصارى.
2- إستمرارية حصار ميافرقين.
3- الإستهانه من قبل هولاكو بأمر الناصر يوسف وإعداده للجهاد لأنه يعلم جيدا الناصر يوسف وأنه ليس له ناقة ولا جمل في دخول الحرب .
4- منطقة العراق الأوسط وبما فيها بغداد ومنطقة شمال العراق أصبحت آمنه تماما للتتار.
5- أقوى المدن في الشام هما مدينتا حلب ودمشق فلوسقطتا فقد سقطت الشام بالكامل.
* بعد إستعراض هذه النقاط ماذا كان قرار هولاكو؟
قرر هولاكو التوجه مباشرة لإسقاط إحدى المدينتين حلب أو دمشق ؛ فقرر هولاكو وبعد دراسة وبحث أوضاع كلا من المدينتين والمناطق المحيطة بهما أن يدخل حلب أولا ثم يتوجه إلى دمشق .
* حصار حلب :-

بدأ جيش التتار الرئيسي بقيادة هولاكو في التحرك من قواعده في همدان في فارس متجها إلى شمال العراق وفي طريقه إحتل مدينة " نصيبيين " وهي تبعد 160كم عن ميافرقين ولم يقابل هذا الجيش بأي مقاومة تذكر ؛ ثم إتجه غربا ليحتل مدينة " حران " ثم مدينة " الرها " ثم مدينة " البيرة " ؛ وكل هذه المدن تقع حاليا في جنوب تركيا ؛ ثم بعد ذلك عبر هولاكو نهر الفرات من شرقه إلى غربه وتوجه مباشرة إلى مدينة حلب الحصينة واستمر هذا التقدم التتري في الأراضي الفارسية ثم العراقية والتركية ثم الأراضي السورية وصولا إلى حلب مدة عام كامل وهو عام 657هـ ؛ ووصل هولاكو إلى مدينة حلب في شهر محرم من سنة 658هـ وحاصرت الجيوش التترية المدينة من كل الجهات ؛ لكن حلب رفضت التسليم وتزعم المقاومة فيها " توران شاه " عم الناصر يوسف وكان سيخا كبيرا ؛ ونصبت المجانيق حول المدينة وبدأ القصف المتوالي من التتار على المدينة ؛ وفي أثناء ذلك الحصار والشعب يحاول رد بأس التتار عنه وصل إليهم خبر أليم مفجع فقد سقطت مدينة ميافرقين وفتحت لجيش التتار المحاصر لها بقيادة " أشموط " وانساحت جيوش التتار الهائلة داخل المدينة بعد حصار إستمر عاما ونصف واستبيحت حرمات المدينة تماما ؛ فقد جعلها " أشموط " إبن هولاكو عبرة لكل بلد تقاوم تفكر أن في هذه المنطقة فقد قتل كل سكانها وحرق الديار ودمرها تماما ؛ لكنه إحتفظ برجل واحد فقط من هذه المدينة وهو الأمير " الكامل محمد الأيوبي " حيا ليزيد من عذابه ؛ فذهب به إلى أبيه الفاح هولاكو وهو في حصار مدينة حلب وسلمه إياه .
* قتل الكامل محمد :-

إستجمع هولاكو كل شره في الإنتقام من الأمير البطل ؛ فأمسك به وقيده ثم صلبه ثم بدأ في تقطيع أطرافه وهو هي ثم أجبره على أن يأكل لحمه ؛ فكان يدس لحمه في فمه رغما عن أنفه ؛ وظل به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل – لروحه المجاهدة أن تصعد إلى دارها في الآخرة ؛ ثم قام السفاح هولاكو بقطع رأسه ثم وضعها في رمح وأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد الشام وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين ؛ وانتهى المطاف برأسه ‘لى دمشق وعلقت رأسه فترة على أحد أبواب دمشق وهو باب " الفراديس " ثم انتهى المقام به إلى أن دفن في أحد المساجد وعرف هذا المسجد بعد ذلك بمسجد الرأس .



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 31-05-2012, 02:11 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

لذلك الموقف أهمية إستراتيجية بالغة الخطورة بالنسبة للكامل محمد ؛ لأنه في شرق تركيا سنجد الموقع الجغرافي لإمارة ميافرقين في منتهى الخطورة ؛ فالحدود الشرقية مع مملكة " أرمينيا " النصرانية وهي متحالفة مع التتار ؛ والحدود الشمالية الشرقية مملكة " الكرج" النصرانية وهي أيضا متحالفة مع التتار ؛ ومن الحدود الجنوبية الشرقية تجد إمارة "الموصل" العميلة للتتار ؛ فأصبح بذلك الجانب الشرقي للإمارة بالكامل محاط بعملاء التتار من النصارى والمسلمين ؛ ومن الغرب توجد إمارات السلاجقة المسلمين وهم أيضا كغيرهم في ذلك الزمان عملاء للتتار ؛ فوسط وغرب تركيا عميل للتتار ؛ ومن الجنوب الغربي إمارة حلب التابعة للناصر يوسف المتعاون مع التتار .
فلم يصبح للكامل محمد أي منفذ من أي جهة فقد أصبح محاصرا من جميع الجهات.
* ماذا فعل الكامل محمد مع رسول التتار النصراني ؟

فعل الكامل محمد على غير عادة الملوك والأمراء مع الرسول ؛ فقد أمسك بذلك الرسول وقتله ؛ ولكن الكامل محمد قام بذلك ليكون بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين إنتقاما من ذبح مليون مسلم في بغداد ؛ ولأن التتار في الأساس لم يحترموا أي عرف أو عادة في حياتهم.
وبعد هذه الواقعة أدرك هولاكو تماما أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد تماما .
* الحصار :-

أسرع هولاكو في تجهيز جيش كبير لملاقاة الكامل محمد ووضع على رأسه إبنه "أشموط" وتوجه ذلك الجيش مباشرة إلى ميافرقين بعد أن قام أمير الموصل لبعميل " بدر الدين لؤلؤ " بفتح أرض الموصل لمرور الجيش التتري .
وحاصر جيش التتار إمارة ميافرقين حصارا شديدا ؛ وكما هو متوقع فقد جاءت جيوش مملكتي أرمينيا والكرج لكي تحاصر ميافرقين من الناحية الشقية ؛ وبدأ ذلك الحصار الشرس من شهر رجب سنة 656هـ ؛ وصمدت المدينة في وجه ذلك الحصار وظهرت فيها مقاومة ضارية وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبوت والجهاد في سبيل الله .
وقام الأمير الكامل بطلب النجدة من الناصر يوسف صاحب حلب ؛ لكن الناصر رفض تقديم أي مساعدة له رفضا قاطعا وصريحا ؛ ثم إنه لم يكتفي بمنع المساعدة عن الكامل ولم يكتفي بالمشاركة في الحصار بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع إبنه " العزيز " يطلب فيها أمرا غريبا في هذا التوقيت ؛ فقد أرسل يطلب من هولاكو أن يعينه بفرقه تتريه للهجوم على مصر وافستيلاء عليها من المماليك ليضمها إلى أملاكه ؛ ولكن سبحان الله – إستكبر هولاكو أن يرسل إليه الناصر يوسف إبنه ولم يأت إليه بنفسه ؛ ورأى هولاكو أن الناصر قد بدأ يرى نفسه إلى جواره في العظمة والسلطان ؛ فجمع هولاكو الأدباء والشعراء المحترفين لكي يرسل رسالة يرد فيها على الناصر يوسف .
* رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف :-

فأرسل يقول له " الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب ؛ أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى*- وقتلنا فرسانها ؛ وهدمنا بنيانها ؛ وأسرنا سكانها ؛ كما فال الله تعالى في كتابه العزيز " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" ؛ واستحظرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ( يعني عن الكنوز والأموال ) فواقعه الندم واستوجب منا العدم ؛ وكان قد جمع ذخائر نفيسه وكانت نفسه خسيسه ؛ فجمع المال ولم يعبأ بالرجال ؛ وكان قد نما ذكره وعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال ؛ إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهً شاه رويزمين ( أي ملك الملوك على وجه الأرض ) تأمن شره وتنل خيره كما قال الله تعال في كتابه العزيز " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " ولا تعوق رسلن عنك فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم إنهزموا بحريمهم إلى مصر ؛ فإن كانوا في الجبال نسفناها ؛ وإن كانوا في الأرض خسفناها أين النجاه ولامناص لهارب وليا البسيطان الندى والماء ؛ ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراء والوزراء "
انتهت الرسالة التترية المرعبة وعلم الناصر يوسف أن هولاكو يطلب منه التسليم الكامل.
_______________________________________
* ماذا فعل الناصر يوسف بعدما وصلته رسالة هولاكو:-
فقرر الناصر يوسف أن يأخذ قرارا ما فكر فيه طيلة حياته فقد إضطر إضطرارا إلى أن يأخذ قرار الجهاد في سبيل الله ؛ وضرب معسكر جيشه في شمال دمشق عند قرية "برزا " وبدأ في إعداد العده لقتال التتار ؛ فبدأ في مراسلة الأمراء المسلمين من حوله لينضموا غليه لقتال التتار فراسل أمير الكرك " المغيث فتح الدين عمر " وراسل أمير مصر يطلب معونته في حرب التتار والذي كان بالأمس يريد أخذ فرقه تترية لغزو بلاده .
وكان هولاكو قد عاد من قرية " شها " إلى مدينة " همدان " وهي التي كان يوجد بها القيادة المركزية لإدارة شئون الحرب في المنطقة ؛ وبدأ هولاكو في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد التطورات الجديدة واستوجب النقاط التالية :
1- وجوب تعميق العلاقات بين التتار والنصارى.
2- إستمرارية حصار ميافرقين.
3- الإستهانه من قبل هولاكو بأمر الناصر يوسف وإعداده للجهاد لأنه يعلم جيدا الناصر يوسف وأنه ليس له ناقة ولا جمل في دخول الحرب .
4- منطقة العراق الأوسط وبما فيها بغداد ومنطقة شمال العراق أصبحت آمنه تماما للتتار.
5- أقوى المدن في الشام هما مدينتا حلب ودمشق فلوسقطتا فقد سقطت الشام بالكامل.
* بعد إستعراض هذه النقاط ماذا كان قرار هولاكو؟
قرر هولاكو التوجه مباشرة لإسقاط إحدى المدينتين حلب أو دمشق ؛ فقرر هولاكو وبعد دراسة وبحث أوضاع كلا من المدينتين والمناطق المحيطة بهما أن يدخل حلب أولا ثم يتوجه إلى دمشق .
* حصار حلب :-

بدأ جيش التتار الرئيسي بقيادة هولاكو في التحرك من قواعده في همدان في فارس متجها إلى شمال العراق وفي طريقه إحتل مدينة " نصيبيين " وهي تبعد 160كم عن ميافرقين ولم يقابل هذا الجيش بأي مقاومة تذكر ؛ ثم إتجه غربا ليحتل مدينة " حران " ثم مدينة " الرها " ثم مدينة " البيرة " ؛ وكل هذه المدن تقع حاليا في جنوب تركيا ؛ ثم بعد ذلك عبر هولاكو نهر الفرات من شرقه إلى غربه وتوجه مباشرة إلى مدينة حلب الحصينة واستمر هذا التقدم التتري في الأراضي الفارسية ثم العراقية والتركية ثم الأراضي السورية وصولا إلى حلب مدة عام كامل وهو عام 657هـ ؛ ووصل هولاكو إلى مدينة حلب في شهر محرم من سنة 658هـ وحاصرت الجيوش التترية المدينة من كل الجهات ؛ لكن حلب رفضت التسليم وتزعم المقاومة فيها " توران شاه " عم الناصر يوسف وكان سيخا كبيرا ؛ ونصبت المجانيق حول المدينة وبدأ القصف المتوالي من التتار على المدينة ؛ وفي أثناء ذلك الحصار والشعب يحاول رد بأس التتار عنه وصل إليهم خبر أليم مفجع فقد سقطت مدينة ميافرقين وفتحت لجيش التتار المحاصر لها بقيادة " أشموط " وانساحت جيوش التتار الهائلة داخل المدينة بعد حصار إستمر عاما ونصف واستبيحت حرمات المدينة تماما ؛ فقد جعلها " أشموط " إبن هولاكو عبرة لكل بلد تقاوم تفكر أن في هذه المنطقة فقد قتل كل سكانها وحرق الديار ودمرها تماما ؛ لكنه إحتفظ برجل واحد فقط من هذه المدينة وهو الأمير " الكامل محمد الأيوبي " حيا ليزيد من عذابه ؛ فذهب به إلى أبيه الفاح هولاكو وهو في حصار مدينة حلب وسلمه إياه .
* قتل الكامل محمد :-

إستجمع هولاكو كل شره في الإنتقام من الأمير البطل ؛ فأمسك به وقيده ثم صلبه ثم بدأ في تقطيع أطرافه وهو هي ثم أجبره على أن يأكل لحمه ؛ فكان يدس لحمه في فمه رغما عن أنفه ؛ وظل به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل – لروحه المجاهدة أن تصعد إلى دارها في الآخرة ؛ ثم قام السفاح هولاكو بقطع رأسه ثم وضعها في رمح وأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد الشام وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين ؛ وانتهى المطاف برأسه ‘لى دمشق وعلقت رأسه فترة على أحد أبواب دمشق وهو باب " الفراديس " ثم انتهى المقام به إلى أن دفن في أحد المساجد وعرف هذا المسجد بعد ذلك بمسجد الرأس .




رد مع اقتباس
قديم 31-05-2012, 02:12 PM   المشاركة رقم: 15
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

بعد كل هذه التفاصيل اليكم يا اخواني ملخص عن الحملة التتريه ونهايتهم على يد القائد سيف الدين قطز بن عبدالله المعزي
الملك المظفر قطز قاهر التتار هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، تسلطن بعد أن خلع الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657 هـ- 1959م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك.وكانت مصر على إثر وفاة ملكها الصالح، ومقتل ولده الملك المعظم قد رفعت على عرشها امرأة هي: شجرة الدر -أرملة الملك الصالح-، فكانت أول ملكة، كما كانت آخر ملكة اعتلت عرش مصر الإسلامية. وأقيم للسلطنة نائب قوي، هو الأمير عز الدين أيبك -كبير المماليك البحرية-، ليعاون شجرة الدر في تدبير الأمور، وبالرغم مما أبدته شجرة الدر من حزم وبراعة في تسيير أمور الدولة، وتصفية الموقف مع الصليبيين وإجلائهم عن مصر فقد كان جلوس امرأة على عرش مصر نذيرًا بوقوع الفتن والاضطرابات، حيث أبى معظم الأمراء أن يحلفوا يمين الطاعة للملكة الجديدة، لذلك رأت شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك، فلما لم تفلح هذه الخطوة في تهدئة الأمور رأت أن تتنازل عن العرش لزوجها، فتولى الأمير عز الدين أيبك عرش مصر باسم الملك المعز، وذلك في آخر ربيع الثاني سنة 648 هـ 1250م، وحكم مصر زهاء سبع سنين.
وكانت شجرة الدر وراء زوجها تعينه في تصريف الأمور، حتى دب الخلاف بين الزوجين، لاعتزام المعز الزواج ثانية، فدبرت شجرة الدر مؤامرة لاغتياله، ونفذتها في بيتها يوم الثلاثاء 23 من ربيع الأول من سنة 655 هـ - 1257م.
وتولى الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، المُلْكَ يوم الخميس 25 من ربيع الأول من سنة 655 هـ 1257م، وكان عمره 15 سنة، فلم يكن قادرًا على تحمل أعباء الملك في ظروف حرجة للغاية؛ إذ كانت البلاد مهددة بالغزو التتري، لذلك خلعه قطز، وتولى الملك مكانه سنة 657 هـ - 1259م، وكان هدفه: حرب التتار، وإنقاذ مصر خاصة والبلاد العربية عامة من خطر غزوهم الكاسح.
الموقف العام

ولعل في عرض الموقف العام العصيب التي كانت مصر والبلاد العربية تجتازه من جراء الغزو التتري الجارف ما يبرز مبلغ التضحية التي بذلها قطز في قبوله تحمل المسؤولية حينذاك، في بلد مهدد بغزو خارجي ماحق، وارتباك داخلي فظيع، وقد كان بإمكانه أن يستمتع بالسلطة الفعلية بالرغم من بقاء الملك المنصور في الحكم دون أن يكون المسؤول الأول في مثل تلك الظروف الحرجة، ولكنه آثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، فقضى أولاً على الارتباك الداخلي، ووضع الأمور في نصابها، ثم وجه همه إلى العدو الخارجي، فاستطاع بأعجوبة خارقة حقًا إحراز النصر وإنقاذ مصر والبلاد العربية من التتار وقواتهم الضاربة.
ففي سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية 1256م، مَلَكَ التتار سائر بلاد الروم بالسيف، فلما فرغوا من ذلك، نزل هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان كالإعصار على بغداد في صفر من سنة ست وخمسين وستمائة هجرية 1285م، ودخلوها دخول الضواري المفترسة، وقتلوا مئات الآلاف من أهلها، ونهبوا خزائنها وذخائرها، وقضوا على الخلافة العباسية، وعلى معالم الحضارة الإسلامية، ثم قتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفراد أسرته وأكابر دولته..
وتقدم التتار إلى بلاد الجزيرة، واستولوا على "حران" و"الرُّها" و"ديار بكر" في سنة سبع وخمسين وستمائة هجرية 1259م، ثم جاوزا الفرات، ونزلوا على "حلب" في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية 1260م، واستولوا عليها وجرت الدماء في الأزقة أنهارًا.
ووصل التتار إلى "دمشق"، وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب، فخرج هاربًا ومعه أهل اليسار، ودخل التتار دمشق، وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وفتكوا بهم، ونهبوا وسلبوا ودمروا.
وتعدوا دمشق، فوصلوا إلى "نابلس"، ثم إلى "الكرك" وبيت المقدس، وتقدموا إلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر، واضطر هولاكو فجأة إلى مغادرة سورية، بعد أن جاءته الأخبار بوفاة أخيه الأكبر "منكوقاآن" في الصين، وبتنازع أخويه الآخرين "قوبيلاي" و"أريق بوكا" ولاية العرش.
وقد استثمر التتار حرب الصاعقة، التي تعتمد على سرعة الحركة، كما استثمروا حرب الأعصاب إلى أقصى مدى، فنشروا الذعر والخوف في كل مكان، وحيثما اتجهت قواتهم كانت تسبقهم الأقاصيص عن طغيانهم وقسوتهم ومذابحهم.
موقف أوروبا

فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاء النصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية، فضلاً عن أن القائد الذي ولي أمر سورية عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا، كل هذا جعل البابوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتال المسلمين.
والواقع أن فكرة تكوين حلف من الأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير البابوات في عصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بين التتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعا لويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقد اتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكون فيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريد جيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزل مصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد العربية.
ولم يكفّ لويس التاسع عن العمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابع عشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملها إلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكر أنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء، ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس.
ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما- في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبة: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارى النسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر "كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "دوكس خاتون" زوجة هولاكو نصرانية أيضًا.
ولقد لعب نفوذ هذه الأميرة على زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحت قوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبت الأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية.
ويصف الأسقف حملة التتار فيقول: "لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد "هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحقق له القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين.
وقد بادر "هاتون الأول" -ملك إرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور" و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساس القضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس.
ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخ التبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلى بلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام".
وأخيرًا انتهى أمل الصليبيين بدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذه الخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يسترد مكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل".
لقد كانت مهمة قطز صعبة جداً، لأنه كان عليه أن يواجه الخطر الداخلي المتمثل بالارتباك والفوضى في نظام الحكم والصراع على السلطة، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يواجه الخطر الخارجي المتمثل بالغزو التتري الداهم المتحالف مع الصليبيين في الغرب والشرق معًا.
زحف التتار

قبل مغادرة "هولاكو" سورية أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها:

"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".
وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م".
فلما سمع قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين -، كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة". لقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعة عنه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لاستيلائه على السلطة، وتواترت المعلومات الموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتار على سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب من قطز النجدة على قتال التتار.
وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري -قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص-أي:حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز".
وانفض المجلس على ذلك، ولم يتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواته العسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراء مغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماء من أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك.
لقد كان الجواب على رسالة هولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه من الجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة.

ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال.
وهذا موقف لقطز في مثل تلك الظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوس المترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطز قولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق".
الحشد
خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكر الصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.
وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال.
ونودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحث الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".
وتكلم الأمراء الذين اختارهم وحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألا يدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم.
ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟

كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219م يلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويستاقون الأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأن التتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارج حكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة، فلا عجب أن يبذل قطز كل جهده لرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرين على حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهاد بأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت على صوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدم قطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله.
كما أن قطز صمّم على لقاء التتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتى يجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريين ثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا، ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذي يؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاع خامسًا وأخيرًا.
إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا.
المعركة

وخرج قطز من مصر في الجحافل الشامية والمصرية، في شهر رمضان من سنة 658 هـ- 1260م وغادر معسكر الصالحية بجيشه، ووصل مدينه "غزة" والقلوب وجلة، وكان في "غزة" جمع التتار بقيادة "بيدر"، وكان بيدر هذا قد أخبر قائده "كتبغا نوين" الذي كان في سهل "البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك" بزحف جيش قطز، فرد عليه: "قف مكانك وانتظر". ولكن قطز داهم "بيدر" قبل وصول "كتبغا نوين" فاستعاد غزة من التتار، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً باتجاه التتار.
وكان "كتبغا" مقدم التتار على جيش "هولاكو" لما بلغه خروج قطز، وكان في سهل البقاع قد عقد مجلسًا استشاريًا، واستشار ذوي الرأي في ذلك، فمنهم من أشار بعدم لقاء جيش قطز في معركة، والانتظار حتى يجيئه مدد من "هولاكو" ليقوى على مصاولة جيش المسلمين، ومعنى هذا مشاغلة جيش قطز بالقوات المتيسرة لديه ريثما ترده النجدات التي تضمن له النصر، ومنهم من أشار بغير ذلك -قبل المعركة- اعتمادًا على قوات التتار التي لا تقهر، وهكذا تفرقت الآراء، وكان رأي "كتبغا نوين" قبول المعركة ومواجهة جيش قطز، فتوجه من فوره جنوبًا باتجاه القوات المصرية.
وكان أول الوهن اختلاف الآراء وظهور رأي يحبذ الانسحاب، ورأي يحبذ عدم الانسحاب وقتال قطز.
وبعث قطز طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري لمناوشة التتار واختبار قواتهم، واستحصال المعلومات المفصلة عن تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى بيبرس بطلائع التتار في مكان يقع بين "بيسان" و"نابلس" يدعي: "عين جالوت" في "الغور" غور الأردن، وشاغل التتار حتى وافاه قطز على رأس القوات الأصلية من جيشه، وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م نشبت بين الجيشين المتقابلين معركة حاسمة، وكان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت"، فانقضوا على جيش قطز تطبيقًا لحرب الصاعقة التي دأب التتار على ممارستها في حروبهم، تلك الحرب التي تعتمد سرعة الحركة بالفرسان، وكان القتال شديدًا لم يُر مثله، حتى قتل من الجانبين جماعة كثيرة.
وتغلغل التتار عميقًا، واخترقوا ميسرة قطز، فانكسرت تلك الميسرة كسرة شنيعة، ولكن قطز حمل بنفسه في طائفة من جنده، وأسرع لنجدة الميسرة، حتى استعادت مواقعها.
واستأنف قطز الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة، وكان يتقدم جنوده وهو يصيح: "واإسلاماه.. واإسلاماه.." واقتحم قطز القتال، وباشر بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم أعظم البلاء، وكانت قوات "القلب" مؤلفة من المتطوعين المجاهدين من الذين خرجوا يطلبون الشهادة، ويدافعون عن الإسلام بإيمان، فكان قطز يشجع أصحابه، ويحسّن لهم الموت، ويضرب لهم المثل بما يفعله من إقدام ويبديه من استبسال.
وكان قطز قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك في شعب التلال، لتكون كمائن، وبعد أن كر بالمجاهدين كرة بعد كرة حتى زعزع جناح التتار، برز المماليك من كمائنهم وأداموا زخم الهجوم بشدة وعنف.
وكان قطز أمام جيشه يصرخ: "واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"، وكان جيشه يتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته، فقتل فرس قطز من تحته، وكاد يعرض للقتل لولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه.
وسارع قطز إلى قيادة رجاله متغلغلاً في صفوف أعدائه، حتى ارتبكت صفوف التتار، وشاع أن قائدهم "كتبغا نوين" قد قُتل، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء.
وكان "كتبغا نوين" يضرب يمينًا وشمالاً غيرة وحمية، وكان يكر على المسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال: "لا مفر من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خير من الهرب مع الذل والهوان".
ورغم أن جنوده تركوه وهربوا فقد ظل يقاتل حتى قُتل، وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون، والرواية الأولى أصح.
وكانت هناك مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوج من التتار، فأمر قطز جنوده أن يضرموا النار في تلك المزرعة، وأحرقوا فوج التتار جميعًا.
وبدأ المسلمون فورًا بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون الذين لم يكونوا من جيش قطز، حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلها بالابتهاج.
وامتدت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة حلب، فلما شعر التتار باقتراب المسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم، فتخطفهم الناس، وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.
أسباب النصر

يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار.
إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكن الواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز، وانهزم التتار.
فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غير المجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له.
وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا.
وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة.
وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب.
والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه.
وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلاله أرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر.
وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا، مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلى بهذه الميزة.
وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلك المواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار.
وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر
وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها، بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار.
هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية:

التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة، وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعة واحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل.
ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟
أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب.
وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد.
ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكان مصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب.
ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء.
إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد.
ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحراز النصر.
إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا.
لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء.
الشــهيد

لم تمض أسابيع قلائل، حتى طُهرت بلاد الشام كلها من فلول التتار، فرتب قطز أمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر، إلى أن وصل إلى "القصير"، وبقي بينه وبين الصالحية المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلة واحدة، ورحلت قواته إلى جهة الصالحية، فانقض عليه عدد من الأمراء وقتلوه على مقربة من خيمته، ذلك يوم السبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ- أكتوبر- 1260م، ولم يمض يومان على قتله حتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر.
وقد دفن قطز في موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه، وكان قبره يُقصد دائمًا للزيارة..
وكانت سلطنة قطز سنة إلا يومًا واحدًا.
وكان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.
لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهدًا من الطراز الأول.
قُتل قاهر التتار مظلومًا، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجله التاريخ في أنصع صفحاته - رضي الله عنه وأرضاه-، وجعله قدوة صالحة لقادة العرب والمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيين القدامى للتتار بدعم الصليبيين الجدد للصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثله قائدًا يتخذ الهجوم مبدأ، ولا يكتفي بالدفاع، ويتخذ العمل منهجًا ولا يكتفي بالكلام، ويقاتل العدو الصهيوني في الأرض المحتلة، ولا ينتظر أن يقاتله في أرضه، ويطلب الموت لتوهب له الحياة


ملحوظة القائد والسلطان العظيم قطز هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه
(منقول)
__________________



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 31-05-2012, 02:12 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

بعد كل هذه التفاصيل اليكم يا اخواني ملخص عن الحملة التتريه ونهايتهم على يد القائد سيف الدين قطز بن عبدالله المعزي
الملك المظفر قطز قاهر التتار هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، تسلطن بعد أن خلع الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657 هـ- 1959م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك.وكانت مصر على إثر وفاة ملكها الصالح، ومقتل ولده الملك المعظم قد رفعت على عرشها امرأة هي: شجرة الدر -أرملة الملك الصالح-، فكانت أول ملكة، كما كانت آخر ملكة اعتلت عرش مصر الإسلامية. وأقيم للسلطنة نائب قوي، هو الأمير عز الدين أيبك -كبير المماليك البحرية-، ليعاون شجرة الدر في تدبير الأمور، وبالرغم مما أبدته شجرة الدر من حزم وبراعة في تسيير أمور الدولة، وتصفية الموقف مع الصليبيين وإجلائهم عن مصر فقد كان جلوس امرأة على عرش مصر نذيرًا بوقوع الفتن والاضطرابات، حيث أبى معظم الأمراء أن يحلفوا يمين الطاعة للملكة الجديدة، لذلك رأت شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك، فلما لم تفلح هذه الخطوة في تهدئة الأمور رأت أن تتنازل عن العرش لزوجها، فتولى الأمير عز الدين أيبك عرش مصر باسم الملك المعز، وذلك في آخر ربيع الثاني سنة 648 هـ 1250م، وحكم مصر زهاء سبع سنين.
وكانت شجرة الدر وراء زوجها تعينه في تصريف الأمور، حتى دب الخلاف بين الزوجين، لاعتزام المعز الزواج ثانية، فدبرت شجرة الدر مؤامرة لاغتياله، ونفذتها في بيتها يوم الثلاثاء 23 من ربيع الأول من سنة 655 هـ - 1257م.
وتولى الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، المُلْكَ يوم الخميس 25 من ربيع الأول من سنة 655 هـ 1257م، وكان عمره 15 سنة، فلم يكن قادرًا على تحمل أعباء الملك في ظروف حرجة للغاية؛ إذ كانت البلاد مهددة بالغزو التتري، لذلك خلعه قطز، وتولى الملك مكانه سنة 657 هـ - 1259م، وكان هدفه: حرب التتار، وإنقاذ مصر خاصة والبلاد العربية عامة من خطر غزوهم الكاسح.
الموقف العام

ولعل في عرض الموقف العام العصيب التي كانت مصر والبلاد العربية تجتازه من جراء الغزو التتري الجارف ما يبرز مبلغ التضحية التي بذلها قطز في قبوله تحمل المسؤولية حينذاك، في بلد مهدد بغزو خارجي ماحق، وارتباك داخلي فظيع، وقد كان بإمكانه أن يستمتع بالسلطة الفعلية بالرغم من بقاء الملك المنصور في الحكم دون أن يكون المسؤول الأول في مثل تلك الظروف الحرجة، ولكنه آثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، فقضى أولاً على الارتباك الداخلي، ووضع الأمور في نصابها، ثم وجه همه إلى العدو الخارجي، فاستطاع بأعجوبة خارقة حقًا إحراز النصر وإنقاذ مصر والبلاد العربية من التتار وقواتهم الضاربة.
ففي سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية 1256م، مَلَكَ التتار سائر بلاد الروم بالسيف، فلما فرغوا من ذلك، نزل هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان كالإعصار على بغداد في صفر من سنة ست وخمسين وستمائة هجرية 1285م، ودخلوها دخول الضواري المفترسة، وقتلوا مئات الآلاف من أهلها، ونهبوا خزائنها وذخائرها، وقضوا على الخلافة العباسية، وعلى معالم الحضارة الإسلامية، ثم قتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفراد أسرته وأكابر دولته..
وتقدم التتار إلى بلاد الجزيرة، واستولوا على "حران" و"الرُّها" و"ديار بكر" في سنة سبع وخمسين وستمائة هجرية 1259م، ثم جاوزا الفرات، ونزلوا على "حلب" في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية 1260م، واستولوا عليها وجرت الدماء في الأزقة أنهارًا.
ووصل التتار إلى "دمشق"، وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب، فخرج هاربًا ومعه أهل اليسار، ودخل التتار دمشق، وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وفتكوا بهم، ونهبوا وسلبوا ودمروا.
وتعدوا دمشق، فوصلوا إلى "نابلس"، ثم إلى "الكرك" وبيت المقدس، وتقدموا إلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر، واضطر هولاكو فجأة إلى مغادرة سورية، بعد أن جاءته الأخبار بوفاة أخيه الأكبر "منكوقاآن" في الصين، وبتنازع أخويه الآخرين "قوبيلاي" و"أريق بوكا" ولاية العرش.
وقد استثمر التتار حرب الصاعقة، التي تعتمد على سرعة الحركة، كما استثمروا حرب الأعصاب إلى أقصى مدى، فنشروا الذعر والخوف في كل مكان، وحيثما اتجهت قواتهم كانت تسبقهم الأقاصيص عن طغيانهم وقسوتهم ومذابحهم.
موقف أوروبا

فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاء النصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية، فضلاً عن أن القائد الذي ولي أمر سورية عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا، كل هذا جعل البابوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتال المسلمين.
والواقع أن فكرة تكوين حلف من الأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير البابوات في عصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بين التتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعا لويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقد اتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكون فيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريد جيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزل مصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد العربية.
ولم يكفّ لويس التاسع عن العمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابع عشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملها إلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكر أنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء، ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس.
ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما- في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبة: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارى النسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر "كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "دوكس خاتون" زوجة هولاكو نصرانية أيضًا.
ولقد لعب نفوذ هذه الأميرة على زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحت قوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبت الأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية.
ويصف الأسقف حملة التتار فيقول: "لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد "هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحقق له القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين.
وقد بادر "هاتون الأول" -ملك إرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور" و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساس القضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس.
ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخ التبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلى بلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام".
وأخيرًا انتهى أمل الصليبيين بدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذه الخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يسترد مكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل".
لقد كانت مهمة قطز صعبة جداً، لأنه كان عليه أن يواجه الخطر الداخلي المتمثل بالارتباك والفوضى في نظام الحكم والصراع على السلطة، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يواجه الخطر الخارجي المتمثل بالغزو التتري الداهم المتحالف مع الصليبيين في الغرب والشرق معًا.
زحف التتار

قبل مغادرة "هولاكو" سورية أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها:

"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".
وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م".
فلما سمع قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين -، كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة". لقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعة عنه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لاستيلائه على السلطة، وتواترت المعلومات الموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتار على سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب من قطز النجدة على قتال التتار.
وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري -قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص-أي:حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز".
وانفض المجلس على ذلك، ولم يتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواته العسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراء مغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماء من أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك.
لقد كان الجواب على رسالة هولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه من الجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة.

ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال.
وهذا موقف لقطز في مثل تلك الظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوس المترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطز قولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق".
الحشد
خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكر الصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.
وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال.
ونودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحث الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".
وتكلم الأمراء الذين اختارهم وحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألا يدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم.
ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟

كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219م يلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويستاقون الأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأن التتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارج حكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة، فلا عجب أن يبذل قطز كل جهده لرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرين على حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهاد بأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت على صوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدم قطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله.
كما أن قطز صمّم على لقاء التتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتى يجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريين ثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا، ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذي يؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاع خامسًا وأخيرًا.
إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا.
المعركة

وخرج قطز من مصر في الجحافل الشامية والمصرية، في شهر رمضان من سنة 658 هـ- 1260م وغادر معسكر الصالحية بجيشه، ووصل مدينه "غزة" والقلوب وجلة، وكان في "غزة" جمع التتار بقيادة "بيدر"، وكان بيدر هذا قد أخبر قائده "كتبغا نوين" الذي كان في سهل "البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك" بزحف جيش قطز، فرد عليه: "قف مكانك وانتظر". ولكن قطز داهم "بيدر" قبل وصول "كتبغا نوين" فاستعاد غزة من التتار، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً باتجاه التتار.
وكان "كتبغا" مقدم التتار على جيش "هولاكو" لما بلغه خروج قطز، وكان في سهل البقاع قد عقد مجلسًا استشاريًا، واستشار ذوي الرأي في ذلك، فمنهم من أشار بعدم لقاء جيش قطز في معركة، والانتظار حتى يجيئه مدد من "هولاكو" ليقوى على مصاولة جيش المسلمين، ومعنى هذا مشاغلة جيش قطز بالقوات المتيسرة لديه ريثما ترده النجدات التي تضمن له النصر، ومنهم من أشار بغير ذلك -قبل المعركة- اعتمادًا على قوات التتار التي لا تقهر، وهكذا تفرقت الآراء، وكان رأي "كتبغا نوين" قبول المعركة ومواجهة جيش قطز، فتوجه من فوره جنوبًا باتجاه القوات المصرية.
وكان أول الوهن اختلاف الآراء وظهور رأي يحبذ الانسحاب، ورأي يحبذ عدم الانسحاب وقتال قطز.
وبعث قطز طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري لمناوشة التتار واختبار قواتهم، واستحصال المعلومات المفصلة عن تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى بيبرس بطلائع التتار في مكان يقع بين "بيسان" و"نابلس" يدعي: "عين جالوت" في "الغور" غور الأردن، وشاغل التتار حتى وافاه قطز على رأس القوات الأصلية من جيشه، وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م نشبت بين الجيشين المتقابلين معركة حاسمة، وكان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت"، فانقضوا على جيش قطز تطبيقًا لحرب الصاعقة التي دأب التتار على ممارستها في حروبهم، تلك الحرب التي تعتمد سرعة الحركة بالفرسان، وكان القتال شديدًا لم يُر مثله، حتى قتل من الجانبين جماعة كثيرة.
وتغلغل التتار عميقًا، واخترقوا ميسرة قطز، فانكسرت تلك الميسرة كسرة شنيعة، ولكن قطز حمل بنفسه في طائفة من جنده، وأسرع لنجدة الميسرة، حتى استعادت مواقعها.
واستأنف قطز الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة، وكان يتقدم جنوده وهو يصيح: "واإسلاماه.. واإسلاماه.." واقتحم قطز القتال، وباشر بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم أعظم البلاء، وكانت قوات "القلب" مؤلفة من المتطوعين المجاهدين من الذين خرجوا يطلبون الشهادة، ويدافعون عن الإسلام بإيمان، فكان قطز يشجع أصحابه، ويحسّن لهم الموت، ويضرب لهم المثل بما يفعله من إقدام ويبديه من استبسال.
وكان قطز قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك في شعب التلال، لتكون كمائن، وبعد أن كر بالمجاهدين كرة بعد كرة حتى زعزع جناح التتار، برز المماليك من كمائنهم وأداموا زخم الهجوم بشدة وعنف.
وكان قطز أمام جيشه يصرخ: "واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"، وكان جيشه يتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته، فقتل فرس قطز من تحته، وكاد يعرض للقتل لولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه.
وسارع قطز إلى قيادة رجاله متغلغلاً في صفوف أعدائه، حتى ارتبكت صفوف التتار، وشاع أن قائدهم "كتبغا نوين" قد قُتل، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء.
وكان "كتبغا نوين" يضرب يمينًا وشمالاً غيرة وحمية، وكان يكر على المسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال: "لا مفر من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خير من الهرب مع الذل والهوان".
ورغم أن جنوده تركوه وهربوا فقد ظل يقاتل حتى قُتل، وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون، والرواية الأولى أصح.
وكانت هناك مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوج من التتار، فأمر قطز جنوده أن يضرموا النار في تلك المزرعة، وأحرقوا فوج التتار جميعًا.
وبدأ المسلمون فورًا بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون الذين لم يكونوا من جيش قطز، حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلها بالابتهاج.
وامتدت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة حلب، فلما شعر التتار باقتراب المسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم، فتخطفهم الناس، وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.
أسباب النصر

يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار.
إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكن الواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز، وانهزم التتار.
فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غير المجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له.
وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا.
وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة.
وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب.
والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه.
وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلاله أرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر.
وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا، مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلى بهذه الميزة.
وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلك المواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار.
وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر
وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها، بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار.
هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية:

التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة، وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعة واحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل.
ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟
أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب.
وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد.
ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكان مصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب.
ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء.
إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد.
ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحراز النصر.
إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا.
لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء.
الشــهيد

لم تمض أسابيع قلائل، حتى طُهرت بلاد الشام كلها من فلول التتار، فرتب قطز أمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر، إلى أن وصل إلى "القصير"، وبقي بينه وبين الصالحية المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلة واحدة، ورحلت قواته إلى جهة الصالحية، فانقض عليه عدد من الأمراء وقتلوه على مقربة من خيمته، ذلك يوم السبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ- أكتوبر- 1260م، ولم يمض يومان على قتله حتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر.
وقد دفن قطز في موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه، وكان قبره يُقصد دائمًا للزيارة..
وكانت سلطنة قطز سنة إلا يومًا واحدًا.
وكان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.
لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهدًا من الطراز الأول.
قُتل قاهر التتار مظلومًا، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجله التاريخ في أنصع صفحاته - رضي الله عنه وأرضاه-، وجعله قدوة صالحة لقادة العرب والمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيين القدامى للتتار بدعم الصليبيين الجدد للصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثله قائدًا يتخذ الهجوم مبدأ، ولا يكتفي بالدفاع، ويتخذ العمل منهجًا ولا يكتفي بالكلام، ويقاتل العدو الصهيوني في الأرض المحتلة، ولا ينتظر أن يقاتله في أرضه، ويطلب الموت لتوهب له الحياة


ملحوظة القائد والسلطان العظيم قطز هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه
(منقول)
__________________




رد مع اقتباس
قديم 31-05-2012, 03:51 PM   المشاركة رقم: 16
الكاتب
mahmoud0711
نجم أف أكس أرابيا
الصورة الرمزية mahmoud0711

البيانات
تاريخ التسجيل: Mar 2012
رقم العضوية: 8602
الدولة: cairo
المشاركات: 10,750
بمعدل : 2.32 يوميا

الإتصالات
الحالة:
mahmoud0711 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

ليتنا ان نتعلم من التاريخ وما اشبة الليلة بالبارحة فالتتار في كل اتجاة بل منهم من يعيش حولنا و يشرب و ياكل من ارزاقنا ومصر بلا قائد و شجرة الدر الجديدة دمرت كل شئ
وها نحن في انتظار بطل جديد وقد يطول الأنتظار فالساحة خالية من الرجال بل من انصاف الرجال



التوقيع

سبحان الله وبحمدة عدد ماكان و عدد ماسيكون و عدد الحركات والسكون


الصالون الأقتصادي للأصدقاء

عرض البوم صور mahmoud0711  
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 31-05-2012, 03:51 PM
mahmoud0711 mahmoud0711 غير متواجد حالياً
نجم أف أكس أرابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

ليتنا ان نتعلم من التاريخ وما اشبة الليلة بالبارحة فالتتار في كل اتجاة بل منهم من يعيش حولنا و يشرب و ياكل من ارزاقنا ومصر بلا قائد و شجرة الدر الجديدة دمرت كل شئ
وها نحن في انتظار بطل جديد وقد يطول الأنتظار فالساحة خالية من الرجال بل من انصاف الرجال




رد مع اقتباس
قديم 01-06-2012, 02:36 PM   المشاركة رقم: 17
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahmoud0711 نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ما اشبة الليلة بالبارحة
صدقت
وشكرا للمرور والمشاركه



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 01-06-2012, 02:36 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mahmoud0711 نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ما اشبة الليلة بالبارحة
صدقت
وشكرا للمرور والمشاركه




رد مع اقتباس
قديم 02-06-2012, 05:17 AM   المشاركة رقم: 18
الكاتب
Benisafcom
عضو ذهبى
الصورة الرمزية Benisafcom

البيانات
تاريخ التسجيل: Jun 2011
رقم العضوية: 4392
الدولة: algeria benisaf
العمر: 34
المشاركات: 11,536
بمعدل : 2.36 يوميا

الإتصالات
الحالة:
Benisafcom غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

اهلا
اولا لك مني احلى لايكات يا غالي على الموضوع التاريخ الرايع
القصة التي دكرت تبقى راسخة في التاريخ
متابعين معك ولا تحرمنا من جديدك



التوقيع

سبحان الله و الحمد لله ولا حول و لا قوة الا بالله و الله اكبر
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور Benisafcom  
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 02-06-2012, 05:17 AM
Benisafcom Benisafcom غير متواجد حالياً
عضو ذهبى
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

اهلا
اولا لك مني احلى لايكات يا غالي على الموضوع التاريخ الرايع
القصة التي دكرت تبقى راسخة في التاريخ
متابعين معك ولا تحرمنا من جديدك




رد مع اقتباس
قديم 02-06-2012, 02:41 PM   المشاركة رقم: 19
الكاتب
Ahmed Aabed
عضو جديد

البيانات
تاريخ التسجيل: Apr 2012
رقم العضوية: 9371
المشاركات: 20
بمعدل : 0.00 يوميا

الإتصالات
الحالة:
Ahmed Aabed غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

موضوع قيم يا اخي واحلي لايكات ..و ولكن يا اخي بالراحه علينا ما كل هذه المعلومات ....... واحده واحده حتي نستطيع ان نجاريك ...وشكر



عرض البوم صور Ahmed Aabed  
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 02-06-2012, 02:41 PM
Ahmed Aabed Ahmed Aabed غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

موضوع قيم يا اخي واحلي لايكات ..و ولكن يا اخي بالراحه علينا ما كل هذه المعلومات ....... واحده واحده حتي نستطيع ان نجاريك ...وشكر




رد مع اقتباس
قديم 02-06-2012, 03:48 PM   المشاركة رقم: 20
الكاتب
الشيخ غريب
عضو جديد
الصورة الرمزية الشيخ غريب

البيانات
تاريخ التسجيل: May 2012
رقم العضوية: 9763
العمر: 65
المشاركات: 135
بمعدل : 0.03 يوميا

الإتصالات
الحالة:
الشيخ غريب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشيخ غريب المنتدى : استراحة اف اكس ارابيا
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Benisafcom نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
اهلا
اولا لك مني احلى لايكات يا غالي على الموضوع التاريخ الرايع
القصة التي دكرت تبقى راسخة في التاريخ
متابعين معك ولا تحرمنا من جديدك
اخى الكريم مرور رائع وسانتظرك دائما .............كن متواجد ولا تغادر



التوقيع

  1. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ( الرعد -17)
  2. ولست بعلام لغيوب وإنما أرى بلحاظ الأمر ما هو واقع

عرض البوم صور الشيخ غريب  
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 02-06-2012, 03:48 PM
الشيخ غريب الشيخ غريب غير متواجد حالياً
عضو جديد
افتراضي رد: التتار وحلم غزو العالم

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Benisafcom نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
اهلا
اولا لك مني احلى لايكات يا غالي على الموضوع التاريخ الرايع
القصة التي دكرت تبقى راسخة في التاريخ
متابعين معك ولا تحرمنا من جديدك
اخى الكريم مرور رائع وسانتظرك دائما .............كن متواجد ولا تغادر




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وحمل, البتار, العالم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 07:13 PM



جميع الحقوق محفوظة الى اف اكس ارابيا www.fx-arabia.com

تحذير المخاطرة

التجارة بالعملات الأجنبية تتضمن علي قدر كبير من المخاطر ومن الممكن ألا تكون مناسبة لجميع المضاربين, إستعمال الرافعة المالية في التجاره يزيد من إحتمالات الخطورة و التعرض للخساره, عليك التأكد من قدرتك العلمية و الشخصية على التداول.

تنبيه هام

موقع اف اكس ارابيا هو موقع تعليمي خالص يهدف الي توعية المستثمر العربي مبادئ الاستثمار و التداول الناجح ولا يتحصل علي اي اموال مقابل ذلك ولا يقوم بادارة محافظ مالية وان ادارة الموقع غير مسؤولة عن اي استغلال من قبل اي شخص لاسمها وتحذر من ذلك.

اتصل بنا

البريد الإلكتروني للدعم الفنى : support@fx-arabia.com
جميع الحقوق محفوظة اف اكس ارابيا – احدى مواقع Inwestopedia Sp. Z O.O. للاستشارات و التدريب – جمهورية بولندا الإتحادية.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024 , Designed by Fx-Arabia Team