ينبغي الحذر من وهم الأداء التاريخي للأسهم
يضع المستثمرون ثقة أكثر من اللازم في الأرقام في الوقت الذي يخططون فيه لمراكمة الثروة، ويبدو أنهم يعتبرون الأرقام المتماسكة معادلا للواقع.
غير أن الأرقام تعد انعكاسا باهتا للواقع، كونها تأخذ الشكل الذي هي عليه لإثبات صحة وآراء أولئك الذين ينتجونها، وهي غالباً ما تستند إلى أسس غير صالحة ومن السهل التلاعب فيها.
وهذا الاعتماد على الأرقام يؤكد واحدة من المشاكل الرئيسية للأسواق المالية في الوقت الراهن: فكرة أن قيمة حامل الأسهم ممثلة في سعر السهم. لكن الأمر ليس كذلك لأن قيمة السهم تتمثل في القيمة المخفضة لما يحققه من تدفق نقدي مستقبلي. ومع ذلك أصبح المشاركون في الأسواق يعتقدون أن الدقة اللحظية التي يعكسها سعر السهم أكثر أهمية من عدم الدقة الأبدية لقياس القيمة الجوهرية للشركة. ومن الممكن أن ترتفع الأسعار إلى ما يتجاوز قيمتها الجوهرية – أو دون ذلك بكثير – لكن البندول يتوقف في النهاية عند قيمة عادلة.
هذا التركيز على سعر السهم أدى بنا إلى مسار سهل تسبب في جعلنا نقبل بالوهم كواقع. وحتى إذا قبلنا بالاعتقاد القائل إن عوائد السوق الماضية تعتبر تمثيلاً دقيقاً للواقع، فإن فكرة أن تتركز العوائد المستقبلية حول الماضي ضرب من الوهم.
فخلال القرن الماضي، مثلا، قدمت أسواق الأسهم الأمريكية عوائد سنوية معدلها نحو 9 في المائة – 4.5 في المائة من عوائد الأرباح الموزعة، و4.5 في المائة من نمو العوائد. غير أن معدل الأرباح الموزعة في أيامنا هذه يبلغ 2 في المائة فقط، الأمر الذي يعني أن مكوناً حيوياً من عوائد سوق الأسهم قد تم سحقه بأكثر من النصف.
دعونا الآن نمزج ذلك العائد الذي تبلغ قيمته 2 في المائة مع معدل نمو مستقبلي مقدر للعائد يبلغ 5 في المائة. لماذا 5 في المائة؟ ببساطة لأن نمو عوائد الشركات الأمريكية سار على نحو متسق مع النمو التاريخي للاقتصاد (مقاساً بالناتج المحلي الإجمالي). ويخبرنا مزج الاثنين أن التوقعات المعقولة للعوائد الاسمية على الأسهم خلال العقد المقبل يحتمل أن تكون نحو 7 في المائة، أي أقل عدة نقاط مئوية مما هو متعارف على المدى الطويل. وكما حذر الكاتب والشاعر صامويل تايلور كولرج ''التاريخ منارة على مؤخرة السفينة، لا يلمع إلا على الأمواج خلفنا''.
يتم قياس هذه العوائد تقليدياً بالقيمة الاسمية. ويكاد يكون من المؤكد أنها تبالغ في وصف الواقع المؤلم للمستثمرين الذين يراكمون ثروة في الأجل الطويل. وانظر في نتائج ذلك العائد الاسمي التاريخي البالغ 9 في المائة على نحو مركب لمدة 50 عاماً. وستجد أن استثماراً بادئاً بقيمة عشرة آلاف دولار سيصبح 743 ألف دولار (بما في ذلك الأرباح المعاد استثمارها). لكن بعد تعديل الأرقام وفقاً لنسبة من التضخم تبلغ 4 في المائة خلال تلك الفترة، فإن 5 في المائة فقط تتبقى كعوائد فعلية. وبحسب الدولارات القابلة للإنفاق، فإن الثروة المتجمعة ستتراجع إلى 115 ألف دولار. أمر مدهش!
لكن مهما كانت العوائد المستقبلية للسهم، على المستثمرين ألا يتوقعوا استلامها. وبالطبع ينبغي للمستثمرين كمجموعة الحصول على أي عوائد تقدمها السوق، لكن قبل اقتطاع التكاليف التي يتحملونها. وعليك أن تتذكر: العائد الإجمالي مطروح منه تكاليف الاستثمار يساوي العائد الصافي الذي يتقاسمه المشاركون في السوق. وهذا الفرق كبير على مدى حياة المستثمر.
في الصناديق المشتركة الأمريكية، مثلا، يؤدي استخدام نسبة تكاليف شاملة تبلغ 2 في المائة سنوياً (بما في ذلك نسب الإنفاق، وتكاليف مبيعات المحفظة المقدرة، وحمولات المبيعات) إلى تقليص نسبة الـ 5 في المائة من العائد الفعلي إلى 3 في المائة، الأمر الذي يجعل المبلغ المتراكم النهائي 44 ألف دولار، أي أقل بواقع 700 ألف دولار من رقمنا الأول (على افتراض أن الاستثمار جزء من خطة تقاعد مؤجلة، استثنيت الضرائب، التي لو حسبت لكانت اقتطعت نقطة أو نقطتان مئويتان من العائد). هذه الأرقام الواقعية تنسف الوهم الذي أوجده تمثيل وول ستريت المخادع لعوائد الأسهم التاريخية.
إذا مزجنا هذه الأخطاء الثلاثة معاً، فإن تأثيرها لا يكون تافهاً. إن التعويل على أن العوائد التاريخية لأسواق الأسهم ستعيد نفسها يعد أمرا خاطئا. والخطأ الثاني هو التعويل على الدولارات الاسمية، بدلاً من الدولارات الفعلية. أما الخطأ الثالث فهو التعويل على الحصول على العوائد الإجمالية لأسواق الأسهم، بدلاً من العوائد الصافية (بعد التكاليف).
هذه ليست مجرد أخطاء حسابات رياضية، بل لديها آثار قوية في العالم الفعلي. وسيصاب المستثمرون الأفراد الذين يعتمدون على العوائد التاريخية لأسواق الأسهم، التي يقدمها إليهم مسوقو الصناديق المشتركة، بالصدمة من تفاهة الأموال التي جمعوها في حسابات تقاعدهم. وستواجه الشركات الصدمة ذاتها، لأن النقص المتراكم في خطة التقاعد ستكون له آثار عميقة على بياناتها المالية.
إن رسالتي هي أن علينا معاملة الأرقام بحذر شديد. علينا أن نتذكر أن أولئك الذين يقدمون الأرقام نادراً ما يكونون بعيدين عن التحيز، وأن الماضي نادرا ما يكون دليلاً. والأمر لا يتعلق بأن علينا ألا نحسب، وإنما علينا أن نحسب بتشكك وبكل المفاهيم والحكمة التي بإمكاننا أن نحشدها.
الكاتب مؤسس Vanguard. وأحدث كتاب له بعنوان: ''لا تركن إليه! تأملات في أوهام الاستثمار، والرأسمالية، والصناديق المشتركة، والفهرسة، وتأسيس المشاريع، والمثالية، والأبطال''.