دبي تتلقى جرعة منشطة قصيرة الأجل
بوصفها موقعا ليبراليا في منطقة صعبة، ازدهرت دبي على مر التاريخ من مصائب جيرانها.
في مطلع القرن العشرين، اجتذبت الإمارة التجار الفارسيين الذين كانوا يخضعون لضرائب عالية، وفي الثمانينيات حولت الحرب العراقية الإيرانية المدينة الساحلية إلى ملاذ لإصلاح ناقلات النفط والسفن، وفي أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وجدت الأموال المتدفقة إلى الخليج مستقرا مرحبا به في قطاع العقارات المزدهر.
والآن، مع تحدي حركات المعارضة للحكام الدكتاتوريين في العالم العربي، توفر موجة أخرى من عدم الاستقرار كثيرا من الفرص لدبي.
فالإمارة التي لا يزال عليها سداد، أو إعادة جدولة قروض مرتبطة بالحكومة حجمها 12 مليار دولار هذا العام، تتلقى دَفعة هي بأشد الحاجة إليها، مع بدئها العودة إلى النمو عقب ركود في 2009 وانتعاش ضعيف في العام الماضي.
ويقول ناصر السعيدي، كبير الاقتصاديين في مركز دبي المالي الدولي: ''شمالي إفريقيا في حالة اضطراب، في حين تتغير معظم أنحاء المنطقة، لذا النقطة الرئيسية هي أن دبي ستكون ملاذا آمنا للمنطقة بأسرها. وستدرس الشركات التي تخدم المنطقة الدور الحيوي للاقتصاد المفتوح والاستقرار السياسي وثقافة الانفتاح''.
وتقول دائرة التنمية الاقتصادية إنها تستقطب اهتماما متزايداً من الشركات، بعد تسجيلها زيادة بنسبة 17 في المائة في التراخيص الممنوحة العام الماضي، عقب إجراء تخفيضات في الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال والرسوم.
وتشاركها مجموعة سيتي جروب في هذه النظرة المتفائلة، بتوقعها نمواً يصل إلى 4 في المائة في دبي هذا العام و6 في المائة عام 2012.
ويبدو انتعاش الإمارة أكثر وضوحا في الحركة النشطة القوية في المطارات وفنادق وسط المدينة. وتقول ''مطارات دبي'' إن أعداد الركاب الذين مروا عبر مطار دبي الدولي في كانون الثاني (يناير) ارتفعت 10 في المائة على أساس سنوي، وإن حجم الشحن الدولي ارتفع بنسبة 3.9 في المائة.
وفيما يتعلق بالضيافة والسياحة، أفادت بيروت والقاهرة في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) أن مستويات إشغال الغرف في الفنادق انخفضت بنسبة تقارب 40 في المائة.
وفي الخليج انخفضت معدلات إشغال الفنادق في البحرين بنسبة 20 في المائة في شباط (فبراير) مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، ويتوقع محللون انخفاضات أخرى في آذار (مارس)، مع تحاشي السياح السعوديين ورجال الأعمال الغربيين الاضطرابات السياسية هناك.
في المقابل، ارتفعت معدلات إشغال الفنادق في دبي 3.1 نقطة مئوية، لتصل إلى 81 في المائة منذ بداية العام حتى الآن، على الرغم من افتتاح فنادق جديدة.
وبحسب أليكس كيرياكيديس، المدير الإداري العالمي للسياحة في شركة ديلويت: ''قطاع الضيافة في دبي متنوع ونحو 40 في المائة تقريبا من الغرف في نطاق الشريحتين المتوسطة والاقتصادية، ما يجعل دبي مؤهلة للاستفادة سياحيا من تداعيات ما حدث في مصر وتونس''.
كذلك تشهد بعض أجزاء سوق العقارات اهتماما متزايدا، بعد أن انخفضت بنسبة كبيرة لمدة عامين. ففي حين أن مخزون المساحات السكنية والتجارية الفارغة التي لم يتم استكمال بنائها يشكل مشكلة بالنسبة للمستثمرين والبنوك، إلا أنه يوفر متنفسا للمستأجرين ويجعل قيمة الإيجارات أكثر جاذبية للقادمين الجدد.
وفي محاولتها مطابقة العرض مع الطلب، تنظر هيئة تنظيم العقارات في نحو 90 ألف وحدة من المقرر استكمالها بحلول عام 2016. ويقول وكلاء العقارات إن الصفقات في تزايد وإن الاهتمام يتزايد من شمالي إفريقيا ودول أخرى في المنطقة.
وتتحدث البنوك الغربية في الإمارة عن زيادة في الودائع مع نقل المستثمرين لأموالهم إلى أماكن أكثر أمنا. إلا أن البنوك السويسرية تلقت أوامر بالابتعاد عن الأشخاص المشبوهين، وذلك انسجاما مع قوانين مكافحة غسل الأموال.
وقال مصرفي يعمل في مؤسسة سويسرية: ''طُلب منا إبقاء الحسابات الجديدة عند أدنى حد ممكن''.
لكن إذا كانت دبي ستحصل على مكاسب قصيرة الأجل، فإن الصورة على المدى الطويل أقل وضوحا. فالعلاقات بين مجلس التعاون الخليجي وإيران مضطربة، في أفضل الأحوال، بعد التوترات الأخيرة في البحرين.
وفي حين أن الإمارات هي إحدى الدول الأقل تضررا من الاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة، إلا أن بنك HSBC يقول إنه حتى الدول الأكثر استقرارا من الناحية السياسية ''تتوقع أداء أبطأ في نمو القطاع الخاص''.
لكن بحسب ديفيد ستيفنز، وهو شريك في دبي في برايس ووترهاوس كوبرز، طموحات دبي يمكن أن تحبط على يد مراكز أخرى، من أبو ظبي إلى بومباي.
والأهم من هذا أن الإمارة بحاجة إلى اقتصادات قوية في جميع أنحاء العالم يمكنها التجارة معها وتوفير الخدمات لها.
ويقول مارك بير، رئيس مجلس إدارة مجموعة الأعمال البريطانية في دبي: ''في حين يمكن أن تكون هناك مكاسب قصيرة الأجل في بعض القطاعات، إلا أن التنمية الاقتصادية المُستدامة طويلة الأجل في دبي تتطلب استقرارا سياسيا وثقة المستثمرين في المنطقة''.
ويضيف: ''بقية العالم ينظر إلى هذه المنطقة باعتبارها لم تتبلور بعد. وعدم اليقين في أي مكان يقلل الثقة، وهذا أمر سيئ للأعمال''.