2016-05-12
تشهد منطقة اليورو أزمة حالية تتمثل في طريقة التفكير الألماني "الغريبة" بشأن الاقتصاد الكلي، وأثرها على اقتصادات المنطقة، مع ظهور خلافات بين مصالح الاقتصاد الأكبر في المنطقة وباقي الأعضاء.
وأشار تقرير نشرته "فاينانشال تايمز" إلى أن جزءًا من السبب وراء الاتجاه الألماني الحالي يتمثل في أن برلين تعتبر دولة دائنة، مع حصولها على صوت مهم في شئون منطقة اليورو بفعل الأزمة المالية، ما يجعل الأمر يتعلق بالقوة وليس بالحق.
انتقادات وتعارض
- تركزت الشكاوى الألمانية مؤخرا على السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي، خاصة الفائدة السالبة، وبرنامج التيسير الكمي، مع هجوم متواصل من قبل وزير المالية الألماني على المركزي الأوروبي.
- تتمثل الانتقادات الألمانية للمركزي الأوروبي في الفشل في الحد من مديونية الدول الأعضاء، وتقويض الملاءة المالية لشركات التأمين، وصناديق التقاعد، وبنوك الادخار، مع عدم القدرة على رفع التضخم للمستهدف، ونشر الغضب بشأن المشروع الأوروبي، ما يمثل تهديدا كبيرا للاستقرار في المنطقة.
- يتمثل النهج الألماني بشأن الاقتصاد الكلي في 3 عناصر رئيسية وهي، موازنة حكومية متوازنة تقريبا في كل الأوقات، واستقرار الأسعار، ومرونة سعرية.
- يعتبر هذا النهج ممكنا بالنسبة لاقتصاد صغير ومفتوح مع العالم الخارجي، كما أنه قابل للتطبيق بالنسبة لدولة أكبر مثل ألمانيا، التي تتمتع بصناعات عالية التنافسية، إلا أنه لا يمكن تعميمه بشكل قاري، مع حقيقة أن ما يصلح لألمانيا لن ينجح بالنسبة لدول أخرى مغلقة أمام التجارة الخارجية.
أزمة الطلب
- أظهرت بيانات رسمية أن الطلب الحقيقي في منطقة اليورو قد تراجع بنسبة 2% خلال الربع الأخير من عام 2015 مقارنة بالربع الأول من 2008، في حين أن الطلب الأمريكي ارتفع بنحو 10% خلال نفس الفترة.
- يسعى البنك المركزي الأوروبي لمنع الدخول في مرحلة انكماش مع حقيقة المعاناة من ضعف الطلب، بينما يشير "ماريو دراجي" رئيس البنك إلى أن انخفاض معدلات الفائدة لا يمثل المشكلة، وإنما هي "أعراض" لعدم كفاية الطلب على الاستثمار.
- يوضح تاريخ الاقتصاد الألماني منذ إصلاحات سوق العمل في بداية الألفية الثالثة أن الإصلاح الهيكلي من غير المرجح أن يحل هذه المشكلة، مع حقيقة أن اقتصاد ألمانيا غير قادر على استيعاب ثلثي المدخرات المحلية في داخل الدولة، رغم معدلات الفائدة المنخفضة للغاية.
- في عام 2000، وقبل الإصلاحات التي خفضت من تكاليف العمالة ودخل العمال في ألمانيا كانت الشركات تستثمر بوتيرة أكبر من أرباحها المعاد تدويرها، إلا أن العكس هو الصحيح في الوقت الحالي.
ضعف ألماني وتعافٍ أوروبي
- تساءل التقرير عن أسباب قدرة الدول الأخرى على الاستفادة من الادخار بطريقة تفوق ما تتمكن ألمانيا من تحقيقه، بالإضافة إلى أسباب فشل الإصلاحات الهيكلية في توليد زيادة في الاستثمار في برلين، وصعوبة تراجع المديونية مع حقيقة هبوط الطلب والنمو في منطقة اليورو بشكل عام.
- من المتوقع أن يتحول ميزان الحساب الجاري في منطقة اليورو نحو الفائض بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين عامي 2008 إلى 2016، مع توقعات بتسجيل كل دولة عضو في المنطقة توازنا أو فائضا في الحساب الجاري.
- يسيطر الحذر على باقي دول العالم أيضا، مع اعتماد البنك المركزي الأوروبي على معدلات الفائدة السالبة الحقيقية بسبب ضعف المدخرات الإضافية في الوقت الحالي، بالإضافة إلى الاستفادة من درس ارتفاع معدلات الفائدة في عام 2011.
- يرى التقرير أن عملية التيسير الكمي الذي قامت به أوروبا منذ عام 2012 بدأت في إتيان ثمارها، مع ارتفاع الطلب الحقيقي بنسبة 4% منذ الربع الأول من عام 2013، واستقرار التضخم الأساسي الذي وصل إلى 1%، ما لا يمكن اعتباره فشلا بل نجاح.
صراع المصالح
- قد تواجه منطقة اليورو فشلا ذريعا في حال تفضيل مصالح الدول الدائنة وحدها، حيث تبرز ضرورة التوازن في تقدير مصالح جميع الأعضاء.
- يعتبر اهتمام البنك المركزي الأوروبي بتجنب انكماش الأسعار جزءًا مهمًا من أهدافه، مع ما قد يتسبب فيه من رفع المديونية الحقيقية، وتقليص من المرونة في الأجور الحقيقية، كما أنه قد يؤثر على فعالية السياسة النقدية، مع صعوبة توليد معدلات فائدة سالبة حقيقية عند الحاجة لذلك.
- يُنظر إلى النقص الهائل في الطلب نسبة إلى العرض الكلي في ألمانيا كمشكلة كبرى، إلا أن الجهود الخاصة بعلاج الخلل المفرط في الاتحاد الأوروبي تظل أكثر أهمية من الفائض غير المستغل في ألمانيا.
- مع حقيقة أهمية الأفكار والمصالح الألمانية لمنطقة اليورو، إلا أنها لا يجب أن تحدد كل شيء في المنطقة، مع إمكانية اتجاه برلين للخروج من المنطقة في حال الاعتقاد بأن التوجهات الحالية تضعف شرعية المشروع الأوروبي بشكل عام.