السلفيون فى البرلمان
Sun, 04/01/2012 - 08:00
إحدى مشكلات مجلس الشعب الحالى فى مصر أن أعضاءه يمثلون الشارع ولا يمثلون الحكومة أو الحزب الحاكم. وهذا هو السبب فى امتلاء جدول أعماله بمشكلات الناس صغيرها وكبيرها، الأمر الذى يكاد يخل بترتيب الأولويات، حتى وجدنا أن مشكلة توافر السولار أو أنابيب البوتاجاز فرضت نفسها على المناقشة فى المجلس، متقدمة على قضية الانفلات الأمنى أو الأزمة الاقتصادية فإذا كان أعضاء المجلس يتنافسون فى استدعاء ما كان محبوسا من مشاعر أو ما كان مسكوتا عنه من ملفات ومشكلات، فلنا أن نتصور موقف السلفيين الذين عانوا طويلا من التعتيم والحصار وربما الازدراء، ثم وجدوا أنفسهم فجأة تحت قبة البرلمان وفى بؤرة الضوء. الأمر الذى أتاح لهم أن يرفعوا أصواتهم عالية ليقولوا فى العلن وعلى الفضائيات. ما حبسوه طويلا ودرجوا على الهمس به فى بعض الزوايا والسراديب التى كمنوا فيها خشية البطش والملاحقة.
والحق اننى ما أردت أن أعلق على ازدحام جدول أعمال المجلس بمختلف الهموم والشجون، وان كنت أعتبر مسألة ترتيب الأولويات قضية محورية بالنسبة للجميع يتعين الالتفات إليها، ولكنى بالإشارة إلى تلك الخلفية أردت أن انبه إلى الأجواء السائدة داخل البرلمان تمهيدا لوقفة ابتغيتها مع أداء السلفيين تحت القبة. وإذا كنت قد تحدثت قبلا عن صاحبنا الذى رفع أذان الصلاة أثناء انعقاد المجلس، واعتبرت مسلكه من قبيل الطفولة السياسية، فإن دعوة نظير له إلى وقف بث القنوات الإباحية شجعنى على العودة إلى المناقشة من خلال وقفة أخرى. ذلك أن تلك الدعوة تعد مؤشرا يوحى باقتراب السلفيين من ملف الآداب العامة ومظاهر الالتزام الدينى، الذى يعد أحد العناوين الأساسية فى استراتيجية الفكر السلفى.
ولا أجد مفرا فى الحظة الراهنة من تكرار القول بأن السلفيين ليسوا شيئا واحدا، ولكنهم مذاهب ومدارك شتى. مع ذلك أزعم بأن الاهتمام بالعقائد أولا ثم بالمظاهر والسلوك ثانيا يمثل قاسما مشتركا بين أغلب مدارسهم. بالتالى فقد أعذر من شغل نفسه بالحرب على القنوات الإباحية واتفهم خلفيته الثقافية، إلا أن إثارة الموضوع فى مجلس الشعب تدعو إلى تسجيل الملاحظات التالية:
● إن ما قد يقبل فى مخاطبة الاتباع والمريدين فى صحن المسجد أو الزاوية لا يقبل تحت قبة البرلمان الذى يمثل الأمة بأسرها. على الأقل من حيث إن طموح الأولين يختلف بالكلية عن تطلعات وتوقعات الأخيرين. وبقليل من النظر يدرك الإنسان الفرق بين أولويات هؤلاء وهؤلاء.
● حتى إذا أيدنا النائب المحترم فى مطلبه، واعتبرنا منع القنوات الإباحية مطلبا جماهيريا وواجب الوقت، فإن الإقدام على هذه الخطوة فى زماننا بات مستحيلا من الناحية العملية، لأن الوصول إليها رغم المنع بات فى مقدور كل أحد. وإذا ما حقق النائب مراده وصدر قرار المنع فسوف يجد صاحبنا أن بث تلك القنوات متاحا على هاتفه المحمول. وإذاكان هناك اتفاق على تعريف القنوات الإباحية، فغاية ما يطلب من الدولة ألا تبث تلك المواد أو تمول إنتاجها. وهو الحاصل الآن.
● إننا نتمنى على السلفيين وعلى عموم الإسلاميين الممثلين فى البرلمان أن يظل سعيهم إلى الإضافة والبناء مقدما على حرصهم على الخصم أو الهدم. وليتذكروا جميعا أن النصوص القرآنية قدمت الأمر بالمعروف على النهى عن المنكر.
● إن النبى عليه الصلاة والسلام طوال عشر سنوات تقريبا لم ينشغل بهدم الأصنام فى الكعبة، رغم أنها تعد التحدى الأكبر لرسالة التوحيد. وشغل طوال تلك الفترة بالتبليغ والتبشير بالدعوة، أعنى بتأسيس البديل الأفضل.
● إننى أتمنى على عقلاء السلفيين أن يوجهوا بعضا من اهتمامهم نحو احتياجات الجماهير التى انتخبتهم وأولويات الوطن الذى ينتمون إليه، وان يفصلوا بين ما يخص جماعتهم وبين ما يصبو إليه المجتمع المحيط بهم. وليتهم يلتزمون بأولويات الجماهير والوطن وان يقدموها على مشروع الجماعة وأفكارها.
● عليهم أن يدركوا أيضا أن هناك من يتربص بهم ويتصيد لهم، تشهد بذلك الضجة المبالغ فيها التى أحدثتها الحماقات التى أقدم عليها بعض عناصرهم، بدءا من رفع الأذان أثناء الجلسة ومرورا بفرقعة أنف البلكيمى وانتهاء بفتاوى بعض شيوخهم التى صدمت الرأى العام، وهو ما أضرَّ بهم وخوف الناس منهم وسحب الكثير حتى رصيدهم. ولأن المتصيدين لن يغيروا من موقفهم، فلا أقل من يكف السلفيون عن تزويدهم بما يشجعهم على الاستمرار فى تبنى ذلك الموقف.
بالمناسبة، ما مصير هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى أعلنت عن نفسها فجأة وأحدثت فى مصر بلبلة أفزعت كثيرين، ثم اختفت فجأة ولم نعد نسمع لها صوتا أو نقرأ عنها خبرا ــ وهل كان ظهورها مجرد فرقعة أم دسيسة أريد بها ترويع المجتمع؟