طريق أوروبا نحو الاتحاد المالي طويل ومملوء بالدموع
أعتقد أنني أفهم الآن كيف يخطط الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة.
بداية، أعتقد أن أنجيلا ميركل ستحترم تعهدها بعدم فرض إعادة هيكلة للديون حتى عام 2013. المستشارة الألمانية اتفقت على هذه الصيغة مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال حديثهما بعيداً عن وسائل الإعلام على شواطئ دوفيل في فرنسا.
ثمة إجماع يبرز بين صانعي السياسة بأن ديون القطاع العام اليوناني ليست مستدامة. وكي يبدو هذا الإدراك متسقاً مع تعهد دوفيل، فإن الطريق الأكثر احتمالاً سيكون إعادة هيكلة طوعية تنطوي على تغيير استحقاق السندات اليونانية. وبطبيعة الحال، إعادة الهيكلة الطوعية عبارة تتضمن لفظين متناقضين. وتتمثل الفكرة في إدخال مجموعة من كبار المستثمرين إلى الغرفة وجعل الرؤوس تصطدم بعضها ببعض. والمشكلة هي أن ذلك لن يكون كافياً في الغالب. فقد كانت هذه هي تجربة الأرجنتين قبل التخلف عن السداد، حينما وافق بعض المستثمرين على إعادة جدولة الديون، بينما بقي آخرون خارج المعادلة واستفادوا من الفرصة على حساب الآخرين.
أما في حالة اليونان، فتقتضي الديون بشكل أساسي إعادة هيكلة كبيرة للغاية. وفي الأسبوع الماضي قدرت ستاندر آند بورز الحجم المناسب من ''تخفيض القيمة السوقية للأوراق المالية التي يملكها المستثمرون بـ 50 ـ 70 في المائة، بالنظر إلى مستوى الدين المتوقع، البالغ 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
والأهمية الرئيسية لأي برنامج طوعي ليست اقتصادية، وإنما سياسية. وأية إشارة طوعية ''لعملية إنقاذ من الداخل'' يمكن أن تقنع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بالموافقة على تقديم قرض آخر إلى اليونان في العام المقبل. وستكون اليونان بحاجة ماسة إلى مثل ذلك القرض، لأنه لا توجد طريقة أخرى لتكون قوية بما يكفي للعودة إلى أسواق رأس المال.
لذلك سيكون التسلسل كالتالي، على الأرجح: بعد القرض المبدئي سيتبع ''عملية الإنقاذ من الداخل'' تقديم قرض آخر. وبحلول ذلك الوقت، يكون انكشاف القطاع الخاص أدنى مما هو عليه اليوم. ويتم سداد الديون قصيرة الأجل بالكامل.
بناءً عليه، هل سيكون هناك تخلف عن سداد المبالغ المستحقة في عام 2013؟
أعتقد شخصياً أن الاعتبارات السياسية ذاتها تنطبق في عام 2013 مثلما تنطبق اليوم. وسيفصل التخلف عن السداد البلاد عن أسواق المال إلى عدة سنوات. ويهدد ذلك بانتشار العدوى إلى بلدان أخرى. وسيقتضي الأمر إعادة رسملة البنك المركزي الأوروبي، وإحداث نقل مباشر للدفعات تحت مظلات الإنقاذ. وسيكون حدسي هو أن الجيل التالي من القادة السياسيين سيكون على القدر ذاته من الحذر إزاء التخلف عن السداد في عام 2013، مثلما هو في عام 2011. وسيقدمون إلى اليونان، وإيرلندا، والبرتغال قروضا تجسيرية أخرى. وبحلول عام 2015 سوف تملك برامج الإنقاذ المختلفة في الاتحاد الأوروبي جزءا كبيراً من ديون البلدان الطرفية في منطقة اليورو.
ولن يجعل هذا بمفرده ديون اليونان مستدامة بعد ذلك، لكنه يسمح ببعض المرونة في إدارة الديون. وربما يتم تمديد سداد الديون إلى 50 عاماً وتخفيض أسعار الفائدة. ويمكن أن يستمر ذلك إلى النقطة التي يصبح فيها الدين مستداماً. وسوف تنتهي آلية الإنقاذ مع جميع ديون البلدان الطرفية.
ومع مرور الوقت، أتوقع أن يمدد المجلس الأوروبي حجم ومهمة آلية الاستقرار الأوروبي من كونها داعماً صرفاً كما هي الآن، باتجاه كونها وكالة ديون مناسبة.
وعلى الأرجح يصبح ذلك ضرورياً لمنع مزيد من العدوى. وكما جادلت في الأسبوع الماضي، أتوقع أن يؤدي التعديل الانكماشي في إسبانيا إلى ضغوط في سوق الإسكان، مع امتداد قوي يشمل بنوك الادخار. ولذلك شخصياً أتوقع في المستقبل آلية استقرار بتمويل من الاتحاد الأوروبي صندوق النقد الدولي لدعم القطاع المصرفي الإسباني.
عند تلك النقطة، سيتحول التركيز إلى إيطاليا. وتشكل إيطاليا نحو 18 في المائة من الضمانات. وأعتقد أن إيطاليا لن تكون راغبة في احترام التزاماتها بالإنقاذ إذا دخلت إسبانيا الآلية ـ أو حين تدخل. وحتى إذا كانت إيطاليا على استعداد لذلك، فربما لن يكون بمقدورها تنفيذ الأمر بالنظر إلى مشاكل استدامة ديونها الخاصة بها. وحالما تتخلف إيطاليا عن سداد التزاماتها، فليس بإمكاني أن أرى ألمانيا وفرنسا راغبتين في دفع تكاليف النظام بأكمله بشكل أحادي. وعندها سوف ينهار أسلوب الحكومات المتبادل، وسوف تقوم منطقة اليورو بالقفزة الكبيرة – باتجاه إصدار سند أوروبي مشترك.
لكن، ألا يوجد خطر ملموس بالتفكك؟ ما عليك سوى التفكير بالديناميكيات السياسية عند كل رابط في هذه السلسلة. والخيار اليوم هو بين حل الأزمة وتأجيل اتخاذ قرار. ونحن نقوم بالأمر الأخير. وفي عام 2013 سيكون الخيار ذاته بشكل أساسي.
حينما يصبح من المستحيل تأخير اتخاذ خيارات صعبة إلى أكثر من ذلك، ستواجه ألمانيا وفرنسا الخيار بين الانفجار الداخلي لمنطقة اليورو، أو أخذ نفس عميق والقبول بسند منطقة اليورو. واعتقادي هو أنه بعد التأخير مرة تلو المرة في اتخاذ القرار الصعب، سوف يقومون بالأمر الصحيح في نهاية المطاف. وليس الأمر أنهم يريدون هذه النتيجة تحديداً، بل سوف يتخذون ببساطة خيار المقاومة الأقل عند كل تقاطع، وينتهي بهم الأمر عند هذه النقطة.
أعترف شخصياً بأن هناك احتمالاً بتدخل غير متوقع من شأنه أن يغير اللعبة إلى حد كبير. وعلى الأرجح أن تكون ميركل جادة بشأن التزام دوفيل، غير أن ثورة في البرلمان الألماني، أو اليوناني، أو أي صدمة أخرى، ربما تفرض تخلفاً عن السداد. ولا يمكنني أن أنفي تردد اليونانيين في البداية. لكنني ألتزم بهذا السيناريو.
هل هذه نتيجة جيدة؟ إذا كنت تعارض سند منطقة اليورو من حيث المبدأ، سيرعبك بالتأكيد هذا التسلسل. وإذا كنت تدعم الفكرة، فربما لن تعجبك رغم ذلك. إنه أكثر طريق مسموم يمكن تخيله باتجاه الاتحاد النقدي. لكن ربما يكون الطريق الوحيد.