ربيع العرب .. غاب الخيال وحضر القمع
في اليوم الذي تم فيه إسقاط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في كانون الثاني (يناير)، وهو ما فجر أشهرا من الثورات في العالم العربي، كان متظاهر في العاصمة الأردنية عمّان يعبر عن نقطة لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن. فحين كان حشد غاضب يتظاهر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حمل أحد المتظاهرين لافتة تقول: ''الأردن ليس فقط للأغنياء. الخبز خط أحمر. احذروا من جوعنا وغضبنا''.
وكان هذا إنذارا مبكرا للدور الأساسي الذي سيلعبه الاقتصاد في الاحتجاجات المتعددة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا. وتماما مثلما رفض المستبدون الذين يتم تحديهم الآن إدخال الديمقراطية والإصلاح السياسي، تجاهلوا كذلك منح شعوبهم فرصة الارتقاء إلى مستوى معيشي جيد - أو وهذا مهم بالقدر نفسه، احتمال تحقيق مستوى معيشي أفضل. ولا يزال هذا الفشل الذي تعانيه الدكتاتوريات القمعية والأنظمة الاستبدادية الأكثر اعتدالا (من حيث الظاهر) المحرك الرئيسي للمظاهرات، ومهددا خطيرا لصحة العالم العربي على المدى الطويل.
والتحول في السجل الثوري من انتفاضات سلمية غالبا في تونس ومصر، إلى صراعات عنيفة في ليبيا وسورية حجب كما هو متوقع، القوى الاقتصادية القوية المتشابكة مع الرغبات السياسية للمحتجين. ويتزايد في المنطقة عدد السكان الشباب الذين يتزايد إحباطهم من ارتفاع تكاليف المعيشة، وأنظمة التعليم السيئة، وعدم وجود فرص عمل لائقة. وكما يقول جوشوا لانديس، خبير الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما، في ملاحظة نشرها على مدونة يوم الأحد: ''يبدو أن شوارع سورية مليئة بأعداد متزايدة من الشباب السوريين الذين يشعرون بالغضب، والعاطلين عن العمل، والمستعدين للتغيير''.
وهناك بيانات اقتصادية مثيرة للقلق لتفسير هذه التعبئة الجماعية للشباب في منطقة يقل أعمار نحو 60 في المائة من سكانها عن 25 عاماً. فمعدل بطالة الشباب في العالم العربي، البالغ 25 في المائة، هو الأعلى في العالم، وفقا لبحث نشر هذا الشهر بتكليف من مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع تنمية القطاع الخاص للبنك الدولي. ووجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب في 20 دولة ونشر الشهر الماضي، أن أعداد الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بأنهم ''ناجحون'' انخفض في مصر والبحرين، على الرغم من وجود نمو اقتصادي. وقال محمد يونس، وهو محلل أول في جالوب، إن النتائج أظهرت أن الشباب لا يشعرون بأنهم استفادوا من زيادات الناتج المحلي الإجمالي، لأنها لم تؤد إلى إيجاد فرص عمل.
وتدل كلماته على المشكلة الاقتصادية الشاملة، التي تواجه المنطقة، والتي يشعر فيها الناس في الدول الفقيرة بالغضب من الأرباح التي يحققها أهل النخبة في أسواق يتم التلاعب بها. وفي مصر، أعقب سقوط الرئيس حسني مبارك موجة من الاحتجاجات في الصناعات التي تراوح من القطاع المصرفي إلى الفنادق، حيث حوّل الناس اهتمامهم إلى استيائهم من الأجور وظروف العمل.
وتجاهلت حكومات الشرق الأوسط في معظمها البعد الاقتصادي للاحتجاجات ولجأت إلى القمع. وسواء استسلم الاستبداديون، مثل حسني مبارك في مصر، أو يقومون بالرد بعنف، مثل بشار الأسد في سورية، فقد أظهروا جميعاً فشلا متشابهاً في الخيال المالي. فهناك جمهور كبير من العرب، غالبا من الشباب الذين لا يشعرون بالرضا، والذين - بغض النظر عما يقوله الزعماء - ليسوا متطرفين متدينين ولا أدوات بيد الغرب، بل يريدون فقط فرصة أفضل لتحقيق الازدهار. وفي غمرة العنف الرهيب والضجة القوية المطالِبة بالديمقراطية، هناك ملايين الأشخاص الذين ينتظرون شيئا أفضل من الناحية الاقتصادية - ولا بد أن تدرك استجابة العالم في عصر الثورات الحالي هذه الحقيقة.