لغاز الصخري يمكن أن يغير المشهد في سوق الطاقة
اتسمت المائة يوم الماضية بالإثارة بالنسبة إلى أسواق الطاقة، إذ وقع حادث نووي في اليابان بعد الثورات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشهدت أسعار النفط تذبذباً حاداً على الأثر. لكن رغم الشعور بوجود أزمة، من غير المرجح لحادث فوكوشيما ولا الصراع الدائرة في ليبيا أن يسببا اضطراباً في الأنماط طويلة المدى في إمدادات الطاقة العالمية. بيد أن هناك تطوراً جديداً ـــ هو الأهمية المتزايدة للغاز الصخري ـــ يمكن أن يغير هذه الأنماط.
لقد تم فقدان إنتاج ليبيا من النفط في الشهرين الماضيين، لكن الأعضاء الآخرين في تكتل أوبك من المنتجين عززوا الإمدادات. وما زال هناك أربعة ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية. وقد ارتفعت الأسعار بنسبة تزيد على 20 في المائة، لكن هذا عكس حالة من القلق حول ما يمكن أن يحدث تالياً في منطقة الشرق الأوسط. وفي أعقاب العملية التصحيحية التي شهدها الأسبوع الماضي، عندما بدأت الأسعار تعود إلى الانخفاض، يبدو أن سعر 125 دولاراً للبرميل كان ذروة مؤقتة. وبقيت القيمة السوقية لشركات مثل شل وإكسون، التي كان يمكن أن تستفيد من استمرار ارتفاع أسعار النفط، من دون تغيير إلى حد بعيد.
ولم تُحدث المأساة التي وقعت في اليابان تحولاً في القطاع النووي ولم تقدم إلا ألمانيا على إغلاق محطات نووية، رغم أن البلدان الأخرى أجلت خططها على هذا الصعيد، أو قامت بمراجعتها. وحتى ألمانيا تقوم بتعويض ما فقدته من إمدادات إثر إغلاق بعض المحطات النووية عن طريق الاستيراد من جارتيها فرنسا وجمهورية التشيك ـــ وكلاهما، وهذه مفارقة، تولدان حاجتهما من الكهرباء من الطاقة النووية.
وتقف بقية بلدان العالم في انتظار تحديد ما جرى بالضبط في اليابان. وفي العالم المتقدم، فإن متطلبات السلامة الإضافية التي جرى فرضها على الأثر ستزيد من تكلفة الطاقة النووية وتجعلها معتمدة على الإعانات. وما يجعل هذه الصناعة تشعر بالارتياح هو أن معظم المحطات النووية التي يجري التخطيط لإقامتها في العقدين المقبلين موجود في بلدان العالم النامي. وهناك أيضاً بعض الخطط المؤجلة، لكن من غير المحتمل أن يتم التخلي عنها ـــ خاصة في بلدان مثل الصين وروسيا حيث لا وزن للرأي العام. وهكذا، بالرغم من أن الشعور بوجود أزمة يحتل العناوين الرئيسية، أظهرت سوق الطاقة مرونة ومقاومة لحدوث تغير سريع. فما زال الفحم والنفط والغاز الطبيعي تشكل مصدراً يزيد على 80 في المائة من الطلب الرئيسي على الطاقة برمته، ولا تضيف الطاقة النووية إلا 6 في المائة لهذا الطلب. وتعتبر مصادر الطاقة المتجددة محروقات المستقبل، لكنها تظل معتمدة على الإعانات والتنظيم. وما زالت توفر أقل من 2 في المائة من احتياجات الطاقة العالمية ـــ وهو رقم سيرتفع في أحسن الأحوال إلى 7 في المائة فقط بحلول عام 2035.
لكن في خضم الاضطرابات التي شهدتها الأشهر الأخيرة، يوجد تطور، ولو لم يُلتفت إليه إلا قليلاً، ينطوي على إمكانية إحداث تحول في سوق الطاقة. فقد أوردت دراسة مسحية حذرة، لكنها جديرة بالاعتماد نشرت في الشهر الماضي من قبل إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، تقديرات لأحجام الغاز الصخري القابلة للاستخراج فنياً في 32 بلداً. وهذا النوع من الغاز هو غاز طبيعي موجود في الصخور وتتم إزالته باستخدام أساليب التفتيت الهيدروليكي. ومع أنه كان يعتقد أنه باهظ التكلفة، إلا أنه بدأ أخيرا بتحويل مشهد الطاقة في الولايات المتحدة. وارتفع إنتاجه 12 ضعفاً في العقد الماضي، وهو يوفر حالياً نحو ربع احتياجات الولايات المتحدة من الغاز. وبعد أن كانت مستورداً رئيسياً للغاز، أصبحت الولايات المتحدة الآن مكتفية ذاتياً من الغاز. ويتحدث بعضهم الآن عن تصديره.
ولا يوجد لدى إدارة معلومات الطاقة تقديرات فيما يتعلق بالجدوى التجارية الأوسع للغاز، لكن حجم الإمدادات المحتملة منه ـــ يقدر بـ 6600 تريليون قدم مكعب، مع وجود ترسبات كبيرة منه في الصين، والأرجنتين، والمكسيك وأوروبا الشمالية ـــ تظهر الإمكانات التي ينطوي عليها. ولوضع هذه الأرقام في سياقها، فإن الغاز الصخري الذي تم تحديده في البلدان التي يشملها التقرير فقط، سيضيف ما نسبته 40 في المائة إلى الموارد الغازية القابلة للاستخراج من الناحية الفنية ـــ وقد يتم اكتشاف مزيد من الاحتياطيات في منطقة الشرق الأوسط، وروسيا، والبلدان الواقعة على البحر المتوسط.
ويمكن أن يكون الغاز الصخري مثيراً للجدل. فالانبعاثات الكربونية التي تصدر منه أعلى من الانبعاثات التي تصدر من الغاز الطبيعي، وهناك بعض المشاريع ذات الحجم الصغير في أوروبا متوقفة جراء المخاوف البيئية. لكن ارتفاع أسعار الطاقة وعدم اليقين السياسي في منطقة الشرق الأوسط يمكن الآن أن يدفعا كثيرا من البلدان المستوردة للطاقة في العالم إلى استغلال هذه الإمدادات الغازية الجديدة الموجودة في أراضيها. وما حدث في أمريكا يمكن أن يحدث أيضاً في بلدان أخرى. وتنظر الشركات الأمريكية المتخصصة إلى فرص استخراج هذا الغاز في الصين. وتطوير الغاز الصخري هناك يمكن أن يقلص الواردات الضخمة من النفط والغاز التي كانت متوقعة على نطاق واسع.وربما يكون للتحركات الكبيرة تجاه الغاز الصخري آثار واسعة في أسواق الطاقة الأخرى أيضاً. ويمكن أن يلحق ضررا كبيرا بالاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا إذا كانت صادرات الغاز إلى الصين أقل من المتوقع. ويمكن أن ينافس الغاز الصخري أيضاً مصادر الطاقة المتجددة التي تتطلب إعانات كبيرة وخطوط أنابيب وإقامة مشاريع جديدة للغاز الطبيعي المسال. ومما لا شك فيه أنه سيكون هناك مزيد من العناوين الرئيسية التي تتحدث عن أزمة في الطاقة في عام 2011. لكن من غير المرجح أن تأتي التغيرات الدائمة من الصراعات السياسية في شمال إفريقيا، أو من القطاع النووي في اليابان. وبدلاً من ذلك، فإن الجمع الهادئ بين عاملي الجيولوجيا والتكنولوجيا هو الذي يمكن أن يحدث تحولاً في الطاقة العالمية في العقود المقبلة.
رئيس معهد السياسات في كلية كنجر في لندن.