المكاسب لكاميرون والسخط على كليج
ستضطر مرغماً على المجادلة بأن بريطانيا أصبحت أكثر دفئاً تجاه ديفيد كاميرون. لقد تميز سجل حكومة كاميرون بكونه متباينا. فمع أن برامج التقشف تأخذ من شعبيتها، حظي رئيس الوزراء بميزة كبيرة واحدة: يبدو مناسباً للدور. قيل إن السياسيين يصنعون حظهم بأيديهم. وسواء كان ذلك صحيحاً أم لا، حصل كاميرون على نصيبه من الحظ الجيد. وعندما تسير الأمور على نحو خاطئ يتجه اللوم عموماً وبصورة مباشرة إلى 10 داونينج ستريت. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى رئيس الوزراء. علِق زملاء لرئيس الوزراء بكثير من المشاجرات، لكن من النادر أن خرج كاميرون من دائرة الشمس. وتبدو شعبيته أفضل بشكل واضح من شعبية حكومته، وتسبق شبعية نيك كليج، نائبه التعيس على نحو متزايد، وشريكه في التحالف الحاكم. لم تكن الذكرى الأولى للتحالف الذي يرأسه حزب المحافظين مع الحزب الديمقراطي الليبرالي، بزعامة كليج، مناسبة سعيدة. فقد كان الحزبان على طرفي نقيض في معركة استفتاء مريرة حول إصلاح النظام الانتخابي. وكانت الجائزة التي سعى كليج خلفها هي نظام تصويت من شأنه أن يضمن مستقبل حزبه لاعبا سياسيا مهما. وخسر أمام حملة رئيس الوزراء القاسية ضد التغيير. ونقض كاميرون، كما يقول نائبه، تعهداً شخصياً بخوض الاستفتاء بحسب قوانين كوينسبيري*. ومن المرجح أن ينجو التحالف من العاصفة المباشرة، وإن كان ذلك سيحدث وفقا لشروط أكثر تحفظاً. ويبدو أن كاميرون بحاجة إلى دعم الحزب الديمقراطي الليبرالي في ويستمنستر، في حين ليس أمام كليج أي مكان آخر يلجأ إليه. وعلى الرغم من ذلك تم استنزاف الثقة والنية الحسنة من الاتفاق. وتدور تمتمات بين أعضاء حزب المحافظين حول مضي الحزب بمفرده، وتأملات بين أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي بشأن التخلي عن كليج. في غضون ذلك، فإن الطرفين على جانبي نقيض بشأن محاولة تمت بغير إتقان، من أجل إصلاح نظام الخدمة الصحية الوطني. وهناك مزيد من المعارك تحوم في الأفق في الوقت الذي يفرض فيه التقتير المالي المزيد من تخفيض النفقات في برامج يثمنها الناخبون.
بطبيعة الحال، كان التحالف دائماً شراكة غير متكافئة. فلدى حزب المحافظين أكثر من 300 عضو في البرلمان، مقابل أقل من 60 عضواً للحزب الديمقراطي الليبرالي. غير أن الحظوظ السياسية المتناقضة للحزبين أصبحت واضحة تماماً على نحو لا يدعو إلى الراحة. وتلقى الحزب الديمقراطي الليبرالي ما يمكن أن يطلق عليه باراك أوباما ''هزيمة مذلة'' في الانتخابات المحلية التي جرت هذا الشهر. وحصل حزب المحافظين فعلياً على المزيد من الأصوات. إن السياسة غير عادلة. وكان الشح الشديد في النفقات العامة للتخلص من العجز المالي بحلول عام 2015 فكرة كاميرون. ومع ذلك، أصبح كليج الضحية. وقيل إنه سمع أن مساعداً غير لطيف في 10 داونينج ستريت يقول: ''نحن نجري التخفيضات، ويتلقى الحزب الديمقراطي الليبرالي الصفعة''. وتبدو على وجه كليج تعابير السياسي الهارب الكئيب، بينما يبدو كاميرون وكأنه القائد الذي عاد لتوه من هرولة مُنشِطة. ولا يتعلق الأمر برمته بالحظ. ويتفق الجميع ممن هم حول كاميرون على أنه يستخف بالسلطة. إنه ليس قائدا مثقلا بأعباء منصب رفيع. وكان سلفه، جوردون براون، يتلوى تحت ثقل المسؤولية. لكن كاميرون يحكم، ويتواصل، بضمان حزب المحافظين المتمثل في ''ولد ليحكم''. ثمة خيط رفيع بين الارتياح الارستقراطي والغطرسة، كما أن اتخاذ موقف أعلى من مستوى المعركة له جوانبه السلبية كذلك. وتزعم الحكومة أن هناك أجندة كبيرة لإصلاح الخدمة العامة. لكن تبع عملية مشتريات كبيرة للغاية بعض الانحرافات المحرجة، أحدثها ما يتعلق بإصلاح نظام الرعاية الصحية. وكان الجانب الآخر من الحسم إهمال من نوع ما. ويقول بعض كبار المسؤولين إن كاميرون ليس بالذكاء الذي يعتقده. إن للأسلوب شبه الرئاسي مزايا معينة. فالأخطاء سببها شخص آخر. لكن ذلك ترك الحكومة دون مهمة واضحة على صعيد الجانب التنظيمي. ويبدو أن معالجة وضع مصادر التمويل العامة طموح ذا قيمة، لكن التحالف لن يتحمل أن ينظر إليه الجمهور من خلال حماسه لتخفيض النفقات. ومن المتوقع أن تصبح الأمور كئيبة. فما زالت هيئة المحلفين تنظر في خطة تخفيض العجز. وخلال هذا الأسبوع تحديداً، حذر ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، من النمو المتباطئ ومن انخفاض طويل في مستويات المعيشة. وفي الوقت نفسه تعثرت جهود كاميرون لتغليف بعض الأفكار المفيدة حول روح التطوع، والمجتمعية، والمؤسسة الاجتماعية، في مشروع كبير من أجل ''مجتمع كبير''. وبالمثل، صارعت الحكومة لصياغة وجهة نظر حول مرتبة بريطانيا في العالم. وتبعت مراجعة دفاعية استراتيجية غير متقنة قرارا بتسريع انسحاب القوات البريطانية من أفغانستان. وساهم الإجراءان في إزعاج إدارة أوباما. وبدا أن كاميرون يفترض أن السياسة الخارجية لبريطانيا يمكن أن تركز من الآن فصاعداً على بيع المزيد من السلع والخدمات إلى الاقتصادات الناشئة في العالم. ولأن الثورات العربية ما زالت مستمرة، تبين أن رئيس الوزراء يقود مهمة تجارية تتمثل في بيع الأسلحة. وفتحت الروح التجارية الطريق أمام احتضان كاميرون لمبدأ التدخل الليبرالي الخاص بتوني بلير. وأفزع رئيس الوزراء حتى رؤساء أركان القوات المسلحة، حينما ألح على قضية منطقة حظر الطيران الليبية. وأظهرت الحادثة رغبة شجاعة لاتخاذ المخاطر. وقدمت كذلك درساً موضوعياً في قضية الامتداد الدولي المتلاشي لبريطانيا. وأخذ كاميرون يفكر في أن بإمكان بريطانيا الانفصال عن أوروبا، والرجوع نصف خطوة إلى الوراء عن علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. وتعلم الآن أنه إذا أراد ممارسة النفوذ في العالم، فإنه بحاجة إلى مركز قوي في أوروبا، وصوت جاد في واشنطن. حتى الآن أبعد رئيس الوزراء مثل تلك التناقضات. وحتى الآن يحمل كليج عبء السخط العام. وكان كاميرون محظوظاً كذلك في مواجهة معارضة ضعيفة: حزب العمال مثقل بسجله في الحكومة. وما زال على القائد الجديد للحزب، إيد مليباند، أن يحصل على بريق رئيس وزراء في الانتظار. إن كاميرون ينضج بثقة تكشف عن الشيء الوحيد المهم فوق كل شيء آخر، وهو أنه رئيس للوزراء، وكأنه صُنع للدور. وكل شيء يتعلق بـ 10 داونينج ستريت – الاهتمام، ورجل الدولة، والممارسة اليومية للسلطة – يناسبه كبدلة باهظة الثمن. هذه الثقة بالذات، المغطاة بمبدأ الواقعية الذي يضع السلطة قبل الأيديولوجية، مضت بكاميرون بعيداً. وأعطته بريطانيا ميزة الشك. وستأتي لحظة، على الرغم من ذلك، خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة في المستقبل، يحتاج الناخبون خلالها إلى شيء أكثر من ذلك.
*مجموعة قوانين خاصة برياضة الملاكمة تمت تسميتها بهذا الاسم لأن جون دوجلاس، الماركيز التاسع لكوينسبيري، تبناها بشكل علني. وهي القوانين التي تعتمد عليها الملاكمة الحديثة، والتي ورد فيها لأول مرة ذكر القفازات. وأصبحت قوانين كوينسبيري عبارة شائعة في الحياة العامة للإشارة إلى اللعب النظيف.