لماذا تستثمر في أحد البنوك؟ إنه سؤال طبيعي جداً. ففي الفترة بين كانون الثاني (يناير) 2008 وكانون الأول (ديسمبر) 2010 خسرت البنوك في العالم 41 في المائة من قيمة أسهمها السوقية، وهذه الخسارة أسوأ كثيراً من خسارة السوق الأوسع (التي بلغت 29 في المائة). وتهدد اللوائح والأنظمة الكثيرة التي تم إدخالها بعد الأزمة المالية بتقليص ربحيتها المستقبلية.
هذا أمر مؤكد، فقد أصبح HSBC الأسبوع الماضي آخر بنك يخفض توقعات أرباحه، قائلاً إنه يتوقع أن يراوح عائد السهم بين 12 و15 في المائة في المستقبل، وهو ما يقل بنسبة الخمس عن هدفه القديم. ولحق بالبنوك الأخرى – بنك باركليز في الملكة المتحدة، وكريدي سويس في سويسرا، ومجموعة من البنوك الأمريكية – في التقليل من احتمالات تحقيق عوائد سهمية تراوح من 25 إلى 30 في المائة على نحو ما كان يتم في الأعوام التي سبقت الأزمة.
ومع ذلك جلبت بداية عام 2011 درجة من الارتياح للمستثمرين في البنوك. فقد ارتفعت أسهم البنوك العالمية نحو 6.6 في المائة في أول شهرين من العام، بنسبة نمو تعادل ضعفي نسبة نمو السوق الأوسع. وربما كانت هذه الفترة قصيرة لإصدار أية توقعات عميقة، لكن المحللين يعتقدون أن هذا يمكن أن يكون بداية لتعاف في التذبذبات البنكية.
فبين بداية العام ومنتصف شباط (فبراير)، لاحظت دار أوتونوماس للبحوث أن هناك تحولاً ملحوظاً في توجه المستثمرين نحو البنوك. ففي حين خفضت نسبة كبيرة من العملاء مقتنياتها من أسهم البنوك في بداية العام (36 في المائة مقابل 24 في المائة زادت مقتنياتها)، انعكست الصورة في غضون ستة أسابيع (وأصبحت نسبة العملاء الذين زادوا مقتنياتهم 36 في المائة). وهذا يعكس في جزء كبير منه تغيراً في المزاج بين صناديق التحوط - التي تشكل شريحة كبيرة من قاعدة عملاء دار أوتونوماس – التي يجني كثير منها أمواله عبر البيع على المكشوف، أو عبر المراهنة على انخفاض أسعار الأسهم (شكل متطرف من ''تقليص المقتنيات'') عندما تشعر أنها أقل تفاؤلاً.
من الصعب أن يفهم المرء لماذا بالضبط حدث هذا التغير في النظرة الآن، لكن بعض عناصر الحالة المزاجية غير قابلة للتساؤل. أولاً، هناك الجو الأكثر إشراقاً فيما يتعلق بالخطر السيادي في أطراف منطقة اليورو. أضف إلى ذلك التفصيل المتنامي حول كتاب اللوائح الدولية – بازل 3 – الذي يعني بالنسبة للبنوك ''يقيناً'' أعلى. وهناك أيضاً أسباب تتعلق بالدورات الاقتصادية لهذا التحسن. وقد انخفضت الرسوم التي يتم تقاضيها على الديون المعدمة بحدة في النتائج الأخيرة للبنوك.
إذن، ألا تهم مستويات الأرباح التي تحققها البنوك في المستقبل؟ إن أنواع صناديق التحوط التي يبدو أنها وراء هذا التحول في التوجه هذا العام – من ''مكشوف'' إلى ''دائن'' ما يدفع أسعار أسهم البنوك إلى الأعلى – تقول بلى، إنها تم بالطبع، لكن نوعية هذه الأرباح مهمة بدورها.
إن السبب الرئيسي الذي يجعل الأرقام الخاصة بعوائد الأسهم أقل، سيكون الارتفاع في السهم – تحت ضغط الهيئات التنظيمية الدولية، إذ يقدر محللون أن ما يحمله القطاع من الأسهم يزيد بنسبة تراوح بين 30 و50 في المائة مما كان يحمله قبل الأزمة. والعائق الرئيسي الذي تضعه الهيئات التنظيمية على بعض نواحي النشاط ذات الخطورة العالية، كالتداول المعقد، سيقلص إمكانية الربح أكثر.
لكن العملية الحسابية التي ترى أن زيادة بنسبة 50 في المائة في الأسهم ستخفض عوائد الأسهم بنسبة الثلث، وربما النصف عندما تأخذ في الاعتبار قلة عدد الشركات التي يمكن أن تحقق أرباحاً عالية، تبسِّط الأمور أكثر من اللازم.
فمن ناحية، ستقوم البنوك التي أصبحت مترهلة عندما كانت تنمو أثناء السير نحو الأزمة، بإعادة ترتيب أوضاعها عبر خفض التكاليف، ومن يعلم، ربما حتى من خلال خفض مستوى المكافآت المثيرة للجدل دائماً، التي يتم دفعها للمصرفيين. ومن ناحية أخرى، لديها سوقاً أقل تنافسية تعمل فيها عقب انهيار البنوك المنافسة الأضعف أثناء الأزمة – وبالتالي قوة تسعيرية أعظم.
وألمح بنك HSBC أن فائدة أخرى يمكن أن تتمثل في القدرة – بعد أن تصل مستويات رأس المال إلى ذروتها – على دفع توزيعات أرباح أعلى في المستقبل. وقال يوم الاثنين الماضي إنه يهدف إلى صرف 60 في المائة من الأرباح على شكل توزيعات، وهي ما يعادل نحو ضعفي ما كان يوزعه القطاع قبل الأزمة.
لكن الأهم من ذلك كله هو الأمن الذي تجلبه الإصلاحات النظامية. فبعيداً عن كونهما عبئاً ثابتاً على البنوك، كما شكا بعض التنفيذيين في الأشهر الأخيرة، فإن اجتماع عاملي رأس المال والسيولة القويين – مدعومين بأفكار من قبيل السندات التي تتحول إلى أسهم في أوقات الأزمة - ينبغي أن يغير صورة أسهم البنوك إلى الأبد.
وبعد أن تأخذ هذه المسائل طريقها إلى نتائج البنوك، ينبغي أن يحدث ارتفاع كبير في القيمة السوقية لأسهم القطاع. ربما لا تعود أسهم البنوك الغربية إلى مستويات ثلاثة، أو أربعة أضعاف قيمتها الدفترية، كما كان الحال قبل الأزمة، لكن قيمة أكثر استدامة تبلغ ضعفين تقريبا – وهي أكثر من القيمة الحالية لبعض البنوك التي يجري تداول أسهمها بأقل من قيمتها الدفترية – يمكن أن تصبح عُرفا.
ربما لا تصبح البنوك الأدوات التي يودها بعض دعاة الإصلاح أن تكون تماماً، لكن من المؤكد أنها ستكون أكثر أماناً وقدرة على إعطاء عوائد يعتمد عليها أكثر، ولو أنها أقل. هذه على الأقل النظرية. ومن يصدقونها يمكنهم أن يشتروا. أما المتشككون فربما يريدون انتظار الأزمة المالية التالية للدلالة على سلامة موقفهم.
الكاتب محرر الشؤون المصرفية في ''فاينانشيال تايمز''.