المتزمتون يرفعون تكاليف أزمة منطقة اليورو
أخذ الأمر يصبح أكثر صعوبة من الناحية السياسية. وافقت فنلندا وألمانيا على إنقاذ البرتغال، لكن من غير الواضح ما إذا كان البلدان سيصوتان لصالح حزمة القروض الثانية لليونان التي تستحق في خريف العام الحالي. وما زلت أعتقد أنهما قد يصوتان، لكن ليس من الصعب أن يتخيل المرء وقوع حادث سياسي في برلين، أو في أثينا، أو في هلسنكي، أو في كل العواصم الثلاث، أو في مكان آخر.
الضغط داخل منطقة اليورو من أجل الإعلان عن عجز اليونان يتنامى في ألمانيا. ويتفق معظم صانعي السياسات والاقتصاديين على أن دين اليونان غير مستدام. لا بل وصل الأمر ببعض المعلقين في الصحف البريطانية والأمريكية حد تأييد خروج اليونان من منطقة اليورو. لكن البنك المركزي الأوروبي يرفض هذين الرأيين. ويرفض حتى قيام اليونان طواعية بإعادة هيكلة دينها. لذلك نحن في أزمة سياسية على صعيد حل الأزمة اليونانية. وتبقى الآن قليل من الوقت لاتخاذ القرارات، لكن الخيارات بدأت تنفد من الاتحاد الأوروبي. إذن، إلى أين نتجه تالياً؟
تصور القرض الأصلي البالغ 110 مليارات يورو، أن تعود اليونان إلى أسواق المال في عام 2012. وهذا بطبيعة الحال غير واقعي. والهدف التالي هو الأخذ بيد اليونان حتى عام 2013، عندما تنطلق الآلية الأوروبية الجديدة للاستقرار. ويتطلب هذا مبلغاً آخر قدره 50 مليار يورو تقريباً، لكن هذا يفترض أن يغير الاقتصاد اليوناني اتجاهه في عام 2012، وأن تستطيع الحكومة اليونانية، في انتصار للأمل على التجربة، أن تنفذ برنامج تخصيص أكبر بكثير من البرنامج الذي تقترحه حالياً. وسيكون حجم برنامج القروض الجديدة التي ستقدم لليونان أقل من 50 مليار يورو بكثير، وفي مفهومي أنه سيزيد قليلاً على 30 مليار يورو، يتم تقاسمه كالعادة بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
وسيتم سد الفجوة من المتحصلات المتأتية من عمليات التخصيص. ويمكن أن يتمثل خيار آخر في قروض مضمونة بضمانة إضافية تصدرها اليونان. والفكرة هي أن بإمكان الحكومة اليونانية أن تصدر سندات مدعومة بأصول مملوكة للدولة، بما فيها الأصول المفردة للتخصيص في وقت لاحق. وهناك مشكلة جوهرية مع الإقراض المضمون بضمانة إضافية كونه يعمل تلقائياً على تهميش الدائنين الحاليين. لكن هذا جدل حول درجة وليس حول مبدأ. إن شريحة صندوق النقد الدولي في برنامج إقراض اليونان لها أولوية فائقة أصلاً. كما أن أسعار السوق لسندات الدين اليونانية لها سيناريوهات أسوأ بكثير على صعيد التسعير.
من وجهة نظر عضو برلمان وطني، لن يكون الخيار الفعلي ما إذا كانوا يرغبون في إنقاذ اليونان أم لا. إنهم بالطبع لا يرغبون. سيكون الخيار بين عملية إنقاذ مكلفة وعجز مكلف. ويتطلب السماح لليونان بأن تعجز عن السداد، سواء داخل منطقة اليورو أو خارجها، عملية إعادة رسملة معقدة مالياً للبنك المركزي الأوروبي، أو تحويل الدين اليوناني إلى عملة، وربما يتطلب مزيداً من الدعم للنظام المالي. وقد لا يكون هناك مفر من العجز عن السداد في وقت من الأوقات، لكنني أشك في إمكانية، أو وجوب حدوثه قبل عام 2013 على أبعد تقدير.
إن أعضاء البرلمان الألمان، أو الفنلنديين المتشككين في اليورو، لكنهم ينفرون من الخطر، ربما يصوتون بعد تردد لصالح حزمة إنقاذ ذات حجم معتدل، لكن ذلك يستلزم اتضاح بعض الأمور. مثلا، يجب أن تكون هناك استراتيجية نمو معقولة لليونان. إنني أشك في أن يصوت أعضاء البرلمان على حزمة قروض تعتمد على التقشف وحده. فقد ثبت فشل هذا التقشف. لذلك يتعين أن تركز أية حزمة جديدة على الإصلاحات، إضافة إلى استمرار التقشف. وكي تكلل هذه الإصلاحات بالنجاح، ينبغي أن تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي. ويتعين عليها أن تتحدى المصالح الخفية القوية في البلدان المتلقية. ولا أستبعد مشاركة رمزية من جانب القطاع الخاص، لكن لا يمكن أن يكون هناك أي شيء يشبه إعادة هيكلة الدين.
لقد تسبب خطآن كبيران على صعيد السياسيات في تفاقم الوضع، وكلاهما وقع بناء على توجيهات من أنجيلا ميركل. الأول هو الوعد الذي صدر عن المستشارة الألمانية بأنه لن يكون هناك عجز عن السداد فيما يتعلق بالسندات الحالية حتى عام 2013. والآخر كان قرار استبعاد عمليات الشراء في السوق الثانوية من قبل الآلية الأوروبية للاستقرار، وبالتالي من قبل مظلة الإنقاذ الحالية. إن اجتماع هذين التعهدين يوحي منطقياً بأن لدى الاتحاد الأوروبي أداة سياسية واحدة تحت تصرفه حتى عام 2013، هي ربط استمرار الإنقاذ باستمرار التقشف.
وليس من الصعب توقع وجود مقاومة سياسية لهذه الاستراتيجية. ولديّ إحساس بأن رأي النخب المسؤولة عن السياسات الأوروبية سيسود، لوقت قصير على الأقل، لكن الاستراتيجية بالغة الخطورة وعرضه للاصطدام بحادث سياسي كبير.
وكان من الممكن أن تكون تكاليف حل هذه الأزمة أقل بكثير لو أن المستشارة الألمانية سعت إلى الحصول على مشورة أفضل حول الحقائق المالية لأزمة منطقة اليورو. وبهدف إرضاء المتزمتين الذين يتمسكون باللوائح في حزبها، قدمت ميركل وعوداً من غير المتصور أن تستطيع الوفاء بها، وهو خداع لازمها بالفعل. ويقول المتزمتون الآن إن اليونان لم تستوف الشروط، لذلك تقديم قرض جديد لها أمر غير مقبول. الخبر السار الوحيد من منطقة اليورو هو الأداء الاستثنائي لفرنسا على صعيد النمو، وكذلك ألمانيا خلال الربع الأول من هذا العام. لكن من حيث حل الأزمة، فإن هذا سيف ذو حدين. فهو يمكن أن يزيد قدرة واستعداد ألمانيا وغيرها من بلدان أوروبا الشمالية على مساعدة البلدان الطرفية، لكنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى ارتفاع أسرع لأسعار الفائدة، وهذا من شأنه أن يشكل مشكلة لإسبانيا بوجه خاص. مع ذلك، أراهن على أن منطقة اليورو ستتخبط في هذه الأزمة – وستتحول في نهاية المطاف إلى اتحاد مالي بسند مشترك. فإما ذلك، أو تفكك يتسم بالفوضى الشديدة.