معركة تنظيم البنوك بدأت للتو
يضغط المصرفيون على جانبي الأطلسي بقوة ضد تشديد الأنظمة. وهناك تردد من جانب السلطات في مختلف البلدان لتشديد الأنظمة، كما لو أن الأزمة لم تحدث قط. لا بل إن المفوضية الأوروبية تتردد في تنفيذ معاهدة بازل 3 بشكل كامل. وفي هذا النقاش يجادل كثيرون بأن المنافسة العالمية تتطلب ''ساحة لعب تتساوى فيها الفرص''. وتمشياً مع هذه الحجة، وخوفاً على قدرة حي المال على المنافسة، يتجنب التقرير المؤقت للمفوضية المستقلة للعمل المصرفي في المملكة المتحدة اقتراح تنظيم أشد للبنوك الاستثمارية.
هذه الحجج الخاصة ''بساحة اللعب التي تتساوى فيها الفرص'' غير صحيحة. فإذا كانت البنوك تفرض تكاليف ومخاطر على اقتصاد بلد ما، فإن البلد يكون في حال أفضل في ظل قواعد تحد من هذه التكاليف والمخاطر حتى لو لم تفعل البلدان الأخرى الشيء نفسه. إن الاقتصاد العالمي ليس حدثاً رياضياً يتوقع فيه رياضيو أحد البلدان أن يفوزوا بأكبر عدد ممكن من الميداليات، بل هو نظام لتبادل البضائع والخدمات. وفي هذا النظام تعتبر حالات النجاح التنافسية للبنوك وحالات الفشل التنافسية للشركات العاملة في الصناعات الأخرى وجهين لعملة واحدة. إن هذا البلد أو ذاك يصدّر الخدمات المالية ويستورد المنتجات الأخرى وفقاً لفائدته النسبية. ففي المملكة المتحدة ترافق صعود القطاع المالي في العقود الثلاثة الماضية مع تراجع في التصنيع. وهذا ليس مصادفة. فالبنوك ليست فقط في منافسة في أسواق الخدمات المالية، بل في منافسة أيضاً في الأسواق الخاصة بالمواهب النادرة. والأشخاص ذوي المهارات العالية الذين استقطبتهم إلى القطاع المالي لم يكونوا متاحين للصناعات الأخرى.
بالنسبة إلى الاقتصاد ككل، السؤال ليس ما إذا كانت البنوك ناجحة، بل ما إذا كان يتم توظيف مواردها بما يعود بأكبر قدر من الفائدة. ولعل هذه العقول الذكية في المصرفية الاستثمارية، مثلا، كان يمكن أن تكون أكثر إنتاجاً في التكنولوجيا الأحيائية التي تقوم على الإبداع؟
إن أفضل استخدامات للموارد النادرة توجد من خلال نظام سوق غير مشوه. ومن دون تشويهات، يعتبر نجاح شركة ما في المنافسة على المدخلات دليلاً بدهياً على أن استخدامها لهذه الموارد مرغوب فيه من الناحية الاقتصادية.
لكن عوامل خارجية مثل تكاليف الإعانات الحكومية وتداعيات الأزمة المالية تشوه عمل السوق. ومن المهم تصحيح هذه التشوهات عبر الأنظمة المناسبة. إن إزالة التشويهات التي تحابي البنوك تحسن عمل نظام السوق وتعزز الصالح الاقتصادي العام.
وحدة الأزمة كان مردها بصورة جزئية على الأقل، لحقيقة أن المؤسسات المالية الرئيسية كانت تعمل بنسبة 1 – 3 في المائة فقط من أسهم رأس المال إلى الموجودات الإجمالية. وفي ظل هذه المديونية العالية، سرعان ما ظهرت مخاوف تتعلق بالملاءة وأعاقت إعادة التمويل. ولو كان قد تم تمويل البنوك بأسهم رأسمالية أكثر لكانت الأزمة أقل حدة بكثير.
إن معاهدة بازل 3 تسمح بأن تكون أسهم رأسمال البنوك متدنية بنسبة 3 في المائة من موجوداتها الإجمالية غير المرجحة للمخاطر، وهي نسبة متدنية لدرجة الخطورة. والبنوك الممولة بأسهم رأسمالية أكثر ليست فقط أقل هشاشة، بل أفضل عافية، لأن الحوافز للإقدام على المخاطر تكون أقل، كما أن احتمال التسبب في أزمة شح ائتماني نتيجة دينها المعلق يكون أقل. وتستطيع هذه البنوك أن تولد بشكل أفضل، قيمة وأرباحاً مناسبة اقتصادياً عبر تقديم القروض ومراقبتها وعبر تقديم السيولة، وفي الوقت نفسه تعرض الاقتصاد لقدر أقل من المخاطر والتكاليف التي لا لزوم لها. إن الحجج التي تساق ضد مطالبة البنوك بأن تكون مديونيتها أقل بكثير إما أنها غير مناسبة لأنها تنطوي على مغالطات، وإما ضعيفة كما هو حال التوقعات الكئيبة الخاصة بالقدرة الوطنية على المنافسة والإقراض والنمو.
ويجادل بعضهم بأن الأنظمة الأشد من شأنها أن تجر البنوك إلى ظلال غير منظمة. وباستخدام هذه الحجة نفسها يمكن أن نلغي العمل بالضريبة لأننا نخاف من استخدام منافذ التهرب الضريبي. إن تطبيق النظام يعتبر تحدياً، لكن مواجهته ممكنة. أثناء الأزمة كانت أنشطة الظل المصرفية الأكثر إشكالاً تتم برعاية البنوك المنظمة وكانت ضمن النطاق التنظيمي. ولو كانت الجهات المشرفة على استعداد لاستخدام صلاحيات التطبيق الممنوحة لها بشأن الأنشطة التي تقع ضمن دائرة اختصاصها، لأمكن تقليل الخطر الناجم عن مصرفية الظل في أي بلد. هذا يتطلب إرادة سياسية وتصميماً.
أنات أدماتي أستاذ في جامعة ستانفورد، ومارتن هيلويج مدير في معهد ماكس بلانك في بون.