الاقتصادات الناشئة تجتاز اختبار التخرج
ماذا كان يمكن أن يكون رد فعلك عام 2006 على شخص يروّج للتوقع التالي: ستنفجر قريبا جدا أسوأ أزمة مالية عالمية منذ 80 عاماً، أو ربما في التاريخ. وستبدأ التجارة العالمية في الانهيار بالسرعة التي حدث بها ذلك في 1929 – 1931. وسيشهد كثير من الأسواق المتقدمة انكماشات عميقة، وأزمة مصرفية هي الأعلى تكلفة على الإطلاق، وستترنح باتجاه كارثة مالية.
لكن – خمِّن! – الأسواق الناشئة ستبحر بعد فترة قصيرة دون أن يلحق بها أذى. ولن تواجه أزمات كبيرة: ستحافظ العملات، والبنوك، والمراكز المالية على الاستقرار. وسيحمل تعاف ذو مسارين نمو الأسواق الناشئة إلى منحنى بعيد عن التراجع المزعج لعالم الأسواق المتقدمة.
إن أي شخص عارف بهشاشة ''البيتا المرتفعة'' للأسواق الناشئة في الفصول السابقة للتراجع العالمي على صعيد الاقتصاد الكلي (في الثمانينات، أو الثلاثينيات، أو حتى فترة سابقة لذلك في سبعينيات القرن التاسع عشر) كان سينفي مثل هذا التفكير من منطلق أنه غير محتمل. ومع ذلك هذه هي الكيفية التي ظهرت بها الأمور، وهو تحول رئيسي للأحداث يحفز بعضهم على التساؤل عما إذا كانت الأسواق الناشئة هي الأسواق المتقدمة الجديدة. فهل هناك من أسانيد لفكرة أن الأسواق الناشئة ''تتخرج'' على درجة أسواق متقدمة – في الوقت الراهن، أو على مدى أطول؟ وإذا كانت كذلك، فما الآثار؟ لقد اختبرنا في مورجان ستانلي خصائص الاقتصاد الكلي للاقتصادات الناشئة والاقتصادات المتقدمة، وأساسياتها الاجتماعية – السياسية، والمؤسسية. ووجدنا دليلاً على أن اقتصادات الأسواق الناشئة في أيامنا هذه ربما لا تكون سدت الفجوة تماماً، لكنها في مركز أقوى مما كانت عليه في أوقات سابقة من فورة النشاط قصير الفترة.
إن مؤشراً رئيسياً على مستوى الاقتصاد الكلي، وهو نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتقلبه، يتحدث عن انقلاب في الحظوظ. وأظهرت الأسواق الناشئة عام 1970 متوسطاً أعلى واختلافاً أوسع، مقارنة بالأسواق المتقدمة. غير أن هذا المزيج من المخاطر والجوائز تبخر بعد عام 1980، بينما عانت الأسواق الناشئة من عقد ضائع. لكن اعتباراً من التسعينيات عاد نمو الاقتصادات الناشئة إلى الارتفاع، واعتدل التذبذب. وتباطأ نمو الاقتصادات المتقدمة، وتصاعد التذبذب بعد الأزمة. وتبدو ميزة الأسواق الناشئة قوية مرة أخرى، وثمة مؤشرات اقتصادية أخرى تدعم هذه الحجة.
منذ الثمانينيات حققت الاقتصادات الناشئة سيطرة أعلى على التضخم مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. ونوّعت صادراتها بينما ازدادت انفتاحاً على التجارة. وفي سبيل تعزيز استقرارها المالي، خفضت الديون العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت تقيم حواجز حماية كبيرة في صورة احتياطيات مالية أجنبية. وكانت التصنيفات السيادية للاقتصادات الناشئة في تصاعد، في حين أن تصنيفات الاقتصادات المتقدمة في تراجع في الوقت الراهن.
مع ذلك، سيكون من الخطأ التحجج لإعادة التفكير في الاختلافات بين الاقتصادات الناشئة والمتقدمة استنادا فقط على معيار اقتصادي ضيق. ويعتمد نجاح التنمية في الأجل الطويل على عوامل مقررة عميقة – مثل الصحة، والتعليم، والحريات، وعدم المساواة. وبينما يناقش الباحثون الآليات العرضية، فإن بالإمكان التحديد الكمي لهذه السمات، كما أنها تقدم كذلك دعماً لوجهة نظرنا حول الاقتصادات الناشئة والاقتصادات المتقدمة.
فعلى صعيد مؤشرات مثل توقع طول الحياة وسنوات الدراسة، ارتفعت معدلات الاقتصادات الناشئة عام 2005 إلى مستويات الاقتصادات المتقدمة عام 1975. وعلى صعيد المؤشرات السياسية والحريات الاقتصادية، سجلت الاقتصادات الناشئة خمسة من عشرة في أوائل الثمانينيات، بينما تسجل الآن سبعة، أو ثمانية من عشرة، أي أنها قريبة من مستويات الاقتصادات المتقدمة من حيث الحرية الاقتصادية، بينما تتراجع قليلاً فيما يتعلق بالحرية السياسية. غير أن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب، هو الآثار المتوقعة على الاقتصاد العالمي – بعضها سيحقق انتقالاً، أو حتى عكساً للاتجاهات الحديثة. ومن خلال النمو السريع ستتفوق الاقتصادات الناشئة على المتقدمة من حيث الحصة من الاقتصاد العالمي، كما أن حاجاتها التي تتطلب إنفاقاً عالياً لرأس المال ستعزز الطلب الاستثماري العالمي. وفي ظل تذبذب أدنى، ومرونة مالية أعلى، فإن حافز الادخار الاحترازي في الاقتصادات الناشئة يمكن أن يعتدل، الأمر الذي يطلق مزيداً من النمو الذي يقوده الاستهلاك، إضافة إلى تراجع التكديس الشره للاحتياطيات المالية الأجنبية. وبينما يزداد الاستثمار ويتراجع الادخار، يفترض أن يتراجع فائض الحساب الجاري للاقتصادات الناشئة، أو يعكس اتجاهه – كما يفترض أن تتراجع الاحتكاكات في دوائر السياسات التي تطلقها قضية الاختلال العالمي.
غير أن الآثار على عالم الاقتصادات الناشئة عميقة كذلك. فبينما تتزايد الضغوط الديمغرافية ويستمر الإسراف المالي ستكون المدخرات نادرة، ولذلك من المحتمل أن ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية. وستعمل وفرة فرص الاستثمار في الاقتصادات الناشئة على سحب رؤوس الأموال الخاصة من الاقتصادات المتقدمة، الأمر الذي يمكن أن يحدث ''صوت شفط'' بعد سياسي متوقع منذ فترة بعيدة، لكن تم تعويض أثره خلال السنوات الأخيرة من خلال التدفقات الرسمية.
وبينما نرسم صورة وردية لأداء الأسواق الناشئة، هناك اتجاه واحد يتجاهله صانعو السياسة، معرضين أنفسهم للخطر، هو تصاعد عدم المساواة. وبينما تضاعفت الدخول في الاقتصادات الناشئة ثلاث مرات على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم ترتفع كل القوارب بما يكفي. وتظهر الأحداث في الشرق الأوسط ما يمكن للسخط الشعبي أن يفعله بخصوص الاستقرار السياسي والاقتصادي. وسيكون من الجيد لصانعي السياسة في الأسواق الناشئة الانتباه إلى دعوة الصحوة هذه.
وكما يظهر التاريخ، فإن ''تخرج'' التنمية الاقتصادية يأتي من المرور المستمر في اختبارات اقتصادية قاسية، مع استقرار اجتماعي. وفي هذه المرة – ونرجو ألا تكون الأخيرة ـ استطاعت الاقتصادات الناشئة النجاح في الاختبار.
الكاتب أستاذ للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، مستشار رفيع المستوى في مورجان ستانلي. وشارك في هذا المقال مانوج برادهان، الاقتصادي المختص في شؤون الاقتصادات الناشئة، المدير التنفيذي في مورجان ستانلي.