أسباب عدم تأثر الاقتصاد البريطاني حتى الآن بتبعات "بريكست"
2016-09-15
يبدي اقتصاد المملكة المتحدة صمودا اكثر من المتوقع مع تلاشي امكانيات الكارثة المتوقعة منذ تصويت البريطانيين لصالح الانفصال عن الاتحاد الاوروبي (بريكست)، محبطا التشخيصات بانحدار سريع نحو الانكماش.
غير ان النشاط الاقتصادي قد يشهد صدمة كبيرة في العام المقبل ويتباطأ كثيرا حتى خروج البلد فعليا من الكتلة الاوروبية. لكن لاحقا؟ لا احد يدري فعلا.
الوضع الراهن للاقتصاد البريطاني
اتت الصدمة قوية في مرحلة اولى لكنها لم تبق مطولا. فبعد تدهور اولي للجنيه عاد ليستقر فيما سجلت بورصة لندن مستوى اعلى مما بلغت في 23 حزيران/يونيو وسط ثبات للسوق العقارية. كما شهد النشاط الخاص انكباحا قاسيا في تموز/يوليو لكنه تحسن في اب/اغسطس مع استقرار التضخم وصمود المبيعات بالمفرق.
دفعت هذه البيانات التي فاقت التوقعات عددا من المؤسسات الى زيادة تقديراتها. فمصرف مورغان ستانلي الاميركي الذي توقع تقلصا بنسبة 0,4% لاجمالي الناتج الداخلي في الفصل الثالث بات ينتظر ارتفاعا بنسبة 0.3%. اما منافسه كريدي سويس الذي توقع انكماشا في النصف الثاني من العام فاشار الى ان البلد ستتجنبه.
اسباب الصمود حتى الان
يعود ذلك بشكل اساسي الى استمرار العائلات في الانفاق. فالصيف وحره مؤاتيان لحفلات الشواء وسط ارتفاع المعنويات بفضل نتائج البريطانيين في الالعاب الاولمبية، فيما اتى تراجع قيمة الجنيه ليضاعف انفاق السياح الاجانب، ما عزز تفاؤل المستهلكين.
ولا يمكن فعلا مناقضتهم في ذلك، فعلى مستوى الاقتصاد "لم يحصل شيء في الواقع" منذ الاستفتاء على ما اوضح مدير مركز ابحاث الاقتصاد والاعمال سكوت كورف لوكالة فرانس برس. اضاف ان "المملكة المتحدة ما زالت تمارس التجارة بحرية مع الاتحاد الاوروبي، بالتالي لم تنشأ تبعات سلبية على الصادرات فيما ما زال المستهلكون ينعمون بنسب تضخم وبطالة متدنية".
ناهيك عن ذلك، يجدر التذكير بان مغادرة الاتحاد الاوروبي قرار ارادته اغلبية البريطانيين انفسهم، وعلى عكس اوساط الاعمال القلقة لا دافع لدى هؤلاء الناخبين للخوف من انفصال يرغبون به. كما عاد الوضع السياسي الى الاستقرار بعد الاستقالة السريعة لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون وتولي تيريزا ماي للمنصب، ما يسهم في استمرار اجواء العمل كالمعتاد.
كذلك بذل البنك المركزي "بنك انكلترا" كل ما يسعه منذ 23 حزيران/يونيو للطمأنة واضفاء مرونة على السياسة النقدية. كما قد تعلن وزارة المالية اجراءات لدعم الاقتصاد في تصحيح للميزانية في 23 تشرين الثاني/نوفمبر.
اذا، أكل شيء على ما يرام؟
اطلاقا. فرغم تمكن المملكة المتحدة من تجنب الانكماش حتى الان يشهد نموها تباطؤا جليا. وتتفق الاراء باجماع شبه تام على ان ارتفاع اجمالي الناتج الداخلي في الفصل الثالث سيقل عن الفصل الثاني (0,6%).
لكن بعد ذلك تتعلق المخاوف بالعام 2017. فقد اشار تقرير لوكالة التصنيف المالي "اس بي غلوبال ريتينغز" الى تباطؤ النمو بسبب عجز في الاستثمار، فيما قد يتضح ان الامل الذي ولدته البيانات الاخيرة ليس الا "سرابا". اما الشركات وخصوصا الاجنبية فعليها تجنب الانفاق حتى تحديد البيئة القانونية والعلاقات التجارية للمملكة المتحدة بعد الانفصال.
هذا الغموض المضر قد يطول اذا واصلت لندن تاخير تفعيل المادة 50 لبدء مفاوضات الخروج التي قد تستغرق عامين.
بالاضافة قد يصبح الاثر السلبي لتراجع قيمة الجنيه ملموسا من خلال زيادة اسعار المواد المستوردة التي تؤدي بدورها الى لجم القدرة الشرائية للعائلات. كما قد تتضرر القدرة الشرائية من ارتفاع نسبة البطالة التي قد تزداد من 4,9% حاليا الى 5,5% في العام المقبل ثم حوالى 6% في 2018 بحسب تحليل لوزارة المالية.
ماذا بعد بريكست؟
هنا يسود غموض شبه كامل، فلا احد يعلم مضمون الاتفاق المستقبلي بين لندن وبروكسل الذي قد يتخذ صيغا متنوعة، من طلاق خلافي الى انفصال حبي او حتى مساكنة بموجب ترتيبات معينة. وحصرا بعد تحديد تلك الشروط يمكن للمحللين توقع اثارها على الاقتصاد البريطاني...طبعا مع احتمال وقوعهم في الخطأ مجددا.