بات مصير العملة الأوروبية (اليورو) يخيم على أذهان العديد من الناس مع نهاية عام 2011،، فقد أدخل القادة الأوروبيون خطة جديدة لاستعادة الثقة بهذه العملة، ولكن هل سيكون ذلك كافياً لتجاوز العام المقبل؟ وربما يكون عام 2012 لحظة حسم لمنطقة اليورو المتأزمة، فهو العام الذي سيشهد خطة إنقاذ العملة الأوروبية المطروحة من قبل ألمانيا وفرنسا، أي ان اليورو أما أن يحلق مع روح جديدة من الوحدة الأوروبية، أو يهوى متحطماً بفعل المناوشات الوطنية.
ويقول تقرير لإذاعة أوروبا الحرة أعده Charles Recknagel ان الخطة، بحسب نجاحها أو فشلها، سيتم تبنيها رسمياً في معاهدة بين الحكومات بحلول شهر آذار المقبل، وسيكون أمام أوروبا أن تمضي في أحد اتجاهين؛ أما المضي في مسارها القائم منذ الحرب بما يتضمن من المزيد ومن الاندماج السياسي والاقتصادي، أو التراجع في اتجاه الماضي التقليدي المتمثل في دول متنافسة كثيراً ما تتناحر فيما بينها. وربما يبدو ذلك تقييماً متشائماً، ولكن بعد استمرار أزمة اليورو لنحو ثلاث سنوات، ليس هناك ،حتى بين القادة الأوروبيين، من يستخف بالاحتمالات.
منذ أن كشف قادة الاتحاد الأوروبي عن الخطة الجديدة في 9 كانون الأول، وهم يبذلون جهوداً كبيرة لجعلها تبدو السبيل الوحيد إلى الأمام، ليس لدول منطقة اليورو فحسب، وإنما لجميع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما يصفون التأييد للخطة بأنه يكاد يكون كاملاً، إذ قال رئيس المفوضية الأوروبية Jose Manuel Barroso في كلمة أمام البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ يوم 13 كانون الأول:
"هذا الاتفاق لا يخص الـ17 فحسب، بل يخص الـ27 جميعا. فقد أظهر معظم رؤساء حكومات الدول الأعضاء الأسبوع الماضي استعدادهم للمضي قدماً في الاندماج الأوروبي وفي اتجاه اتحاد حول الاستقرار المالي. لقد أظهروا أنهم يريدون المزيد – وليس الأقل – من (الاندماج) الأوروبي".
الخطة الجديدة ترمي إلى استعادة ثقة المستثمرين باليورو، من خلال مطالبة الدول المبذرة بعدم تبني الحرص في الإنفاق فقط، بل من خلال فرض عقوبات لأول مرة على الفشل في بلوغ أهداف التقشف. ما يعني بالتالي أنها ترمي إلى إنقاذ منطقة اليورو من خلال نقل مقدار لم يسبق له مثيل من سيادة دول الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل.
إلا أنه ليس من الخفي أن بعض دول الاتحاد الأوروبي، ومنها بشكل خاص بريطانيا التي رفضت تأييد الخطة، تعتبر المعاهدة الجديدة خطوة مبالغاً فيها في اتجاه الاندماج الأوروبي. ومن شأن هذه التحفظات أن تزيد من الصعوبات التي تواجه بعض الحكومات التي أيدت الخطة في بروكسل بأن تنال موافقة داخلية للفكرة الداعية إلى (المزيد وليس الأقل من أوروبا).
ويصف Dalibor Rohac، الخبير الاقتصادي في معهد Legatum بلندن هذا التحدي على النحو التالي:
"أعتقد أن المشكلة الأكبر تتمثل في الحقيقة في جعل حكومات دول أطراف أوروبا توافق بصدقية على هذا الترتيب. لقد بذلت دول مثل اليونان أو إيطاليا أو البرتغال جهوداً حقيقية لترتيب أوضاعها المالية، وذلك في كثير من الأحيان مقابل ثمن اجتماعي هائل، ومقابل ثمن كبير فيما يتعلق بنموها الاقتصادي. ويمكنني التصور بأن هذه الحكومات، لو سعت إلى فرض مزيد من التركيز على التقشف من خلال هذه المعاهدة، مع التخلي بصدق عن السيادة المالية على موازناتها، فربما يؤدي ذلك إلى الاستياء وإلى رد فعل شعبي سلبي، وهو ما نشاهده الآن في دول مثل اليونان".
ومن الأسباب التي قد تضفي صبغة وطنية على ذلك الاستياء هو أن المعاهدة تعتبر على نطاق واسع إستراتيجية تفرضها ألمانيا من أجل معالجة مشاكل القارة الأوروبية.
أما برلين التي تبنت حصة الأسد في تمويل عمليات الإنقاذ في منطقة اليورو، فتواجه مقاومة كبيرة في الداخل إزاء أي ترتيبات يتم بموجهة تحويل الأموال إلى الدول المعنية. لذا فقد قدمت نموذجاً لأوروبا يرتكز على القيم الألمانية، مثل الاعتدال في الإنفاق والعمل الدؤوب لتكون العلاج المطلوب.
وبموجب الوصفة الألمانية، يترتب على دول المحيط الأوروبي أن تزيد من نهجها التقشفي، في الوقت الذي تقوم ألمانيا، وهي المحرك الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، باستخدام صناعات التصدير في تحريك النمو الاقتصادي وفي استعادة عافية اليورو. ولكن الخبير Rohac يقول ان السؤال القائم يتعلّق بمدى فعالية هذا النموذج، موضحاً:
"البلدان الواقعة على المحيط الأوروبي باتت تفقد قدرتها على التنافس. صحيح أن ألمانيا ربما تكون قادرة على التصدير، إلا أن هناك حالة ركود الاقتصاد في العالم وفي باقي أرجاء أوروبا، فهذا يعني أنها لن تجد العديد من الجهات المستوردة لصادراتها. لذا، فأنا لا أتوقع النجاح لهذا النموذج".
وكان البنك المركزي قد تنبأ مؤخراً بأن الاقتصاد الألماني سيتراجع بشكل حاد خلال عام 2012، بسبب أزمة الديون، وقال البنك في 9 كانون الأول أن الناتج الاقتصادي الألماني لن يزداد بغير 0.6% خلال عام 2012، بعد أن كانت نسبة الزيادة قد وصلت الى 3% خلال عام 2011.
ولا تقتصر الشكوك إزاء المعاهدة الجديدة على بعض دول منطقة اليورو، بل هناك شكوك أيضا في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي لم تنضم بعد إلى تبني اليورو. ففي براغ أعلن رئيس الوزراء التشيكي Petr Necas بأنه يعارض دعوة المعاهدة إلى قيام كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في (حقنة) قيمتها 200 مليار يورو تقدم إلى صندوق النقد الدولي كي يدعم الدول المكبلة بأعباء ديون كبيرة. وفي بولندا، تظاهر آلاف الناس في وارسو في 13 كانون الأول للاحتجاج على المزيد من الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بالرغم من مساندة الحكومة القوية للمعاهدة المقترحة.
كل ذلك يمكن اعتباره إشارات مبكرة إلى الصعوبات التي تواجهها الاتفاقية في الحفاظ على قوة الاندفاع التي صاحبت الإعلان عنها في بروكسل قبل أقل من أسبوع واحد.
في 1997 – قبل فترة طويلة من ظهور اليورو في شوارع أوروبا، أثار Martin Feldstein الخبير الاقتصادي الأميركي البارز بجامعة Harvard، شكوكاً حول قدرة هذه العملة على النجاح بمعزل عن قيام اتحاد سياسي ومالي. إلا أنه تنبأ بشيء آخر أيضاً، حين قال:
"لو قامت أوروبا بالفعل بتحقيق المزيد من الاندماج بهدف دعم عملتها المشتركة، فإن الضغوط المترتبة على تلك الجهود سوف تؤدي على الأرجح إلى إثارة المزيد من التوترات، بل وحتى نزاعات في أوروبا".
وستكشف الأشهر المقبلة إن كانت التوترات ستزداد فعلاً إزاء حملة منطقة اليورو الجديدة في اتجاه الوحدة المالية، وتقوضها، أم إن كانت المعاهدة الجديدة ستعيد إلى اليورو عافيته.
وفي حال فشل المعاهدة في إنقاذ اليورو، فليس واضحاً إن كانت برلين ستكون مستعدة لطرح أو تبني مقترحات بديلة. أما ألمانيا ودول اليورو الأكثر ثراء فيقال عنها إنها مستعدة للنظر في خلق منطقة عملة مشتركة خاصة بها تتميز بدرجة عالية من التنسيق المالي، وبمعزل عن الأعضاء الأكثر ضعفاً في منطقة اليورو. وسوف يعني ذلك تفكك منطقة اليورو، ومطلع رحلة جديدة ستأخذ أوروبا إلى مستقبل مجهول.