ليلة خروج بريطانيا أو بقائها في الاتحاد الأوروبي: ماذا عن ألمانيا؟
لا تكاد تمر نشرة إخبارية أو تقرير صحافي في ألمانيا من دون التطرق إلى استفتاء البريطانيين غدا (23 حزيران/يونيو) على الخروج من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه.
كثيرٌ من التحليل والتهويل وصل إلى حد الاستنفار الإعلامي والسياسي التام بين القادة السياسيين ورجال الأعمال، وحتى بين المواطنين العاديين المؤيدين لمشروع التكامل الأوروبي تحت راية بروكسل؛ محذرين من التبعات السلبية على الاتحاد الأوروبي بشكل عام وعلى ألمانيا بشكل خاص.
وقد أظهر استطلاع للرأي، أجراه معهد "إنفراتيست ديماب" الألماني مؤخراً، أن ألمانيا هي الدولة الأوروبية الأكثر اعتراضاً على مسألة الـBrexit، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بنسبة 78 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع.
وبحسب ميشيل كونيرت، المتحدث باسم معهد الاستطلاعات، فإن "كثيرا من الألمان يشعرون بأن الـBrexit يعدُّ مؤشرا سيؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي".
وردد هذه المخاوف كبار الساسة في ألمانيا؛ حيث حذر نائب المستشارة ميركل وزعيم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (SPD) زيغمار غابرييل من "العواقب الاقتصادية والسياسية الدراماتيكية" على كل من بريطانيا وألمانيا، بالإضافة إلى تراجع القوة العسكرية والدبلوماسية للاتحاد الأوروبي من دون المملكة المتحدة.
من جانبه، قال كليمنس فوست، رئيس معهد "إيفو" الاقتصادي، ومقره ميونيخ، إن "ألمانيا ستكون الخاسر الأكبر من الـBrexit"؛ مشيراً إلى الصادرات الألمانية إلى بريطانيا التي بلغت 90 مليار يورو في عام 2015، وهي أعلى نسبة على الإطلاق.
من ناحية أخرى، صرحت فراوكه بيتري، زعيمة الحزب المتشكك تجاه الاتحاد الأوروبي، حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD)، بأنها تتفهم رغبة العديد من البريطانيين بمغادرة التكتل القاري؛ مضيفة أن "البريطانيين الأكثر فقراً، في الغالب، هم الذين يشعرون بمساوئ الاتحاد الأوروبي في حياتهم اليومية".
وأضافت بيتري أن الـBrexit لن يمنع بريطانيا من بناء علاقات بناءة مع الاتحاد الأوروبي؛ واصفةً جميع "التهديدات للناخبين البريطانيين، سواء كان ذلك من قبل ألمانيا أو واشنطن،" بأنها محاولات لإشاعة الخوف.
ومن الجدير بالذكر أن حزب الـAfD تعاون مع المحافظين البريطانيين وحزب الاستقلال البريطاني (UKIP)، وزعيمه نايجل فاراج، أحد أهم المدافعين الرئيسين عن حملة Brexit في البرلمان الأوروبي، من أجل تنسيق المواقف بين الأحزاب المتشككة تجاه بروكسل.
لكن، من وجهة نظر الحكومة الألمانية، فإن انسحاب بريطانيا يعني أن برلين ستبقى من دون شريك مؤيد للسوق الأوروبي المشترك بين الدول، التي تملك أكبر اقتصادات في الاتحاد الأوروبي، وأن المشكلات الاقتصادية الرئيسية في أوروبا ومنطقة اليورو ستبقى من دون معالجة.
فعلى سبيل المثال: اليونان مفلسة، والساسة الأوروبيون يؤجلون الحل النهائي للأزمة، متظاهرين بأن ديون أثينا الكبيرة ليست أمرا خطيرا.
البرتغال مفلسة أيضاً مع إجمالي ديون بـ 223 مليار يورو، مقرونةً بتقلص عدد السكان وتراجع نظام التعليم والابتكار.
وفي أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، فإن اسبانيا غير قادرة أيضاً على تحقيق الاستقرار في نسبة الدين مقابل الناتج المحلي الإجمالي تحت إشراف الحزب المحافظ.
أما أيرلندا، التي تُعدُّ دولة تنافسية على الصعيد الاقتصادي، فلن تكون أبداً في وضع يمكنها من سداد دينيها العام والخاص بطريقة منظمة.
وبفضل سياسة البنك المركزي الأوروبي، فإن هذه الدول الأوروبية ذات الديون المرتفعة والديموغرافيا الصغيرة تدفع فوائد منخفضة مقارنة بنسبة ديونها؛ لكن البنك المركزي الأوروبي يمكنه شراء الوقت فقط، من دون أن يتمكن من إصلاح المشكلات المترتبة على كثير من الديون وتباين القدرات التنافسية.
ولذلك، فإن الطلاق البريطاني-الأوروبي المحتمل قد تكون نتائجه كارثية على ألمانيا؛ الأمر الذي قد يدفع الأحزاب المتشككة تجاه الاتحاد الأوروبي بإلقاء اللوم على المشكلات المذكورة أعلاه على المنظومة القارية، واعدة بحل جميع المشكلات بالتخلي عن العملة المشتركة (اليورو) والاتحاد الأوروبي ككل.
وأخيراً، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "أو آر بي" لصالح صحيفة «تلغراف» البريطانية، تقدم مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. إذ قال 53 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون للبقاء، مقابل 46 في المئة مؤيدين لمغادرة الاتحاد.
وقالت الصحيفة التي نشرت نتائج الاستطلاع يوم الثلاثاء (21 حزيران/يونيو)، إن هذه النتيجة تمثل تحولاً بواقع ثماني نقاط عن النتائج التي سُجلت في استطلاعات الرأي الأسبوع الماضي، عندما كان مؤيدو الخروج من الاتحاد متقدمين بفارق نقطة واحدة بنسبة 49 في المئة مقابل 48 في المئة للداعين إلى البقاء.