أكد البنك المركزي الروسي أن الاقتصاد الروسي يتعرض لهزات قوية، جراء تداعيات الديون الأوروبية والأميركية وقال إنه سيواصل التصدي للتدهور الكبير في سعر الروبل. وطرح البنك خلال يومين نحو ملياري دولار في سوق العملات المحلية لهذا الغرض. واستمر سعر صرف الروبل في الهبوط في سوق المال الروسية خلال الأيام الماضية.
وأفادت تقارير المضاربات في بورصة إم إم في بي أن سعر الدولار ارتفع بالنسبة إلى الروبل بمقدار 41 كوبيكا، وبلغ 32.64 روبلاً، أما سعر اليورو فارتفع بمقدار 12 كوبيكاً ليصل إلى 43.41 روبلاً. وارتفع سعر السلة المزدوجة وسجل زيادة قدرها 28 كوبيكاً بالمقارنة مع أسعار الإغلاق السابق، ووصل إلى 37.49 روبلاً.
هبوط حاد
وتفيد معطيات البورصة الروسية، أن أسعار الأسهم تأثرت بقوة بالانخفاض الحاد في سعر الروبل لتهبط هي الأخرى بمعدلات كبيرة. وجاء التدهور أيضاً على خلفية العوامل الخارجية السلبية المستمرة في الأسواق المالية العالمية من جهة وتراجع أسعار النفط من الجهة الأخرى.
وأشار خبراء إلى أن هبوطاً متسارعاً ساد سوق الأوراق المالية، نتيجة حالة التشاؤم التي غلبت على الأسواق العالمية، بسبب تقلص وتائر النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية ودول القارة العجوز، حيث لم يتوصل إلى حل للخروج من أزمة الديون السيادية، التي ضربت منطقة اليورو.
ويرى خبراء، أن السوق الروسية للأوراق المالية سيستمر تعرضها لتأثيرات ناجمة عن هبوط في المؤشرات المالية العالمية وفي أسعار المواد الخام. ويضيف الخبراء أن الهبوط الحالي ناجم عن تدني مستوى السيولة في العملات الصعبة وخصوصاً في الدولار في السوق المالية الأوروبية، مما يجعل فروع البنوك العاملة في روسيا تقوم بشراء العملة الصعبة من السوق الروسية.
وتتأثر الأسواق الروسية ببرنامج التيسير الكمي الأميركي الذي يفضي في جوهره إلى شراء السندات الطويلة الأجل للخزانة الأميركية بقيمة 400 مليار دولار، وبيع سندات خزانة قصيرة الأجل بهذا الحجم أيضاً.
عوامل سياسية
ويشير مختصون في الاقتصاد السياسي إلى أن إقبال روسيا على انتخابات برلمانية ورئاسية يثير مخاوف لدى المستثمرين الأجانب في القطاع المالي والمصرفي الروسي بسبب عدم إمكان التكهن بالتوجهات الاقتصادية المقبلة لأصحاب القرار في البلاد.
وقال خبراء ماليون إن الحالة في أسواق المواد الخام تبقى في وضع خطر إذ أن سعر النفط يقع في الحدود الدنيا من ارتفاعاته خلال ثلاث سنوات. في حين انخفض سعر خامات النحاس في العقود الآجلة ليقترب من 6500 دولار للطن الواحد. وفي ظل هذا الوضع تشتد احتمالات تكرار الحدود الدنيا التي وصل إليها الروبل في شهر سبتمبر الماضي، وخصوصا مقابل الدولار مع الأخذ في الاعتبار الارتفاع المفاجئ في وضع العملة الأميركية.
هروب الأموال
وفي الوقت الذي يستمر الروبل فيه في الهبوط، تستمر رؤوس الأموال في الهروب من البلاد، وتشير بيانات البنك المركزي الروسي إلى أن المواطنين الروسيين في السنة الأخيرة اشتروا باستمرار العملات الصعبة أكثر مما باعوا منها، ومن جهتها تتوقع البنوك هبوطاً لاحقاً في سعر الروبل.
ويميل الخبراء في توقعاتهم، إلى أن احتمال حدوث تضخم كبير في العملة الوطنية ليس مستبعداً، إذ أن التزامات كبيرة تثقل الموزانة الحكومية، خصوصاً على خلفية ازدياد النفقات استعداداً للانتخابات المقبلة. وتسعى المؤسسات الحكومية الروسية المختصة لوضع حلول مدروسة للحفاظ على التوازن في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وكان وزير المال السابق ألكسي كودرين قال قبيل تخليه عن منصبه إن بإمكان روسيا تزويد صندوق النقد الدولي بمصادر نقدية إضافية، تعمل على دعم ومساندة البلدان المتأثرة بالأزمة الاقتصادية.
توجهات مستقبلية
ويشير مشروع الخطة المالية للبنك الروسي إلى التوجهات الرئيسة للسياسة الحكومية الموحدة بما يخص القروض المالية حتى العام 2014، حيث يتأهب البنك في السنة القادمة لاتخاذ إجراءات بضم الروبل إلى سلة عملات تتبنى التبادل بين 17 عملة عالمية. ويعطي انضمام الروبل إلى هذا النظام إمكان إجراء عمليات التسديد بالروبل مع كل البنوك في العالم.
ويجعله عملة أكثر قابلية للتبادل. وتأتي ضرورة الانضمام إلى نظام المدفوعات هذا، في محاولة إزالة مخاوف البنوك من إجراء الحسابات التبادلية بالمبالغ الكبيرة فيما بينها، إذ يدخل النظام في هذه الحال ضامنا لهذه العمليات. وكانت البنوك الروسية تعمل حتى الآن بهذا النظام عبر بنوك عالمية ضخمة، نتيجة متطلبات تصنيف عالية، وملاءة مالية كبيرة، على حد قول الخبراء.
خطوة جيدة
ويرى أمين صندوق بنك الاتصالات كيريل زفيرجانسكي أن خطوة البنك المركزي ليست سيئة، إذ أن النظام يمكن له أن يجر المستثمرين للاتجار بالروبل، حيث إن كثير منهم يحتاط من إجراء العمليات المالية عبر بنك الادخار سبيربنك أو بنك في تي بي الروسيين، ويتوقع الخبير المالي أن تجعل هذه الخطوة الروبل عملة حرة قابلة للتبادل.
وتشير معطيات مكتب منظومات التسديد وعقد الصفقات للبنوك المركزية من مجموعة العشرة أنه يُجرى عبر النظام 55% من عمليات السوق المالية، و95% من عمليات التبادل الخاصة بـ17 عملة عالمية. ويبلغ متوسط العمليات 500 صفقة في اليوم، ويصل متوسط حجم الصفقات بواسطة النظام المذكور من 1.7 إلى 1.8 تريليون دولار في اليوم الواحد.
توقعات متشائمة
ويرى خبراء أن الهبوط في سعر صرف الروبل سيستمر، وأن البنك المركزي الروسي أصاب عندما بدأ يتدخل في الوضع القائم، ولكنه لم يصب، عندما تأخر في التدخل بل كان عليه منذ البداية كبح جماح ارتفاع سعر الروبل.
ويقول خبراء إن الاستحقاقات الائتمانية الروسية لدى المؤسسات الأجنبية (غير الحكومية وغير المصرفية تبلغ 173 مليار روبل مسجلة بالروبل، تعود نسبة 74% منها إلى بنك واحد، و392 مليار روبل مسجلة بالعملة الأجنبية تعود 40% منها لمصرفين اثنين. ويوضح المحللون أن الحديث عن المخاطر المحيطة بتداول الأوراق المالية الأجنبية غير ذي أهمية، ولا يحمل في طياته مخاطر تهدد النظام المصرفي الروسي، حيث إن الاستثمارات مركزة في عدد من البنوك، وكذلك الأمر فيما يخص توظيفات البنوك الروسية بالسندات الائتمانية الأجنبية، حيث إن 60% منها تعود لبنك واحد.